في ذكرى استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)

الا أنه- و تجاوزاً للنص النبوي- إختار بعض المجتمعين في سقيفة بني ساعدة أبا بكر لخلافة المسلمين الأمر الذي أدى الى انعزاله (ع) فترة 25 عاماً، إلا أنه وبعد مصرع عثمان إنثال المسلمون عليه من كل صوب لمبايعته والاصرار على تصديه لخلافة المسلمين ولما تصدّى لزعامة المسلمين الظاهرية واجه حركات تمرديّة ظالمة خاض أمامها ثلاث حروب طاحنة وكانت خاتمة حياته الشريفة أن وقع شهيداً في محراب مسجد الكوفة وهو منقطع الى ربّه وأثناء أدائه لصلاة الصبح على يد الخوارج وبعد أن جهزه أبناؤه حمل سريره ليدفن سرّا في الموضع المعروف اليوم في النجف الأشرف.

ولم يبخل طيلة حياته عن تقديم النصح والمشورة للخلفاء الثلاثة كما في قضية تعيين التأريخ الهجري واعتبار الهجرة هي المنطلق لتأريخ المسلمين. ومن الملاحظ أن شخصية الإمام قد تعرضت للكثير من الافتراء والتشهير ووضع الروايات الذامّة له خاصة في فترة حكم الأمويين، بل وصل الأمر الى درجة من الصلف والعداء إنهم أخذوا بسبّه على منابرهم فترة طويلة جداً وكان أصحابه والموالون له يتعرّضون لشتّى صنوف التعذيب الذي وصل في كثير من الاحيان الى حد التصفية الجسدية، وتمادت السلطة في قسوتها وبطشها حتى منعت الناس من التسمّي باسم علي (ع) إمعاناً منهم في طمس معالمه.

كان له (ع) قصب السبق في تأسيس الكثير من العلوم الإسلامية كعلوم اللغة العربية، والكلام، والفقه والتفسير، بل نجد الكثير من الفرق الإسلامية تفتخر بالانتساب له وانتهاء سلسلة سندها اليه (ع).

ومما يشهد له التأريخ أيضاً أنه مع قوّتة الجسدية الخارقة وشجاعته التي لا نظير لها تراه يتصف بأرفع درجات التواضع والعفو والصبر والحلم، ومع إنفتاحه على الناس ومخالطته لهم يتسم بالهيبة والوقار الشديدين. وكان صلباً أمام المتملّقين عنيفا في رفض المنهج الإذلالي فلا يرضى للرعية ان تعيش حالة الذل أمام الحاكم مؤكدا– وباستمرار- على الحقوق المتبادلة بين الراعي و الرعية وكان همّه الأكبر وغايته القصوى إقامة الحقوق و إرساء قواعد العدل.

نسبه، كنيته و لقبه

علي بن إبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، الهاشمي القرشي، أول أئمة الشيعة ورابع الخلفاء الراشدين عند أهل السنّة.

كان والده أبو طالب من أبرز الشخصيات القرشية والمعروف بسخائه وعدله ومنزلته السامية عند القبائل العربية. وهو عمّ النبي (ص) وألطف أعمامه به، ولما أظهرت قريش عداوته حدب عليه ونصره ومنعه‏. رحل (رض) عن هذه الدنيا- بعد سنين من الدعم والاسناد للرسول والرسالة- في السنة العاشرة مؤمناً برسالة ابن أخيه.

أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

أخوته: من الذكور طالب، عقيل، جعفر، ومن الإناث هند المعروفة بأم هاني، جمانة، ريطة المكنات بأم طالب وأسماء.

كنيته (ع): أبو الحسن، أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الريحانتين، أبو تراب، و أبو الأئمة.

القابه: أمير المؤمنين، يعسوب الدين والمسلمين، مبير المشركين، قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين،، مولى المؤمنين، شبيه هارون، حيدر، المرتضى، نفس الرسول، أخو الرسول، زوج البتول، سيف الله المسلول، أمير البررة، قاتل الفجرة، قسيم الجنة والنار، صاحب اللواء، سيد العرب، كشاف الكرب، الصدّيق الأكبر، ذو القرنين، الهادي، الفاروق، الداعي، الشاهد، باب المدينة، الوالي، الوصي، قاضي دين رسول الله، منجز وعده، النبأ العظيم، الصراط المستقيم و الأنزع البطين.

ولادته ووفاته

البقعه الامام علي(ع)

ولد عليه السلام بمكة في الكعبة المشرفة يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل‏.

نصّ على ولادته في الكعبة المشرفة من علماء الشيعة كل من: السيد الرضي، الشيخ المفيد، القطب الراوندي، إبن شهر آشوب بالاضافة الى الكثير من علماء أهل السنّة كالحاكم النيشأبوري، الحافظ الكنجي الشافعي، إبن الجوزي الحنفي، إبن الصباغ المالكي، وقال بتواتر ذلك الحلبي والمسعودي.

وكانت وفاته (ع) ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة بعد أن ضربه إبن ملجم المرادي في مسجد الكوفة ليلة تسع عشرة من نفس الشهر ودفن في الغريّ من نجف الكوفة سرّا.

مرحلة الطفولة

ذكرت بعض المصادر التأريخية أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله (ص) للعباس عمّه: يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله… فأخذ رسول الله (ص) علياً فضمه إليه، وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه فلم يزل علي مع رسول الله (ص) حتى بعثه الله تبارك وتعالى. وكان أمير المؤمنين (ع) يصف تلك الفترة بقوله: ولقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولاخطلة في فعل.

أوصافه البدنية

وصف عليه السلام بأنه: ربعة من الرجال، إلى القصر أقرب، وإلى السمن، هو أدعج العينين، أنجل، في عينه لين، أزج الحاجبين، حسن الوجه، من أحسن الناس وجهاً، يميل إلى السمرة، كثير التبسّم، أصلع ليس في رأسه شعر إلّا من خلفه، ناتىء الجبهة، له خفاف من خلفه، كأنّه إكليل، وكأنّ عنقه إبريق فضة، كثّ اللحية، لحيته زانت صدره، لا يغيّر شيبه. كان أرقب، عريض ما بين المنكبين، لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري، (وفي رواية) عظيم المشاش كمشاش السبع الضاري، لا يبين عضده من ساعده أدمجت إدماجاً، عبل الذراعين شئن الكفين، (وفي رواية) رقيق الأصابع، شديد ساعد اليد لا يمسك بذراع رجل قط إلّا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس، ضخم البطن، أقرى الظهر، عريض الصدر، كثير شعره ضخم الكسور، عظيم الكراديس، غليظ العضلات، حمش الساقين، ضخم عضلة الذراع، دقيق مستدقّها، إذا مشى تكفّأ (أي مال الى الأمام).

قواه البدنية

روى ابن قتيبة أنه: لم يصارع قط أحداً إلا صرعه. ووصفه إبن أبي الحديد بقوله: أما القوة والأيد: فبه يضرب المثل فيهما، وهو الذي قلع باب خيبر، واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقلبوه، وهو الذي إقتلع هبل من أعلى الكعبة، وكان عظيماً جداً، وألقاه إلى الأرض. وهو الذي إقتلع الصخرة العظيمة في أيام خلافته (ع) بيده بعد عجز الجيش كله عنها، وأنبط (أي استخرج) الماء من تحتها.

زوجاته و أولاده

أولى زوجاته (ع) فاطمة الزهراء (ع) بنت النبي الأكرم (ص)، وكان قد خطبها قبله كل من أبي بكر و عمر و عبد الرحمن بن عوف فردهم (ص) قائلاً: إن أمرها إلى ربّها إن شاء أن يزوجها زوجها.

وقد إختلفت كلمة المؤرخين في تأريخ زواج علي (ع) من فاطمة (ع) فمنهم من ذهب الى القول بأنه وقع في أوائل ذي الحجّة من السنّة الثانية للهجرة، ومنهم من قال بأنه كان في شهر شوال من نفس السنّة ورأي ثالث ذهب الى القول بوقوعه في الحادي والعشرين من شهر محرم.

أنجبت (ع) ثلاثة من الذكور هم الحسن والحسين والمحسن، وابنتين هما زينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى.

وبعد شهادة فاطمة الزهراء (ع) تزوّج (أُمامة) بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس، وأُمّها زينب بنت النبي (ص).

ثم تزوّج أُم البنين بنت حزام بن دارم الكلابية التي أنجبت له أبا الفضل العباس (ع) وجعفراً و عثمان و عبد الله، استشهدوا يوم الطف – في كربلاء- في نصرة الحسين (ع).

ثم تزوج من ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلية الدارمية التميمية.

ومن زوجاته أسماء بنت عميس الخثعمية والتي أنجبت له ولديه عون و يحيى؛ و من زوجاته أُمّ حبيب بنت ربيعة التغلبية، واسمها الصهباء؛ وخولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة الحنفيةـ وقيل خولة بنت أياس- التي أنجبت ولده محمداً المعروف بابن الحنفية؛ ومن زوجاته أيضاً أُم سعد أو سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية ومخباة بنت إمرئ القيس بن عدي الكلبية.

قال الشيخ المفيد في الإرشاد: فأولاد أمير المؤمنين عليه السلام سبعة وعشرون ولداً ذكراً وأنثى، هم:

1. الحسن

2.الحسين

3.زينب الكبرى

4. زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم، أمهم فاطمة البتول (ع)

5. محمد المكنى بأبي القاسم، أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية

6. عمر

7. رقية، كانا توأمين، أمهما أم حبيب بنت ربيعة؛

8. العباس

9. جعفر

10. عثمان

11. عبدالله ، وهؤلاء الاربعة أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم؛

12. محمد الأصغر المكنى بأبى بكر؛

13. عبيدالله، الشهيدان مع أخيهما الحسين (ع) بالطف، أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية؛

14. يحيى، أمّه أسماء بنت عميس الخثعمية؛

15. أم الحسن

16. رملة، أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي؛

17. نفيسة

18. زينب الصغرى

19. رقية الصغرى

20. أم هاني

21. أم الكرام

22. جمانة المكناة أم جعفر

23. أمامة

24. أم سلمة

25. ميمونة

27. خديجة

28. وفاطمة، رحمة الله عليهن لأمهات شتّى.

وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة (ع) أسقطت بعد النبي (ص) ذكراً كان سمّاه رسول الله (ص) محسناً: فعلى قول هذه الطايفة أولاد أمير المؤمنين (ع) ثمانية وعشرون ولداً والله أعلم وأحكم.
حروب النبي (ص)

لعب أمير المؤمنين (ع) دوراً بارزاً في جميع الوقائع والحروب التي حصلت في عصر النبي الأكرم (ص) وقد أكد المؤرخون إشتراكه في جمع الغزوات و السرايا إلّا في تبوك حيث لم يشترك فيها. ومن هنا كان (ع) يعدّ القائد العسكري الثاني والشخصية المتميزة بعد رسول الله (ص).

معركة بدر الكبرى

وهي المعركة الأولى التي خاضها المسلمون مع المشركين يوم الجمعة الموافق للسابع عشر من شهر رمضان من السنّة الثانية للهجرة عند آبار بدر  والتي هزم فيها المشركون بعد أن قتل منهم سبعون رجلا على رأسهم رؤساء القوم وقادتهم كأبي جهل وعتبة وشيبة و أمية.

وكان التقليد المتبَّع عند العرب في الحروب أن يبدأ القتال بالمبارزات الفرديّة ثم تقع بعدها الحملاتُ الجماعية، وانطلاقاً من هذه العادة خرج ثلاثة من الفرسان- من معسكر قريش- المعروفين من صفوف الجيش المكي ودعوا الى المبارزة، وهم: عتبة و شيبة و هما إبنا ربيعة بن عبد شمس، و الوليد بن عتبة بن ربيعة، فأخذوا يجولون في ميدان القتال ويدعون الى المبارزة، ثم نادى مناديهم: يا محمّد، أخرج الينا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول اللّه (ص): « قم يا عبيدَةَ بن الحارث وقم يا حمزة، وقم يا عليّ».

فقاموا، وخرجوا للمبارزة، فبارز عليُّ (ع) الوليدَ وبارز حمزة عتبة وبارز عبيدة شيبة، فقتل علي وحمزة خصميهما في الحال، ثمّ ساعدا عبيدة على قتل خصمه.

وكان لعلي (ع) الدور الرئيسي في هذه المعركة حيث قتل على يديه ما يقرب من عشرين من جيش المشركين منهم: حنظلة بن أبي سفيان والعاص بن سعيد وطعيمة بن عدي.

معركة أحد

ومن المعروف في هذه المعركة أن كفّة القتال في بداية المعركة كانت لصالح المسلمين الا أنها مالت لصالح المشركين بعد التفاف خالد بن الوليد من خلف الجبل وعلى أثرها إنهزم المسلمون ولم يبق منهم مع النبي (ص) الا علي وحمزة و أبي دجانة و ثلّة قليلة من المسلمين تصدّوا للمشكرين بكل بسالة وشجاعة وكان علي (ع)– كما عهدناه في معركة بدر- الرجل الأول في المعركة، الأمر الذي أقرّ به الكثير من المؤرخين حيث أثبتوا أنه: لمَّا قَتَلَ علي بن أبي طالب (ع) أصحابَ الألوية، أبصر رسولُ الله (ص) جماعة من مشركي قريش، فقال لِعلي إحمل عليهم، فحمل عليهم ففرَّق جمعهم وقتل عمرو بن عبدالله الجمحي، ثمَّ أبصر رسولُ الله (ص) جماعة من مشركي قريش، فقال لعلي إحمل عليهم، فحمل عليهم ففرَّق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي.

فقال جبريل : يارسول الله إنّ هذه المواساة، فقال رسول الله (ص): «إنَّه منِّي وأنا منه»، فقال جبريل: وأنا منكما فسمعوا صوتاً يقول: لا سيف إلاّ ذو الفقار *** ولا فتى إلاَّ علي.

معركة الخندق (الاحزاب)

من الأمور التي إبتكرها المسلمون في هذه المعركة حفر الخندق حول المدينة للحيلولة بينها وبين جيش المشركين والذي تم بإشارة من سلمان الفارسي (رض).

ولمّا أتم المسلمون حفر الخندق وصلت جيوش المشركين وإذا بها تجد بينها وبين المسلمين حاجزاً لا يمكن اجتيازه الا بشقّ الأنفس، وأقاموا على هذه الحال- الرشق بالنبل والحجارة- عدَّة أيام دون قتال. فلمَّا كان اليوم الخامس خرج عمرو بن عبد ودٍّ العامري- ونفر من المشركين، واقتحموا الخندق من مكان ضيِّق، وأخذ عمرو يصول ويجول، ويدعو إلى البراز، فقام عليٌّ (ع) وطلب من النبي (ص) الإذن بمارزته، فأذن له (ص) وبعد جولة من البراز صرعه الإمام (ع) إلى الأرض وقتله. وكان الوسام الذي حظي به (ع) في هذه المعركة أنه بعدما رجع (ع) من قتل عمرو بن عبد ود قال رسول الله (ص): “ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين”.

معركة خيبر

في جمادى الأولى من السنّة السابعة للهجرة أصدر النبي (ص) أوامره بالتوجه نحو حصون اليهود وبعد أن حاصر جيش المسلمين تلك القلاع بعث (ص) أبا بكر برايته الى بعض الحصون فرجع ولم يك فتح، ثم بعث في الغد عمر بن الخطاب ولم يك فتح، فقال رسول الله (ص): “لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فقال (ص): ادعوا لي علياً و دفع الراية إليه ففتح الله عليه”.

قال الشيخ المفيد: فمضى أمير المؤمنين (ع) بالراية حتى أتى الحصن وقد خرج مرحب وعليه مغفر و حجر يتعرض للحرب فبرز له علي (ع) وعن هذه الواقعة يقول (ع): اختلفنا ضربتين فبدرته وضربته فقددت الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في أضراسه فخر صريعاً. ويقول أيضا: لما عالجت باب خيبر جعلته مجنا – أي درعاً- لي فقاتلتهم به.

فتح مكة

كان الفتح في شهر رمضان، سنة ثمان من مهاجر رسول الله (ص)، وكان (ص) قد جهّز جيشه وأكد رغبته في التكتيم على هذا الأمر لمداهمة قريش في مكة قبل أن تتجهز لحرب، وكانت الراية مع سعد بن عبادة فأخذها منه (ص) وأعطاها لأمير المؤمنين(ع). يقول الحلبي: وبعد فتح مكة انطلق رسول الله (ص) بعلي ليلا حتى أتى الكعبة لتحطيم الاصنام قائلا: اصعد على منكبي واهدم الصنم، فصعد (ع) فوق ظهر الكعبة وعند صعوده كرم الله وجهه قال له (ص): ألق صنمهم الأكبر وكان من نحاس وقيل من قوراير أي زجاج، فألقى الأصنام ولم يبق الا صنم خزاعة موتداً بأوتاد من الحديد، فقال رسول الله (ص): عالجه؛ فعالجه وهو يقول: إيه إيه جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فلم يزل يعالجه حتى استمكن منه فقذفه فتكسّر.

معركة حنين

وقعت المعركة في السنة الثامنة للهجرة، وكان سبب الواقعة أنه لمّا فتح الله على رسوله (ص) مكة مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها الى بعض فاشفقوا- أي خافوا أن يغزوهم رسول الله (ص)- وقالوا: قد فرغ لنا فلاناهية- أي لا مانع له دوننا- والرأي أن نغزوه فحشدوا وبغوا…. وكان لعلي (ع) الدور المحوري في هذه المعركة أيضا وكما يقول الواقدي: ووضع (ص) الألوية والرايات فى أهلها، مع المهاجرين لواء يحمله علىّ (ع) والتحمت المعركة التحاماً مروّعاً، ندرت فيها الرؤوس، وهوت الفوارس، وطاحت الأيدي، فقال النبي: الآن حمي الوطيس، وعليٌّ (ع) بين يديه يذود الكتائب، ويزلزل الفرسان حتى قتل أربعين فارساً من القوم، فشلت حركتهم…

معركة تبوك

وهي المعركة الوحيدة التي لم يشترك فيها أمير المؤمنين (ع) بسبب استخلاف النبي (ص) إياها على المدينة، وقد اشار الشيخ المفيد الى هذه القضية في الإرشاد قائلا: ولما أراد النبى (ص) الخروج استخلف أميرالمؤمنين (ع) في أهله وولده وأزواجهه ومهاجره وقال له: يا علي (ع) إن المدينة لاتصلح إلا بي أو بك، وذلك إنه عليه وآله السلام علم من خبث نيّات الاعراب وكثير من أهل مكة ومن حولها ممن غزاهم وسفك دمآئهم، فاشفق أن يطلبوا المدينة عند نأيه عنها… وأن أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله (ص)علياً (ع) على المدينة حسدوه لذلك فأرجفوا به (ع) وقالوا: لم يستخلفه رسول الله (ص) إكراما له وإجلالا ومودة، وإنما خلفه إستثقالا، فلمّا بلغ أمير المؤمنين (ع) إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم واظهار فضيحتهم، فلحق بالنبي (ص) فقال: يا رسول الله إن المنافقين يزعمون أنك خلفتني استثقالا ومقتا؟ فقال له النبي (ص): ارجع يا أخي إلى مكانك فان المدينة لاتصلح إلابي أوبك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لانبي بعدي.

