لا یخفى علیكم أیها المؤمنون أنَّ الصالحین والمستضعفین موعودون بوراثة الأرض وقیادتها على ید الإمام المهدی المنتظر علیه السلام وهذا وعد ربّانی من الخالق العظیم وأنَّه صادق الوعد ، ولكن فی نفس الوقت أنّهم مبتلون فی مسیرتهم الدنیویة بامتحان عسیر تقتضیه الحكمة الإلهیة لاختبار الناس فی طاعتها وانتمائها لیتم التمییز والتمحیص والفرز بینهم وفق القانون الإلهی العادل فی عملیة الفرز والتقییم لینال كلٌ منهم جزاءه واستحقاقه من الثواب أو العقاب ، وهذا الجزاء لا یأتی عن فراغ بل هو مخاض لمسیرة تتوالى فیها على الناس الكثیر من البلایا والفتن والبدع والانحرافات الفكریة والسلوكیة كما قال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحیم
قال تعالى: (ونُرید أن نَمَُنََّ على الذین أستُضعفوا فی الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثین)(1) وقال تعالى : (ولقد كتبنا فی الزبور من بعد الذكر أنَّ الأرض یرثها عبادی الصالحون)(2).
لا یخفى علیكم أیها المؤمنون أنَّ الصالحین والمستضعفین موعودون بوراثة الأرض وقیادتها على ید الإمام المهدی المنتظر علیه السلام وهذا وعد ربّانی من الخالق العظیم وأنَّه صادق الوعد ، ولكن فی نفس الوقت أنّهم مبتلون فی مسیرتهم الدنیویة بامتحان عسیر تقتضیه الحكمة الإلهیة لاختبار الناس فی طاعتها وانتمائها لیتم التمییز والتمحیص والفرز بینهم وفق القانون الإلهی العادل فی عملیة الفرز والتقییم لینال كلٌ منهم جزاءه واستحقاقه من الثواب أو العقاب ، وهذا الجزاء لا یأتی عن فراغ بل هو مخاض لمسیرة تتوالى فیها على الناس الكثیر من البلایا والفتن والبدع والانحرافات الفكریة والسلوكیة كما قال تعالى: ((ولنبلونكم بشیء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرین))(3)، وجمیع ذلك قد حصل فی بلدنا الحبیب (العراق) ونحن نقرأ ونسمع ونشاهد كیف أنّ المسیرة البشریة تتعرض بین حین وآخر إلى انتكاسات وظهور بدع وشبهات وانحرافات مختلفة وتحت مسمیات كثیرة وخصوصاً فیما یتعلق بالعقیدة التی هی أساس الإیمان عند الإنسان وبالأخص فیما یتعلق بحدیثنا عن العالم الإسلامی وما یُواجهه من تحدیات ومؤامرة الجهات الإستكباریة الصانعة والداعمة والمُروّجة لهذا الانحراف من أجل تمریر أهدافهم الشیطانیة وتذویب حركات التحدی والممانعة لهم تحت أغطیة متعددة تُوهم المُغفلّین بمشروعیة الإحتلال لمنح الشعوب الحریة وفرض الولایة القسریة علیهم وباسم التحضر والمدنیة وعصر العلم والفضاء یستعبدون الشعوب وبذریعة ترویج الدیمقراطیة الوهمیة والتعددیة الفاسدة وحریة التعبیر عن الرأی یقذفون سمومهم التی تُقسّم البلاد الإسلامیة وتقدح بالأنبیاء والأوصیاء والصالحین وتتهجم على القرآن بادعائهم أنَّه من النصوص القدیمة التی لا تُعالج مستحدثات ومتطلبات الحیاة العصریة وما إلى ذلك من الدعاوى والأباطیل السّامة والمثیرة للفتن والانحراف والصراع ، وتستغل فی ذلك ضعفاء العقول وأرباب المصالح والعملاء لتستعملهم كأدوات فاعلة لتهدیم البنى العقائدیة فی عالم الفكر والإیمان وبالتالی نشرها وتفعیلها على الواقع السلوكی فی تطبیقات منحرفة ینتج من ورائها الفتنة والفوضى والنزاع والصدام بین المسلمین ، وهذا مما یُنعِش الأعداء ویُضعف قوّة المسلمین ، فتتركز الشبهات والفتن وبتدبیر مدروس وممنهج على كل ما یدعوا إلى تقویض مملكة الشیاطین على الأرض ، وتحدیداً فیما یتعلق بالإمامة العظمى للمعصومین علیهم السلام وما یتفرع عنها من قیادات رسالیة للشعوب من المراجع الربّانیین والعلماء الرسالیین ، وما تُثار فی شأنهم من الشبهات والأباطیل لأجل الفصل والعزل بین القیادات والجماهیر ، وحینئذٍ یسهل على الذئاب والكلاب افتراس الغنم لكونها بلا راعی ، وهذه نتیجة خطیرة على الشعوب الإسلامیة ، فیجب أن لا ننسى تلك الممارسات الإرهابیة المنظمة من قبل سلاطین الإستكبار فی العهود الماضیة وحتى یومنا هذا بشأن المعصومین علیهم السلام وأتباعهم المخلصین من القیادیین والسائرین على خطهم من المطاردة والتهجیر ومصادرة الحقوق والتصفیة الجسدیة ، لنفهم أنَّ ما یُطرح بین آونة وأخرى من شبهات وانحرافات تثیرها حركات عقائدیة وسیاسیة منحرفة فیما تخص قضیة المهدی المنتظر علیه السلام هی داخلة فی سلسلة تاریخیة بعیدة الزمن منذ ما یزید على الألف وثلاثمائة سنة ولكنها تتكرر وتُستغل فی أزمنة متعاقبة بعناوین جدیدة ومفردات مستحدثة ووجوه متغیرة ، لأنّ المستكبرین الطغاة وبمختلف دیاناتهم وطوائفهم وأعراقهم وأیدیولوجیاتهم یُدركون أنّ المهدی الموعود علیه السلام یُشَكّل الخطر الأول على وجودهم وكیانهم ومصالحهم باعتباره القائد العالمی بقیادة مركزیة واقعیة یتفق جمیع العالم على انتظاره وظهوره فی آخر الزمان كمنقذ ومخلّص للبشریة من الظلم والطغیان ویُحقق العدالة للمظلومین والمستضعفین تحت رایة دولته العالمیة ، وإن كانوا یختلفون فی تسمیته علیه السلام بحسب موروثهم الدینی والاجتماعی واختلاف لغاتهم حتى یُقال أنَّه یُسمّى فی بعض المجتمعات الغربیة بالرجل الخارق ، إذن الخوف والخشیة من هذه القیادة هو الذی دفع قوى الإستكبار العالمی للتهیأ والإستعداد والممارسة فی مواجهة الإمام علیه السلام وشن الحرب الإستباقیة علیه وَلِشَلْ وتعطیل حركة مناصریه ولو بمقدمات إعلامیة إن لم تكن عسكریة وهذا قبل ظهوره فتعتمد الكذب والتحریف والتضلیل لتسخیف قضیة الإمام المهدی علیه السلام وتوجیه الرأی العام إلى كونه وهم وخرافة ، هذا من جانب وأما الجانب الآخر من المؤامرة هو السیطرة على عقول بعض الناس من خلال عرض شبهات وأباطیل تعتمد تطبیقات فاسدة ومنحرفة عن الخط الإسلامی الصحیح وبدعاوى ما أنزل الله بها من سلطان كقضیة السعی لتعجیل ظهور الإمام علیه السلام بارتكاب الفوضى والفساد والفاحشة والقتل والصلاة عاریاً وتهدیم العتبات المقدّسة وغیر ذلك من الأباطیل والدعاوى التی یكون العامل بها هدفاً لاستحقاق العقاب فی الدنیا والآخرة ، وارتكاب مثل هذه القبائح والمظالم هی من المغالطات السفسطائیة التی یسخرون بها من عقول الناس ویستخفّون بعقیدتهم وإیمانهم وعباداتهم ، لأنَّ تعجیل ظهور الإمام علیه السلام إنما یكون بالطاعة والدعاء والتمهید له بالإعداد النفسی والإیمانی والجماهیری والتسلیحی ولو سهماً كما فی نص الروایة وهو كنایة عن عموم السلاح وهذا ثابت فی المعتقد السلیم حتى یأذن الله تعالى له بالخروج ، ولیس كما یُروّج له المنحرفون عملاء الإستكبار بأنَّ التعجیل إنما یتم بارتكاب الفوضى والمعاصی والفساد وإشاعته بین الناس ، والعجب كیف أنّهم یُبشّرون العالم بالمهدی الموعود علیه السلام وهم ینحرفون فی سلوكهم وفكرهم عن منهج الإمام علیه السلام ؟!!! فیُوقعون أنفسهم والآخرین بالمهالك والمحارق ، والعاقل یفهم ، بماذا یستفید الإنسان إذا انحرف لیكون سبباً لتعجیل ظهور الإمام علیه السلام ؟!!! فإنه إذا حصل التعجیل أو لم یحصل فإنه واقع فی الإنحراف وتلبّس بالجریمة ویشمله غضب الإمام علیه السلام وینال منه العقوبة الدنیویة إن ظهر علیه وفی الآخرة ینتهی إلى جهنم وبئس المصیر ، وهذا دلیل على سفه المُدّعین وضعف عقولهم وانحدارهم إلى أرذل المستویات الخُلقیة ، كما أنّه استهانة واستخفاف بعقول الناس ، و ارتكاب مثل هذا العمل إنما ینخرط فی إطار المخطط الصهیونی العالمی سواء كان المرتكب واعیاً لذلك أو واقعاً تحت التضلیل والتغریر بالجهل ، ثمّ لنعلم جمیعاً أنَّ الإمام إنما یأمر بالطاعة والدعاء والخیر والصلاح وینهى عن الفوضى والمعصیة والفساد وعموم الشر ، وهذا یكشف أیضاً على أنَّ هؤلاء أعداء الإمام علیه السلام یُخالفون أوامره ویُنفذون مخططاً تدمیریاً لقواعد الإمام علیه السلام وأنصاره ویضللون الناس عن متابعة قائدهم فی مسیرته الإسلامیة الصحیحة ، وأیضاً یُثبت مخططهم هذا أنهم لا یُحبّون الإمام علیه السلام ولا ینصرونه بدلیل مخالفتهم لأوامره ، فلا یتابعون فیما أمر من الرجوع فی غیبته إلى الفقهاء الأمناء الحافظین لدینهم والنابذین للهوى بل صاروا یُحاربوهم ویأمرون الناس بقتلهم ، وهذا فساد كبیر فی الأرض ، وقد كشف الله سبحانه عن حقیقة الحُب وواقعیته بقوله تعالى : (قل إن كنتم تُحبّون الله فاتبعونی یُحببكُم الله ویغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحیم)(4)، فالحُبْ هو المتابعة والطاعة والنصرة للمعصوم علیه السلام ومن یسیر على خطاه ولا یقتصر على العاطفة الإنسانیة كما أنّه لیس فی الحب مخالفة أوامر المحبوب وتشریعات دینه السماویة ، والفقهاء العدول أمناء على الدّین والإمتداد الطبیعی للخط الرسالی فی الدعوة وقیادة المجتمع وحفظ النظام العام بما تأمر به الشریعة المقدّسة ، وهذا ثابت بالنص ودلیل العقل .
كما أنَّ من یدّعی أنَّه (المهدی) أو یدعی السفارة عنه وهم كُثُر عبر التأریخ لتضلیل الناس والذهاب بهم بعیداً عن الإسلام وقیاداته الشرعیة الحقیقیة فإنّه یقع فی كثیر من الأباطیل بالإضافة إلى ما یقع به من الفشل وسخریة القدر ، لكونه لا یملك صلاحاً لنفسه ولا لأتباعه ، وفاقد الشیء لا یُعطیه ، فكیف سیصلح العالم ویُقیم الدولة الموعودة وهو لا یملك العصمة ولا الأهلیة والاستعداد الذاتی للسفارة ؟ !!! ثُمّ أنَّ الإمام علیه السلام لا یموت حتى یملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا ، فكیف الحال بالمدّعین أنهم یموتون ویُقتلون وهم عصاة مردة لم یُحققوا الصلاح لأنفسهم فضلاً عن الآخرین؟!!! إذن الدعاوى الباطلة والشبهات والفتن فی هذا المجال كثیرة ولا یسع المقام تفصیلها فی هذا البیان المختصر الذی هو تذكرة وموعظة لعلها تنفع المؤمنین وتساهم فی نشر الوعی والثقافة والإصلاح ، وهذه مسؤولیة شرعیة ووظیفة حركیة میدانیة لمواجهة الإنحرافات تقع على عاتق العلماء والمبلّغین كما عن الصادقین علیهما السلام: (إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن یُظهر علمه فإن لم یفعل سُلِبَ نور الإیمان) ، فینبغی على الدعاة والمبلغین وقادتهم أن یضعوا موازنة صحیحة فی الأداء والتبلیغ والعمل فی مجالات عملهم الإسلامی سواء كانت فی مجال إحیاء الشعائر الحسینیة والعرض التأریخی أو فی المجال السیاسی أو العقائدی أو الفقهی أو التربوی إلى غیر ذلك ، فلا یصح تغلیب جانب و إهمال جانب آخر أو الغفلة عنه أو التقصیر فی أداء الرسالة فیؤدی إلى إحداث ثغرة أو ثغرات قد تتسع سلبیاً مما ینجم عنها تفاقم الوضع كما هو حاصل الیوم فإنَّ فی ذلك مسؤولیة شرعیة واجتماعیة وسیاسیة ، إضافة إلى هذا إذا لم تتم برمجة المواجهة واستئصال هذه الفتن والبدع والأباطیل بأسالیب متعددة منها عقد الندوات والمؤتمرات العلمیة التصحیحیة وإصدار الكتب والدراسات والبیانات المجانیة والمدعومة لمعالجة الانحرافات وبثها ونشرها فی العالم ومواجهة المد الصهیونی العالمی لتحریف خطوط الإسلام الفكریة ووضع حصانة للمؤمنین بخلق الوعی والتثقیف والارتباط الصحیح فإنَّ فی التسامح والتقصیر والعیاذ بالله سیطال شرّها الجمیع فی الدنیا وكذا السؤال عنها فی الآخرة ، قال تعالى : (واتقوا فتنة لا تُصیبَنَّ الذین ظلموا منكم خاصّة واعلموا أنَّ الله شدید العقاب)(5).
وعلى الحكومة أن ترعى شعبها وترفع عنه الظلم وتحقق له العدالة وتوفر له فرص عمل متكافئة وسبل العیش الكریم ، لأنّ الحرمان والظلم من الآفات المهلكة ومن الأسباب التی قد تدفع بالإنسان إلى الانحراف الفكری والسلوكی ، وإن كان هذا الانحراف غیر مبرّر لهم شرعاً وعقلاً.
أیها الأحبَّة اتقوا الله واحذروا الفتن والبدع والانحرافات الفكریة والسلوكیة التی تمر علیكم كقطع اللیل المظلم ، وحصِّنوا أنفسكم وأهلیكم بالوعی والعلم والثقافة الإسلامیة ومتابعة المراجع الربّانیین والعلماء الرسالیین ، وابتعدوا عن دائرة الشبهات والفتن والضلالة فإنَّ فی الإبتعاد عنها سلامة لدینكم ونجاة لكم فی الدنیا والآخرة ، وعلینا جمیعاً متابعة وظیفتنا الشرعیة فی عصر الغیبة من الانتظار والصبر المقرونان بالدعاء بالفرج لتعجیل ظهور الإمام علیه السلام والطاعة والعمل للإسلام والتمهید لظهوره والإعداد اللازم لذلك على المستوى النفسی والقاعدة الجماهیریة من الأنصار وغیرها مما تتطلبه النصرة الشرعیة الصادقة ، وینبغی العلم أنَّ ظهور الإمام علیه السلام لا یخفى على أحد من العالمین لأنَّ الصیحة حین ظهوره یسمعها العالِم والجاهل والأصم ، العدو والصدیق وفی حال النوم والیقظة ، وانكشاف العلامات والخطابات بشكل جلی للجمیع ، ولا تحتاج حینئذٍ إلى جهد كبیر فی معرفة ذلك وإلاّ كیف یمكن أن تتم الحجّة على الناس أجمعین ؟ !!! إذن لا تنخدعوا بهذه الصیحات الباطلة الجوفاء واسترشدوا بعقلكم ودینكم وبالمراجع الربّانیین والعلماء الرسالیین وكونوا مع الصادقین ، ونسأل الله تعالى حسن العاقبة لنا ولكم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمین وصلِّ اللهم على سیدنا محمد وعلى آله الطیبین الطاهرین ، وعجِّل اللهّم فرج ولیك الحجّة بن الحسن علیه السلام واجعلنا من أنصاره وأعوانه والذابّین عنه والطالبین بثأر جدّه الحسین علیه السلام والمستشهدین بین یدیه آمین ربِّ العالمین .
الهوامش:
(1) القصص5
(2) الحج105
(3) البقرة 155
(4) آل عمران31.
(5) الأنفال25.