بضعة أشهر قبل أن أستقيل من وكالة المخابرات المركزية، كنت أتساءل إن كان هناك أي شيء ليس للبيع في واشنطن. وعلى الرغم من أنني كنت دائما في الخارج، لكن لاحظت أن بندر وطائرات البوينغ، ومجموعات كارليل وايكسون يشغلان واشنطن. فشهدت على فضيحة تمويل الحملات الانتخابية، ولاحظت كيف كانت الاصوات تشترى بمئات آلاف الدولارات. شهدت على سلطة بندر في واشنطن… ولكن اتساءل لماذا يحصل ذلك؟ هل يجب العودة إلى الشرق الأوسط للحصول على الجواب.
في أوائل أكتوبر تشرين الأول العام 1994، عندما كنت نائبا لرئيس العمليات في العراق، قال لي احد العملاء في عمان أن صدام حسين يتحرك نحو الحدود الكويتية. لم أكن أصدق ذلك. فكم سيكون غبيا لو فعل ذلك؟
وعندما عدت إلى واشنطن، علمت ان الأقمار الصناعية قد التقطت حركة المدرعات العراقية جنوبا باتجاه الحدود الكويتية، ولكن الأقمار الصناعية لن تقول لنا ما إذا كان صدام ينوي عبور الحدود فعلا-. لذلك نحن بحاجة إلى عملاء، والمشكلة الوحيدة هي انه لم يكن لدينا عملاء هناك، لم يكن لدينا شخص بجانب صدام، او اي مصدر في جيشه، ليقول لنا ما إذا كان الجيش سيتوجه إلى الكويت.
الاتصال الأول الذي جاءني من غرفة العمليات في البيت الأبيض كان يفيد بان البحرية الأميركية والرئيس ينويان ارسال ناقلات عسكرية إلى الخليج (الفارسي)، ولكنهما أرادا معرفة ما إذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية تشجع هذه العملية.
كنت أعرف أنه لم يكن لدينا مصادر، لذلك بادرت إلى الاتصال بمكتب السعودية لمعرفة ما إذا كانوا لاحظوا وجود أي نشاط غير معتاد على الحدود العراقية، فبدو الحدود العراقية-السعودية كانوا يعبرون طوال الوقت.
وقال ضابط في المكتب ” لا يوجد شيء على الإطلاق لا شيء”.
كنت أعرف أنه يقول لي الحقيقة، لان المملكة العربية السعودية هي حليفتنا. وكان لدينا جنودنا في المملكة. فقد عملنا على ابقاء أسطولنا في الخليج (الفارسي).
وأضاف: “الكويتيون ليس لديهم أدنى فكرة عما يسعى إليه صدام”، “لم يتم استدعاؤهم إلى الحدود لمعرفة ما يجري”، ولكن لم يكن هناك من خيار.
فبعد خمس عشرة دقيقة بلغ حرس الحدود الكويتية بأنه يرى دبابة عراقية تتحرك مع طاقمها.
وبالصدفة، بعد دقيقتين، اتصل جورج تينيت من البيت الأبيض، رئيس الاستخبارات في مجلس الأمن القومي – بالمسؤول عن تبليغ واشنطن بكل الإحداثيات حول الأزمة قائلا: “اللعنة ماذا يجري في العراق ؟ انا غير راض عما يجري.
وأتساءل: هل الأموال التي تدفع لجهاز الاستخبارات تخصص لشراء المناظير فقط؟. ما الذي لا نعرفه عن شمال الخليج ( الفارسي ) . عراق صدام إجمالا كان منغلقا تماما عن العالم، وكان من الصعب جمع المعلومات الاستخبارية. ولكن ماذا عن أصدقائنا مثل الكويت والمملكة العربية السعودية، -القلب الذي يضخ الدم في حياتنا الاقتصادية ؟.
ومنذ ذلك الوقت بدأت أقرأ التقارير القادمة من الرياض، لم يكن هناك شيء بارز، لم يكن هناك أي كلمة عن الانقسامات في العائلة المالكة أو علاقتها بالوهابيين، ولا عن رجال الدين الوهابيين، الذين يحصلون على ما يريدون من آل سعود .
ومن خلال النظر مرة أخرى لبيانات العام 1986، لم يكن هناك الكثير لتقرأه في الصحف والمجلات الأكاديمية. عندما نصل إلى الخليج (الفارسي) ، نصبح عميانا، وإذا كان هناك مكان يشتعل بالنيران، فنحن لن نعرف إلا بعد فوات الأوان.
في ذلك العام توجهت إلى بيروت، ولم استغرق وقتا طويلا لمعرفة أنها لم تكن بيروت التي تركتها في العام 1988. كانت المدينة في تلك الفترة تشهد انقسامات كبيرة بسبب الحرب الأهلية، والآن هي تبنى من جديد. فكان رئيس الوزراء رفيق الحريري يعيد بناء وسط المدينة، بعد ان استقدم أفضل المهندسين المعماريين في العالم للمساهمة في عملية البناء. وقيل انه حفر جزءا من بيروت الرومانية القديمة. وكان يجري حفر نفق تحت المدينة العصرية لتسهيل حركة المرور. وكان هناك طريق جديد إلى المطار. وبعد بضع سنوات، ستنافس بيروت باريس ولندن.
لا يزال الشرق الأوسط يعاني من جروح كثيرة، ويحتاج إلى الكثير من الوقت ليضمد تلك الجروح.
سائق التاكسي الذي أخذني من بيروت الغربية إلى بيروت الشرقية عشية عيد الميلاد من ذلك العام، قال إنه أول مرة يقطع الخط الأخضر..
في هذه المرحلة حاولت المعارضة القطرية أن تلجأ إلى بيروت ودمشق. وقد كنت مهتما بأمير قطري بارز يدعى حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني.- “الأمير الأسود” تخرج من كلية سانت هيرست العسكرية في بريطانيا- وأنا أعطيك الاسم الكامل لأنه يبدو أن كل ولي عهد تقريبا في قطر يحمل اسم حمد أو جاسم. أما وزير الخارجية فهو حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني.
وكان الأمير الأسود وزيرا للاقتصاد ورئيسا للشرطة، وقد حاول الإطاحة بأمير البلاد في فبراير شباط العام 1996، بدعم من الأمير الأب “خليفة” الذي أطاح به ابنه في العام 1995. ولكن النقطة الاساسية هي أن قطر دولة دسيسة في الخليج (الفارسي). السعودية ومصر، وسوريا دعموا محاولة الانقلاب في فبراير 1996 وكانوا يسعون لتقويض الحكومة القطرية. فكانت قطر مصدر سحر لمن يهتم بالسياسة الخليجية، وكانت أيضا الجائزة الكبرى لشركات النفط في العالم. فبالإضافة إلى احتياطياتها النفطية، قطر تملك واحدة من أكبر حقول الغاز في العالم. وكانت لها أيضا علاقة جيدة مع الإسرائيليين.
من خلال عدد من اللقاءات التي أجريتها مع أصدقائي القدامى في بيروت، وجدت شخصا يعرف “الأمير الأسود” الذي كان يعيش في دمشق، في مجمع مراقب من كبار ضباط الجيش والمخابرات. والوصول إليه لم يكن سهلا.
ولكن في نهاية المطاف وصلت إلى زميل “يعمل” لدى الأمير، الذي وافق على لقائي في لبنان. وكان شرطه الوحيد أن يتم اللقاء في فندق في وادي البقاع –شتورة بارك اوتيل- الذي كان يدار من قبل الاستخبارات السورية.
وفي يوم اللقاء توجهت إلى البقاع، الى الفندق المذكور فكان “الأمير الأسود” في الانتظار مرتديا زيه العسكري والكوفية تلف عنقه، وكأنه مقاتل فلسطيني، وليس أميرا خليجيا. كانت الغرفة مظلمة باستثناء موقد حرق الغاز في الزاوية. قدم “الأمير الأسود” الشاي، وقال: “كما تعلمون، كنت مع ياسر عرفات في الأيام الأولى من العمل الفدائي، تدربت في معسكراته، وحاربت إلى جانبه “.
كان الأمير يحاول أن يقول انه لا يشبه أبناء عمومته، فهو مقاتل، من الطراز الأول، ولا احد يستطيع أن يعبث معه.
وفي تلك اللحظة أدركت سبب موافقة الأمير على مقابلتي، هو أراد الاستقصاء حول علاقة واشنطن الخارجية ببلاده وبالوزير حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، أو “حمد الجيد”، كما كان معروفا في واشنطن.
حمد كان وزير الخارجية وصديق واشنطن و”اسرائيل”، وراعي المؤتمرات الاقتصادية العربية التي كانت تعقد في قطر وتدعى إليها “إسرائيل” التي فتحت مركزا اقتصاديا لها في الدوحة.
قطر وعدت بإجراء انتخابات ديمقراطية، وسمحت للمرأة بالتحرك، وعقدت صفقة مع انرون بمليارات الدولارات.
والوزير حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، كان وزيرا مقبولا اجتماعيا كما بندر – وهو يمتلك مزرعة على طريق فوكسهال، أغلى حي في العاصمة.
وقال لي “الأمير الأسود”: “ابن عمي اشترى مقعدا في مجلس الأمن القومي؟” فاجبت: “لا أحد يشتري ويبيع واشنطن”. فأضاف “انه وزير ملعون، وغني، متأكد من أنه يمكن ان يملك المكان، لكنه لا يستطيع شراءه” …. لديك الكثير لتتعلمه، يا صديقي”. وانتهى اللقاء ولكنه لم يكن الاخير.
فلاحقا التقيت بالامير في اكثر من مكان، وفي كل لقاء كان يعرب عن ثقته بي، وكنا نتحدث عن دولة قطر، وكان واضحا أن الأمير يريد توجيه طعنة في القلب لابن عمه وخصمه، ووزير خارجيته.
وفي احد المرات دعاني “الأمير الأسود” إلى منزله في دمشق، وكان قد بنى لنفسه منزلا من طابقين في مجمع عسكري شمال غرب دمشق. وكان للتجمع حديقة بحجم ملعب كرة قدم.
وفي احدى الجلسات قال لي الأمير” هل تعرف شيئا عن ابن عمي حمد بن جاسم بن جابر” فقلت اني التقيته في مكتب ليون فيورس مستشار الأمن القومي. وذكرت كيف طلب مني مغادرة المكتب لدى وصول وزير الخارجية.
فقال: “أنا لا أعرف إذا كنت صادقا معي أم لا، لكن حكومتك تلعب لعبة خطيرة للغاية”. سألته ما الذي كان يقصده .
“دعونا نبدأ مع بن لادن” وزير الخارجية هو واحد من مؤيديه الرئيسيين وهو يكره السعوديين.
عرفت ذلك عندما كنت في وكالة الاستخبارات المركزية، وأنا سمعت سلطان وكبار الأمراء وهم يصفون وزير الخارجية “بالكلب”.
وقد كنت أعرف أن وزير الداخلية، عبد الله بن خالد، التقى أسامة بن لادن في 10 أغسطس 1996، ولكن هذا لا يعني أي شيء. فهناك الكثير من العرب كانوا يحجون إلى الخرطوم لرؤية بن لادن. المخابرات العراقية ايضا التقت بن لادن في عدة مناسبات.
هل تعرف من هو خالد الشيخ حمد؟ “مو” يتم إسقاطها من كلمة “محمد” باللغة العربية التي يتحدثها القطريين. فكان “الأمير الأسود” يشير إلى خالد شيخ محمد.
فقلت لا، لأنني كنت أسعى لمعرفة القصة من البداية إلى النهاية، وأضاف “انه قائد العمليات الإرهابية التي ينفذها بن لادن، وكان هدفه تفجير الطائرات.
في العام 1995 كنت قائدا للشرطة عندما جاء إلى قطر آتيا من الفلبين بعد اعتقال اثنين من أعوانه، فاقتدناه فورا إلى وزير الداخلية عبد الله بن خالد، الوهابي المتعصب، وطلب مني أمير البلاد أن أساعد عبد الله ..
أصبح من الواضح بالنسبة لي أن “الأمير الأسود” يريد مني أن أفعل شيئا بهذه المعلومات. فمعظم العرب يقومون بذلك وكنت أرغب في سماع بقية القصة.
“فسألت: “أين هو خالد شيخ الآن؟” “عندما غادر خالد شيخ محمد قطر العام 1996، لم أكن متأكدا من ظروف الانتقال.
وقال اعتقد انه في “براغ”، فأنا أعلم أن محمد شوقي اسطنبولي ذهب إلى هناك”. وكان محمد شقيق خالد شوقي اسطنبولي، الذي فرغAK- 47 في صدر أنور السادات في العام 1981. وكان محمد نفسه مطلوبا في مصر بتهمة القتل.
وعندما انتهى، سألته، “هل هناك دليل على كل هذا؟ “فقال: “بل لدي أكثر من ذلك بكثير. فأنا كنت وزيرا للاقتصاد، وكلما جاء الوقت لوضع المال في الانتخابات الأميركية، كنت أنا من يفعل ذلك” .
أنا لا اهتم بقيام الحكومات الأجنبية بوضع المال في الانتخابات الأميركية، ولكنني اهتم لخالد شيخ محمد، وكنت أعرف بالفعل المؤامرات التي تحدث- كنت اعلم بخطة خالد شيخ محمد لتفجير الخطوط الجوية الأميركية.
ولكن كيف يمكن لي إيصال المعلومات إلى وكالة الاستخبارات المركزية ؟ فقد كنت خارج الوكالة والشيء الوحيد الذي يمكن فعله هو إرسال المعلومات والوثائق بالبريد الإلكتروني لصديق لا يزال في وكالة المخابرات المركزية والطلب منه تمرير المعلومات لمركز مكافحة الإرهاب، وإدراج جميع البيانات، بما في ذلك اسم “الأمير الأسود”.
كنت آمل أن تقوم واشنطن بارسال شخص للتحدث معه ولكن رد صديقي بعد يومين: “لا مصلحة لنا” لم أكن لاستسلم، لذلك طلبت مساعدة مراسل صحيفة نيويورك تايمز جيم رايزن، فإذا نشرت المعلومات وخاصة الوثائق في صحيفة نيويورك تايمز ربما تجذب انتباه شخص ما من حلفائنا في الخليج (الفارسي)، حول واحد من أكثر الإرهابيين فتكا في العالم.
وفي هذا الوقت كنت قد انتقلت إلى نيويورك، وكان “الأمير الأسود” لا يزال مستعدا لإخراج كل ما لديه، وعندما تقرر ذهاب رايزن إليه اختطف “الأمير الأسود” في بيروت ونقل جوا إلى الدوحة.
وحتى كتابة هذه السطور، هو في سجن بلا نوافذ، وتقول عائلته انه يجري حقنه بالمخدرات. وبمجرد اختفائه هناك حقائق ثابتة أصبح من المستحيل تقريبا الحصول عليها.
وبعد أن اختفى “الأمير الأسود” التقيت في نيويورك بواحد من رفاقه، ولد في سري لانكا، وكان مجنس أميركيا. وكان يعمل للبعثة القطرية في الأمم المتحدة، قال انه كان قلقا من التحدث معي، وأنه لا يريد المزيد من المتاعب”.
وبعد أن أقنعته أنني كنت صديقا “للأمير الأسود”، قال لي قصته: “في العام 1995، عندما أطاح أمير البلاد الحالي بوالده، قمت بخطأ تكتيكي لانحيازي إلى جانب الأب والأمير الأسود، ما جعلني عدوا لوزير الخارجية وأمير البلاد. وفي احد الأيام التقيت وزير الخارجية في نيويورك فقال لي انه يجب أن اختار بين الجانبين، والإبلاغ عن الأمير الأسود”. فقلت “لماذا؟” “أنا لم اكسر القانون”. أجاب الوزير “لا يهم، سترى قريبا”.
كان من الواضح بالنسبة لي أن وزير الخارجية له الكثير من النفوذ في واشنطن، الأموال التي أنفقت سمحت لقطر أن يكون لها تأثير على مكتب التحقيقات الفدرالي، الذي أرسل فريقا إلى الدوحة في شهر فبراير 1996 لاعتقال خالد شيخ محمد. أيضا لتسخير الـ FBI لترهيب المعارضة في قطر.
للأسف، لم تكن تلك هي نهاية القصة، ففي العام 1998، عندما كنت أعيش في فرنسا، تلقيت مكالمة من صحيفة وول ستريت جورنال من شاب يدعى داني بيرل. والتقينا في جنيف لنتحدث عن خالد شيخ محمد وقطر. كان يستمع ، ويأخذ الملاحظات، وبعد فترة قال انه طرح قصة خالد شيخ محمد، ولكن نحن الاثنين لا نملك المزيد من المعلومات لننشرها.
بعد يومين من 11 سبتمبر وصلتني هذه الرسالة على البريد الإلكتروني من بيرل: مرحبا ، كيف الأمور؟ لم يصدر كتابك؟ آمل أنك لم تكن بالقرب من البنتاغون الثلاثاء؟.
بعض المشتبه بهم كان من المفترض أنهم يحملون جوازات سفر تابعة للإمارات العربية المتحدة، وأتذكر انك كنت قد تحدثت عن الفجيرة.
وادعوك للتحدث عن خالد شيخ محمد وقطر.
ليس لدي أي وسيلة لمعرفة ما إذا كان بيرل ذهب إلى كراتشي وسأل عن خالد شيخ محمد. ولكن صحيفة وول ستريت جورنال تقول لا، انه يعمل على قضية مختلفة.
فبيرل قتل وأصابع الاتهام كانت موجهة لخالد شيخ محمد، فقد علمت من صديق في لندن أنه بعد بضعة ايام من 11 سبتمبر تحدث بيرل مع وزير خارجية قطر للتساؤل عما إذا كان خالد شيخ محمد وراء الهجمات. لم أكن بحاجة إلى معرفة رد القطريين، فبالتأكيد نفوا بشدة معرفة أي شيء عن 11 سبتمبر وخالد شيخ محمد.
وأتساءل عما إذا كان القطريون دعوا خالد شيخ محمد وقالوا له أن بيرل على الطريق.
لكننا لن نجد إجابات للكثير من الأسئلة، فحكومتنا يجب أن تطالب بالحقيقة وتبحث عنها في أماكن مثل قطر والمملكة العربية السعودية. وصدقوني، الأسئلة أكثر من الأجوبة بعد 11 سبتمبر.
وقال قطري آخر لي أنه في أواخر 1990، أيمن الظواهري، نائب بن لادن في مصر، وعشرات الزملاء موجودون في قطر – وبعلم الحكومة. كما في المملكة العربية السعودية، وما زلنا لا نملك جوابا عن: لماذا ظهر عمر بيومي في سان دييغو مع مئات الآلاف من الدولارات، وساعد اثنين من الخاطفين السعوديين. فهو بمتناول مكتب التحقيقات الفدرالية، ويعيش بهدوء في مكان ما في المملكة العربية السعودية.
كثيرا ما كنت أتساءل إذا كان المال الذي تلقاه كولن باول عن خطابه في جامعة تافتس جاء من الحساب الذي تستخدمه وزارة الدفاع السعودية للدفع لعمر بيومي.
لكي نطالب المملكة العربية السعودية بالحقيقة يجب ان نقولها لأنفسنا قبل ذلك ، والا سيكون هناك المزيد من 11 سبتمبر، والمزيد من المآسي مثل قتل داني بيرل.
المرض اليائس يتطلب علاجا خطيرا
إجابات واشنطن للمملكة العربية السعودية – هي نفسها لبقية دول الشرق الأوسط: الديمقراطية سوف تعالج كل شيء. يجب التحدث إلى العائلة المالكة للتنازل عن جزء على الأقل من سلطتها، وتعيين الأمراء ذوي العقلية الإصلاحية، وتأسيس برلمان نموذجي، إيجاد اثنين من الأحزاب السياسية، إرسال جيمي كارتر لمراقبة الانتخابات الأولية، ومن خلال إيجاد بعض التعديلات الرياض ستكون أنقرة، أو ربما ستوكهولم.
الآلية الحكومية قد لا تعمل بشكل جيد، ولكن الناس سيدعمونها، لأنها ستجتث الفساد، وتقبض على الإرهابيين، وتعترف بحق الشعب في الحكم الذاتي.
وفي مقال لمجلة ناشونال جورنال في 6 أكتوبر 2001 لخص جهاز موثوق في واشنطن المشكلة، وقال نيد ووكر، سفير الولايات المتحدة في “إسرائيل” ومصر والرجل الثاني في سفارة الرياض في العام 1980: “لن تحقق التنمية الاقتصادية الحقيقية دون الديمقراطية، الاستقرار على المدى الطويل يشجع الديمقراطية، ويساعد على بناء المجتمعات المدنية”.
وقال شاس فريمان، السفير السابق للمملكة العربية السعودية: “سيتم توجيه تنظيم القاعدة أولا وأخيرا للإطاحة بالنظام السعودي. وقد خاضت السعودية المعارك الخاصة لمكافحة الإرهاب”. وأضاف أنتوني كوردسمان، وهو خبير شؤون الشرق الأوسط في مركز للدراسات الإستراتيجية والدولية . “المملكة العربية السعودية تقود عملية واسعة النطاق للتغيير الاقتصادي الاجتماعي. إنها تغير وهذا ما دفع الأقليات للجوء للعنف”.
يمكنك سماع هذه النغمة في جميع أنحاء واشنطن، حتى خارج وكالة الاستخبارات المركزية، سوف تنتصر الديمقراطية في الصحراء لأنها انتصرت في أميركا وأوروبا. الناس هم الناس، ونحن جميعا نريد الشيء نفسه .
إن ذلك محض هراء، أنصار الديمقراطية يتحدثون عن انتخابات حرة ونزيهة في المملكة العربية السعودية – شخص واحد، صوت واحد، كل تسعة أمتار مربعة .
دعونا نلقي نظرة على آخر مرة كان فيها انتخابات ديمقراطية حقيقية في دولة عربية: الجزائر في أواخر العام 1991 وأوائل العام 1992. عندما كان الأصوليون على وشك الفوز بأغلبية ساحقة وفرض الدستور الاسلامي، فتدخل الجيش ودخلت البلاد على الفور بحرب أهلية قتلت مئات الآلاف من الناس.
لماذا نتوقع ان تكون المملكة العربية السعودية مختلفة ؟ وفقا لأحد استطلاعات الرأي التي أجريت في أكتوبر 2001، 95 % من السعوديين المتعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين عاما وواحد وأربعين يدعمون بن لادن.. في أكتوبر 2002 سألت أحد زعماء المعارضة السعودية، محمد المسعري، فقال: “ليس هناك أي شك في أن الحكومة الإسلامية من شأنها ان تخلف آل سعود إذا سمح للسعوديين في تقرير مصيرهم السياسي”.
استطلاع أكتوبر 2001 لم يجب عن سبب دعم السعوديين لبن لادن، على الرغم من أنني أفترض أنه لا يهم حقا. ربما بن لادن لا يجرؤ على فعل ما ترفض الولايات المتحدة الأميركية القيام به: الوقوف في وجه اللصوص الذين يحكمون البلاد. أو ربما كما يقول المحافظون الجدد في واشنطن: “إنهم يكرهون الغرب وقيمه، وأيا كان السبب، فإن الأثر العملي هو انتخابات ديمقراطية في السعودية.
نيد ووكر، الذي يعلم كل شيء عن الديمقراطية في المملكة العربية السعودية، ورئيس معهد الشرق الأوسط، مدعوم جزئيا من الأمراء السعوديين الذين يفضلون الزحف على ركبهم إلى مكة المكرمة للحصول على التصويت الشعبي.
رئيس مجلس الإدارة، ريتشارد بيرل، كان بمثابة شريك في شركات متخصصة في مجال التكنولوجيا، والسلع، والخدمات المتعلقة بأمن الوطن و الدفاع. بينما بيرل كان شديد القسوة وقال إن السعوديين يحثون على الحرب ضد العراق، كان شركاؤه مجتمعين مع كبار رجال الأعمال السعوديين في محاولة لجمع 100 مليون دولار للاستثمارات الجديدة.
لجميع الراغبين في تغيير الواقع الأساسي للعالم:
الوضع هو على النحو التالي :
– العالم الصناعي يعتمد على احتياطيات النفط في العالم الإسلامي وسيحتاج إليها لعقود قادمة، سواء قامت الدول العربية بتطوير احتياطياتها أو آسيا الوسطى.
– من بين الدول النفطية الإسلامية، ليس هناك ما هو أكثر أهمية من المملكة العربية السعودية، لأنها ( أ) تجلس على رأس أكبر الاحتياطيات النفطية، ( ب ) لأنها بمثابة الهيئة المشرفة على السوق الصناعي البترولي العالمي، و(ج ) لديها المال، والإرادة السياسية، والحماسة الدينية لمواصلة السيطرة على شبه الجزيرة العربية وآسيا الوسطى.
– من بين الدول المستهلكة للنفط، لا احد يستهلك أكثر من الولايات المتحدة، وبالتالي ليس هناك من دولة أكثر اعتمادا على النفط السعودي.
– إذا استطاعت دبابات المملكة العربية السعودية، السيطرة على أربع أسر خليجية أخرى في المنطقة ممن يملكون مجتمعين 60 % من احتياطيات النفط المؤكد في العالم، الاقتصادات الصناعية لن تتراجع، بما في ذلك اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية.
شئنا أم أبينا، الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في مركب واحد، مستقبلها هو مستقبلنا. في نهاية المطاف، ما نحتاج إليه في المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط هو حكم القانون. أنا لا أتحدث عن شرعة الحقوق، وحرية الصحافة، وحرية العبادة، أو الحق في حمل السلاح. أنا أتحدث عن شيء أكثر أساسية – تحريم نشاطات الجهاديين والإخوان المسلمين وتجريم اللجان والسرقة، والرشوة. فقط من خلال معالجة تلك المشاكل يمكن أن تفكر في حقوق الآخرين أو الديمقراطية الحقيقية ،التي من شانها أن تساعد في فرض سيادة القانون، مثل فرض قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، ووقف الرشوة ، ووضع حد للمسؤولين المتقاعدين من الحكومة الأمريكية.
إذا كنت تحمل منطق التقدم إلى الأمام، سيكون من الممكن تعديل قوس الحكومات الشيعية من طهران إلى الكويت إلى البحرين إلى المنطقة الشرقية، جميع البلدان التي عدد سكانها الشيعة كبير جدا. قبل 11 سبتمبر، أي حديث عن بناء الأمة على هذا النطاق كان يسحب من أي نقاش جدي في سياسة واشنطن. نحن الآن نواجه حل البيت السعودي، وليس أمامنا أي خيار آخر. الغزو والثورة قد يكونان الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ الصناعات الغربية لفترات طويلة، واشنطن دفعتنا للتعامل مع الشيطان. وهمسنا في أذنه وقلنا إننا نحبه.عندما تسير الأمور بشكل خاطئ، تقوم واشنطن بوضع يدها وتقول إنها على ما يرام. وكل هذا الوقت كانت أعيننا على المحافظ المنتفخة.