كنت أتمنى أن أكون في السعودية نهار 29 نوفمبر 1995، ففي هذا اليوم أصيب الملك فهد بجلطة دماغية شبه قاتلة، ولكن كان لا يزال على قيد الحياة”سريريا”، وبذلك فإن ولي العهد الأمير عبد الله لا يمكنه تسلم العرش.
من دون الملك..السعودية تجنح نحو الفوضى
ومن دون الملك، جنحت المملكة العربية السعودية نحو حالة من الفوضى، وكان البرهان في كل مكان فقد طغى الفساد والسرقة على نطاق لم يسبق له مثيل في تاريخ السعودية، ووقف المتشددون الوهابيون التابعون لأسامة بن لادن بعيدا عن دائرة العنف. كما أوقفت الحكومة في الرياض أي تعاون ذي معنى مع واشنطن حول الإرهاب، وانتهزت واشنطن بدورها الفرصة لابتزاز المملكة بالمزيد من المال.
وفي الوقت الذي أعلن فيه عن إصابة الملك بالسكتة الدماغية، ضجت الرياض بالمروحيات والصفارات، وبدأت القوافل تصل إلى المستشفى حيث يرقد فهد، ومن بين أول الواصلين- الزوجة الرابعة والمفضلة لفهد الجوهرة، والدة عزوزي – قرة عين والده – وكان الجميع قد سمع قصصا عن عزوزي وركوبه الهارلي ديفيدسون حول قصر والده، ومطاردة الخدم وتحطيم الأثاث. معظم آل سعود كانوا يعتبرون عزوزي جبانا، وبطيئا بعض الشيء، ولكن عزوزي كان حسن الحظ ويسحر والده.
من بين الواصلين إلى المستشفى كان أشقاء فهد – وزير الدفاع سلطان، وزير الداخلية نايف وأمير منطقة الرياض سلمان. بينما كان عدد الغرباء قليلا جدا.
والدتهم التي كانت من عشيرة السديري، علمتهم منذ سن مبكر بأن عليهم أن يتعاونوا مع بعضهم البعض ضد أبناء “ابن سعود” الآخرين وهم أخذوا الدرس وأغلقوا دائما على أنفسهم.
توجه الأمراء الآخرون إلى المستشفى، من جميع أنحاء المملكة ومن بقية العالم. فالطائرات النفاثة الخاصة اصطفت في المطار، ومن لم يتمكن من الحصول على فرصة البقاء بالقرب فهد، كان يظهر ولائه. فمعظمهم كانوا يعيشون على سخائه – الرواتب الملكية كانت تصل إلى 270000 $ في الشهر، لاثني عشر ألف شخص وأفراد العائلة كانوا يدركون أن ولي العهد الأمير عبد الله إما سيقضي عليهم أو سيقلل من الامتيازات الخاصة بهم.
وفي ظل هذه الحالة كان أخوة الأمير فهد يطرحون على الأطباء الأميركيين والأوربيين أسئلة غريبة تتناول حالة الملك فهد، وكم سيستغرق قلبه من الوقت ليتوقف؟ فهم لا يريدونه أن يتعافى، بل أن يبقى “متوفى سريريا”.
الأطباء لا يمكنهم أن يدركوا حالة اليأس الموجودة في المملكة، ولا يفهمون سياسة المملكة. ما تعرفه عائلة آل سعود هو أن ولي العهد الأمير عبد الله ذئب الصحراء كان على استعداد لتمزيق القطيع في أقرب وقت. والطريقة الوحيدة لإبقائه بعيدا كانت الحفاظ على قلب فهد ينبض وموجات دماغه قابلة للقياس، لأطول فترة ممكنة.
عبدالله كان دائما الأمير الشاذ. كانت والدته من قبيلة شمر، المنافس التقليدي لآل سعود. تزوج بن سعود بها لتعزيز الهدنة مع “شمر”. ولكن على الرغم من تغلغل “شمر” داخل المملكة العربية السعودية إلا أن عبد الله لا يزال غير موثوق فيه من قبل أخوة فهد.
وحده عبد الله من العائلة المالكة، اختار طريق الصحراء، وأدار ظهره للكماليات الفخمة في الرياض، وجدة، والطائف. لم يذهب لأوروبا في عطلة. قال انه يفضل، عندما يستطيع، قضاء وقته في احد الخيام وشرب لبن الإبل.
آل سعود سكرهون جذورهم البدوي
آل سعود يكرهون تذكيرهم بان جذورهم تعود “للبدو”، ويكرهون أن يقوم عبد الله بتقليص الفساد والامتيازات الملكية. عبد الله عندما أصبح ملكا، وضع حدا للسرقة. وقد أصبح خارجا تماما عن السيطرة. الأمراء من الجيل الثالث كانوا يحصلون على 19000$ في الشهر، وهو جزء من احتياجاتهم. فهم يتكلفون مليون دولار$ في السنة لإبقاء يخوتهم على شاطئ الريفييرا الفرنسية. ولكي يغطوا نفقاتهم كانوا يسرقون الملكيات والأصول المملوكة من الدولة، ويبيعون تأشيرات الهجرة والهيروين.
ولفترة من الوقت بدا وكأن عبد الله قد وصل إلى الطريق الأمثل ليكون الملك. وفي منتصف 1990 كانت السعودية تواجه صعوبات مالية كارثية، وأقنع ولي العهد الملك فهد في ذلك الوقت بتعيين عدد من الوزراء الإصلاحيين.
فبينما كان كبار الأمراء يستخدمون مناصبهم الحكومية لاقتطاف قطعة ثمينة أو عقار ثمين– كان الأمراء الكبار يتابعون الميزانيات الشخصية الضخمة الخاصة بهم. وكان احد كبار الأمراء يسلخ وزراء عبد الله الإصلاحيين واحدا تلو الآخر.
أول من سقط كان علي الشاعر الذي أخذ مهامه الوزارية وحملة الإصلاح على محمل الجد، محاولا منع صفقة خطط لها الأمير طلال، الذي كان قد رتب للاستيلاء على قطعة ثمينة يملكها رجل أعمال بارز. طلال استنكر عمل الشاعر لأنه حرمه من حقوقه التي “وهبه إياها الله”. وعلى الفور جند حاكم الرياض، سلمان، ووزير الداخلية نايف للوقوف في وجه الضغوطات، فأقيل الشاعر .
وفي العام 1995 حدث الشيء نفسه لوزير الشؤون البلدية والقروية، محمد بن عبد العزيز آل الشيخ، عندما حاول منع أحد أبناء السلطان من السيطرة على إحدى الأراضي.
الصفقات العقارية الملتوية كانت قطعة صغيرة في نسيج الفساد السعودي. الصفقات العقارية كانت ستؤدي إلى إفلاس البلاد، وأكثر المتورطين كان الأمير سلطان.
الإنفاق خارج الميزانية، والإيرادات من مبيعات النفط كانت تذهب مباشرة إلى الحسابات الخاصة، وتتجاوز الخزينة السعودية. وكان يتم استخدام هذه الأموال لدفع ثمن مشتريات الدفاع ومشاريع البناء. مع عدم وجود عمليات تدقيق من قبل الحكومة أو أي نوع من المساءلة، و العمولات والرشاوى كانت هائلة.
والصفقة الأكثر شهرة خارج الميزانية معروفة باسم “مشروع اليمامة” – اليمامة هي صفقة شراء أسلحة بريطانية من قبل الحكومة السعودية اكتسبت شهرتها بسبب ضخامة الرشاوي والعمولات المدفوعة فيها.
في سبتمبر أيلول 1985 وقع وزير الدفاع البريطاني، مايكل هيزلتاين مع السعودية المرحلة الأولى من صفقة اليمامة التي نصت على تزويد السعودية بطائرات تورنيدو وبي أيه إي هوك الحربيتين وتقديم الدعم الفني والصيانة المتعلقة بهما، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة لهذه الطائرات في السعودية، وقد بلغت قيمة الصفقة حوالي 43 مليار جنيه إسترليني (86 مليار دولار أميركي) كان الفضاء البريطاني سوقا مضمونة للمملكة العربية السعودية لتصريف نفطها، وذهبت معظم اللجان للسلطان وعائلته وحشد غفير من الوسطاء.
وقد حصل فهد على حصته، ولكن عبر زوجته جوهرة وأخوها إبراهيم عبد العزيز الإبراهيم، كي لا يوسخ يديه. لكي لا يخدش تاريخ المملكة. خلال العام 1980 وأوائل 1990 كانت الصفقات تتم عبر الإبراهيم.
عادة، كان يصعب الحصول على تفاصيل صفقات “الإبراهيم”.. ولكن في 12 ديسمبر1997، قدم الإبراهيم دعوى قانونية ضد رولز رويس في لندن، لأن الشركة التي زودت محركات لتورنادو، تراجعت عن اتفاق اللجان مع شركته الخاصة.
بالنسبة لعبد الله، القضية لا تتعلق بما حصل للخروج من اليمامة، بل بما أرادوه من المال – الإيرادات التي تحصل عليها تصل إلى ستمائة ألف برميل يوميا -. في سبتمبر 1996 كانت اليمامة تشكل عبئا لا يطاق على المالية السعودية. وفي أوائل العام 1996 لم تعد المملكة العربية السعودية قادرة على تحمل الضغوطات فاضطرت إلى اقتراض 400 مليون دولار لدفع التزاماتها في صفقة اليمامة. وعلى الرغم من أن اليمامة صفقة سيئة للسعوديين إلا أنهم لم يجرؤوا على الانسحاب منها.
في البداية، وقع عبد الله على أمر لشركة أرامكو السعودية لخفض الأموال التي تذهب إلى اليمامة. ولكن ذلك فشل. ومن خلال اجتماع لمجلس الوزراء يوم 5 سبتمبر 1996، حاول عبد الله الحصول على تصويت الوزراء “لتوقيف العمل بالصفقة”.. ولكن “سلطان” وقف ضد القرار لأن ذلك من شأنه أن يضيع الكثير عليه وهذا ما كان يريده عبد الله، – وادعى سلطان بان القوات السعودية تعتمد على الأجهزة البريطانية للتغيير. وقال أيضا إنه إذا تم إلغاء اليمامة، فإن المملكة العربية السعودية ستضطر إلى الاعتماد بدرجة كبرى على الولايات المتحدة للتسلح، وهو أمر غير مقبول سياسيا. وفي نهاية اليوم، حصل سلطان على مراده وحافظ على الصفقة.
مشروع آخر كان خارج الميزانية وكان عبد الله يريد مرة أخرى السيطرة عليه هو التوسع في مشروع الحرمين الشريفين. هذه الصفقة كانت تشمل هدم وإعادة بناء المدينة المنورة والمساجد القديمة في مكة المكرمة. كما هو الحال مع اليمامة، كان يخصص لها 25 مليار دولار من البيع المباشر للنفط. وكانت عائلة بن لادن مسؤولة عن البناء واخذ الرشاوى التي تدفع لاحقا لأعضاء العائلة المالكة لتضمن بقاء التمويل.
من منتصف إلى أواخر التسعينات كان المبلغ الإجمالي للنفط يذهب إلى البرامج الخارجة عن الميزانية وكان نحو مليون برميل يوميا، هو سدس صادرات المملكة العربية السعودية. وبالأسعار المتداولة كانت السعودية تنزف بـ 30 مليون دولار يوميا.
وللخروج من تحت سيطرة شركة أرامكو السعودية، كل شخص – لديه ما يكفي من النفوذ- كان يحاول أن ينهب قدر ما يستطيع. وهذا ما حدث مع وزراء الحكومة الرئيسيين وحلفائهم الوهابيين الذين قرروا إصلاح أكثر من موقع تاريخي وهدمها وإعادة بنائها في المملكة. فأمرت الحكومة أرامكو بأن تضع جانبا، 100 مليون $ وكلفت مجموعة بكر بن لادن للعمل على الموضوع. ولكن بدلا من أن يذهب المبلغ بالكامل إلى المشاريع ذهب إلى كبار الأمراء، والجمعيات الخيرية، ورجال الدين الوهابيين.
في أكتوبر 1995 اعتقد فهد أن عبد الله قد يرغب في السيطرة على البلاد، بالتآمر مع وزير الخارجية سعود الفيصل وكان الملك فهد قد لاحظ انه في كل مرة تحصل ورطة، يذهب إلى عبد الله للمساعدة، فاتفقا في وقت لاحق، على أن لا يترك سلطان وفهد البلاد في نفس الوقت. ويبقى شخص لمراقبة “عبد الله”.
لذا نجد أن عبد الله خرج من الدائرة التي كان يحاط بها بعد السكتة الدماغية التي تعرض لها فهد.. ولم يتمكن احد من إخراجه من خط الخلافة.
مرحلة عزوزي : انتعاش المتشددين الوهابيين وتمويل طالبان
داخل الأسرة، كان يلقى باللوم على عبد الله بسبب السكتة الدماغية التي تعرض لها فهد، فهناك معلومات عن أن فهد وعبد الله كانا يتجادلان على الهاتف حول من سيحضر اجتماع مجلس التعاون الخليجي في سلطنة عمان. فهد وعبد الله تجادلا حول ما يقال: عن الانهيار المالي الذي يلوح في الأفق.
وكان الحديث يدور همسا عن أن عبد الله قصد عمدا إثارة عصبية فهد، فصحته لا يمكن أن تصمد أمام الصراخ بعد عام ونصف على السكتة الدماغية التي تعرض لها فهد، حاول سلطان منع عبد الله من حضور اجتماعات مجلس الوزراء برئاسته.. وفي يوليو 1997 حاول عبد الله التوقيع على المراسيم والقوانين التي كان يجب أن تمرر.
سلطان، سلمان، ونايف وصلا إلى المستشفى في عرض تضامني كبير – لكنهم صدموا مرة واحدة، فالجوهرة وعزوزي أقاما معسكرا خارج غرفة فهد في المستشفى. وبعبارة أخرى، كان هناك حكم الأمر الواقع بوجود “انقلاب”.
كان أشقاء فهد غاضبين، ولكن لم يكن هناك شيء للقيام به. فكانوا يرغبون في إلقاء القبض على الجوهرة وابنها، فخيار أن يكون عبد الله الوصي، كان لا يمكن تصوره.
عزوزي لم يسقط فقط حوالي 900 بليون دولار عمولات بل أيضا هزم أخوه محمد بن فهد “البلدوزر”، الذي مثل إريكسون. محمد بن فهد، الذي فاز بلقبه من خلال تكتيكات الأعمال المفترسة التي كان يقوم بها، ولكن الأمور بدت أسوأ من ذلك حين تمت سرقة “بلدوزر” ب22 مليون دولار ومن ثم سرقة يخته. وقال انه لا يستطيع أن يفعل أي شيء لأن الجوهرة وعزوزي لم يهتما بما فيه الكفاية لإعادة المسروقات.
القصر الأسطوري لعزوزي خارج الرياض تفوق فيه على أي شيء بني في أي وقت مضى من قبل آل سعود. فيمكن دخول القصر من خلال أربع بوابات مقوسة منفصلة.
وبحلول مارس العام 1997 أصبح الوضع لا يطاق، بالنسبة لأسرة فهد، فتعاون سلطان مع سلمان لمنع واحدة من الصفقات العقارية لصالح عزوزي. أنا لست متأكدا ما كانت النتيجة، ولكن لو نجحوا، لكان ذلك انتصارا باهظ الثمن.
توصل كبار الأمراء إلى توافق في الآراء بشأن الخلافة، استنادا إلى التجربة والحكمة. وقد لاحظ الأميركيون. بشخص قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال بينفورد بي، الذي جاء إلى الرياض للقاء فهد في 13 يوليو عام 1997، وفوجئ بوجود عزوزي بجنبه.
لكن ما أقلق حقا العائلة السعودية كان تمويل عزوزي للوهابيين المتطرفين، فبدا وكأنه اكتشف إيمانهم، وكان واضحا انه يغازلهم لعلمه انه في يوم من الأيام سيكون بحاجة إلى دعمهم ليصبح ملكا.
في ديسمبر 1993 أذن عزوزي بـ 100،000 دولار لمسجد في مدينة كانساس سيتي. في 15 سبتمبر 1995، قال انه فتح أكاديمية الملك فهد في بون، ويوم 17 سبتمبر عام 1995، دعا رئيس الجمعية الإسلامية في اسبانيا، منصور عبد السلام إلى الرياض . وفي مايو 1996 أمر عزوزي بإطلاق سراح محمد الفاسي من السجن. وكان الفاسي قد تم سجنه لمعارضته حرب الخليج (الفارسي) ووجود القوات الأميركية في المملكة العربية السعودية.
وكان وزير الداخلية نايف اعترف بأن المملكة العربية السعودية لديها مشاكل مع المتشددين الإسلاميين. في نوفمبر 2002 قال: “كل مشاكلنا تأتي من “الإخوان المسلمين”. لأننا قدمنا الكثير من الدعم لهذه المجموعة. وقال إن الأخوان المسلمين دمروا الأخوة في العالم العربي. وتابع نايف: “بسبب تقييد حريتهم في بلدانهم، وجد الأخوان ملجأ لهم في المملكة العربية السعودية حيث وجدوا الإسلام المتطرف”.
في سبتمبر 1996 كلف قائد القوات الجوية بتعيين خمسة من أتباع بن لادن، وكان هناك بالفعل سخط في وزارة الدفاع من وجود الولايات المتحدة في المنطقة. ورأى ضباط من جميع الرتب أن الولايات المتحدة بالغت في خطر “صدام حسين” كذريعة لإبقاء قواتها في المملكة العربية السعودية وبلدان أخرى في المنطقة.
وكان تعيين هؤلاء المتطرفين الإسلاميين الخمسة سيؤدي إلى تفاقم الوضع، ولكن لا أحد كان على استعداد لعكس قرار القائد، بما في ذلك عبد الله وسلطان .. وبحلول أكتوبر تشرين الأول العام 2002 تم إبلاغ الشرطة السعودية بأنها لم تعد قادرة على الاعتماد على ضباط الجيش والمخابرات الصغار. جرى اعتقال عدد من ضباط الجيش البحريني كانوا على ما يبدو علاقات مع تنظيم القاعدة في فبراير 2003 لتبرير مخاوف السعوديين.
انتشار النزعات الإسلامية داخل الجيش شجع عزوزي في سبتمبر 1997 على تنسيق المساعدات بقيمة 100 مليون دولار للطالبان. ولم يعط أهمية لقيام حركة طالبان بحماية بن لادن، الرجل الذي كان يتعهد الإطاحة بآل سعود.
في ديسمبر 1999 اشتعلت رياح عزوزي مع المتشددين الإسلاميين، واتضح أنه تم تمويل زميل بن لادن “سعد البريك” ، الذي بدوره كان يعطي المال للجماعات الإسلامية في الشيشان لذبح الروس عسكريين ومدنيين على حد سواء.
وبعد تلك الأخبار لم يكن أمام نايف سوى خيار إعلان وقف الإنفاق لعزوزي ووضع “البريك” تحت الإقامة الجبرية. ولكن نايف لم يفعل شيئا على الإطلاق، وعزوزي واصل تفريغ الملايين كما يريد .
