المهدوية الحقة في روايات أهل البيت عليهم السلام

السيد محمد جعفر القبانجي
قال الصدوق رحمه الله في (كمال الدين): (حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيوب بن نوح قال: قلت للرض عيله السلام: إنا لنرجو أن تكون صاحب…

قال الصدوق رحمه الله في (كمال الدين): (حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيوب بن نوح قال: قلت للرض عيله السلام: إنا لنرجو أن تكون صاحب هذا الامر وأن يردّه الله عز وجل إليك من غير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك، فقال: ما منا أحد اختلفت إليه الكتب، وسئل عن المسائل وأشارت إليه الأصابع، وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله عز وجل لهذا الامر رجلا خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه.
بعد قراءة هذا الحديث الشريف والتأمل في مضامينه العالية يمكن أن نبحث فيه من لحاظين:
الأوّل: لحاظ كلام السائل، ونحاول أن نفهم أوضاع شيعة أهل البيت عيله السلام في ذاك الزمن ومتطلعاتهم من لسانه.
الثاني: لحاظ كلام الإمام الرض عيله السلام.
اللحاظ الأوّل:
من كلام السائل _وهو أيوب بن نوح_ نستطيع أنْ نفهم حالات مشتركة بين شيعة عصر النص وشيعة عصر الغيبة.
الحالة الأولى: أنّ الشيعة في ذاك الزمان كانت تعيش حالة انتظار القائم عيله السلام، فمفهوم الانتظار ليس مفهوماً رأى النور بعد الغيبة، بل هو مفهوم قديم، قبل ولادة الإمام المنتظر عيله السلام كما أشارت هذه الرواية، بل قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد انتظر قوم إدريس منجيهم بعد غيبته _وكانت أوّل الغيبات_ تحت ظروف عصيبة من القتل والتنكيل والفقر والخوف، ثم بعد أن رُفع إدريس عيله السلام انتظر المؤمنون نوح عيله السلام تحت ظروف مشابهة. وكذا نبي الله صالح عيله السلام غاب عن قومه وانتظروه، وغاب إبراهيم عيله السلام غيبة تشبه غيبة الإمام المنتظر عيله السلام وانتُظِر، وكذا يوسف وموسى عليهما السلام.
وأمّا بعد بعثة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فقد صار المنتظَر هو الإمام المهدي عيله السلام بعد أن نصّ عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعلى غيبة وعلى ظهوره، كما نص عليه أئمة أهل البيت، فشيعة زمن النصّ يشتركون مع شيعة زمن الغيبة بمفهوم الإنتظار مطلقا، وبخصوص المنتظر وهو الحجة ابن الحسن العسكري عيله السلام.
الحالة الثانية: حالة عدم تشخيص المنتظَر من بعضهم، فالسائل كان يرجو أنْ يكون صاحب الأمر هو الإمام الرض عيله السلام، بل كان قبله من اعتقد بإمامة إسماعيل ابن الإمام الصادق، أو غيره، وأنّه هو الإمام الغائب المنتظَر، وكذا في زماننا حصل من بعض الشيعة الغلط في تشخيص المنتظَر، بسبب تضليل أدعياء المهدويّة لهم، واستغلال حالة الانتظار وحبِّ المنتظَر الموجودة في قلوبهم.
الحالة الثالثة: محاولة تطبيق علائم زمن الظهور على زمنهم، كما يظهر من السائل عندما قال: (فقد بويع لك وضربت الدّراهم باسمك)، وهذه الحالة قد يكون منشؤها إيمانيّاً، فمن محبّة المنتظِر للإمام، وترقُّبِه لزمن الظهور، يتمنّى أن يكون زمانه هو زمن الظهور، فيسقّط العلائم والدلائل على زمانه. وهذه الحالة يشترك فيها الشيعة في العصرين، فبعض شيعة هذا العصر أيضاً يحاول تطبيق بعض علائم زمن الظهور على زمنه، كما شخّص بعضه الخراساني في هذا الزمان والسفياني واليماني، وبعض أحداث الشام وغيرها.
