رغم ان الاردن يحتضن شخصيات سياسية وغير سياسية عراقية من الوان واطياف سياسية وفكرية، القسم الاكبر منها معارض ورافض للعملية السياسية، الا انه ومنذ حوالي عامين او اكثر لم يتبن بصورة علنية اي فعالية سياسية موجهة ضد الحكومة العراقية والعملية ….
رغم ان الاردن يحتضن شخصيات سياسية وغير سياسية عراقية من الوان واطياف سياسية وفكرية، القسم الاكبر منها معارض ورافض للعملية السياسية، الا انه ومنذ حوالي عامين او اكثر لم يتبن بصورة علنية اي فعالية سياسية موجهة ضد الحكومة العراقية والعملية السياسية بإطارها العام مثل تلك التي احتضنها قبل يومين، وهو ما دفع الى اثارة جملة تساؤلات عن مغزى عقد مؤتمر لشخصيات سياسية وعشائرية ودينية من المكون السني في العاصمة الاردنية عمان وبرعاية رسمية من الديوان الملكي وجهاز المخابرات الاردني، قيل ان الهدف الرئيسي منه تمحور حول بحث صيغ واليات الاطاحة بحكومة نوري المالكي، وايجاد دور اكبر للمكون السني في ادارة شؤون البلاد.
لا شك ان مثل تلك الفعاليات تحمل بين طياتها اهدافا واجندات غير التي يعلن عنها، وان توقيت عقدها، وطبيعة الشخصيات المشاركة فيها، والجهات المتبنية لها، والخطاب المطروح فيها، تشير الى جانب من حقيقة الاهداف والاجندات المتوخاة.
المواقف الإزدواجية
ولعل ما يجدر التأكيد عليه هو ان الاردن كان في عهد نظام صدام، وبعد الاطاحة به في عام 2003 من بين الاطراف الاقليمية المؤثرة والفاعلة في المشهد العراقي، بحكم عوامل عديدة وظروف مختلفة، قد يكون الجوار الجغرافي، واحدا من ابرزها.
ويمكن ان يشخص المراقب للدور الاردني في العراق بدقة وموضوعية، الطابع الازدواجي فيه، ففي عهد نظام صدام، بقيت عمان تحتفظ بعلاقات طيبة على كل المستويات والابعاد مع بغداد، وتحظى بأفضلية اقتصادية من خلال الحصول على كميات من النفط العراقي بصورة مجانية، وكميات اخرى بأسعار تفضيلية تكاد تكون رمزية، وكانت عمان بمثابة محطة مرور لاعداد كبيرة من العراقيين، ونافذة يطلون من خلالها على العالم في ظل الحصار المفروض على العراق، فضلا عن تواجد اعداد كبيرة فيها، وهذا ما ساهم في انعاش وتحريك الاقتصاد الاردني الذي يعاني من الضعف على وجه العموم، لا سيما بعد حرب الخليج الثانية في عام 1991 بسبب موقف الملك الاردني الراحل حسين بن طلال الداعم لصدام حسين في غزوه لدولة الكويت.
العراق والاردن ـ الاردن والعراق
الى جانب ذلك كانت اجهزة المخابرات العراقية تنشط في الساحة الاردنية الى حد كبير وتعمل بحرية لم تتح لها في اي مكان اخر.
في مقابل ذلك كله، مثل الاردن خلال عقد التسعينيات مأوى وملاذا للكثير من المعارضين لنظام صدام، سواء كانوا شخصيات سياسية وعسكرية وعشائرية معروفة، او كوادر ونخبا عادية، حتى ان بعض الجهات السياسية تمكنت من فتح مقرات سياسية ومحطات اذاعية وتلفزيونية وصحف ومطبوعات في عمان، في ذات الوقت كانت هناك قنوات اتصال وتحاور بين مراكز القرار الاردني العليا وقوى وشخصيات عراقية معارضة من مختلف المكونات والتوجهات.
وبعد سقوط نظام صدام في عام 2003 لم يتغير الطابع الازدواجي للموقف الاردني حيال العراق، فبينما حرص الاردن على بناء علاقات ايجابية مع اقطاب العراق الجديد، والانسجام والتماهي مع واقعه الديمقراطي الجديد، ليضمن مصالحه الاقتصادية وحضوره الى جانب قوى اقليمية ودولية، فإنه فتح الابواب على مصاريعها لاعداء العملية السياسية في العراق والمعارضين للنهج الديمقراطي الجديد وبقايا النظام السابق، ولم يجد اي شخص صعوبة في العمل والتحرك من الاردن ضد العملية السياسية الديمقراطية، وكذلك فإن السلطات الاردنية لم تجد اي حرج في اعطاء الفسح الكافية لهؤلاء، ان لم يكن اظهار الدعم لهم، سياسيا ومخابراتيا وماليا واعلاميا، وان بصورة غير رسمية، وراحت عمان تتنافس مع عواصم اخرى مثل الدوحة وانقرة والرياض ودمشق والقاهرة على استقطاب واحتضان وتبني كل من يعارض الحكومة العراقية ويسعى الى اسقاط العملية السياسية برمتها، والمصاديق والامثلة على ذلك كثيرة وواضحة.
