للزمن والوقت مدخلية في إنشاء وطرح العديد من الأسئلة والشبهات داخل القضية المهدوية ومن قبل المؤالف والمخالف على حد سواء.
والمتتبع للروايات والأحداث المهدوية الواردة, يجد هناك بعض الإشارات والوقائع التي تخرق قوانين الزمن المتعارفة والمألوفة…
للزمن والوقت مدخلية في إنشاء وطرح العديد من الأسئلة والشبهات داخل القضية المهدوية ومن قبل المؤالف والمخالف على حد سواء.
والمتتبع للروايات والأحداث المهدوية الواردة, يجد هناك بعض الإشارات والوقائع التي تخرق قوانين الزمن المتعارفة والمألوفة وتخرج عن نطاق العادة. وهذا الخرق ينقسم الناس فيه إلى صنفين:
• صنف يعتبره تأكيداً لصدق وأحقّية القضية وواقعية حدوثها, باعتبار أنّ ذلك من باب المعاجز والكرامات التي لا تصاحب إلا الحق والحقيقة.
• وصنف آخر يعتبر ذلك تأكيداً لخرافة القضية وعدم واقعيتها.
وكلا الصنفين يعتمدان على عوامل عدة ومقومات لا نذكرها لأنها خارج حدود بحثنا هذا.
أريد في بحثي هذا أنْ أبيّن ولو بعض الشيء ومن النواحي العلمية والشرعية إمكانية حدوث تلك الخروقات الزمنية أو لنسمّها الحوادث الزمنية غير المألوفة. ولا أدّعي أنني سأذكر الدليل الشافي والكافي لذلك وإنّما سأذكر ما سيوفقني اليه ربي عز وجل.
وقبل الدخول بصلب الهدف من هذا البحث نذكر بعض تلك الوقائع التي ترد عليها الكثير من الأسئلة والتشكيكات.
– قصر مدة الحمل, أي قصر المدة التي بانت بها علامات الحمل على والدة الإمام المهدي عليه السلام:
ونذكر الحادثة فعن حكيمة ابنة محمد بن علي الرض عليه السلام قالت: قال لي الحسن بن علي العسكري عليه السلام ذات ليلة أو ذات يوم: أحبّ أنْ تجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنه يحدث في هذه الليلة أمر، فقلت ما هو؟ قال عليه السلام: إنّ القائم من آل محمد يولد في هذه الليلة، فقلت ممن؟ قال من نرجس، فصرت إليه ودخلت الجواري فكان أول من تلقتني نرجس فقالت: يا عمّة كيف أنت أنا أفديك، فقلت لها: بل أنا أفديك يا سيدة نساء هذا العالم فخلعتُ خُفي وجاءت لتصب على رجلي الماء، فحلّفتها ألاّ تفعل، وقلت لها: إنّ الله قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه الليلة، فرأيتها لما قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار والهيبة، ولم أر بها حملاً ولا أثر حمل فقالت: أي وقت يكون ذلك؟ فكرهت أنْ أذكر وقتاً بعينه فأكون قد كذبت، فقال لي أبو محمد: في الفجر الأول، فلما أفطرت وصليت وضعت رأسي ونمت، ونامت نرجس معي في المجلس، ثم انتبهت وقت صلاتنا فتأهّبت، وانتبهت نرجس وتأهّبتْ…الخ الرواية.
– تسارع بلوغ الإمام عليه السلام بعد ولادته:
بسند عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه قال: أتيت سامرا ولزمت باب أبي محمد عليه السلام فدعاني، فدخلت عليه وسلمت فقال: ما الذي أقدمك؟ قلت: رغبة في خدمتك، قال: فقال لي: فالزم الباب، قال: فكنت في الدار مع الخدم، ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال، قال فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج فخرجت عليَّ جارية معها شئ مغطى، ثم ناداني أدخل فدخلت ونادى الجارية فرجعت إليه، فقال لها: إكشفي عما معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، فقال: هذا صاحبكم، ثم أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك. ، وفيه: فقال ضوء بن علي: فقلت للفارسي: كم كنت تقدر له من السنين؟ قال: سنتين. قال العبدي: فقلت لضوء: كم تقدر له اليوم أنت؟ قال: أربع عشرة سنة. قال أبو علي وأبو عبد الله ونحن نقدر له إحدى وعشرين سنة.
– طول عمره في فترة الغيبة الكبرى بدون ظهور علامات تقدم العمر: عن الإمام الرض عليه السلام وهو يصف المهدي عليه السلام (علامته أنْ يكون شيخ السن, شاب المنظر, حتى أنّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة او دونها, وأنّ من علاماته أنْ لا يهرم بمرور الايام والليالي حتى يأتيه أجله), وبسند عن محمد بن مسلم قال: دخلت علي أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمدN فقال لي مبتدئاً: يا محمد بن مسلم إنّ في القائم من آل محمدN، شبهاً من خمسة من الرسل: يونس بن متى ويوسف بن يعقوب وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام. فأمّا شبهه من يونس بن متى: فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن….الخ.
هذه الأمور وغيرها تحتاج عند البعض الى تفسير علمي يبررها ويؤكد امكانيتها من الناحية العلمية, والبعض الآخر يحتاج إلى غطاء شرعي ومستند قراني او روائي يسند تلك الوقائع والبعض الآخر قررت نفسه أنْ لا ترضخ لا الى العلم ولا الى الدين وكل بحسبه … ولله في خلقه شؤون.
هذه الامور وغيرها مما هو اغرب منها يؤيدها العلم وتقررها نواميس الطبيعة وشرائع الدين. ونبدأ إن شاء الله ببعض المستندات الدينية ثم العلمية:
أولا: من الناحية الدينية:
• علينا انْ نعرف بأنّ قضية الإمام المهدي عليه السلام هي قضية إلهية, وانها بعين السماء, والله يفعل ما يريد …!, فلا الزمن يقف إمام إرادته ولا احد غيره من خلقه.
• دلنا القران الكريم على بعض الامور الواقعة التي اخترقت قوانين الزمن والتي منها (عمر نوح عليه السلام, الخضر عليه السلام, اهل الكهف عليهم السلام, عزير عليه السلام وطعامه وحماره, الإسراء والمعراج, …الخ).
• دلتنا بعض الروايات على بعض الاحداث التي تتطابق واحداث الامام المهدي عليه السلام ومنها, عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام يقول: في القائم منا سنن من الأنبياء: سنّة من أبينا آدم وسنّة من نوح وسنّة من إبراهيم وسنّة من موسى وسنّة من عيسى وسنّة من أيوب وسنّة من محمد عليهم السلام. فأما من آدم ونوح فطول العمر…الخ الرواية.
• هناك بعض الاعمال تكون من احدى ثمراتها الدنيوية إطالة العمر, كالصدقة, فأورد الصدوق في كتابه ثواب الأعمال مسنداً إلى الإمام الباقر عليه السلام قال (البِر والصدقة ينفيان الفقر, ويزيدان في العمر, ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء).
• للأئمة عليهم السلام الولاية التكوينية والتشريعية, أي لهم من الله عز وجل السيطرة على الكثير من القوانين الطبيعية والتشريعية, وهذا ثابت في محله, فالماضي والمستقبل عندهم بمنزلة الحاضر, وما حادثة رد الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام الا دليلاً على ذلك.
ثانياً: من الناحية العلمية:
• الزمن من الناحية العلمية يتأثر بالعديد من المؤثرات ومن اهمّها المكان, فنلاحظ مثلاً على الكرة الارضية يختلف طول وقصر الايام من خط الاستواء الى الاقطاب, فلا يتعدى طول اليوم الواحد في بعض المناطق اكثر من سويعات قلائل, وكذلك السنوات الارضية تختلف عن سنوات الكواكب الاخرى, فسنة المريخ مثلاً تعادل ثلاثين سنة ارضية وهكذا. وكذلك يتأثر بالسرعة, فهناك تجارب اكدت بأنّ الزمن يتمدد بزيادة السرعة, ومن ضمن ما قالوا هو ( لو زادت سرعة إنسان ما (في سفينة فضاء مثلا) إلى حوالي ٨٧% من سرعة الضوء, فإنّ الزمن يبطؤ لديه بمعدل٥٠%, فلو سافر على السفينة لمدة عشرة أعوام -مثلا- فسيجد ابنه المولود حديثًا قد أصبح عمره عشرين عامًا، أو أنّ أخاه التوأم يكبره بعشرة أعوام) وكذلك يتأثر الزمن الذي يمر بالانسان بنفسية ذلك الانسان, فالساعة التي تقضى بين الاحبة والاعزة ليس كطول الساعة التي تمر ما بين الاعداء والبغضاء, وكذلك بالحالة التي يمر بها الانسان, فساعة النوم ليس كساعة اليقظة, وما شئت فقس.
• إنّه من الناحية العلمية الدقيقة لا يوجد عمر محدّد للمخلوقات حيث تبدو لأول وهلة _وعندما يُنظر إلى الأجزاء الدقيقة من هذه المخلوقات (اعني الخلية) أو بشكل أدق (إلى الذرات منها)_ تبدو وكأنها سوف تعيش للأبد.
• أُثبت علمياً بأنّ جسم الإنسان يمكن إخضاعه لبعض الأمور التي تزيل تأثير تقدم الزمن عليه, ومنها تجارب التجميد الناجحة والتي تحافظ على حيوية الخلايا ما بقي, او بعض العقاقير التي تعيد شباب بعض الخلايا ومنها الجلدية أو الدموية, أو ممارسة الرياضة أو بعض الحركات, أي تم إزالة تأثير قانون تأثّر تقدم العمر على الإنسان بنسب معينة.
• كما استطاع انْ يؤخر مرور الزمن, استطاع انْ يقدمه, منها تحفيز بعض الخلايا التي لا تتحفز إلاّ بعد مرور سنوات عدة والتي تشير الى مراحل معينة من عمر الإنسان, ومنها تسريع تفقيس بيض الدجاح بحيث اختزلت الأسابيع بساعات, واستطاع أيضاً انْ يعجل عمر الدجاجة وجعلها تصل إلى عمر شهور من خلال مرور أيام لا تتعدى الأربعين يوماً …!
• استطاعت التكنولوجيا الحديثة انْ تختزل الزمن أيّما اختزال, فأصبحنا في عصر السرعة, فما كان يقضى بسنوات أصبح يقضى بساعات وأقل.
أُريد من كل هذا انْ اثبت بأنّ كل ما يرد في قضية الإمام المهدي عليه السلام من خرق للعادة وخروج عن المألوف هو داخل دائرة الإمكان.