وهذا الإسقاطات والتشخيصات، كما قد تكون عن دافع إيماني كما بيّنّا، كذلك قد تكون عن دافع لا إيماني شيطاني، تابع للمصالح الشخصية، ليس حبّاً بالمنتظِر، بل حبّاً بالدنيا والجاه والسلطة، كما ادعى بعضهم لنفسه أنّه اليماني، وأنّه نائب الإمام الخاص، واستدلّ ببعض ما قد يشترك من جهة مع علائم الظهور ولو العامّة منها.
ملاحظة: السائل في هذه الرواية الشريفة لم يبتّ بالتشخيص، ولكنّه ترجّاه واحتمله، فلا يُشكل عليه، إنّما الإشكال على من يبتّ بالتشخيص والإسقاط بدون دليل قطعي.
اللحاظ الثاني: جواب الإمام الرض عيله السلام للسائل، وفيه نقاط:
النقطة الأولى: جواب الإمام عيله السلام عن توقّعات السائل، وأنّه هو صاحب الأمر والإمام المنتظر، فالسائل كان قد أيّد احتماله بأنّ الإمام قد بويع فه وضربت الدراهم باسمه، فرد الإمام هذا الاحتمال بقوله: (ما منّا أحدٌ اختلفت إليه الكتب، وسئل عن المسائل، وأشارت إليه الأصابع، وحملت إليه الأموال، إلا اغتيل أو مات على فراشه).
وفي هذه النقطة إشارة إلى إحدى الحِكم من غيبة الإمام المنتظر عيله السلام، وهي الخطر المحدق به، فإنّه لو كان ظاهراً تختلف إليه الكتب ويُسأل عن المسائل، وتشير إليه الأصابع لاغتيل أو مات على فراشه.
ومن هذه النقطة يمكن أن نستفيد أنّ وظيفة العالم في هذا الزمان رد مثل هذه الشبهات، كما أن الإمام عيله السلام ردّ الشبهة التي في ذهن السائل، وإن لم نقل إنّ السكوت عن مثل هكذا شبه حرام شرعاً، فلا أقل هو مرجوح.
النقطة الثانية: إعطاء الإمام الرض عيله السلام بعض العلائم للمنتظَر، ليدفع بها بعض الشبه، ومنها شبهة أنّ الإمام الرضا هو الإمام المنتظر، وهي:
العلامة الأولى: خفاء المولد، فمن كان مولده غير خفي كالإمام الرض عيله السلام فليس هو صاحب الأمر المنتظَر.
العلامة الثانية: خفاء المنشأ.
العلامة الثالثة: معرفة النسب وعدم خفائه، فكثير من المدعين في هذا الزمان غير معروفي النسب والأصل، فهذه العلامة تدرأ شبهة كونهم هم أصحاب هذا الأمر.
ومن ناحية أخرى فالعلامة الثالثة فيها دفع إشكال مقدّر، وهو: أنّه إذا كان مولد الإمام خفيّاً، ومنشؤه خفيّاً، فكيف نعرف من هو الإمام؟ فالجواب يكون أن نسب الإمام يكون معروفاً، وتبيّنه روايات أخرى كثيرة تبلغ حدّ التواتر أنّه التاسع من ولد الحسين عيله السلام، منها _على سبيل المثال_: ما ورد ضمن حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (…حبيبي جبرئيل ومن قائمنا أهل البيت؟ قال: هوالتاسع من ولد الحسين…).
وما ورد ضمن حديث عن أبي عبد الله عيله السلام: (…إنّ قائمنا هو التاسع من ولد الحسين، لأنّ الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر، الثاني عشر هو القائم عيله السلام…).

Check Also

غیبة لابدّ منها

غیبة مهدی هذه الامة غیبة لابدّ منها، لانه مهدی هذه الامة، ولان وعد الله سبحانه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *