الشيخ حميد الوائلي
لا يمر يوم من الايام في زماننا هذا الا ونجد للقفزات العلمية والتطور النوعي الهائل صدى أو خبراً يحدثنا عن زاوية حصل فيها ابتكار أو برنامج و لو اخبرنا به قبل مشاهدته لكان ضرباً من الخيال واتهاماً للمتحدث به بالجنون.
لا يمر يوم من الايام في زماننا هذا الا ونجد للقفزات العلمية والتطور النوعي الهائل صدى أو خبراً يحدثنا عن زاوية حصل فيها ابتكار أو برنامج و لو اخبرنا به قبل مشاهدته لكان ضرباً من الخيال واتهاماً للمتحدث به بالجنون.
فبين أيدينا التطور الهائل في وسائل الاتصال ونقل المعلومات الكترونياً وفي مجال الفضاء واكتشاف ما غير الأرض من الكواكب والمجرات، إذ يقف العقل ذاهلاً لما توصل إليه الإنسان من اكتشافات وحصل عليه من معلومات، والمسيرة في تقدم متسارع منقطع النظير فلايكاد يمر يوم بل ساعة إلا وهناك قفزة علمية واكتشاف في مجال ما.
وإذا رجعنا إلى الروايات التي تتحدث عن التقدم العلمي في زمن الظهور المبارك لصاحب الزمان عليه السلام نجد ان بعضا منها تتحدث عن نسبة ما يصل إليه العالم من العلم قبل الظهور ونسبة ما سيصل إليه بعده، وأخرى تحدثنا عن جوانب من ذلك التطور أو الانقلاب الكوني الهائل في عصر الظهور. وأبحاث من هذا القبيل لايمكن الوقوف عليها والتماس نتائجها الا بالاستعانة بالروايات التي تمثل بالنسبة لها المجسات والكواشف التي تطل على الواقع ويُبصر من خلالها بمقدار ما تحدثت عنه الروايات، إذ بمعزل عن ذلك لايمكن للفرد ان يلتمس الحقائق مجردة عنها.
وإذا سرّحنا النظر في هذين النموذجين من الروايات، نجد ان النموذج الأول الذي يجري عملية المقايسة بين ما قبل وما بعد الظهور يعطي نسبة الأربعة عشر ضعفاً لما وصل إليه العالم قياساً بما قبل فخذ أي نموذج من النماذج التي تلحظ فيها تطوراً متزايداً، ويكاد كل نحو من أنحاء هذا التطور يوقف العقل ذهولاً، فإذا أردت مقايستها بما بعد الظهور فاضربها بأربعة عشر مرة تطوراً لتلتمس الحالة التي سيكون عليها التطور في عصر الظهور المبارك، والأمر متروك لك في اختيار النماذج ومقايستها بهذه النسبة وهي في حد ذاتها نسبة لايمكن الجزم بأنها هي فقط دون غيرها زيادة، إذ ان الأحاديث التي أرادت المقايسة بين ما قبل وما بعد تحدّث بعضها عن ان للعلم سبعاً وعشرين حرفاً وقالت ان جميع ما قبل الظهور هو بحرفين سينظمّان إلى الخمسة والعشرين حرفاً وسيبثهما القائم عليه السلام جميعاً في العالم حين ظهوره، ولعل تلك الحروف _غير الاثنين_ كما تختلف في الكم فهي تختلف في النوع فسرّح عنان الفكر في استخراج النتائج.
فعن أَبي عبد الله عليه السلام قال:
(العلم سبعة وعشرون حرفاً فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فيبثها في الناس، وضم إليها الحرفين، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً).
بينما نجد النموذج الثاني الذي يتحدث عن زوايا ضيقة جداً في لوحة الظهور الكبيرة فيعطي لنا صوراً نلتمس بها الواقع آنذاك، فانخفاض كل مرتفع وارتفاع كل منخفض يعني زلزلة جميع الموازين، ولكنها زلزلة علمية حتى يصل الحال إلى ان يصور لكَ الكون _بل هو الواقع وليس صوراً_ انه كشعرة في راحة يدك.
قال أبو عبد الله عليه السلام: انه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى كل منخفض من الأرض، وخفض له كل مرتفع منهن حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته).
ثم تعطينا الأحاديث صورة أخرى لما سيكون عليه التطور في زمن الظهور، فتبرز لنا ان الرؤية بالعين المجردة بعد الظهور تختلف عنها عما قبله فالذي هو بالمشرق ولا يعدو اليوم ان يتجاوز نظره بضعة كيلو مترات سيتجاوز نظره أبان الظهور المشرق كلّه إلى المغرب.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: (ان قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في اسماعهم وابصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد …)الحديث.
بل تترقى بعض الصور التي تنقلنا إلى حيثيات من واقع ما سيكون عليه الظهور لتصور لنا مقطعاً آخر من وسائل التحادث والمخاطبة، فتنقل لنا ان الكلام فيما قبل إذا أريد له أن يتجاوز بضع أمتار فلابد ان يكون ذلك بوسائل معينة، بينما هو في ما بعد سيكون مباشراً دون التماس وسيلة تتوسط النقل، ولربما كانت هناك وسائل ولكنها ليست إلا الوسائل الطبيعية كالهواء مثلا أو غيره من جنود الطبيعة التي يجيّشها الإمام عليه السلام في طاقم إدارة دولته.
وينقلنا البعض الآخر من الروايات الشريفة ليحدثنا عن صور أخرى تحاكي الواقع آنذاك، فطريقة الأكل تختلف بين ما ماقبل وما بعد ففي ما قبل وهي المألوفة لدينا الواضحة لدينا، بينما في ما بعد فيختلف فيها الحال وذلك بأن يلتمس الجائع الطير وهو في الهواء، فيلتقطه، فيذبحه، فيشويه ويأكل لحمه من غير أن يكسر عظمه، ودون حاجة إلى وسائل غير طبيعية، ثم يحييه بإذن الله طيراً سالماً.
ويكتفي الكون أبان الظهور بضوء المؤمن ونوره المستمد بلا شك من ضوء الإمام عليه السلام ونوره حتى أنّها لتنتفي الحاجة ليس إلى أمثال الطاقة الكهربائية بل حتى الى ضوء الشمس والقمر.
ثم تنقلنا روايات أخرى إلى مقطع آخر، إلى اللباس وشؤونه، فتحدثنا بأن لباس المؤمن يختلف عما قبل، فهو يتغير بتغير الذي يلبسه فإذا طال الإنسان طالت ملابسه معه وكذا إذا قصر، ويتغير لونها تغيراً لحبه ومشيئته وارادته فإذا أراد الملابس السوداء تحولت ملابسه إلى اللون الأسود، وإذا أراد البيضاء فكذلك، وهي على هذا المنوال تتغير تلوناً ومقاساً ونوعية حسب رغبته وإرادته.
تلك الصور المتلونة التي هي جزء صغير، ونافذة محدودة عكسها لنا أهل البيت عليهم السلام عن شكل ما سيكون عليه الكون أيام الظهور المبارك، وتؤكد الروايات على انها انما هي كذلك لا تكون في اطار نظام المعجزة والكرامة، بل هي في اطار الحالة الطبيعية والتطور العلمي الذي سيحدث في ذلك الزمان المبارك والذي سنصل اليه وسنشاهده (ان شاء الله سبحانه وتعالى) كما ان كبار السن منا شاهدوا الفارق الكبير بين ما كانوا عليه أيام صباهم وما هم عليه الآن من تطور هائل وفي جميع المجالات، وكل ذلك بأقل من اثنين إلى سبع وعشرين، فكيف سيكون الأمر إذا ضرب كل شيء على ما هو عليه من تطور ورقي بأربعة عشر ضعفاً، ليس بالكم فقط، انّما كماً ونوعاً.