إستفهامات منطقية
ولعل المؤتمر الذي عقد قبل يومين في فندق الانتركونتنتال في عمان برعاية الديوان الملكي واشراف جهاز المخابرات الاردني، يعد تعزيزا لحقيقة الموقف الازدواجي للاردن حيال العراق، فالذين شاركوا في المؤتمر هم شخصيات سنية حصرا، ومن المعارضين للعملية السياسية، وبعضهم يرعى ان يدير او يشترك بزعامة وتمويل جماعات مسلحة متورطة بارتكاب عمليات ارهابية ضد الشعب العراقي، وهوية المشاركين في المؤتمر يؤكدها قيادي مشارك بقوله “إن المؤتمر تحضره قيادات سنية فقط من العشائر العراقية الثائرة على حكومة نوري المالكي وقيادات سابقة في حزب البعث ورجال دين، إضافة لقوى شاركت في مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق بعد عام 2003، وان الهدف الرئيس للمؤتمر هو توحيد مواقف كل القوى السنية والإطاحة بحكومة المالكي، والانطلاق بعد ذلك للحوار مع مختلف المكونات السياسية العراقية لبناء عملية سياسية جديدة وحكومة برئيس جديد”.
ومن غير الواضح فيما اذا كان المجتمعون في عمان يؤيدون الخطوات الدستورية والقانونية الجارية في العراق عبر الانتخابات، والتي افضت وبالتزامن مع مؤتمر عمان الى انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب ونائبين له؟.
ومن غير الواضح ايضا، الاسباب الكامنة وراء اقتصار المشاركة في المؤتمر على المكون السني دون المكونات الاخرى-الشيعية والكردية-وكذلك مكونات الاقليات كالتركمان والمسيحيين والشبك والصابئة والايزيديين؟.
وانعقاد المؤتمر في هذا الوقت بالذات، جاء في خضم الاوضاع الامنية المرتبكة في البلاد بفعل سيطرة تنظيم ما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) على مناطق في شمال وغرب البلاد، وتصاعد المواجهات المسلحة بينه وبين قوات الجيش العراقي وحشود المتطوعين، اضافة الى الازمات السياسية والخطوات المتعثرة لتشكيل الحكومة الجديدة، ومن غير المستبعد، بل الارجح ان عقده الان اريد من ورائه تكثيف الضغوط السياسية الى جانب الضغوط الامنية ليس لاقصاء المالكي فحسب، وانما لتحقيق اكبر قدر من المكاسب للمكون السني، وبتعبير ادق لقوى واطراف تدعي تمثيل المكون السني، بيد انها في الواقع تنفذ اجندات خارجية، ومن بين هذه المطالب اشراك عناوين وشخصيات سياسية غير مرغوب بها في التشكيلة الحكومية الجديدة، واعادة النظر باجراءات المساءلة والعدالة، واطلاق سراح الارهابيين المعتقلين، والغاء المادة 4 من قانون مكافحة الارهاب.
وربما لا يبالغ من يرى ان مثل هذه المؤتمرات تمثل نوعا من الدعم والاسناد والتأييد للعمليات الارهابية المسلحة، لان مفردات خطاباتها تلتقي مع بعض مفردات خطابات الجماعات المسلحة.
الاردن بين الطموح والقلق
والاردن، من الطبيعي ان يسعى الى يكون له دور اكبر واكثر فاعلية في الملف العراقي، من خلال دعم قوى وشخصيات من المكون السني، في نفس الوقت الذي يحرص فيه على الابقاء على علاقات ايجابية وطيبة مع الحكومة العراقية، ايا كان رئيسها ولاي تيار سياسي انتمى، علما انه-اي الاردن-يدرك ان هناك حقائق من الصعب تغييرها، من قبيل حصول المكون الشيعي على منصب رئاسة الوزراء. ومن قبيل العلاقات العراقية-الايرانية الجيدة، والحضور الايراني الايجابي في الشأن العراقي، والذي لايروق اطرافاً عربية عديدة قد يكون الاردن من بينها.
وفضلا عن السعي لدور اكبر واكثر فاعلية، فإن الاردن اليوم يعيش حالة من القلق والارتباك بسبب تنامي وجود تنظيم داعش في العراق وسوريا، وتزايد المؤشرات على انه سيكون المحطة القادمة للتنظيم، وهو يحاول تحصين جبهته الداخلية عبر التحرك بمسارين، الاول سري، يتمثل بفتح قنوات حوار وتنسيق مع القوى والاطراف والشخصيات القريبة بشكل او باخر من تنظيم داعش، او تلك التي لها نفوذ عشائري على الارض، والمسار الثاني، علني، يتمثل بتعزيز الاجراءات العسكرية والامنية والاستخباراتية تحسبا لاي احداث مفاجئة، الى جانب تعاون وتنسيق بمختلف الاتجاهات والمستويات مع الاطراف التي تشعر بنفس القلق وتشهد ذات الارتباك من خطر “داعش” وعموم التنظيمات الارهابية المسلحة.
ولكن لان المواقف مزدوجة، بالنسبة للاردن واطراف اقليمية ودولية اخرى، فإنه من غير الممكن دائما جني المكاسب والامتيازات والمنافع، وتجنب التبعات والاضرار والمخاطر، لا سيما اذا كان المبدأ يقوم على اساس تحصين الجبهة الداخلية الخاصة، عبر كل الاساليب والوسائل المتاحة، ومنها فتح قنوات التواصل مع الجماعات المسلحة، وتصدير الارهاب عبر كل الاساليب والوسائل المتاحة الى ما وراء الحدود.
بغداد ـ عادل الجبوري
المصدر:براثا نیوز