أدلة إمامته

هناك الكثير من الآيات والروايات التي تدل على إمامته (ع) وخلافته للنبي الأكرم (ص)، منها:

آية أولي الأمر

يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم‏. وقد أجمعت كلمة أعلام الشيعة على نزولها في علي (ع) وأنها تدل بصراحة على وجوب طاعته.

آية الولاية

إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُون‏. والروايات متكاثرة من طرق الشيعة وأهل السنّة على أن الآيتين نازلتان في أمير المؤمنين علي (ع) لما تصدّق بخاتمه وهو في الصلاة، فالآيتان خاصتان غير عامتين.

فالآية المباركة دالة على ولايته (ع).

حديث المنزلة

من الأحاديث الدالة علي خلافته(ع) قول النبي الأكرم (ص) مخاطبا الإمام (ع) أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبي بعدي.

حديث الدار

لما نزل قوله تعالى : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جمع النبي (ص) بني هاشم وعرض عليهم الإسلام وطلب منهم الإيمان به ومؤازرته على أمر الرسالة، فلم يستجب له الا علي عليه السلام فقال له (ص): أنت أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي.

واقعة الغدير

لمّا قضى رسول الله (ص) مناسك الحجّ في السنة العاشرة للهجرة وبعد أن أرشد المسلمين الى مناسك حجهم قفل راجعاً إلى المدينة ومعه المسلمون، حتى انتهى إلى الموضع المعروف (بغدير خم) وذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة، فنزل في الموضع، ونزل المسلمون معه، وكان سبب نزوله في هذا المكان، نزول القرآن عليه بنصبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خليفة في الأُمّة من بعده فأمر بتوقف القافلة حتى يعود السابق ويلحق المتأخر.

فأبلغهم الأمر الإلهي الصادر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ بعد أن اجتمع المسلمون حوله.

وقد ذكر المحدثون والمؤرخون أنه لمّا اجتمع المسلمون حوله (ص) صعد على تلك الرحال التي جمعت له وأصعد عليّاً معه ثم خطب الناس بأعلى صوته: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟) قالوا: بلى!

فقال لهم: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالِاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ.

وفاة النبي (ص)

في اللحظات الاخيرة من حياة النبي الأكرم (ص) قال: ادعوا لى أخي وصاحبي، فدعي أميرالمؤمنين (ع) فلما اقترب منه أومأ اليه فأكب عليه فناجاه رسول الله (ص) طويلا… ثم ثقل (ص) وحضره الموت و أميرالمؤمنين (ع) حاضرعنده، فلمّا قرب خروج نفسه قال له: ضع يا علي (ع) رأسي في حجرك فقد جآء أمر الله تعالى، فاذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصلّ عليّ أوّل الناس، و لاتفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن بالله تعالى.

و ما أن فاضت نفس رسول الله (ص) واشتغل علي (ع) و أهل بيت الرسول (ص) بتجهيزه من أجل مواراة جسده الطاهر في مثواه الأخير، حتى عقد بعض المهاجرين الأنصار إجتماعاً لهم في سقيفة بني ساعدة منهم: أبو بكر، عمر، أبو عبيده، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن عبادة، ثابت بن قيس، عثمان بن عفان، وذلك لاختيار الخليفة من بعده (ص)، وبعد شجار ونزاع طويل انتخب– دون مراعاة لوصايا النبي (ص)- أبو بكر خليفة للمسلمين.

مرحلة الخلفاء الثلاثة

واجه الإمام (ع) و أهل البيت (ع) في زمن الخلفاء الثلاثة مجموعة كبيرة من الوقائع والمشاكل كهجوم القوم على بيت فاطمة (ع) وأخذ البيعة لأبي بكر قسراً وغصب فدك وشهادة فاطمة (ع).

وقد استمرت هذه الفترة 25 عاماً كان له (ع) دور بارز في شؤون المجتمع ولم ينعزل عن المجتمع ولم يكلّ عن ممارسة مهامه فيها كالعطاء العلمي والاجتماعي وكان (ع) بارعاً في جميع تلك الخدمات كجمع القرآن وتقديم النصح والاستشارة للخلفاء الثلاثة في التحديات التي كانت تواجههم في الحكم والحرب و الفتوحات و… بالاضافة الى نشاطة الاقتصادي الداعم للفقراء والمحتاجين منها أنه أوقف مالا بخيبر وبوادي القرى ووقف مال أبي نيرو وغيرها، وأخرج مائة عين ينبع جعلها للحجيج و حفر آباراً في طريق مكة والكوفة و بنى مسجد الفتح في المدينة وعند مقابل قبر حمزة وفي الميقات وفي الكوفة وجامع البصرة وغير ذلك، وكان نتاج تلك الموقوفات أربعين ألف دينار. وستأتي الأشارة الى نماذج من عطائه (ع).

البيعة القسرية

إمتنع أمير المؤمنين (ع) وطائفة من الصحابة عن مبايعة الخليفة الأول مما شكّل خطراً كبيراً أمام الخلافة، وقد أحس كل من الخليفة الأول وعمر بن الخطاب بذلك الخطر الذي يحدق بهما فعمدا الى أخذ البيعة منه (ع) قسراً للقضاء على الحركة الإعتراضية.

فما كان من أبي بكر الا أن أرسل اليه (ع) عبده المعروف بقنفذ أكثر من مرة لمبايعة الخليفة فلم يستجب اليه وحينها قال عُمَر: قوموا بنا إِليه فقام أَبُو بكر وعمر وعثمانُ وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأَبو عبيدة بن الجرَّاح وقُنْفُذٌ فلمَّا إنتهوا إِلى الباب فرأَتهم فاطمةُ (ع) أَغلقت الباب في وجوههمْ وهي لا تَشُكُّ أَن لا يُدْخَلَ عليها إِلَّا بإذنها الا أنهم كسروا الباب وتركوها (ع) بين الحائط والباب وأَخرجوا عليّاً (ع) مُلَبَّباً. وساروا به الى سقيفة بني ساعدة فقيل له بايع أبا بكر، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الانصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي (ص)، وتأخذونه منّا أهل البيت (ع) غصبا؟ ألستم زعمتم للانصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد (ص) منكم، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الأمارة، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار نحن أولى برسول الله (ص) حيا وميتا فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون.

جمع القرآن

أذعن علماء الفريقين- شيعة وسنّة- بانّه (ع) أخذ على عاتقه الشريف مهمة جمع آيات الذكر الحكيم، وكان ذلك مبكِّراً جدَّاً من بعد وفاة رسول الله (ص)، فلم يخرج من بيته، الا للصلاة حتى جمعه تنفيذاً لوصية الرسول (ص). وروي عنه (ع) أنه قال: « لما قبض رسول الله (ص) أقسمت أن لا أضع ردائي على ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن». وفي رواية أخرى إنّه (ع) جمعه خلال ستة أشهر.

غزو الروم

لمّا فكر أبو بكر بغزو الروم إستشار جماعة من الصحابة فلم يقطعوا برأي، فاستشار أمير المؤمنين (ع) في الأمر فقال: إن فعلت ظفرت. فقال أبو بكر: بشرت بخير. وأمر أبو بكر الناس بالخروج بعد أن أمر عليهم خالد بن سعيد.

مبدأ التأريخ الاسلامي

روى الحاكم النيشابوري أن عمر ابن الخطاب استشار أمير المؤمنين (ع) في مبدأ التأريخ الاسلامي فاشار عليه بأن يجعل مبدأ التأريخ هجرة النبي (ص) من مكة الى المدينة.

مرحلة حكمه

بعدما قتل عثمان، قام- أمير المؤمنين عليه السلام- فدخل منزله، فأتاه اصحاب رسول الله (ص)، فقالوا: إنّ هذا الرجل قد قتل، ولا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله (ص). فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً، فقالوا: لا، والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك، قال: ففي المسجد، فان بيعتي لا تكون خفياً.

فخرج الى المسجد فبايعه من بايعه‏، وبايعت الأنصار علياً الا نفيراً يسيراً، منهم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد الخدري، ومحمد بن مسلمة، والنعمان بن بشير، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وفضالة بن عبيد، وكعب بن عجرة، كانوا عثمانية… ولم يبايعه من غير الانصار عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد وكلهم كانوا من المقربين من عثمان.

ويمكن القول بأن سبب إمتناعة (ع) عن قبول البيعة في بادئ الأمر يكمن في ما أستشري من فساد في المجتمع على جميع المستويات بحيث أصبح من الصعب اصلاح ذلك وهذا ما أشار اليه عليه السلام مخاطبا المبايعين له: دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وأَلْوَانٌ لا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ ولا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ وإِنَّ الْآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ والْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَت‏.

حقوق الراعي والرعية

لقد أولى أمير المؤمنين (ع) لهذين الحقين أهمية كبرى على المستويين النظري والعملي وهذا ما تجده جلياً في كلماته، كما في قوله: «لا يجري (الحق) لأَحدٍ إِلا جرى عليه ولا يجري عليه إِلا جرى لهُ ولو كان لأَحدٍ أَنْ يجري لهُ ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لِلَّهِ سُبحانهُ دُونَ خلقه لقدرتهِ على عباده ولعدله في كُلِّ ما جرتْ عليه صُرُوفُ قضائه ولكنَّهُ سُبحانهُ جعل حقَّهُ على العباد أَن يطيعوهُ وجعل جزاءهُمْ عليه مضاعفةَ الثواب تفضُّلا منهُ وتوسُّعاً بما هو من المزيد أَهله».

