بالنسبة لصناع الأسلحة الأميركية، المملكة العربية السعودية هي قطاع فرعي تصنع لحسابه الأسلحة ضمن قواعده الغريبة، نحن نشتري النفط من المملكة العربية السعودية ونقوم بمعالجته، ووضعه في سياراتنا، ونسبة ما ندفعه ثمنا لذلك يذهب لتمويل الأعمال الإرهابية ضد أميركا والمؤسسات الأميركية في الداخل والخارج.
المال الذي يكسب من مبيعات النفط، تشتري فيه العائلة المالكة السعودية الأسلحة لحماية نفسها من الداخل والخارج، ولكن في الغالب من الداخل. نبيع السعوديين تلك الأسلحة ونحن على علم بأن المبلغ X من سعر الشراء سيذهب لتغطية “العمولات” التي تدفع لعدد قليل جدا من السعوديين الذين يسيطرون على صفقات الأسلحة، والمبلغ X هو اقل بكثير من المبلغ Y الذي يذهب لتمويل الجماعات الإرهابية التي تعتمد السعودية مقرا لها.
ولكن شراء الأسلحة لا يساعد فقط على حماية آل سعود من رعاياهم، بل هي أسهل طريقة للأمراء السعوديين لسحب المال من الخزانة الوطنية. فالمعاملات المالية لشركة أرامكو السعودية، -شركة النفط الوطنية- تدار من الغرب لمنع الغش.
الصناعات الفرعية- التسلح والبناء- هي أعظم أهداف الأسرة الحاكمة، والجدير بالذكر أن “بكر بن لادن” يحصل على حصة الأسد من الكسب غير المشروع لهذه الصناعات. من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإنها تبيع أسلحتها للمملكة العربية السعودية لأنها أبسط طريقة للتأكد من أن النفقات التي تصرفها الخزانة الاميركية على النفط تعود إلى الولايات المتحدة بشكل من أشكال الدفاع عن عائدات الصناعة.
قانون مراقبة تصدير الأسلحة الأميركية يتطلب من السلطة التنفيذية إعلام الكونغرس بجميع اتفاقات المبيعات العسكرية الأجنبية والمفاوضات الحكومية المقترحة والمبيعات التجارية المباشرة التي تزيد عن 14 مليون دولار. ومن بين الأشياء التي اعتمدت من قبل المملكة في السنوات الست منذ 1994:
– تسليم 1500 صاروخ رايثيون AIM-9L و300 AIM-7M صواريخ جو-جو. (مدير وكالة المخابرات المركزية السابق جون دويتش هو في مجلس رايثيون) .
– تسليم 700 -10 Paveway II GBU القنابل الموجهة بالليزر.
– 130 مركبة 90 ملم
– صفقة شملت عددا من مركبات 130 ملم مدافع رشاشة ومدافع رشاشة من عيار M2.50، وما يقرب من170،000 طلقة 90 ملم.
– صيانة ودعم اجهزة الإنذار المحمولة جوا وأنظمة التحكم (اواكس) ونظم الدفاع الجوي KE-3 ناقلات التزود بالوقود جوا، وهواك وباتريوت.
– تسليم ريثيون هوك صواريخ أرض جو.
– خمسمائة وستة وخمسون قنبلة موجهة للروكويل GBU-1.
ولكن تلك ليست سوى تذكرة بنود صغيرة. ومنذ ذلك الحين توصل وزير الخارجية هنري كيسنجر إلى آلية لتسليم السلاح مقابل النفط، والسعوديين لديهم حركة شراء تصاعدية فاشتروا بـ 100 مليار دولار من الولايات المتحدة آلات قتالية ودبابات ام 1 وسفن قتالية، وأكثر من ذلك. لسنوات كانت السعودية رقم واحد في العالم كمستهلك لأنظمة التسلح والأسلحة الأميركية.
ووراء كل صفقة، هناك لجنة، ووراء كل لجنة، هناك سعودي من العائلة المالكة ينتظر خلف الباب للحصول على العمولة الخاصة به، فهناك طرق أخرى للوصول. البروتوكولات التي تحكم المبيعات العسكرية الخارجية الأميركية للسعوديين تقول إن الأموال التي يتعين أخذها من الخزينة السعودية يجب وضعها في الصندوق الاستئماني الذي يدار من قبل وزارة الدفاع الأميركية. مدفوعات محددة للبائعين يتم صرفها من الصندوق الائتماني. وكل شيء يعمل جيدا إذا دفع السعوديون فواتيرهم في الوقت المحدد، ولكن نظرا الى ان ذلك لا يحصل عادة، يبدأ الجمع العكسي من سلاح الجو السعودي.
لأن الجمع العكسي يأخذ أساسا من المشتريات العسكرية، يمكن من خلال استخدامه أن يكون السعوديون قادرين على شراء أسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات الاستطلاع الإلكترونية، دون معرفة الكونغرس الأميركي، وهذا انتهاك واضح لتصاريح المبيعات العسكرية الخارجية.
وقد جمعت 2.1 مليون دولار للدفع للبائعين المحليين. من جهة أخرى اختفت 1100000$ ببساطة في جيب شخص ما. الأميركي الذي عرف قصة الجمع العكسي، بالمناسبة، عمل لسلاح الجو الملكي السعودي بموجب عقد مع بي دي إم، عندما كانت إحدى الشركات التابعة لمجموعة كارلايل متلون .
وقدر الأمير بندر في مقابلة مع PBS أن السعوديين صرفوا منذ أوائل 1970 حوالي 400 مليار دولار لإنشاء الدولة الحديثة، و50 مليار دولار ضاعت بسبب الفساد. (وقال بندر “نحن لم نخترع الفساد”) وربما 125 مليار$ عادت إلى العائلة المالكة السعودية عن طريق الرشاوى.
في صيف العام 1992، وافق جورج بوش الأب على بيع ما يصل من اثنين وسبعين طائرة F- 15 إلى المملكة العربية السعودية، بتكلفة إجمالية وصلت إلى 9 مليارات دولار، بما فيها الأسلحة والدعم على الأرض. والتحسينات التي وضعها ماكدونيل دوغلاس (وهي الآن جزء من شركة بوينغ)، يمكن أن تحمل أكثر من اثني عشر طنا من أسلحة الجو-جو والجو-أرض، بما في ذلك صورايخ سايد و صواريخ سبارو وأكثر من 160 قنبلة بتشغيل واحد.
طائرات F- 15 لعبت دورا بارزا في حرب الخليج (الفارسي) الأولى، وفي وقت مبكر من العام 1994 وقبل أن يبدأ التسليم، وافقت إدارة كلينتون على بيع ما يصل من خمس وعشرين طائرة F- 15 للإسرائيليين.
بالنسبة إلى ماكدونيل دوغلاس يبقى لدى الإسرائيليين أكثر من سبب يدعو للقلق من مبيعات الدول الهائلة للأسلحة المتطورة وبالأخص من الحكومة التي ترقد فوق برميل بارود أي التطرف الإسلامي الوهابي. وكما أثبت التاريخ مرارا وتكرارا، فمبيعات الأسلحة للدول غير المستقرة يمكن أن يأتي بنتائج عكسية. (مثل مساعدة وكالة المخابرات المركزية لحركة طالبان عندما كانوا يقاتلون من أجل الحرية الأفغانية) .
طائرات مدنية وعمولات ملكية
على الرغم من أنها كانت صفقة طائرات مدنية للسعودية إلا أنها كانت أكثر ضررا على استقرار المملكة. ففي الأول من أكتوبر 1995، تم في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض التوقيع على مجموعة كبيرة من التشريعات العسكرية والدبلوماسية، بين الرئيس كلينتون ورئيس شركة بوينغ ماكدونيل دوغلاس، والأمير سلطان، النائب الثاني لرئيس الوزراء السعودي ووزير الدفاع والطيران (وكذلك والد الأمير بندر)، وقامت الخطوط الجوية السعودية، بشراء احدى وستين طائرة بوينغ مصنعة من قبل شركة ماكدونيل دوغلاس. وأدرج في العملية شراء ثلاثة وعشرين طائرة ركاب 777 -200S ، وخمسة 747-400، وأربع طائرات MD- 11F للبضائع، وتسعة وعشرين MD- 90، بمحركات من جنرال الكتريك ومحركات ايرو الدولية، وهي مشروع مشترك بين شركة برات آند وويتني ورولزرويس. والسعر الإجمالي زاد عن 7 مليارات دولار، وتم الاتفاق على شراء أكبر طائرة تجارية من قبل شركة طيران الشرق الأوسط. وللاحتفال بالصفقة، استضاف وزير الدفاع وليام بيري الأمير سلطان على مأدبة عشاء في بلير هاوس، مقر إقامة الضيف الرسمي، على مسافة قصيرة من ولاية بنسلفانيا.
بالنسبة لبيل كلينتون، شكل العقد مع السعودية مفاجأة سياسية كبرى فالطائرة ستكون في منشأة بوينغ الرئيسية في ولاية واشنطن وعند ماكدونيل دوغلاس في ولاية كاليفورنيا. ومحركات جنرال الكتريك ستأتي من ولاية أوهايو، ومحركات برات آند ويتني من ولاية كونيتيكت. كما حصلت ولاية كانساس، وولاية اركنسو، ويوتا على حصتها من الكعكة.
البيت الأبيض يحسب أن النظام السعودي من شأنه توفير العمل لمئات الآلاف من الأميركيين- كما أن الاقتصاد الأميركي كان سيبدأ باستعادة قوته بعد الانهيار الاقتصادي في السنوات الأخيرة من إدارة بوش الأب.
كان كلينتون دائما يضغط في هذا السياق، في شباط العام 1993، أي بأقل من شهر من تسلمه منصبه، قال انه بعث وزير الخارجية وارن كريستوفر الى السعودية للضغط على الملك فهد لشراء بوينغ. وزير التجارة رون براون تلاه في شهر مايو، وظل ساعتين يضغط على الملك. في 28 أكتوبر، 1994، اجتمع كلينتون مع الملك فهد في مدينة الملك خالد العسكرية، بالقرب من الحدود السعودية مع الكويت والعراق، لدفع السعوديين نحو وضع اللمسات الأخيرة على عملية الشراء.
كلينتون لم يكن الرئيس الوحيد للدولة الذي يرغب في تنفيذ العقد السعودي، في وقت مبكر من العام كان السوق العالمي للطائرات التجارية في انخفاض، وكذلك قطاعات الصناعة بأكملها على المحك، وحتى لا يتفوق عليه كريستوفر براون، وكلينتون، توجه الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، إلى المملكة العربية السعودية للقاء الملك فهد والأسرة المالكة ومناقشتهم في موضوع “ايرباص”. جون ميجور، رئيس الوزراء البريطاني كان سيطير على متن مكوك الرياض لدعم شركات ايرباص، ومن وراء الكواليس، وكالة المخابرات المركزية كانت تضغط ايضا.
وكان يتم وضع الأساسات بعيدا عن المكاتب الحكومية. كل صفقة مع السعوديين تنطوي على عمليات السرقة والرشاوى، والكسب غير المشروع. سمها كما تريد، ولكن هذه هي تكلفة الأعمال التجارية مع أفضل صديق لنا في العالم العربي. عموما، على الرغم من بقاء التفاصيل غامضة، كانت المعاملات معقدة، بفضل الدعاوى القضائية التي وجدت طريقها الى المحكمة العليا في واشنطن، لدينا صورة واضحة جدا عن المكونات المطلوبة لابرام عقد مع السعوديين.
حالة طاهر باوزير ضد شركة بوينغ والشيخ خالد بن محفوظ، أودعت في 16 يونيو 1998، ولكن جذورها تعود إلى بداية العقد، بمجرد أن بدا واضحا أن الخطوط الجوية السعودية تتطلع لتحديث اسطول طائراتها وتتحول إلى البوينغ. ارتفع التضخم في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وقام العملاء بإعادة النظر في احتياجاتهم.
مشتريات شركات الطيران السعودية، العسكرية أو التجارية، يجب أن يوافق عليها المدراء التنفيذيون للعائلة المالكة، والرؤساء في بوينغ يعرفون من التجربة السابقة أنه دائما هناك حاجة لفتح قناة مع الملك وحاشيته، بما في ذلك الأمير سلطان.
ولقيادة العاملين في صناعة الطيران تم تعيين خالد بن محفوظ، وهو كان في ذلك الوقت نائب المدير العام وضابط التشغيل للبنك الأهلي التجاري، احدى أكبر المؤسسات المالية في المملكة العربية السعودية. (كانت عائلة محفوظ المساهم الأكبر في البنك الأهلي التجاري.) والمهم ان خالد بن محفوظ كانت لديه سمعة جيدة في المملكة العربية السعودية.
التقى محفوظ مع المدراء التنفيذيين لبوينغ لعقد الصفقة السعودية في العام 1991، لتبديد الخوف الأميركي من الحيازات المالية العالمية، ووافق محفوظ على تشكيل شراكة مع شخص يمكن أن يشرف على العلاقة الاستشاراتية المطلوبة، وهذا الشخص يكون طاهر باوزير، وهو يمني مقيم في المملكة العربية السعودية.
في مارس 1992 وافقت بوينغ على سلسلة اتفاقات، على ان تحسب نسبة العمولة على سعر تسليم الطائرات – على الأقل 5 في المئة من إجمالي قيمة المبيعات، بحسب ما تشير وثائق المحكمة، وعلى الأرجح نسبة 10 – إلى 12 % مؤشر لمثل هذه الصفقات مع السعوديين.
عمولات بن محفوظ وتمويل القاعدة تحت حماية الإدارة
بعد فترة ليست طويلة على توقيع هذا الاتفاق، بدأ خالد بن محفوظ مواجهة المتاعب، لصلته بالجمعيات الخيرية الملكية التي تقدم المال لتنهي الأمر مع بن لادن والقاعدة، وغيرها من المنظمات الإرهابية. وكان لمحفوظ حصة رئيسية في بنك الاعتماد والتجارة الدولي. في تموز العام 1991 هيئة المحلفين الكبرى في نيويورك اتهمت البنك، وأربعة من فروعه، واثنين من الضباط بتهمة الاحتيال، وفي وقت لاحق من السنة صدر أمر باعتقال محفوظ. تقريبا في الوقت نفسه، قدمت الولايات المتحدة شكوى لمجلس الاحتياطي الاتحادي ضد محفوظ الذي اتهم بانتهاك القوانين المصرفية الاتحادية. وفي 8 تموز 1992، أصدر القاضي أمرا يحظر على الشيخ سحب، ونقل، وإزالة، أو التخلص من الأصول أو الممتلكات الأخرى التي يمتلكها أو يسيطر عليها…
مستشار الصفقة السعودية كان تحت لائحة الاتهام، غير قادر على زيارة الولايات المتحدة خوفا من الاعتقال أو احتمال نقل أمواله خارج البلاد، ومتورط في فضيحة مالية عالمية، بوينغ جددت الاتفاق في مايو 1993 واستمرت في تجديده سنويا لأربع سنوات أخرى.
في ديسمبر 1993 دفع محفوظ حوالي 225 مليون دولار لتسوية المطالبات الأميركية ضده و245 مليون دولار لتسوية مجموعة مماثلة من المشاكل في أوروبا. وفي كلتا الحالتين، لم يكن مطلوبا منه أن يعترف بأي من المخالفات. وبحلول ذلك الوقت كان لديه قضايا اخرى وهذا ما يدعو للقلق. ووفقا لدعوى باوزير -وهو عضو بارز في المملكة في السعودية- كانت العائلة قد بدأت تضغط على محفوظ في ربيع العام 1993 للانسحاب من الصفقة بحيث يقوم عضو آخر من العائلة المالكة مقامه – واللجنة ستمرر الصفقة. باوزير يؤكد في دعواه أنه هو وليس محفوظ، من وضع الاستراتيجية التي عقدت، وهو من قام بكل الاعمال، وأبقى الصفقة برمتها على قيد الحياة.
وكان من السهل الاعتقاد بذلك، فخالد بن محفوظ كان مشغولا بما فيه الكفاية بمقتنياته الكثيرة الخاصة، وبالأخص بنك الاعتماد والتجارة، وكان من المعروف أن العائلة المالكة في السعودية تنقض على الأعمال التجارية التي تحصل من خلالها على فضلات غنية .
رفضت محكمة واشنطن البت في حيثيات قضية باوزير، مشيرة ببساطة الى أن واشنطن لم يكن لديها اختصاص للبت في المسألة. بوينغ أرسلت لمحفوظ 15 مليون دولار، ونصيبه من السعوديين كان مع ختام الصفقة. والمؤكد تقريبا هو الرقم 700 مليون دولار، ولكن الشائعات تقول انه في أميركا والمملكة العربية السعودية ثبتت مبلغ الـ 1 بليون دولار للصفقة.
بوينغ، في أي حال من الاحوال، كانت راضية عن الخدمات المقدمة. وعندما سافر خالد بن محفوظ إلى سياتل في 24 مايو 1994 – بعد أن تمكن من دخول الولايات المتحدة بشكل قانوني مرة أخرى –نزل في بوينغ فيلد، حيث استقبله الرئيس التنفيذي فرانك شرونتز، واخرين ممن اتخذوا في جولة في مصنع شركة 777. توم فولي رئيس مجلس النواب، أشاد بالصفقة السعودية وقال بأنه “يوم عظيم لهذا البلد”. وفي الواقع، كانت هناك فقط مشكلة صغيرة مع الترتيب الوردي الكامل: السعوديون لا يمكنكم تحملها.
في 13 نوفمبر 1995، ثمانية عشر يوما بعد اتفاق بوينغ- السعودية الذي وقعه البيت الأبيض، انفجرت سيارة مفخخة خارج منشأة تدريب للولايات المتحدة في الرياض، قتل خلالها سبعة اشخاص، بما في ذلك خمسة أميركيين، وجرح 42.
الانفجار وقع بمبنى فيه ما يقرب من أربعمائة أميركي يدربون الحرس الوطني السعودي على استخدام الأسلحة التي تم شراؤها من الشركات المصنعة في الولايات المتحدة. وقامت مجموعة أطلقت على نفسها اسم الحركة الإسلامية للتغيير بتبني الهجوم. في وقت لاحق، اعتقل العشرات من المشتبه بهم السعوديين. وفي 31 مايو عام 1996، أعدم أربعة منهم، على الرغم من أنه ما زال هناك بعض الشك حول تورطهم. واتهمت المملكة العربية السعودية بالاستفادة من التفجير للتخلص من المعارضين السياسيين.
وهناك احتمالات ضئيلة بأن انفجار السيارة له علاقة باتفاق بوينغ، ولكن كان توقيت الحادثين ملفتا إلى حد كبير، فبن لادن كانت لديه دوافع وراء هذه الأمور. فقد اتهم العائلة المالكة بأنها ضحت بالإسلام – وبحرمة المملكة العربية السعودية، من أجل المال والرشاوى والصفقات القذرة. بن لادن لم يكن وراء التفجير ولكنه أثنى عليه.
المملكة العربية السعودية هي من أكثر الدول رفاهية والأكثر تقدما، وهي ضد الماركسية. السعوديون يحصلون على الرعاية الصحية المجانية والمنازل من دون فائدة والقروض التجارية، والتعليم الجامعي المجاني داخل المملكة، والدعم لأولئك الذين يدرسون في الخارج. وعلى الرغم من أن المواطنين يعيشون في بلد من بلدان العالم الثالث، إلا أن السعوديين يسافرون في الدرجة الأولى.
حوالي ربع السكان في المملكة العربية السعودية، تتراوح أعمارهم بين 15-64، والرعايا الأجانب، يسمح لهم بدخول المملكة للعمل في حقول النفط، وليعملوا في المنازل، ولكن أيضا لبرمجة الكمبيوتر وإدارة المصافي. 90 % من العمال الأجانب يقومون بالأعمال التي لا يقوم بها السعوديون – وظائف القطاع الخاص هي لهم فقط، والذكور السعوديون لديهم معدل أمية عالي جدا، فلثلاث أجيال كان رجال القبائل الرحل يسكنون البلاد.
حوالي 85 % من السعوديين فوق سن الخامسة عشر يستطيعون القراءة والكتابة، في مقابل أقل من 70 % من النساء السعوديات من نفس الفئة العمرية. ولكن منذ عهد نظام التعليم السعودي إلى الوهابيين الأصوليين، كانوا عموما غير مستعدين للمنافسة في عصر التكنولوجيا أو الاقتصاد العالمي.
المشكلة الأولى: المتعلمون السعوديون الصغار يتعلمون من اجل المشاركة في العالم الحديث، في عالم يزداد انفتاحا، فالسعوديون ينظرون إلى العالم من خلال عدسة ضيقة جدا.
معظم السعوديين يتابعون ما يحدث في العالم من خلال الصحف المحلية وتلفزيون الجزيرة، الذي من خلاله اختار أسامة بن لادن توزيع بياناته.
المشكلة الثانية هي مشتركة بين الدول النامية: التركيبة السكانية. هناك طريقة أخرى ليملأ بها الشباب السعودي وقته، فالمملكة العربية السعودية لديها أعلى معدلات ولادة في العالم خارج أفريقيا- ما يقرب من 37.25 ولادة لكل ألف مواطن في العام 2002، بالضبط تقريبا ضعف معدل المواليد لدى “إسرائيل”-. 97 % من السعوديين هم ما دون الرابعة والستين، ونصف السكان دون سن الثامنة عشرة. وجود الكثير من السعوديين في سن العمل، واستعدادهم للدخول في القوى العاملة، يفرض ضغوطا هائلة على الاقتصاد الذي لم يعد قادرا على استيعاب أولئك الذين يريدون العمل. والطبقات الوسطى هي التي تؤمن استقرار المجتمع.
المشكلة الثالثة: دولة الرفاهية الأكثر تقدما في العالم اعتمدت على أسعار النفط في منتصف وأواخر 1970 وأوائل 1980، وفي العام 1981، عندما فرض على المملكة بأكملها واقع الإعانة، كانت تبيع النفط بما يقرب من 40 دولارا للبرميل، ونصيب الفرد من الدخل 26000 $. وبعد عقد من الزمان، قبل غزو العراق للكويت، كانت قادرة على شراء النفط بنحو 15 دولارا للبرميل الصافي. حرب الخليج (الفارسي) رفعت أسعار النفط إلى ما يصل لحوالي 33 دولارا للبرميل، ولكن بحلول العام 1994، عندما كان بيل كلينتون متوكئا على الرياض للقيام بالأعمال التجارية مع شركة بوينغ، وكان يبيع النفط لـ12،50 $ للبرميل. واعتبارا من العام 2001، نصيب الفرد من الدخل غرق إلى أقل من 10000$ وبدأت الكارثة الكلاسيكية لتحقيق الوئام الاجتماعي.
لأن المملكة تعتمد على النفط بنحو 85 % من إجمالي ايراداتها، كل تراجع للدولار قد يؤدي إلى تراجع سعر برميل النفط ويترجم بنحو 3 مليارات دولار خسائر على الخزينة السعودية.
وفي وقت مبكر من العام 1980 فاخرت المملكة بالاحتياطي النقدي الذي بلغ 120 مليار دولار. وبحلول العام 1994 تقلص الاحتياطي إلى نحو 15 مليار دولار. ( وتقدر احتياطيات النقد اعتبارا من بداية العام 2003 بحوالي 21 مليار دولار).
العام الماضي، كانت السعودية قد حصلت على 4.5 مليار دولار من الائتمان من جيه بي مورغان للمساعدة في تغطية حصتها من التكاليف لعملية عاصفة الصحراء. كما كان يعمل كلينتون لحصول المملكة على الالتزام بالصفقة مع بوينغ، فالسعوديون يمدون دفعات لشركة بوينغ ماكدونيل دوغلاس وغيرهم للطائرات العسكرية والمعدات.
لضخ المزيد من النفط بهدف تخفيف العبء على الولايات المتحدة -للتصدير والاستيراد- وافق البنك على ضمان قروض منخفضة الفائدة لأكثر من 6 مليارات دولار.
الانفجار السكاني في بيت سعود لم يمنع أمراء المملكة من تعدد الزوجات والحصول على أربعين إلى سبعين طفل خلال حياتهم، في حين تم تقليص الموارد لدعم هذا النمو السكاني.
امراء وانشطة إجرامية
غياب المهارات الخاصة بسبب بقاء الأجداد في الصحراء، ابتلى جيل الأمراء الأصغر سنا وأفراد العائلة المالكة بالأنشطة الإجرامية، وقد صورت العائلة المالكة على أنها مهووسة بالقمار والكحول والدعارة، والأحزاب، وغيرها من الاعتبارات التي تحمل على الرذائل.
وفي الوقت نفسه، لعبة الأرقام بدت مثل البازار الإسلامي الضخم الذي يحدق في إطار القصر الملكي. بالفعل، تألف بيت سعود من ثلاثين ألف عضو، وهذا العدد سيضاعف في العشرين أو الثلاثين سنة القادمين، وربما أكثر من ذلك بكثير، ما من شأنه أن يدفع سعر برميل النفط إلى الأمام لدعم امتيازات أفراد العائلة المالكة السعودية.
وقد تواجه الأمة بعض الخيارات مثل تقليص الإيرادات والالتزامات الثقيلة، وموارد البلاتين للحصول على قرض يرفع سعر النفط. لا نشكك في حالة إفلاس وشيكة لحالات مثل السعودية- ولكن البنك الدولي يطالب على الأقل بقدر من الشفافية في تعاملاته. سيكون على المملكة العربية السعودية فتح دفاترها التي من شأنها أن تكشف عن العديد من المخاطر للجمهور، وكيف يجري تحويل المليارات من الدولارات كإيرادات وطنية من بيت سعود.
على سبيل المثال، شرح كيف انفق 7.2 بليون $ لطائرات بوينغ التجارية وإكسسواراتها؟ وعلى الرغم من الإبداع في المحاسبة، سيدرك شخص أن 10 % من سعر الشراء الذي كان السعوديين سيدفعونه لبوينغ اختفى بين اللجان، من الخزانة الملكية لخالد بن محفوظ وغيرهم، ثم إلى العائلة المالكة. بن محفوظ قد اضطر لوضع بعض الجمعيات الخيرية في رعاية ال سعود.
رسميا، النفقات العسكرية تستهلك 13 % من إجمالي الناتج المحلي للمملكة العربية السعودية. وتنفق خارج الميزانية العسكرية، بمبالغ اكبر بكثير. هذا في حين ان النفقات العسكرية لـ”إسرائيل”، تصل إلى 9 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وإذا فتحت الكتب سنتساءل لماذا السعوديين أنفقوا أكثر من الإسرائيليين على الأسلحة، وبالأخص أن الولايات المتحدة تحمي السعوديين من أعداءهم في الخارج.
إذا تم تقليص نسبة التسلح هناك خطر من غضب الحماة الأميركيين، والبريطانيين، فهم موردون رئيسيون للأسلحة، وهناك شبكة معقدة من المصالح الغربية الخاصة والعامة التي تعمل على بناء وصيانة هذه الترسانة. يمكن أيضا الحديث عن العشائر القوية الحاكمة، التي تعتمد على عمولات مبيعات الأسلحة ومبيعات القلاع والطائرات واليخوت والمستودعات وهلم جرا.
الاستمرار في استنزاف الخزينة وتشغيل الدين الوطني عن طريق شراء السلاح، لاسترضاء الجهاديين في كل الطرق.
ثورة الحرم وشراء ولاء المتطرفين
في العام 1979، قتل 127 وجرح 117 من القوات السعودية بمعارك ضارية مع المتمردين في السعودية لمدة أسبوعين بعد استيلاء الوهابيين المتعصبين على المسجد الحرام في مكة المكرمة. وحمل المتمردون نفس الرسالة التي يروج لها رجال الدين الوهابيين في المساجد: بيت ال سعود يدنسون الإسلام. (وقد قال دبلوماسي سعودي في أعقاب 11/9، “ما يصدمني هو سبب ضرب الولايات المتحدة وليس نحن”) وكان الملك خالد على العرش عندما تم الاستيلاء على المسجد الحرام.
ولعدم تكرار تجربته، أعطى الملك فهد 25 بليون دولار لتوسيع وتحديث العتبات المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأعطى المزيد من المليارات إلى الجامعات الإسلامية الجديدة.
وقد استفادت عائلة بكر بن لادن من المشاريع الضخمة والأشغال العامة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث أشرف على بناءها وترميمها بمليارات الدولارات وبعض تلك المدفوعات وجدت طريقها إلى ابن عمه أسامة، ولتنظيم القاعدة، وغيرها من الجماعات الأصولية العنيفة. هذه هي الطريقة التي كانت تسير بها الأمور في المملكة العربية السعودية: والسؤال الوحيد هو متى تأتي النهاية.
الغرب والولايات المتحدة لم يتركوا خيارات كثيرة لآل سعود في حين أن معظم أفراد العائلة المالكة ينظرون في الاتجاه الآخر، ويأملون في أن لا يأتي المستقبل أبدا، واشنطن تقول إن الرياض لن تحرق، وتشاهد بسلبية كيف يقوم الأثرياء السعوديين بتوجيه مئات الملايين من الدولارات للجماعات المتطرفة لشراء امنها.
واشنطن ترحب بأفراد العائلة المالكة الرائدة مثل الأمير سلمان ونحن نعلم أنه هو من يتحكم بالتوزيعات من هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التي لعبت دورا قياديا في تمويل الإرهابيين الذين حاولوا تفجير العالم ونجحوا في تفجير مركز التجارة العالمي قبل سنوات.
كبريات الشركات الأميركية مثل بوينغ ماكدونيل دوغلاس ترحب بالسعوديين لان الصفقات التي ستبرم مرة أخرى مع المملكة العربية السعودية سوف تزيد من تآكل الميزانية وبالتالي زيادة تقسيم الطبقة الحاكمة والطبقة الدنيا. مدراء وكالة الاستخبارات المركزية السابقين الذين عملوا مع الشركات السعودية معظمهم يعرفون أنه يمكن أن تستمر هذه المهزلة لفترة طويلة.
جون أونيل، الرئيس السابق لمكافحة الإرهاب رفض تملق السعوديين؟ لقد قرأت قصص: كيف منعت وزارة الخارجية أونيل من دخول اليمن، على الرغم من انه كان متجها للتحقيق في الهجوم الإرهابي على المدمرة الأميركية كول. أونيل تجاهل السعوديين، ولكن لم يمض وقت طويل قبل أن تبدأ السكاكين تضرب فيه. فقامت إدارة مكتب التحقيقات الفدرالي بتسريب ملف موظفها إلى الصحافة. وعندما التقيت أونيل، عرفت على الفور أنه كان الشخص الذي كان على استعداد لتفجير الوضع في واشنطن.
الولايات المتحدة تغلق عينيها عن المتطرفين المسلمين، والشيء الوحيد الذي كان مجلس الأمن القومي يضع عينيه عليه هو نفط بحر قزوين. الصفقات مع السعوديين شكلت شراكات لاستغلال موارد الطاقة في آسيا الوسطى.
ما تريده شركات النفط الكبرى أكثر من أي شيء آخر هو الاستقرار. والمملكة العربية السعودية هي أكثر دولة غير عقلانية – وهي المكان الذي يولد الإرهاب العالمي فالمملكة بقيادة الأسرة المالكة لا يمكنها الخروج من الجشع هل هذه هي نقطة الارتكاز لتحقيق التوازن في الاقتصاد العالمي؟