بالنسبة لنايف كان من المستحيل لأي من إخوة فهد الوصول إلى مركز متقدم لدى واشنطن. وخلال العام 1990، واصل وزير الدفاع سلطان تمويل عبد الله الأحمر، رئيس التجمع اليمني للإصلاح، والإخوان المسلمين في اليمن. وتجاهلت واشنطن الأدلة على الرغم من انه كان لديهم يد في تفجير المدمرة الأميركية كول.
تجاهلت واشنطن ايضا التحول العميق الذي تعرض له حاكم الرياض الأمير سلمان في اصوله الأسلامية في منتصف 1990، على الرغم من أن سلمان كان مسؤولا في الجمعيات الخيرية التي كانت تمول بن لادن والاخوان المسلمين. كان فهد، نايف، سلطان، وسلمان فوق القانون وبالاخص في واشنطن.
المال والصفقات والصمت الأميركي على رعاية السعودية للإرهاب
مرة أخرى، لم يكن امام واشنطن أي خيار. لم يكن الوضع في الرياض كما حاولت الادارة أن تظهر، وكان هناك انتقاد كبير للعائلة المالكة حول تمويل وتغطية الأشخاص الذين يقتلون الأميركيين. وبالتأكيد لم تكن واشنطن على استعداد لتأديب المملكة، والولايات المتحدة كانت تنال حصة الأسد من الإنفاق على الدفاع في البلاد، والذي يمثل نصف الإنفاق الحكومي السعودي.
السعوديون لا يستطيعون تحمل 7،2 $ مليار للصفقة السعودية مع بوينغ. ودعت الصفقة للتوقيع على 500 مليون عقد للدفع، ولكن السعوديين يمكنهم تامين 60 مليون دولار فقط. وبحلول العام 1997 استحقت 2.8 مليار دولار على الطائرات، ولكن لا يمكن أن تخصص من الميزانية. سلطان سرق المال من “اليمامة”، وفي يوليو 1997 أدى جنون سلطان به إلى وزارة الدفاع. فقال ان دفعة بوينغ لابد أن تأتي من الميزانية، ولتغطية المبلغ اجلت الوزارة شراء قطع الغيار وتسليم الطائرات الجديدة، والتي تكلف المملكة العربية السعودية الملايين.
في أواخر سبتمبر 1996 كان عبد الله حذرا جدا حول الوضع المالي للملكة العربية السعودية، وقد حاول إرسال رسالة إلى إدارة كلينتون .
عبد الله لم يتمكن من دفع السفارة الأميركية في الرياض على الاصغاء، فمهمتها الوحيدة الضغط على السعوديين لدفع فواتيرهم في الوقت المحدد. لم يثق عبدالله بالأمير بندر ليكون القناة المعتمدة مع البيت الأبيض لأنه في نهاية المطاف، هو كان مخلصا لأبيه، سلطان. وافضل ما كان يمكن ان يفعله عبد الله هو التداول في مشاكل المملكة مع السفير السابق ريتشارد مورفي. كان مورفي معروفا في العالم العربي كما في الولايات المتحدة بانه خبير في شؤون الشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، لم تكن لديه صلة بـ”إسرائيل”، على الأقل هذا ما يعرفه عبد الله. وكان مورفي مشكلة الحكومة لما يقرب من سبع سنوات وكان له نفوذ في واشنطن.
في اجتماعهم يوم 23 سبتمبر 1996 أوضح عبد الله لمورفي ان الولايات المتحدة بحاجة للتشاور مع السعودية قبل اتخاذ أي مبادرات جديدة في المنطقة… عبد الله استعاد تجربة حرب الخليج ( الفارسي ) منتقدا إدارة بوش، وقال: إدارة الرئيس بوش ضللت المملكة العربية السعودية حول التكاليف. دفع ثمن القواعد الأميركية في المملكة العربية السعودية كان يكلف مليارات إضافية. (وبعبارة أخرى، المملكة العربية السعودية لا يمكنها أن تتحمل تكاليف بوينغ أو أي تكاليف أخرى إذا انتقلت إلى المشاكل الإقليمية).
وقال عبد الله: إدارة كلينتون عليها التخلص من صدام حسين على الفور – والى الأبد. وفي الوقت نفسه، لا يسمح بان يعتقد العرب أن الولايات المتحدة تشن حربا ضد الشعب العراقي. أخيرا، يجب على الولايات المتحدة التوصل إلى تسوية مؤقتة مع طهران .
ولكن في تلك الفترة لم يلق نداء عبدالله آذانا صاغية في واشنطن، فكلينتون كان يعمل على الولاية الثانية.
في الوقت نفسه، واصل الأمير سلطان شراء الأسلحة التي لا يمكن لأحد تحمل عبئها. في ديسمبر 1996 أبرمت المملكة العربية السعودية صفقة أسلحة عديمة الفائدة، فاشترت أربع وأربعين طائرة هليكوبتر من طراز أوغستا 412 – التي يمكن تمويلها من “نفط اليمامة”، وهو ما يعني أنها ستكون مخفية على الشارع السعودي.
في وقت لاحق من الشهر، دخل سلطان السوق مرة أخرى بشراء مئة واثنتين من طائرات F- 16 المقاتلة والمتعددة المهام. وفي وقت لاحق من ذلك العام، قام السعوديون بإبرام صفقة ب 3 مليار دولار مع فرنسا. ناهيك عن أن المملكة كانت تتكلف على اليمامة وحدها 4.5 مليار دولار كمتأخرات.
الضربة الحقيقية جاءت في 18 ديسمبر العام 1996، عندما استدعى وزير الدفاع ويليام بيري ووزير الخارجية وارن كريستوفر، ونائب الرئيس آل غور بندر إلى البيت الأبيض، ليس للاستفسار عن التقدم المحرز في تحقيق “الخبر” بل لعدم السماح لبندر بالذهاب إلى منزله في بوتوماك إلى أن يوافق على إعطاء البوسنة 2 مليون دولار في الشهر كمساعدات.
وكلما تواصل البيت الأبيض أكثر مع عبد الله، كلما قلت محبته، فكان يهدد ليس فقط بتقليص عقود الدفاع و الطيران المدني ولكن أيضا باتخاذ خط مستقل عن السياسة الخارجية.
وكان دائما يعزف عن رسالة ريتشارد مورفي: إما الإطاحة بصدام حسين، أو تركه وحده، ورفع العقوبات. كلينتون لم يفعل شيئا حول سياسة العراق – وصدام كان في مربع “الاحتواء “، في السعودية كان الأكثر انحيازا إلى جانب صدام الإسلاميون المتشددون الذين أصبحوا شائعين في الجيش السعودي.
وفي يونيو 1997 بعث عبد الله رسالة إلى المبعوثين الخاصين لفتح قناة خلفية لم يكن من المفترض أن تعرفها الولايات المتحدة.
بحلول العام 1996 كان النفط تحت المتوسط بـ 21 دولارا للبرميل، وفي العام التالي ارتفع سعر برميل النفط إلى 23 دولارا، أي قفز بما يقرب من 10 %.
رأى عبد الله أن اتفاقات أوسلو العام 1993 كانت: كذبة. وقد بيعت للعرب على أساس أن الفلسطينيين حصلوا على شبه دولة قابلة للتطبيق في الضفة الغربية وقطاع غزة – الولايات المتحدة وقرار الأمم المتحدة 242. ولكن ليس هناك من مستوطنة واحدة تم تفكيكها في ظل أوسلو. ازداد عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية من 250،000 إلى 380،000، ووصل عدد المستوطنين اليهود في غور الأردن الى 5،000 يستهلكون 75 % من المياه ويتركون الباقي لمليوني فلسطيني للعيش.