الوصية لكل إمام من الاثني عشر بعهد خاص من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قوله: ان الأئمة (عليهم السلام) لم يكونوا يعلمون بأسماء أوصيائهم من بعدهم إلا قرب وفاتهم! نقول: قد جاء في الروايات الصحيحة عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال لأصحابه :أترون ان الأمر إلينا نضعه فيمن شئنا ؟
كلا والله انه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي (ثم) إلى رجل فرجل إلى ان ينتهي إلى صاحب هذا الأمر.
نص الشبهة
قال صاحب النشرة:
تشير روايات كثيرة يذكرها الصفار في بصائر الدرجات والكليني في (الكافي) والحميري في (قرب الاسناد) والعياشي في (تفسيره) والمفيد في (الإرشاد) والحر العاملي في (إثبات الهداة) وغيرهم إلى ان الأئمة أنفسهم لم يكونوا يعرفون بحكاية القائمة المسبقة المعدة منذ زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم معرفتهم بإمامتهم أو بإمامة الإمام اللاحق من بعدهم إلا قرب وفاتهم. فضلا عن الشيعة أو الإمامية أنفسهم الذين كانوا يقضون في حيرة واختلاف بعد وفاة كل إمام وكانوا يتوسلون بكل إمام ان يعين اللاحق بعده ويسميه بوضوح لكي لا يموتوا وهم لا يعرفون الإمام الجديد. يروي الصفار في (بصائر الدرجات) ص 473 باب (ان الأئمة يعلمون إلى من يوصون قبل وفاتهم مما يعلمهم الله) حديثا عن الإمام الصادق يقول فيه (ما مات عالم حتى يعلمه الله إلى من يوصي)، كما يرويه الكليني في الكافي ج1ص 277، ويروي أيضا عنه (عليه السلام) (لا يموت الإمام حتى يعلم من بعده فيوصي إليه) وهو ما يدل على عدم معرفة الأئمة من قبل بأسماء خلفائهم، أو بوجود قائمة مسبقة بهم وقد ذهب الصفار والصدوق والكليني ابعد من ذلك فرووا عن أبي عبد الله انه قال (ان الإمام اللاحق يعرف إمامته وينتهي إليه الأمر في آخر دقيقة من حياة الأول) (البصائر 478 والإمامة والتبصرة من الحيرة باب 19 ص 84 والكافي ج1 ص 275) .
الجواب عنها
أقول:
لقد أخطأ صاحب النشرة في فهم بعض الروايات التي ذكرها، وحمل بعضها الاخر بسبب إجماله على ما يشتهي وكان ينبغي ان يفهمه في ضوء مجموعة أخرى من الأحاديث أوضح منه وأكثر صراحة.
أما الرواية التي أخطأ في فهمها خطأً فاحشاً فهي رواية صفوان الاتية:
“قال صفوان قلت للرضا (عليه السلام) اخبرني عن الإمام متى يعلم انه إمام أحين يبلغه ان صاحبه قد مات أو حين يمضي مثل أبي الحسن قبض ببغداد وأنت هنا؟ قال يعلم ذلك حين يمضي صاحبه، قلت بأي شىء قال يلهمه الله “( الكافي ج1 /381 ج4).
فمن الواضح ان قول الرضا (عليه السلام) يعلم حين يمضي صاحبه جواب لسؤال عن الإمام اللاحق كيف يعرف ان الأمر انتهى إليه ومراد السائل حالة التصدي للإمامة من اللاحق باعتبار لا يكون إمامان إلا وأحدهما صامت وباعتبار ان الإمام السابق قد يموت في مكان بعيد ويستغرق وصول خبر موته مدة طويلة كما في حالة موت الإمام الكاظم (عليه السلام) في السجن في بغداد وكان وصيه الرضا (عليه السلام) في المدينة، أو موت الرضا (عليه السلام) في خراسان وكان وصيه الجواد (عليه السلام) في المدينة، وهكذايتضح ان الرواية تتحدث عن جواب سؤال متى يتصدى الإمام اللاحق للإمامة ويضطلع بمهماتها ولم تكن تتحدث عن سؤال متى يعرف الأمام اللاحق انه قد جاءت النصوص فيه والوصية عليه من الإمام السابق. وبعبارة أخرى توجد قضيتان:
الأولى: قضية النص على الإمام اللاحق من الإمام السابق وهذه قد تحصل في سن مبكرة من عمر الإمام السابق كما ستأتي الأمثلة على ذلك.
الثانية: قضية اضطلاع الوصي بمهمات الإمامة وتحصل في اللحظة التي يتوفى فيها الإمام اللاحق دون اللحظة التي يصل فيها خبر موته مهما بعدت المسافات التي تفصل بينهما ويحصل علمه بموت الإمام السابق بإلهام من الله تعالى.
أما الرواية المجملة التي كان يجب عليه ان يفهمها في ضوء غيرها فهي قوله (عليه السلام):
(لا يموت الإمام حتى يعلم من بعده فيوصي إليه).
وهذه ونظائرها ينبغي ان يرجع في فهمها إلى الروايات الأكثر وضوحاً وتفصيلاً وهي كثيرة منها رواية الكليني والصفار عن عمرو بن مصعب وعمرو بن الأشعث وأبي بصير وسدير ومعاوية بن عمار ان أبا عبد الله (عليه السلام) قال لهم ولغيرهم:
“أترون ان الموصي منا يوصي إلى من يريد لا والله ولكنه عهد معهود من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رجل فرجل حتى انتهى إلى نفسه “. وفي لفظ آخر “إلى ان ينتهي إلى صاحب هذا الأمر”( الكافي ج 1 ص 277 الروايات 1ـ4. وأيضا بصائر الدرجات للصفار ص470 الروايات 1ـ10،12).
وفي ضوء ذلك يكون معنى الرواية المجملة هو ان الإمام السابق لا يموت من دون وصية وتعريف بالإمام الذي يكون بعده.
أما قول صاحب النشرة (ان الإمام السابق لا يعرف إمامة الإمام اللاحق من بعده إلا قرب وفاته).
فهو غير صحيح.. وتكذبه رواية العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رجل فرجل الانفة الذكر.
وتكذبه أيضاً روايات النص على أبي الحسن موسي (عليه السلام) من أبيه الصادق (عليه السلام) كما في رواية صفوان الجَمّال، قال: “سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر؟
فقال:ان صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب واقبل أبو الحسن موسى وهو صغير ومعه عَناق (العَناق بفتح العين الأنثى من المعز وخصصها بعضهم بما لم يتم له سنة (لسان العرب)) مكية وهو يقول لها أسجدي لربك فأخذه أبو عبد الله (عليه السلام) وضمه إليه وقال بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب “( الكافي ج1 ص 311 الرواية 15) .
ورواية يعقوب السراج التي تشير إلى النص على الإمام الكاظم وهو في المهد(الكافي ج1ص 310 الرواية11)وقريب من معناها روايات آخر.
وكذلك روايات النص على الرضا (عليه السلام) وولده الجواد من الإمام الكاظم (عليه السلام) ، بعضها كان منه (عليه السلام) وهو في الحبس كما في رواية الحسين بن المختار (الكافي ج1 ص 313) وبعضها قبل الحبس كما في رواية محمد بن سنان (ت220هـ) قال:
دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) من قبل ان يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه فنظر اليَّ فقال:يا محمد أما انه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع !
قال قلت وما يكون جعلت فداك؟
فقال:أصير إلى الطاغية أما انه لا يبدأني منه سوء ولا من الذي يكون بعده (المراد بالطاغية المهدي العباسي وبالذي يكون بعده الهادي العباسي) ثم أشار إلى ابنه علي (عليه السلام) وقال من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب (عليه السلام) حقه وجحد إمامته بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
قال ابن سنان:فقلت والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرَّنَّ له بإمامته . قال:صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر بإمامته وإمامة من يكون من بعده .
قال:قلت ومن ذاك ؟
قال:محمد ابنه .
قلت:له الرضا والتسليم “( الكافي ج1 319 الرواية 16).
فالإمام الكاظم (عليه السلام) هنا لا ينص على ابنه الرضا (عليه السلام) فقط بل يخبر باسم الإمام بعد الرضا (عليه السلام).
وكذلك روايات النص على الجواد من أبيه الرضا (عليه السلام) كما في رواية الحسن بن بشار قال:
“كتب ابن قياما إلى أبي الحسن (عليه السلام) كتابا يقول فيه كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟ فأجابه أبو الحسن الرضا (عليه السلام):
وما علمك انه لا يكون لي ولد ! والله لا تنقضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرق به بين الحق والباطل “(الكافي ج1 ص 230 الرواية4).
وفي رواية أبي يحيى الصنعاني قال: “كنت عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فجيء بابنه أبي جعفر (عليه السلام) وهو صغير فقال:هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه “(الكافي ج1ص321 الرواية 9).
وفي رواية صفوان بن يحيى قال:
“قلت للرضا (عليه السلام):قد كنا نسألك قبل ان يهب الله لك أبا جعفر (عليه السلام) فكنت تقول يهب الله لي غلاما فقد وهبه الله لك فاقر عيوننا فلا أرانا إليه يومك فان كان كون فإلى من؟
فأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام) وهو قائم بين يديه ، فقلت:جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين!
فقال:وما يضره من ذلك فقد قام عيسى (عليه السلام) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين “(الكافي ج1. ص 321 الرواية رقم 10) (وفي نسخة إرشاد المفيد وإعلام الورى ابن اقل من ثلاث سنين).
الخلاصة:
ان الذي ادعاه صاحب النشرة من ان الائمة (عليهم السلام) لم يكونوا يعلمون بأسماء أوصيائهم من بعدهم إلا قرب وفاتهم قد بناه على فهم خاطىء لرواية صفوان الذي كان قد سأل الرضا (عليه السلام) عن الامام اللاحق متى يعلم انه قداضطلع بالإمامة فعلاً هل منذ اللحظة الاولى لموت الإمام السابق أو حين يبلغه خبر موته كما لو كان الإمام السابق فى بلد والإمام اللاحق فى بلد آخر بعيداً عنه كما في حالة الامامين الكاظم والرضا أو الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام)، ولكن صاحب النشرة حمل الرواية على حالة الوصية والنص، هذا مضافاً إلى إغفاله الروايات الكثيرة التى رواها الصفار فى بصائر الدرجات والكليني في الكافي التي تنص على ان وصية كل إمام للذي من بعده إنما هي بعهد معهود من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واغفاله أيضاً لروايات الكثيرة التي تنص على ان الإمام السابق قد يشير إلى إمامة الإمام اللاحق وينص عليه في سن مبكرة من حياته كما في نص الصادق (عليه السلام) على الكاظم(عليه السلام) فى طفولته ونص الرضا(عليه السلام) على الجواد(عليه السلام) وهو ابن ثلاث سنين.