وكان عليه يرى أن لهذين الحقين نتائج كبيرة وثمرات مهمة، وهذا ما أشار اليه في نفس الخطبة، حينما قال:

«وأَعظمُ ما افترض سُبحانهُ من تلك الحقوقِ حقُّ الوالي على الرَّعيَّة وحقُّ الرَّعِيَّةِ على الوالي… فليست تصلحُ الرَّعيَّةُ إِلا بصلاح الولاة ولا تصلحُ الولاةُ إِلا بِاستقامة الرَّعِيَّةِ فإِذا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلى الوالي حقَّهُ وأَدَّى الوالي إِليها حقَّها عزَّ الحقُّ بينهُمْ وقَامتْ مناهجُ الدين واعتدلتْ معالمُ العدل وجرتْ على أَذلالها السُّنَنُ…».

ثم يقول (ع):

«وإِذا غَلبتِ الرَّعِيَّةُ واليهَا أَو أَجحفَ الوالي برعِيَّتِهِ اختلفَتْ هُنالكَ الكلمةُ وظهرتْ معالمُ الجور وكثر الإِدغالُ في الدِّين وتركَت مَحَاجُّ السُّنن فَعُمِلَ بالهوى وعُطِّلَتِ الأَحكامُ وكثرتْ عللُ النّفُوس فلا يُسْتَوْحَشُ لعظيم حقٍّ عُطِّلَ ولا لعظيم باطلٍ فُعلَ فهنالكَ تذِلُّ الأَبْرَارُ وتَعِزُّ الأَشرارُ وتعظُمُ تبِعاتُ اللَّهِ سُبحانهُ عند العباد».

وكان عليه السلام يولي الشخصية الانسانية أهتماماً كبيراً وكان يركز على ذلك كثيراً في الكتب والوصايا التي يزود بها عماله وولاته (ع)، من ذلك ما ورد في كتاب له (ع) إلى عماله على الخراج:

«فأَنصفُوا الناسَ من أَنفسكمْ واصبِروا لحوائجهمْ فإِنكم خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ ووكلاءُ الأُمَّةِ وسُفراءُ الأَئمة ولا تُحْشِمُوا أَحداً عن حاجته ولا تحبسُوهُ عن طَلِبَتِه».

و من وصاياه لعماله على الزكاة:

«وَلا تُرَوِّعَنَّ مسلما ولا تجتازن عليه كارها، ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تُخَالِط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تُخْدِج‏ بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته؛ لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه؟ فإن قال قائل: لا. فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه».

وجاء في عهده المعروف لمالك الأشتر (رض) حينما ولاه على مصر:

«وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».

عدله (ع)

اتخذ (ع) وفي الأيام الأولى لحكومته موقفاً صارماً من الفساد المالي والبذل غير المشروع للثروة مؤكداً على العدالة في التوزيع التي تقوم على السبق الى الاسلام و الجهاد في سبيله و غير ذلك من المعايير الحقة، وقد أكد على منهجه هذا حينما أكد على المساواة في العطاء قائلا: «إني قرأت ما بين دفتي المصحف فلم أجد فيه لبني إسماعيل على بني إسحاق فضلا».

وعندما ولَّى بيت مال المدينة عمَّارَ بن ياسر وأَبا الهيثم بن التَّيِّهَان كَتب اليهما: العربيُّ والقرشيُّ والأَنصاريُّ والعجميُّ وكُلُّ من في الإِسلام منْ قبائلِ العرب وأَجناس العجم سواء.

وكذلك إتخذ موقفاً قاطعاً في ضرورة استرجاع ما أقطعه عثمان لبني أمية والمقربين منه وأصدر في ذلك مرسوما قال فيه: «ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق».

موقفه من المقربين له فيما يخص بيت المال

كما كان (ع) صارماً في المساواة في العطاء كان شديد الحرص على بيت مال المسلمين فلم يسمح حتى لاشد الناس قرابة منه التصرف فيه ولو يسيراً، فقد روى المؤرخون أنه كان يأخذ نفسه وأهله بالشدة، فلا يسمح بأن تتزين إحدى بناته بعقد ثمين تستعيره من بيت المال إعارة مضمونة، فينتزعه منها ويرجعه لبيت المال مع لوم وتقريع لها وللخازن إبن أبي رافع معتبرا ذلك خيانة للمسلمين قائلا: «اتَخُون المسلمين يا ابن أبي رافع؟ كيف أعرت بنت أميرِ المؤمنين (ع) العقد الذي في بيت مال المسلمين، بغير إذني ورضاهم!».

وقال مخاطباً عبد الله بن زمعة، وهو من شيعته، وذلك أنه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا، فقال (ع): «إن هذا المال ليس لي و لا لك، وإنما هو فيء للمسلمين، وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم، كان لك مثل حظهم، وإلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم».

الصرامة في تنفيذ القوانين

لم يكن من منهج علي (ع) التسامح أو التساهل في القوانين وأحكام الشريعة الأمر الذي جعل بعض الناس لا يطيق ذلك، ومن نماذج ذلك:

أنه (ع) أمر قنبراً أن يضرب رجلا، فغلِطَ قنبر فزاد ثلاثة أسواط، فاقاد علي (ع) الرّجل المضروب من قنبر، فضربه ثلاثة أسواط.

قام أحد رجالات البصرة المتنفذين بدعوة عامله على البصرة عثمان بن حنيف، فكتب اليه يهذبه ويؤدبه ليسمو به من مواطن الشبهات، ويرفعه إلى أرقى مستوى من الإنسانية، قائلا له:

«أما بعد، يابن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة، فأسرعت إليها، تستطاب لك الالوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم، عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه… ألا و إن لكل مأموم إماماً يقتدي به، ويستضيء بنور علمه، ألا و إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد».

موقفه من الثناء والتملق

إتخذ الإمام (ع) منهجاً رافضاً للثناء والمديح وخاصة الذي يجري بطريقة تملقية وكان يحذّر كثيراً من شيوع هذا الاسلوب من التعامل مع الحكام، ومن نماذج تصديه لهذا الاسلوب:

روي أَنهُ (ع) لَمَّا وَردَ الكوفة قادماً من صفِّين مرَّ بالشِّبَامِيِّينَ فخرج إِليه حربُ بنُ شُرَحْبِيلَ الشِّبَامِيِّ وكان من وُجُوهِ قومهِ (ع) يمشي معهُ وهو (ع) راكبٌ فقال (ع): «ارجعْ فإِنَّ مشي مثلك مع مثلي فتنةٌ للوالي ومذَلَّةٌ للمُؤمن».

كان الإمام (ع) ذات يوم يخطب فأَجابهُ (ع) رجلٌ من أَصحابه بكلام طويل يُكثرُ فيه الثَّنَاءَ عليه ويذكر سمعهُ وطاعتهُ، فقال لهُ (ع): «وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حبّ الفخر، ويوضع أمرهم على الكِبْرِ. وقد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أني أحب الإطراء وإستماع الثناء، ولست بحمدالله كذلك، ولو كنت أحبّ أن يقال ذلك لتركته إنحطاطاً لله سبحانه….فلا تكلموني بما تكلّم به الجبابرة، ولاتتحفظوا منّي بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولاتخالطوني بالمصانعة، ولاتظنوا بي إستثقالا في حق قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه».

قال (ع) وقد لقيه- عند مسيره إلى الشام- دهاقين الأنبار، فترجلوا له واشتدوا بين يديه: ما هذا الذي صنعتموه؟ فقالوا: خلق منا نعظم به أمراؤنا، فقال: «والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتشقون على أنفسكم في دنياكم، وتشقون به في آخرتكم، وما أخسر المشقة وراءها العقاب، وأربح الدعة معها الأمان من النار».

الإهتمام بالعسکر والقوات المسلحة

كان (ع) ينظر الى الأمور نظرة واقعية وينظر الى الأصناف الإجتماعية نظرة تحفظ لها مكانتها الإجتماعية أولاّ و دورها في استقرار المجتمع ثانياً، ومن هنا نراه يهتم بالقوات المسلحة ويوصي بها عماله بأن «الجنود بإذن الله عزّوجلّ حصون الرعية، وزين الولاة، وعزّ الدين، وسبيل الأمن والحفظ، وليس تقوم الرعية إلاّ بهم، ثم لا قوام للجند إلاّ بما يخرج الله جلّ وعزّ لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم ويعتمدون عليه فيما أصلحهم، ويكون من وراء حاجاتهم».

ثم يبين (ع) لعاملة في نفس الوصية طريقة إنتخاب الجنود قائلا: «وتوخ منهم أهل التجربة والحياء، من أهل البيوتات الصالحة، والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقا، وأصح أعراضاً، وأقل في المطامع إشراقاً، وأبلغ في عواقب الأمور نظراً. ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك».

كذلك يؤكد (ع) على العلاقة بين الجنود والجماهير وأن الدعم والاسناد الجماهيري هو الأساس في ثبات البلدان واستقرار الحكومات، حيث يقول (ع): «وإن سخط الخاصّة يغتفر مع رضى العامة. وليس أحد من الرعية، أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره للانصاف، وأسأل بالالحاف، وأقل شكراً عند الاعطاء، وأبطأ عذراً عند المنع، وأضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصة. وإنما عمود الدين، وجماع المسلمين، والعدة للاعداء، العامّة من الأمّة، فليكن صغوك لهم، وميلك معهم».

العمال والولاة

إهتم (ع) إبّان فترة حكمه بأمر الولاة فقام بتنصيب الكثير منهم أو استبدالهم أو تغيير أماكنهم، ومن هؤلاء الولاة: قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي ولاّه أمير المؤمنين (ع) مصر، ثم بعدها ولاية آذربيجان التي إستدعاه منها في حربه (ع) مع معاوية بعد أن كتب له باستخلاف عبد الله الاحمسي مكانه؛ ومنهم محمد بن أبي حذيفة كان عامله على مصر فاستبدله بمحمد بن أبي بكر؛ ومنهم مالك الأشتر النخعي عامله على نصيبين وسنجار ثم ولاه مصر؛ ومن ولاته: عبد الله بن عباس الذي كان واليه على البصرة، و أبو أيوب الأنصاري واليه على المدينة، و أبو موسى الاشعري الذي كان والياً لعثمان على الكوفة و أقره الإمام بمشورة من مالك الأشتر فترة من الزمن عزله بعدها بعد أن بانت منه علامات الخيانة وتحبيط الناس من اللحوق بجيش الإمام (ع) قبل معركة الجمل، ومنهم حذيفة بن اليمان وهو الآخر كان والياً لعثمان في المدائن فاقره الإمام (ع)، ومنهم كميل بن زياد واليه على هيت، ومخنف بن سليم واليه على اصفهان والري وهمدان، وسليمان بن صُرَد عامله على الجبل.

وقد استشهد من ولاته كل من: مالك الأشتر و محمد بن أبي بكر و عبد الله بن خباب بن الأرت و محمد بن أبي حذيفة و حسان بن حسان البكري، و منهم الحلو بن عوف الأزدي الذي وجهه الإمام (ع) عاملاً على عمان فوثبت به بنو ناجية فقتلوه.

و منهم من توفي لكبر سنّه ولم يتم ولايته وهم: سهل بن حنيف و أبي قتادة و حذيفة بن اليمان.

و هناك من الولاة من واصل عمله حتى استشهاد الإمام علي (ع) كقيس بن سعد، و عثمان بن حنيف و كميل بن زياد و سعد بن مسعود و سليمان بن صرد الخزاعي.

ومنهم من وبّخه الإمام لتقصيره في عمله كعبيد الله بن عباس و سعيد بن نمران.

ومنهم من عزله الإمام لخيانته كالمنذر بن الجارود و عقبة بن عمرو.

حروبه

معركة الجمل (الناكثين)

تعد معركة الجمل المعركة الأولى التي خاضها الإمام (ع) إبّان فترة حكمه مع الناكثين- أَهلُ الجمل، لنكثهم بيعتهم- طلحة و الزبير وأتباعهم، في جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين هـجرية.

يقول الطبري: ولما دخلت سنة ست وثلاثين فرق علي عماله على الامصار وكان طلحة والزبير قد طمعا قبل ذلك بالخلافة وبعد إجتماع الناس على أمير المؤمنين (ع) ومبايعته حاولا الحصول على منصب من المناصب المهمة في الدولة، وقد اشار الطبري الى هذه القضية قائلاً: وسأل طلحة والزبير أن يؤمرهما على الكوفة و البصرة  فلم يستجب لهما الإمام (ع) لكونهما من المتهمين بقتل عثمان – بل كان من أشد المؤلبين عليه والمتهمين بقتله في المدينة- من جهة وهناك من هو أكفأ منهما من جهة أخرى، من هنا قررا الالتحاق بعائشة التي هي الأخرى من أشد المؤلبين والمحرضين على قتل عثمان وكانت ترى الثوار المحاصرين لعثمان طالبي حق وقد إسترجعت– كما يقول الطبري- حينما بلغها قتل عثمان للمصريين، لكنها– والقول للطبري أيضاً- لما بلغها قتل عثمان واجتماع الناس على علي، قالت: ردوني إن عثمان قتل مظلوماً فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام. وكانت عائشة شديدة الكره والضغن لعلي ومن هنا سايرت طلحة والزبير في حربهما لعلي (ع) فجهّزوا جيشاً مؤلّفاً من ثلاثة آلاف مقاتل كما يذهب إلى ذلك بعض المؤرخين وساروا به نحو البصرة. وحمل عائشة على جمل يقال له عسكر. وتحرَّك موكب الناكثين بقيادة عائشة وطلحة والزبير وبلغوا البصرة، وعامل الإمام عليها الصحابي عُثمان بن حُنيف الأنصاري، فمنعهم من الدخول، ثُمَّ توادعوا الا يحدثوا حدثاً حتى يقدم عليٌّ (ع).

ولما نزل أمير المؤمنين (ع) حاول حقن الدماء من خلال الحوار مع قادة الناكثين، وقد أشار الطبري الى ذلك بقوله: فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعلي (ع): هذا الزبير…وطلحة، فخرج إليهما علي (ع)، فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم، فقال علي (ع): لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلا و رجالاً، إن كنتما أعددتما عند الله عذراً فاتقيا الله سبحانه، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوه أنكاثا، ألم أكن أخاكما في دينكما، تحرمان دمي وأحرم دماءكما! فهل من حدث أحلّ لكما دمي؟…

الا أن مساعي الإمامي لم تنجح في إيقاف الحرب حيث نشبت الحرب بعد أن قتل أصحاب الجمل أحد جنود الإمام. وقال اليعقوبي في تاريخه مشيرا الى هذه القضية: وخرج طلحة و الزبير فيمن معهما، فوقفوا على مصافهم، فأرسل إليهم علي (ع): ما تطلبون وما تريدون؟ قالوا: نطلب بدم عثمان! قال علي (ع): لعن الله قتلة عثمان! واصطف أصحاب علي (ع)، فقال لهم: لا ترموا بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف… أعذروا. فرمى رجل من عسكر القوم بسهم، فقتل رجلاً من أصحاب أمير المؤمنين (ع)، فأتي به إليه، فقال: اللهم اشهد، ثم رمى آخر، فقتل رجلاً من أصحاب علي (ع)، فقال: اللهم اشهد، ثم رمى رجل آخر، فأصاب عبد الله بن بديل إبن ورقاء الخزاعي فقتله، فأتى به أخوه عبد الرحمن يحمله، فقال علي (ع): اللهم اشهد، ثم كانت الحرب.

وكان الزبير قد انسحب من المعركة قبل ذلك بعدما ذكّره الإمام (ع) بحديث رسول الله (ص) الا أنّه قتل بعد إنسحابه على يد عمرو بن جرموز.

وكانت الحرب أربع ساعات من النهار، روي أنه قتل في ذلك اليوم نيف وثلاثون ألفاً. ثم نادى منادي علي (ع): ألا لا يجهز على جريح، ولا يتبع مولّ، ولا يطعن في وجه مدبر، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. ثم أمّن الأسود والأحمر.

ولما وضعت الحرب أوزارها جاء علي (ع) لعائشة، فقال: ألم تنهي عن هذا المسير؟ فقالت: يا ابن أبي طالب! قدرت فاسجح! فقال: أخرجي إلى المدينة، وارجعي إلى بيتك الذي أمرك رسول الله (ص) أن تقرّي فيه. قالت: أفعل. فوجه معها سبعين امرأة من عبد القيس في ثياب الرجال، حتى وافوا بها المدينة.

حرب صفين

وهي المعركة الثانية من المعارك التي وقعت إبّان حكم الإمام (ع) مع القاسطين (معاوية وجنده) في شهر صفر سنة سبع وثلاثين للهجرة في بلاد الشام على شاطئ الفرات في منطقة يقال لها صفين، وقد انتهت بالتحكيم في شهر رمضان من سنة ثمان وثلاثين للهجرة.

وقد أكد المؤرخون أن معاوية بن أبي سفيان لم يقدم للخليفة الثالث عثمان أي معونة أو دعم يفك عنه حصار الثوار له بالرغم من مناشدة عثمان له وطلبه ذلك منه أكثر من مرّة، إلا أنه وبعد قتله حاول استغلال قتله کذريعة- أمام الشاميين- لتحقيق مآربه والتمسك بحكم الشام، ومن هنا أخذ ينشر بين الشاميين فكرة الدفاع عن عثمان وأنّه سيطالب بثأر عثمان ويدعي أن علياً قد قصّر في المطالبة بدم عثمان بل إنه (ع) وراء قتل الخليفة عثمان. ومن هنا إمتنع عن البيعة ولم يستجب للرسائل التي أرسلها الإمام (ع) له طالباً منه الدخول فيما دخل فيه الناس، ولمّا لم يجد ما يؤكد تهمته للإمام (ع) طلب منه تسليم قتلة عثمان ليقتص منهم، وبعد أن فشلت كل المحاولات السلمية مع معاوية وبعد أن تناهى الى الإمام (ع) بأن معاوية يعدّ العدّة للحرب، جهّز عليه السلام جيشه فالتقى الجيشان في منطقة صفين، ومع اصطفاف الجيشين بذل الإمام (ع) قصارى جهده لحقن دماء المسلمين إلا أن جهوده لم تثمر فنشبت الحرب بين الفريقين في السنة السابعة والثلاثين من الهجرة.

ولمّا عضّت الحرب القوم وقرب أصحاب علي (ع) من الفتح قال عمرو بن العاص لمعاوية: ها هنا حيلة توجب الاختلاف بينهم والفرقة، وذاك أن علياً وأصحابه أصحاب ورع و دين فإذا أصبحنا رفعنا المصاحف وقلنا: بيننا وبينكم كتاب الله. فلما أصبحوا رفعوا المصاحف وقالوا: بيننا وبينكم كتاب الله، الله الله في البقية. واستقبلوا علي بن أبي طالب (ع) بالمصاحف، فقال علي (ع):

والله ما الكتاب يريدون، وإن هذا منهم لمكيدة، فاتقوا الله عباد الله وامضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم، إنهم والله ما رفعوها ليعملوا بها وما رفعوها إلا خديعة ووهنا ومكيدة لكم. فتفرق عند ذلك أصحابه (ع) واختلف قولهم.

ثم كتب الإمام (ع)- مضطرا- في جواب رسالة معاوية: ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن، ولقد علمتُ أنك لست من أهل القرآن، ولست حكمه تريد. والله المستعان. وقد أجبنا القرآن إلى حكمه، ولسنا إياك أجبنا.

فرضي الفريقان جميعا بالحكمين، فأختار أهل الشام عمرو بن العاص، وقال الأشعث بن قيس والذين صاروا خوارج بعد ذلك: إننا قد رضينا بأبي موسى الأشعري، فقال علي (ع): فإنه ليس لي برضا وأنا أجعل الأشتر حكماً، فقال الأشعث: وهل سعّر الأرض علينا إلا الأشتر!. ثم رشح (ع) عبد الله بن عباس للتحكيم، فقال الأشعث و من معه: لا والله لا يحكم فينا مضريان أبداً حتى تقوم الساعة! و لكن يكون رجل من مضر و رجل من اليمن. فقال علي (ع): وقد أبيتم إلا أبا موسى؟ قالوا: نعم. قال: فاصنعوا ما أردتم.

الا أن التحكيم إنتهى بخديعة أبي موسى الاشعري من قبل عمرو بن العاص الذي حكم بتثبيت معاوية بعد أن سبقه الأشعري لعزل علي (ع).

معركة النهروان (المارقين)

ما إن إنتهت قضية التحكيم المعروفة التي شابها نوع من الخيانة حتى خرجت الخوارج على الإمام (ع)– وهم الذين كانوا قد ألجأوه الى التحكيم قبل ذلك- وقالوا: لم حكمت الرجال؟ لا حكم إلا لله. وهم المارقة الذين اجتمعوا بالنهروان.

وتمادى المارقون بنشر الفساد في مناطقهم، فنهبوا واغتالوا وتعاطوا كثيراً من الموبقات كان على رأسها قتل عبد الله بن الخباب بن الأرت- وهو من خيرة الصحابة- وبقروا- أي شقوا- بطن زوجته وهي حامل، وجعلوا يتعرّضون الناس ويذيعون الذعر، فأرسل اليهم أمير المؤمنين (ع) يسألهم عن هذا الفساد. وبعد أن فشلت جميع المساعي بما فيها مسعى عبد الله بن عباس الذي أرسله الإمام (ع) اليهم ليستعلم رأيهم ويحاورهم في سبب خروجهم وقتلهم للمسلمين، ذهب عليه السلام اليهم بنفسه وبعد حوار طويل تمكن (ع) من إقناع الكثير من الخوارج بالعدول عن رأيهم والانسحاب من الساحة، إلا أن طائفة كبيرة منهم تقدر باربعة ألاف بقيت مصرة على غيّها وعنادها، ولمّا لم يجد (ع) عندهم حجّة يركن اليها ولم يرجعوا عن غيهم أضطر لمواجهتهم وانتهت المعركة بهزيمة نكراء لجيش الخوارج حيث لم يبق منهم– حسب الوثائق التأريخية- إلا تسعة ولم يقتل من جيش الإمام الا سبعة او تسعة.

شهادته

بعد أن وضعت معركة النهروان أوزارها أخذ الإمام (ع) يعد العدّة ويحرض الناس لحرب معاوية والشاميين، إلا أنه (ع) لم يجد رغبة عند العراقيين في محاربة الشاميين الا القليل منهم هذا من جهة، ومن جهة أخرى إعتمد معاوية اسلوب الغارة على الاطراف التي تقع تحت حكومة الإمام (ع) في جزيرة العرب والعراق ليشيع الخوف والرعب في أوساطهم وليمهّد الطريق لفتح العراق.

وفي تلك الفترة التي كان (ع) يعد العدّة لحرب الشاميين ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي (لعنة الله عليه) في محراب مسجد الكوفة ليلة التاسع عشر من رمضان من سنة 40 للهجرة. وكان ابن ملجم واحداً من ثلاثة من الخوارج اجتمعوا بمكَّة، كانوا قد ذكروا أهل النهروان فترحَّموا عليهم وقرورا قتل علي (ع) ومعاوية وعمرو بن العاص، فقال عبدالرحمن بن ملجم المرادي: أنا أكفيكم عليَّا. وكان لقطام دور في نجاح خطته.

وبعد شهادته (ع) قام أبناءه الحسن (ع) والحسين (ع) ومحمد بن الحنفية يساعدهم عبد الله بن جعفر بدفنه سرّاً في منطقة الغريين محل القبر المعروف في العراق وعفي- أخفي- أثر قبره بوصية منه (ع). خوفاً من بني أمية واعوانهم، والخوارج، وأمثالهم من نبش القبر.

وصاياه

نقلت لنا الوثائق التأريخية وصاياه لأبنائه وأهل بيته (ع) في كيفية غسله وتكفينه و الصلاة عليه ودفنه وكان (ع) قد أوصاهم باخفاء مكان قبره فحملوه إلى الغري من نجف الكوفة ودفن هناك ليلا قبل طلوع الفجر.

ومن وصاياه التي أوصى به أبناءه وصيته أنه قال للحسن (ع) والحسين (ع) حين ضربه ابن ملجم:

«أوصيكما بتقوى الله، وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شي ء منها زوي عنكما، وقولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا.

أوصيكم، وجميع ولدي وأهلي و من بلغه كتابي، بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدّكما (ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام.

الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم.

الله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم، حتى ظننا أنه سيورثهم.

الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم.

الله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم.

الله الله في بيت ربكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا.

الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله.

وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم.

ثم قال: يا بني عبد المطلب! لا ألفيتكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون: (قتل أمير المؤمنين) ، ألا لاتقتلن بي إلا قاتلي. انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول:«إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور».

إخفاء قبره الشريف

أشار المؤرخون والباحثون الى أنه (ع) أوصى بدفنه سرّاً خوفا من بني أمية وأعوانهم، والخوارج، وأمثالهم، فربما لو نبشوه مع علمهم بمكانه،

حمل ذلك بني هاشم على المحاربة، والمشاققة التي أغضى عنها (ع) في حال حياته، فكيف لا يوصي بترك ما فيه ماده النزاع بعد وفاته.

فضائله ومناقبه (ع)

الآيات القرآنية

أشار الأعلام والمفسرون الى كم وافر من الآيات التي نزلت في حقه (ع) والمبينة لبعض فضائله ومناقبه، فقد روي عن إبن عباس أنه قال: «نزلت في علي ثلاث مئة آية». نشير هنا الى نماذج منها:

آية المباهلة: فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبين‏.[128] نزلت الآية في السنة العاشرة للهجرة عندما قدم وفد نصارى نجران على النبي (ص)… فلمّا دعاهم رسول الله (ص) إلى المباهلة استنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك … فلمّا كان الغد جاء النبي (ص) آخذا بيد علي بن أبي طالب(ع) والحسن (ع) والحسين (ع) بين يديه يمشيان وفاطمة (ع) تمشي خلفه، وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم فلما رأوا النبي (ص) بهذه الحالة قال سيدهم: إني لأرى رجلا جريئاً على المباهلة وأنا أخاف أن يكون صادقاً، وقال: يا أبا القاسم إنا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا على ما ينهض به.

آية التطهير وهي قوله تعالى: إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً.

ذهب أعلام الشيعة ومفسروهم آن الآية المذكورة نزلت في بيت أم سلمة زوجة النبي (ص)، فقد روي عنهاأنها قالت: «لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (ص) علياً (ع) وفاطمة (ع) وحسناً (ع) وحسيناً (ع) فحال عليهم كساء خيبريا فقال: أللهم هؤلاء أهل بيتي، أللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

آية المودة وهي قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏.

روي عن إبن عباس أنّه فَسّرها بأهل البيت (ع)، ورفع ذلك إلى النبي (ص) فقال: قالوا: يا رسول الله ـ عند نزول الآية ـ مَن قرابتك هؤلاء الّذين وَجَبَت عَلَينا مَوَدّتهم؟ قال: «عليّ (ع) وفاطمة (ع) وابناهما».

أول الناس إسلاماً

اشتهر بن المسلمين بل تواتر أنه (ع) أول الناس إسلاماُ. روي عن سلمان أنه قال: قال رسول الله (ص): «أوّلكم وارداً على الحوض ( نهر الكوثر)، أوّلكم إسلاماً، علي بن أبي طالب». وكذلك خاطب (ص) إبنته فاطمة (ع) قائلا: «أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً وأكثرهم علما وأعظمهم حلما».

ليلة المبيت في الفراش

لمّا أذن الله تعالى للنبي (ص) في الحرب، وبايعه الأنصار على الإسلام والنّصرة له ولمن إتبعه، وأوى إليهم من المسلمين، أمر رسول الله (ص) أصحابه من المهاجرين من قومه، ومن معه بمكة من المسلمين، بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحوق بإخوانهم من الأنصار.

فلمّا رأت قريش ذلك حذروا خروج رسول الله (ص)، فاجتمعوا في دار الندوة، وتشاوروا فيها… فقال أبو جهل: أرى أن نأخذ من كلّ قبيلة فتى نسيبا ونعطي كلّ فتى منهم سيفا ثمّ يضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه، فإذا فعلوا ذلك تفرّق دمّه في القبائل كلّها فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً ورضوا منّا بالعقل (أي الدية)، فأتى جبرائيل النبيّ (ص)، فقال: لا تبت الليلة على فراشك…فقال (ص) لعليّ بن أبي طالب (ع): نم على فراشي واتّشح ببردي الأخضر وأمره أن يؤدّي ما عنده من وديعة وأمانة وغير ذلك. وخرج رسول الله، (ص) مهاجراً.

وقد أشار المفسرون في معرض حديثهم عن شأن نزول قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِباد. أنها نزلت تلك الليلة، قال الفخر الرازي: نزلت في علي بن أبي طالب (ع)، بات على فراش رسول الله (ص) ليلة خروجه إلى الغار.

المؤاخاة مع النبي (ص)

لما قدم النبي (ص) المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين علي بن أبي طالب (ع)، يقول ابن عبد البر: وروينا من وجوه عن علي (ع) أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يقولها أحد غيري إلا كذاب. وقال أبو عمر: آخى رسول الله (ص) بين المهاجرين بمكة ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة وقال في كل واحدة منهما لعلي: «أنت أخي في الدنيا والآخرة».

رد الشمس

في السنة السابعة للهجرة ولما كان رأس رسول الله (ص) في حجر علي (ع)، وهو يوحى إليه فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، قال رسول الله (ص): أللهم إنّه كان في طاعتك وطاعة نبيّك فاردد عليه الشمس. فردّها الله له.

إبلاغ سورة براءة

لمّا نزلت سورة براءة في نقض ما بين رسول الله (ص) وبين المشركين من العهد، الّذي كانوا عليه فيما بينه و بينهم‏ بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكين‏ ولم يكن من نيّة النبي (ص) الذهاب الى الحج ذلك العام، فقيل له: يا رسول الله (ص) لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدّي عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا عليّ ابن أبي طالب (ع)، فقال له: أخرج بهذه القصة من صدر براءة… وفي تأريخ الطبري: وسار علي يؤذن ببراءة فقام يوم الاضحى فآذن فقال لا يقربن المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا ولا يطوفن بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فله عهده إلى مدته…

حديث علي مع الحق

روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: «علي مع الحق والحق مع علي».

حديث سد الأبواب

روى المتقي الهندي أنّه (ص) قال مخاطبا علياً (ع): إن موسى (ع) سأل ربه أن يطهر مسجده بهارون وإني سألت ربي أن يطهر مسجدي بك وبذريتك، ثم أمر بسد الابواب الا باب علي (ع)، ولما سئل (ص) عن ذلك قال: ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي ولكن الله فتح باب علي وسد أبوابكم.

تأسيسه لعلوم الاسلام

يقول إبن أبي الحديد المعتزلي (علماء القرن السابع الهجري) في مقدمته شرحه لنهج البلاغة: وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان فضائله، فقد علمت أنّه إستولى بنو أمية على سلطان الاسلام في شرق الارض وغربها، واجتهدوا بكل حيله في إطفاء نوره، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيله، أو يرفع له ذكراً، حتى حظروا أن يسمّى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رفعه وسمواً، وكان كالمسك كلّما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم تضوّع نشره.

ويواصل إبن أبي الحديد قوله: وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتهي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها، وسابق مضمارها، ومجلى حلبتها، كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله إقتفى، وعلى مثاله إحتذى.

علم الكلام

يقول إبن أبي الحديد: وقد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الالهي، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف العلوم.

ومن كلامه (ع) اقتبس، وعنه نقل، وإليه انتهي، ومنه ابتدأ فإن المعتزلة- الذين هم أهل التوحيد والعدل، وأرباب النظر، ومنهم تعلم الناس هذا الفن- تلامذته وأصحابه، لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه وأبوه تلميذه (ع).

وأمّا الأشعرية فانهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري، وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وأبو علي أحد مشايخ المعتزلة، فالاشعرية ينتهون إلى أستاذ المعتزلة ومعلمهم وهو علي بن أبي طالب (ع). وأما الإمامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر.

علم الفقه

يقول إبن أبي الحديد: ومن العلوم علم الفقه، وهو (ع) أصله وأساسه، وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه، ومستفيد من فقهه، أمّا فقه الشيعة: فرجوعه إليه ظاهر.

وأمّا أصحاب أبي حنيفه كأبي يوسف ومحمد وغيرهما، فأخذوا عن أبي حنيفة، وأمّا الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن، فيرجع فقهه إيضا إلى أبي حنيفة، وأمّا أحمد بن حنبل، فقرأ على الشافعي فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة، وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد (ع)، وقرأ جعفر على أبيه (ع)، وينتهى الأمر إلى علي (ع). وأمّا مالك بن أنس، فقرأ على ربيعة الرأي، وقرأ ربيعة على عكرمة، وقرأ عكرمة على عبد الله بن عباس، وقرأ عبد الله بن عباس على علي بن أبي طالب (ع)، وإن شئت رددت إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك كان لك ذلك، فهؤلاء الفقهاء الأربعة.

وأيضاً فإن فقهاء الصحابة كانوا: عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس، وكلاهما أخذ عن علي (ع).

أمّا ابن عباس فظاهر، وأمّا عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة، وقوله غير مرّة : «لو لا علي (ع) لهلك عمر»، وقوله: «لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن». وقوله: «لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر، فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه». وقد روت العامّة والخاصّة قوله (ص): «أقضاكم علي»، والقضاء هو الفقه، فهو إذا أفقههم.

علم التفسير

وعند تقدمه عليه السلام في التفسير وكونه الرأس في هذا المضمار يقول إبن أبي الحديد أيضاً: ومن العلوم : علم تفسير القرآن، وعنه أخذ، ومنه فرع. وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك، لأن أكثره عنه وعن عبد الله بن عباس، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له، وانقطاعه إليه، وأنّه تلميذه وخريجه. وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط.

العرفان وعلم الطريقة

وعن تقدمه (ع) في هذا العلم يقول إبن أبي الحديد: ومن العلوم: علم الطريقة والحقيقة، وأحوال التصوّف، وقد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون، وعنده يقفون ويكفيك دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم إلى اليوم، وكونهم يسندونها بإسناد متّصل إليه (ع).

علوم اللغة

وهنا أيضا يؤكد إبن أبي الحديد تقدمه (ع) في هذا الفن من العلوم قائلاً: ومن العلوم «علم النحو والعربية» وقد علم الناس كافّه أنّه هو الذي إبتدعه وأنشأه، وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله، من جملتها الكلام كلّه ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف. ومن جملتها: تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة، وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم.

الفصاحة والبلاغة

وعن فصاحته وبلاغته يقول أبن أبي الحديد: وأما الفصاحة: فهو (ع) إمام الفصحاء، وسيد البلغاء، وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين. ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة، قال عبد الحميد بن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع، ففاضت ثم فاضت. وقال ابن نباتة: حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق الا سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب (ع).

خصائصه الأخلاقية

جوده وسخاؤه

يقول أبن أبي الحديد: وأما السخاء والجود فحاله فيه ظاهرة، وكان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده، وفيه أنزل وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً. وروى المفسرون أنه لم يكن يملك إلا أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سراً، وبدرهم علانية، فأنزل فيه:الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً. وروى عنه أنّه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة، حتى مجلت (أي ثخن جلده وتعجز وظهر فيه ما يشبه البثر) يده، ويتصدق بالأجرة، ويشد على بطنه حجراً. وما قال : «لا» لسائل قط.

وقال عدوه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي لمّا قال له: جئتك من عند أبخل الناس، فقال: «ويحك ! كيف تقول إنّه أبخل الناس، لو ملك بيتاً من تبر (الذهب) وبيتاً من تبن، لأنفد تبره قبل تبنه».

حلمه وصفحه

وصفه ذلك إبن أبي الحديد قائلا: كان أحلم الناس عن ذنب، وأصفحهم عن مسيئ، وقد ظهر صحة ما قلناه يوم الجمل، حيث ظفر بمروان بن الحكم- وكان أعدى الناس له، وأشدهم بغضاً- فصفح عنه.

وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رءوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة- أساء فيها الى الإمام كثيراً وتكلم باقبح الألفاظ- وكان علي (ع) يقول: ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى شب عبد الله- فظفر به الإمام يوم الجمل، فأخذه أسيراً، فصفح عنه، وقال : إذهب فلا أرينك، لم يزده على ذلك. وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة، وكان له عدواً، فأعرض عنه ولم يقل له شيئاً.

وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره، فلمّا ظفر بها أكرمها، وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم، وقلدهن بالسيوف، فلمّا كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به، وتأففت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الذين وكّلهم بي فلمّا وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن، وقلن لها: إنما نحن نسوه.وحاربه أهل البصرة وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف، وشتموه ولعنوه، فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم، ونادى مناديه في أقطار العسكر: ألا لا يتبع مولّ، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل مستأسر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن تحيز إلى عسكر الإمام فهو آمن. ولم يأخذ أثقالهم، ولا سبى ذراريهم، ولا غنم شيئا من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل، ولكنه أبى إلا الصفح والعفو وتقيل سنّة رسول الله (ص) يوم فتح مكة، فإنه عفا والاحقاد لم تبرد، والاساءة لم تنس.

ولما ملك عسكر معاوية عليه الماء، وأحاطوا بشريعة الفرات، وقالت رؤساء الشام له: إقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً، سألهم علي (ع) وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء، فقالوا: لا والله، ولا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات ابن عفان، فلمّا رأى (ع) أنّه الموت لا محالة تقدم بأصحابه، وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة، لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته: إمنعهم الماء يا أمير المؤمنين، كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالايدي فلا حاجه لك إلى الحرب، فقال: لا والله لا أكافئهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حدّ السيف ما يغني عن ذلك.

البشر وطلاقة الوجه

وأما سجاحة الأخلاق، وبشر الوجه، وطلاقة المحيا، والتبسم: فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك أعداؤه. قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا، لين جانب، وشدة تواضع، وسهولة قياد، وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه.

شجاعته

يقول أبن أبي الحديد في وصف شجاعته: فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الامثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فر قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأولى إلى ثانية، وفي الحديث «كانت ضرباته وتراً»، ولما دعا معاوية إلى المبارزه ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما، قال له عمرو: لقد أنصفك، فقال معاوية: ما غششتني منذ نصحتني إلا اليوم! أتأمرني بمبارزه أبي الحسن وأنت تعلم أنّه الشجاع المطرق! أراك طمعت في إمارة الشام بعدي!.

