ايوب الحائري
ان تاريخ بني امية وبني العباس،ولاسيما منذ عصر الامام الصادق عليه السلام وما بعده، شاهد صدق على حساسية اولئك الخلفاء اتجاه الائمة المعصومين عليهم السلام، وذلك لان هذه الشخصيات الكريمة كانت مورد اهتمام المجتمع واحترامه،فكلما…
ان تاريخ بني امية وبني العباس،ولاسيما منذ عصر الامام الصادق عليه السلام وما بعده، شاهد صدق على حساسية اولئك الخلفاء اتجاه الائمة المعصومين عليهم السلام، وذلك لان هذه الشخصيات الكريمة كانت مورد اهتمام المجتمع واحترامه،فكلما مر الزمن ازداد نفوذهم وتعاظم حب الناس لهم، وبلغ الامر بالخلفاء العباسيين لما رأوا سلطتهم في معرض الخطر، وبالخصوص عندما سمعوا ما اشتهر بين الناس من ان المهدي الموعود عليه السلام من نسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن احفاد الائمة المعصومين عليهم السلام وهو ابن الامام العسكري عليه السلام وسوف يملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا، لذا ومن هنا فقد اخضع الامام العسكري عليه السلام لمراقبة شديدة، وجعل تحت النظر في مركز الحكم العباسي (سامراء) كأبيه وجده، وحاول العباسيون بكل ما أوتوا من قوة الحيلولة دون ولادة هذا الطفل وتربيته، الا ان المشيئة الالهية تعلقت بحتمية هذه الولادة، ولذا بائت جميع محاولاتهم بالفشل الذريع وذهبت جهودهم ادراج الرياح، وقد جعل الله تعالى ولادته _مثل موسى عليه السلام_ امراً مخفياً، ومع ذلك فان الصفوة المختارة من اصحاب الامام العسكري عليه السلام قد شاهدوا الامام الموعود عليه السلام مرات عديدة في زمان حياة والده الكريم، وعندما استشهد الامام العسكري عليه السلام فقد ظهر ايضا امام العصر عليه السلام وصلى على جثمان والده عليه السلام ورآه الناس في هذه ثم غاب عنهم.
ومنذ ولادة الامام القائم عليه السلام وحتى شهادة والده الامام العسكري عليه السلام فقد وفق كثير من الاصحاب المقربين للامام الحادي عشر لرؤية الامام المهدي عليه السلام او للعلم بوجوده في دار الامام عليه السلام،واساسا فان طريقة الامام العسكري عليه السلام قد جرت على الاحتفاظ بولده الكريم طي الكتمان، ولكنه في نفس الوقت كان يستغل الفرص المناسبة ليطلع اصحابه المؤتمنين على وجوده الشريف حتى ينقلوا ذلك للشيعة، لئلا يبقوا في حيرة من بعده، ونشير هنا الى بعض النماذج في هذا الشأن.
يقول احمد بن اسحاق القمي _وهو من كبار شخصيات الشيعة والاصحاب الخاصين للامام العسكري عليه السلام_ : (دخلت على ابي محمد الحسن بن عليL وانا اريد ان أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدءاً: يا احمد بن اسحاق ان الله تبارك وتعالى لم يخل الارض منذ خلق آدم عليه السلام ولايخليها الى ان تقوم الساعة من حجة الله على خلقه، به يدفع البلاء عن اهل الارض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الارض.
قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الامام والخليفة بعدك؟ فنهض عليه السلام مسرعاً فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من ابناء الثلاث سنين، فقال يا احمد بن اسحاق لولا كرامتك على الله عزوجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، انه سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيته، الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
يا احمد بن اسحاق مثله في هذه الامة مثل الخضر عليه السلام ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة الا من ثبّته الله عزوجل على القول بامامته ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه.
فقال احمد بن اسحاق : فقلت له : يامولاي فهل من علامة يطمئن اليها قلبي؟ فنطق الغلام عليه السلام بلسان عربي فصيح : (انا بقية الله في ارضه، والمنتقم من اعدائه، فلا تطلب اثراً بعد عين يا احمد بن اسحاق).
ومن جملة الاشخاص الذين علموا بولادة الامام الموعود عليه السلام واطلعوا عليها: السيدة حكيمة عمة الامام عليه السلام، ونسيم خادم الامام العسكري عليه السلام، وابو جعفر محمد بن عثمان العمري النائب الثاني من نواب الامام المهدي عليه السلام وغيرهم من العلماء والمحدثين في زمن الامام العسكري عليه السلام، والعجب ان الامام العسكري عليه السلام في الوقت الذي كان يخبر الخواص من اصحابه بولادة المهدي عليه السلام، لم يخبر اخاه جعفراً بذلك، ولم يعرف جعفر ان لاخيه ولداً، ولعله كان يعلم ذلك ولكنه كان يتجاهله لاسباب واهداف.