استخدم مصطلح القبض والبسط في مجالات عدَّة وعلوم شتّى لا نجد لذكرها مجالاً يتَّسع له هذا المقال، وما نريد الحديث عنه هو البسط والقبض الكوني، زماناً ومكاناً في عصر الظهور.
وبعبارة أخرى البحث عن سعة الزمان والمكان في عصر الظهور وضيقه، أي إنَّ الزمان هل يبقى على حاله كما نعهده اليوم…
استخدم مصطلح القبض والبسط في مجالات عدَّة وعلوم شتّى لا نجد لذكرها مجالاً يتَّسع له هذا المقال، وما نريد الحديث عنه هو البسط والقبض الكوني، زماناً ومكاناً في عصر الظهور.
وبعبارة أخرى البحث عن سعة الزمان والمكان في عصر الظهور وضيقه، أي إنَّ الزمان هل يبقى على حاله كما نعهده اليوم وكما هو منذ مديات مديدة وأزمنة بعيدة، أم يمكن أن يتوسَّع وينبسط أو ينقبض وينكمش؟
ومن الواضح أنَّنا لا نتحدَّث عن الإمكان، فهو ممكن بلا شكّ، إذ لا حدود لقدرة الله تعالى، سواء قلنا بأنَّ الزمان من المفاهيم الحقيقية الواقعية أو المفاهيم المنتزعة من حركة الأفلاك كما هو الصحيح.
إذن الحديث ينصبُّ حول وقوع البسط الزماني والمكاني لا عن إمكانيتهما لعدم الشكّ في الأخير.
وقبل أن نتعرَّض للروايات الدالّة على التوسعة الزمانية والمكانية في عصر الظهور لا بدَّ من ذكر مقدمة مختصرة عن الولاية التكوينية للإمام عليه السلام تتناسب مع هذه الأسطر، وللتفصيل محلّه الخاصّ في كتب الأعلام.
فنقول: لا شكَّ في ثبوت الولاية التكوينية للأئمّة عليهم السلام بأعلى مراتبها، وإذا فُسّرت بأنَّها القدرة على التصرّف في مجريات الكون لغير أهل البيت عليهم السلام فهي ثابتة لهم عليهم السلام بهذا المعنى وبما هو أعمق منه، إذ أنَّنا نعتقد أنَّ الكون والخلق بأجمعه ما هو إلاَّ ترشّح من فيض وجودهم المقدَّس كما جاء في التوقيع الشريف: (نحن صنائع ربّنا، والخلق بعد صنائعنا)، وفي المعنى الأوّل كفاية لمن اعتبر، فقد نصَّ القرآن الكريم على ثبوتها لمن هو دونهم مقاماً ورتبةً وعلماً، قال تعالى حكاية عن الإتيان بعرش بلقيس: (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)، وهناك عشرات الأدلَّة القرآنية والروائية للتدليل على صحَّة ما ذهبنا إليه، فقد ورد في الحديث الشريف: (أنَّه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى كلّ منخفض من الأرض، وخفض له كلّ مرتفع منها، حتَّى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟)، مضافاً إلى أقوال أعلام الطائفة.
إذن فالأدلَّة العامّة تقتضي خضوع العالم الإمكاني لإرادة المعصوم عليه السلام، فمن الطبيعي أن يكون بقدرته التصرّف في سعة الزمان والمكان وضيقه، وهو ما اصطلحنا عليه بـ (البسط والقبض الزماني والمكاني)، فإذا دلَّت الروايات على وقوع ذلك مع إمكانيته عقلاً بل وقوعه حقيقة فمقتضى المنهج العلمي القبول بذلك، إذ نحن كما جاء في المأثور: (نحن أبناء الدليل أين ما مال نميل).
ولا معنى لاستبعاد البسط الزماني بل إنكاره لمجرَّد الاستيحاش منه، ورمي القائل به بالغلوّ أو الصوفية وغيرها، وهذا ما نستغربه من بعض الأعلام كالعلاَّمة المجلسي قدس سره حين تعرّضه لقضيّة الإمام الجواد عليه السلام وإجابته على ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد، فنقل رواية عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: استأذن على أبي جعفر عليه السلام قوم من أهل النواحي فأذن لهم فدخلوا فسألوه في مجلس واحد ثلاثين ألف مسألة فأجابه وله عشر سنين. فذكر قدس سره عدَّة أوجه لبيان الحديث منها: (الخامس: أن يكون مبنياً على بسط الزمان الذي تقول به الصوفية، لكنَّه ظاهراً من قبيل الخرافات).
وسيتَّضح من خلال طيّات بحثنا أنَّه ليس بخرافة ولا قول الصوفية، بل هو أمر ممكن عقلياً وعلمياً، وواقع وحاصل أيضاً.
ولعلَّ في قوله تعالى: (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) تعبير واضح عن البسط المكاني، وفيما ثبت من طيّ الأرض للأئمّة عليهم السلام وللكثير من الأولياء، كما في تجهيز علي عليه السلام سلمان الفارسي عند موته، والإمام في المدينة وسلمان في المدائن دليل على ذلك.
ولنستعرض الروايات التي تشير إلى البسط الزماني في عصر الظهور، بل بعضها تصرّح بذلك، وفيها جواب على ما أنكره المجلسي قدس سره ونسبه إلى الخرافة.
الرواية الأولى _وهي صريحة في الباب_: عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام_ في حديث طويل_ أنَّه قال: (إذا قام القائم عليه السلام … فيمكث على ذلك سبع سنين، مقدار كلّ سنة عشر سنين من سنيكم هذه، ثمّ يفعل الله ما يشاء)، قال: قلت له: جُعلت فداك، فكيف تطول السنون؟ قال: (يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلَّة الحركة، فتطول الأيّام لذلك والسنون)، قال: قلت له: إنَّهم يقولون: إنَّ الفلك إن تغيَّر فسد، قال: (ذلك قول الزنادقة، فأمَّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك، وقد شقَّ الله القمر لنبيّه عليه السلام، وردَّ الشمس من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة وأنَّه (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).
الرواية الثانية _وهي صريحة أيضاً في المقصود_: عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث له اختصرناه، قال: (إذا قام القائم عليه السلام … ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطئ في دوره حتَّى يكون اليوم في أيّامه كعشرة من أيّامكم، والشهر كعشرة أشهر، والسنة كعشر سنين من سنيكم…).
الرواية الثالثة: ذكر الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد فقال: (قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه السلام وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات، فمنها …)، ثمّ يذكر عدَّة علامات حتَّى يقول: (وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب…).
ولعلَّ في تسميته عليه السلام بـ (صاحب الزمان) من قبل الأئمّة عليهم السلام إشارة إلى تفعيله القدرة على إخضاع حركة الزمان لإرادته، وقد نوفَّق لبحث سبب التسمية بشكل مفصَّل إن شاء الله تعالى.