وقال إبن أبي الحديد أيضاً: وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته، فأما قتلاه فافتخار رهطهم بأنه (ع) قتلهم أظهر وأكثر. فكانت العرب تفتخر بذلك لتحوز لنفسها الفخر والعزة مثلما افتخر عبد الله بن الزبير حينما إنتبه يوما معاوية، فرأى عبد الله بن الزبير جالسا تحت رجليه على سريره، فقعد، فقال له عبد الله يداعبه: يا أمير المؤمنين، لو شئت أن أفتك بك لفعلت، فقال- معاوية وهو لا يخفي تهكمه-: لقد شجعت بعدنا يا أبا بكر، قال- عبد الله يباهي ويفتخر- : وما الذي تنكره من شجاعتي وقد وقفت في الصف إزاء علي بن أبي طالب (ع) ! قال- معاوية وكأنما أدلع لسان سخريته-: لا جرم إنه قتلك وأباك بيسرى يديه، وبقيت اليمنى فارغة، يطلب من يقتله بها.

عبادته

وعن عبادته يقول المعتزلي في شرحه للنهج: كان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوماً، ومنه تعلم الناس صلاة الليل، وملازمة الأوراد وقيام النافلة، وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير، فيصلي عليه ورده، والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته! وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده.

وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته، ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله، وما يتضمنه من الخضوع لهيبته، والخشوع لعزته والاستخذاء له، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أيّ قلب خرجت، وعلى أيّ لسان جرت!.

الزهد في الدنيا

وأما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد، وبدل الأبدال، وإليه تشدّ الرحال، وعنده تنفض الأحلاس، ما شبع من طعام قط.

وكان أخشن الناس مأكلاً وملبساً، قال عبد الله بن أبي رافع: دخلت إليه يوم عيد، فقدم جراباً مختوماً، فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً، فقدم فأكل، فقلت: يا أمير المؤمنين (ع)، فكيف تختمه؟ قال: خفت هذين الولدين أن يلتاه بسمن أو زيت. وكان ثوبه مرقوعاً بجلد تارة، وليف أخرى، ونعلاه من ليف. وكان يلبس الكِرباس الغليظ، فإذا وجد كمّه طويلاً قطعه بشفرة، ولم يخطه، فكان لا يزال متساقطاً على ذراعيه حتى يبقى سدى لا لحمة له، وكان يأتدم إذا ائتدم بخل أو بملح، فإن ترقّى عن ذلك فبعض نبات الأرض، فإن إرتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل، ولا يأكل اللحم إلا قليلاً، ويقول: لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان. وكان مع ذلك أشدّ الناس قوّة وأعظمهم أيداً، لا ينقض الجوع قوته، ولا يخون– أي ينقص- الإقلال منته.

وهو الذي طلق الدنيا وكانت الاموال تجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلا من الشام، فكان يفرّقها.

آثاره ومؤلفاته

نهج البلاغة

يمثل نهج البلاغة جملة ما اختاره السيّد الشريف الرضي (من علماء القرن الرابع) من كلام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو أشهر ما انتقي من كلامه (ع) وقد حظي كتاب النهج بمنزلة سامية في الوسط الشيعي حيث جاء في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم قداسة ونال مكان بارزة جداً في أوساط الأدب العربي، حتى وصف هذا الكتاب النفيس بأنّه مملوٌّ من ألفاظ يتهذّب بها المتحدث، ويتدرّب بها المتكلّم; فيه من القول أحسنه، ومن المعاني أرصنه، كلامٌ أحلى من نَغَمِ القيان، وأبهى من نَِعَم الجنان…وأنّ بلاغته قد بلغت منزلة أعلى من قدرة المخلوق ودون منزلة الخالق.

وقد نظّم السيد الرضي كلمات أمير المؤمنين (ع) على ثلاثة فصول: الخطب، الرسائل، وقسم الكلمات القصار.

1. أما الخطب فقد احتوى الكتاب على 239 خطبة توزّعت على ثلاث مراحل زمنية: ألف- ما صدر عنه قبل خلافته؛ ب. أثناء خلافته؛ ج- بعد خلافته.

2. وأما قسم الرسائل فقد إشتمل على 79 رسالة جلّها صدرت منه إبّان حكمه (ع).

3. قسم الكلمات القصار، وهذا القسم جمع فيه السيد الرضي 480 كلمة من كلماته ومواعظه القصار.

وقد حظي النهج بإهتمام كبير من قبل الباحثين والشرّاح حتى تجاوزت شروحه أكثر من خمسين شرحاً، من أشهرها: شرح إبن ميثم البحراني، شرح النهج لإبن أبي الحديد المعتزلي، شرح محمد عبده، شرح الشيخ محمد تقي الجعفري، منهاج البراعة لقطب الدين الراوندي، دروس في نهج البلاغة للشيخ حسين علي المنتظري، وشرح نهج البلاغة لمحمد باقر نواب لاهيجاني.

غرر الحكم ودرر الكلم

جمعه عبد الواحد بن محمد الآمدي (من علماء القرن الخامس الهجري)، ويشتمل الكتاب على طائفة من حكم الإمام (ع) القصيرة التي ناهزت 10760 كلمة توزعت على مجموعة من المواضيع: العقائد، العبادات، الأخلاق، السياسة، الإقتصاد والإجتماع.

دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم

من كلام أمير المؤمنين (ع) تأليف الإمام القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي من جهابذة الشافعية في القرن الخامس، وهناك من ذهب الى القول بتشيّع الرجل.

يشتمل الكتاب على تسعة أبواب: الباب الأول: فيما روي عنه (ع) من فوائد حكمه؛ والثاني فيما روي عنه في ذمّه الدنيا وتزهيده فيها؛ والثالث فيما روي عنه من المواعظ؛ والرابع فيما روي عنه من وصاياه ونواهيه؛ والخامس في المروي عنه من أجوبته عن المسائل وسؤالاته؛ والسادس في المروي عنه من غريب كلامه؛ والسابع في المروي عنه من نوادر كلامه؛ والثامن في أدعيته ومناجاته؛ والباب التاسع فيما انتهى إلى المؤلف من شعره (ع).

ومن آثاره (ع):

نثر اللآلئ جمع أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن.

مطلوب كل طالب من كلام علي بن أبي طالب (ع)، إختيار الجاحظ وشرح أبي إسحاق رشيد الدين الوطواط.

قلائد الحكم و فرائد الكلم: جمع القاضي أبي يوسف يعقوب بن سليمان الاسفراييني.

أمثال الإمام وخطبه ورسائله المستلة من كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم.

أصحابه

سلمان الفارسي (رض) وهو من خلّص أصحاب رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) والذي وردت بحقه الكثير من روايات أهل البيت (ع) على رأسها قول النبي (ص): «سلمان منّا أهل البيت (ع)».

مالك الأشتر النخعي، هو مالك بن حارث بن عبدِ يَغوث النَخَعي الكوفي ولد في اليمن وأوّل المبايعين لعلي (ع) والسائرين في ركابه (ع) في حروبه الثلاثة وكان من أبرز القادة في الجمل وصفين والنهروان.

أبوذر الغفاري، هو جندب بن جنادة، ممن سبق إلى الإسلام وكان الى جنب أمير المؤمنين (ع) في حياة النبي (ص) وبعد وفاته، ومن السابقين إلى موالاته والقول بإمامته والممتنعين عن بيعة أبي بكر.

المقداد بن عمرو، (المقداد بن الأسود) من السبعة الأوائل الذين آمنوا بالنبي الأكرم (ص) ومن الملازمين لأمير المؤمنين (ع) بعد رحيل النبي (ص) 25عاماً، ومن المنكرين على أبي بكر تقدمه للخلافة والممتنعين عن بيعته.

كميل بن زياد هو كميل بن زياد النخعي من التابعين ومن خلّص أصحاب الإمامين أمير المؤمنين والحسن (عليهما السلام). ومن أوائل شيعة الإمام المسارعين الى بيعته (ع) والسائرين تحت ركابه في الحروب التي خاضها إبّان حكمه.

عمار بن ياسر، من السابقين الى الإسلام والمؤمنين برسول الله (ص) هاجر الى الحبشة ومنها الى المدينة بعد أن علم بهجرة النبي (ص) اليها، وبعد رحيل النبي (ص) لازم ركاب أمير المؤمنين (ع) وكان من أشد المدافعين عن حقوق أهل بيت النبي (ص)، ولي الكوفة في زمن عمر ولكنه عزل لعدله واستقامه وزهده التي لم ترق للبعض فعاد الى المدينة، وقد لازم أمير المؤمنين (ع) وعاضده في حربي الجمل وصفين والتي استشهد فيها وفيه تحققت نبوءة النبي الأكرم (ص) حينما قال له: «تقتلك الفئة الباغية، فقد أخرج الحافظ أبو نعيم وابن عساكر كما في ترتيب جمع الجوامع 7 ص 72 عن زيد بن وهب …عن رسول الله (ص) قال مخاطبا له: تقتلك الفئة الباغية، قاتل عمار في النار.

إبن عباس، هو عبد الله بن العباس عم النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) روى عن النبي الأكرم (ص) كثيراً. وكان يرى أحقية علي (ع) في الخلافة بعد رحيل النبي (ص) ومن الملازمين له إبّان تصديه للخلافة والمعاضدين له في كل من حرب الجمل وصفين والنهروان، وكان واليه (ع) على البصرة.

محمد بن أبي بكر، (إبن الخليفة الأول)، ولد في السنة العاشرة للهجرة وكان من خاصّة أمير المؤمنين (ع) المعتقدين بإمامت

شاهد أيضاً

الإمام المهدي خليفة الله في أرضه(عجّـل الله فرجه)

انّ النعوت التي وردت في وصف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كثيرة. وأردت أن أستطرق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *