مما يستشف من كلام المفكرين هو تركيزهم على محاولة الوصول إلى الأقل المجزي (كما يعبرون) في شكل الدول التي رسمتها أخيلتهم، وأوضحوا شكلها حسب ما يتمنون، وبينوا طرق الوصول إليها حسب ما يعتقدون، هي دول تضمن أقل العيش للإنسان, اما في دولة العدل الإلهي دولة الإمام المهدي عليه السلام…
مما يستشف من كلام المفكرين هو تركيزهم على محاولة الوصول إلى الأقل المجزي (كما يعبرون) في شكل الدول التي رسمتها أخيلتهم، وأوضحوا شكلها حسب ما يتمنون، وبينوا طرق الوصول إليها حسب ما يعتقدون، هي دول تضمن أقل العيش للإنسان, اما في دولة العدل الإلهي دولة الإمام المهدي عليه السلام فالأمر مختلف، فانها دولة تسعى إلى الحصول على أعلى درجات العيش الممكنة لكل من الإنس والجن على حد سواء. وسنضيف هنا أقوال فلاسفة مشهورين تدل على أصالة الدولة العالمية، أو فكرة الحكومة العالمية الواحدة نقلاً عن كتاب (المهدي قادم):
فالفيلسوف اليوناني (بلوتاك) يقول: (يجب على الإنسان أن لا يقضي حياته في جمهوريات متعددة انقسمت على بعضها بسبب اختلاف قوانينها, بل على الناس جميعاً أن يشكّلوا مجتمعاً واحداً ويتّبعوا قانوناً واحدا, أي يكونوا قطيعاً واحداً تحت قانون واحد ويرعى في كلأ واحد).
و(ولتر ليمبيس) يقول في كتابه (الفلسفة الاجتماعية): (إن الحياة الطويلة والمتكررة لهذه العقيدة بأن يكون للعالم حكومة عالمية واحدة قد نشأت منذ عصور سحيقة، وخاصة عندما واجهت البشرية بعض القضايا السياسية والاجتماعية, حيث يحتاج الأمر إلى قانون واحد من أجل تعيين مسيرها وتأمين سعادة المجتمع الإنساني برمته).
امّا (برتراند رسل) يقول: (…وربما يستطيع المجتمع الإنساني بما لديه من تجارب مرة أن يتعلم شيئاً جديداً من كل تلك الأحزان, فإن هناك الكثيرين الذين يحتفظون بعقولهم سليمة وآمالهم ايجابية, وعلى هذا فطالما كان هناك مفكرون وقادة سياسيون وعسكريون: فإنّ الأمل في حكومة عالمية واحدة يبقى مراد تلك العقول والقلوب).
جمهورية إفلاطون: يميل (إفلاطون) في (جمهوريته) إلى ضرورة تسليم الحكم الى الفلاسفة , فسلطة الملوك هي أولى بهم. ويضيف (إلى ان أولى الفلاسفة هو أكثرهم تحلياً ببعض الصفات كالمهارة العملية والصدق، وان يكون بعيداً عن النسيان وذا ذاكرة قوية، بالإضافة الى الرجولة والسمو في النفس والسرعة في الإدراك، إلى غيرها من الصفات التي يسميها بالخلق الفلفسي المكمل للفيلسوف.
اما (الفارابي) فيحدد مواصفات الرئيس الذي لا يرأسه إنسان آخر بأثنتي عشرة خصلة فطرية فيه، ومنها واحدة جسمية وهي (أن يكون تام الأعضاء), وثلاثة عقلية هي (جودة الفهم، جودة الحفظ، والفطنة والذكاء), وواحدة للسان وهي (أن يكون حسن العبارة والإبانة), وواحدة للعلم وهي (ان يكون محباً للعلم والاستفادة، منقاداً له), وستة أخرى للاخلاق وهي (ان يكون غير شره على المأكول والمشروب والمنكوح وبقية اللذائذ، محباً للصدق واهله، ومبغضاً للكذب واهله، كبير النفس محباً للكرامة، ان يكون الدرهم والدينار وسائر اعراض الدنيا هينة عنده، محباً للعدل وأهله ومبغضاً للجور والظلم وأهلهما، قوي العزيمة على الشيء الذي يرى أنه ينبغي أن يفعل مقداماً غير خائف)، ويعلق بالقول (واجتماع هذه كلها في انسان عسر, فلذلك لا يوجد من فطر على هذه الفطرة إلا الأقل الأندر من الناس). ثم يضيف ست صفات مكتسبة غير فطرية يجب أن يكتسبها عند الكبر وهي (الحكمة، وأن يكون عالما بالشرائع والسنن الخاصة بالمدينة، أن يكون له جودة استنباط فيما لا يحفظ فيه شريعة، ثم روية وقوة استنباط الحوادث الحادثة والجديدة، مجيدا لتعليم الشرائع، أن يكون معه الصناعات الحربية).
فالاتفاق واضح في كل من مبادىء دولة العدل الإلهي وما يصبو إليه كل من افلاطون والفارابي من المواصفات التي يجب ان يتحلى بها قائد الدولة.
وإنّ مبدأ عدالة سلطة الدولة كمقدمة لعدالة المجتمع، واضح الاتفاق عليه في دولة العدل والجمهورية والمدينة الفاضلة سواء كان الاتفاق تصريحا أو تلميحا.
ثمة موضوع مهم هو: مواصفات حاكم الدولة (دولة العدل الإلهي) فمن أساسيات هذه الدولة هو وجود قائد لها يتميز بالعصمة والحكمة والكمال والتأييد الرباني وحنكة السياسة والرئاسة وهو الامام المهدي عليه السلام. لأن العدالة تبدأ اولاً من الحاكم والطبقة الحاكمة ثم بعدها يكون من الممكن تكوين العدالة في باقي أجزاء الدولة، والأولى مقدمة واجبة للثانية نفيا واثباتاً.
انّ النظام العالمي المعاصر في واقعنا المعاش نرى فيه أن الدول بدأت تنتظم داخل مجاميع ومنظمات وهيئات وتحالفات سواءً على المستوى الاقليمي أو العالمي, وما هذا إلا اعتراف عملي من قبلها بالضرورة الملحة إلى قوانين تعمم على أكثر من دولة، بل إلى الدول جميعاً بأنه يجب أن تدخل البشرية ضمن قوانين وشرائع موحدة, وان يتفق البشر على الحسن والقبيح على حد سواء ولا يمكن اقامة معمورة هادئة في حالة وجود اختلاف في استحسان الحسن ونبذ القبيح.
وبفضل التقدم التكنولوجي والتطور العلمي أصبح العالم كأنه دولة واحدة أو كما عبر بأنه (قرية صغيرة), وكذا بدأت شعوب العالم تدرك وبنسب معينة القيادات الصالحة من الفاسدة, وبدأت تمقت الطواغيت وأصحاب الفكر المتطرف, وبدأت هذه الشعوب تعي ما لها وما عليها نوعاً ما.
ونستنتج من كل هذا أن دولة العدل الإلهي بمواصفاتها ومميزاتها وطرائق تكوينها وانشائها هي الحل الوحيد لهذا الكون والخروج من مآزقه, كذلك انها واقعية الوجود وممكنة الحدوث بل واجبة الحصول وبأسرع وقت ممكن.
ولا يغيب عنا بهذه المناسبة نقد نظام العولمة الذي تتبناه بعض الدول التي ترغب في الهيمنة على رقاب الناس, هذا النظام الذي طفحت سلبياته على وجه المعمورة, فليست العولمة إلاّ مشروع تجاري آخر يهدف إلى استعمار العالم بأدوات ثقافية ومعلوماتية تحت غطاء إعلامي وسياسي مبتكر.
إن العولمة في أدواتها الأخطبوطية تطرح الديمقراطية وحقوق الإنسان أهدافاً نبيلة لتسعى في نشرها عالمياً لاجل تدويل سلطاتها ونشر قيمها الخاصة.
إنّ العولمة لا تستطيع ان تحقق المجتمع العالمي الواحد لأنها لا تمتلك المقومات الإنسانية الأساسية لتحقيق ذلك، لانها تعتمد بشكل كبير على الوسائل المادية والمصالح الآنية وهذا يقودها في اتجاه معاكس، نحو الفوضى والحرب والتشرذم.
ان مقومات تحقيق المجتمع الإنساني الواحد يعتمد بشكل كبير على العنصر الإنساني المعنوي وليس على العنصر المادي أو الأدواتي، لانّ المشاركة الإنسانية المتكاملة تنشأ من عملية التناغم الثقافي والتفاهم الفكري وليس من عملية التبادل التجاري او التواصل المعلوماتي فقط.