نافذة نطلّ من خلالها على دولة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
الشيخ حميد الوائلي
تحدّثنا في الحلقات السابقة عن عمومية الرجعة وخصوصيتها، وعن خصوصيات من يرجعون، وكيف سيرجعون، وهل أنها من عالم البرزخ، أو من عالم الدنيا وما هي خصوصياتها، ومن هم الذين يرجعون،…
تحدّثنا في الحلقات السابقة عن عمومية الرجعة وخصوصيتها، وعن خصوصيات من يرجعون، وكيف سيرجعون، وهل أنها من عالم البرزخ، أو من عالم الدنيا وما هي خصوصياتها، ومن هم الذين يرجعون، وهل الرجعة واحدة أو هي متعددة، وسنتحدث الآن عن:
متى تبدأ الرجعة وهل يرجع جميع الأئمة؟.
إنّ الحديث عن بداية الرجعة ومتى تكون ينبغي أنْ يكون عن خصوص الرجعة التي تقع بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام وإلاّ فغير هذه الرجعة قد بدأت منذ زمن بعيد، إذ قد وقعت في بني إسرائيل وفي أزمان أخرى وقد تحدث عنها القرآن بشكل واضح وآيات متعددة (الَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ…) و(كَالَّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيي هذِهِ اللَّهُ) وغيرها.
فضلاً عن الرجعات التي وقعت لأناس في ازمان بعض الانبياء وفي زمن نبين صلى الله عليه وآله وسلم بل وفي أزمان الأئمة عليهم السلام، فقد روى الصفار في (بصائر الدرجات) أنّ رجلاً جاء الى ابي عبد الله الصادق عليه السلام قائلاً له: (فداك أبي وأمي إن اهلي توفيت وبقيت وحيداً فقال ابو عبد الله عليه السلام أكنت تحبها؟.
قال: نعم. قال ارجع الى منزلك فإنك تراها وهي تأكل…).
إذن فالرجعة رجعتان أو أكثر، على ما تقدم، منها ما بدأ مذ قرون، ومنها ما يبدأ عند قيام القائم عليه السلام، وقد تحدث أهل الاخبار والحديث عن اصناف وألوان من الرجعات التي تفاوتت في كيفية حصولها ومدة وقوعها وبقاء من رجع فيها، وإذا لاحظنا الأحاديث العامّة والتي تتحدث عن إنّ ما جرى في الأمم السابقة سيجري في هذه الأمة حذو القذة بالقذة، وانّ ما وقع في الامم السابقة من رجعات سيقع في هذه الأمة، نفهم أنّ هناك تفصيلات في الرجعة التي ستقع وإنْ لم تكن لنا عليها أدلة خاصة، ولكنه ولله الحمد توجد مجموعة من الاخبار تتحدث عن جملة من خصائص الرجعة التي ستقع عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وعلى هذا الاساس تتضح الاجابة عن تساؤل بداية الرجعة، وانها متى تبدأ؟ إذ انه إنْ كان المقصود هو رجعات ما قبل الظهور المبارك فانها قد بدأت، أما هي فستبدأ عند الظهور مباشرة، وقد نصت جملة من الاخبار على ذلك، نقرأ بعضها، ففي (إرشاد المفيد) عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال: (يخرج القائم عليه السلام من ظهر الكوفة مع سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون للحق وبه يعدلون وسبعة من أهل الكوفة، ويوشع بن نون وسلمان وأبي دجانة الانصاري والمقداد ومالك الاشتر، فيكونون بين يديه انصاراً وحكاماً، وفي رواية يرويها الكشي عن أبي جعفر عليه السلام يقول فيها: (كأني بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء ذوابتاها بين كتفيه بين يدي قائمنا أهل البيت في أربعة آلاف…).
وفي خبر آخر يتحدث الصادق عليه السلام عن رجل أسمه نجم بن أعين ويصفه بأنه ممن يجاهد في الرجعة.
ولم ينته الحد عند ذكر من يرجع مدافعاً عن الحق وتحت لواء القائم عليه السلام بدين الله، انّما أخبرنا أهل البيت عليهم السلام عمن يرجعون قتالاً لأهل الحق وطمساً للدين وانتشاره، إذ يقول الصادق عليه السلام: (إنّ أول من يكرّ الى الدنيا الحسين بن علي وأصحابه عليهم السلام، ويزيد بن معاوية وأصحابه، فيقتلهم حذو القذة بالقذة).
وعنه عليه السلام يقول: (اتقوا دعوة سعد، قلت: وكيف ذاك ان سعد يكر حتى يقاتل أمير المؤمنين).
وفي خبر عن أبي جعفر عليه السلام انّه كان يقول: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول من اراد أنْ يقاتل شيعة الدجال فليقاتل الباكي على دم عثمان وعلى دم أهل النهروان).
فيما يخبر الصادق عليه السلام أحد اصحابه عندما قال له: إنا نتحدث أنّ عمر بن ذر، لا يموت حتى يقاتل قائم آل محمد عليه السلام، فقال إنّ مثل بن ذر مثل رجل كان في بني اسرائيل يقال له عبد ربه وكان يدعو اصحابه إلى ضلالة فمات فكانوا يلوذون بقبره ويتحدثون عنده، اذ خرج عليهم من قبره ينفض التراب من رأسه ويقول لهم كيت وكيت.
بل يخبرنا أبا جعفر عليه السلام عن عمومية هذا الأمر حيث يقول: (…ما من هذه الأمة بر ولا فاجر الاّ سينشر).
ومن لطائف هذا الباب يحكى أنّ لأبي حنيفة مع الباقر عليه السلام حكاية، حيث قال له يوماً يا أبا جعفر تقول بالرجعة؟ فقال عليه السلام نعم، فقال اقرضني من كيسك هذا خمسة مئة دينار فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك.
فقال عليه السلام له في الحال اريد ضميناً يضمن لي أنْ تعود إنسان، فإنّي أخاف أن تعود قرداً فلا أتمكن من استرجاع ما أخذت مني.
أما فيما يرتبط برجعة جميع الأئمة عليهم السلام فإنّ الاحاديث في ذلك كثيرة، فضلاً عن الذي ورد من نصوص في دعاء أو زيارة ظهر منها عمومية رجعتهم، وأنّ دولتهم يحكمون فيها بأجمعهم واحداً بعد واحد، بل تعدى ذلك الى رجعة الانبياء جميعاً.
ودليل هذا القول فضلاً عن عمومية ما دل على رجوع ممحضي أهل الايمان وهم منهم بلا شك، روايات منها:
– عن أبي جعفر عليه السلام قال: (اخذ الله ميثاق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على الانبياء أنْ يخبروا اممهم به وينصروه، فقد نصروه بالقول وأمروا أممهم بذلك وسيرجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويرجعون وينصرونه في الدنيا).
– وفي خبر عن علي بن الحسين عليهما السلام في تفسير قوله تعالى (لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) قال عليه السلام: (هو الرجعة اذا رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام).
بل نصت بعض الاخبار على تعدد رجعة بعضهم حيث روى أبي جعفر عليه السلام قائلاً: (إنّ لعلي عليه السلام الى الارض لكرة، كرة مع الحسين عليه السلام… ثم كرة أخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يكون خليفته في الأرض، يعطي الله نبيه ملك جميع أهل الدنيا حتى ينجز له موعده في كتابه).
والاخبار في ذلك ليست بالقليلة، وفي خبر لا ينبغي المرور عليه سريعاً إذ يثبت لنا ما تحدثنا عنه سابقاً في إحدى الحلقات، من أنّ الرجعة هي الى الدنيا وبقوانينها، حيث يقول الصادق عليه السلام: (ما زالت الارض إلاّ ولله تعالى فيها حجّة يعرف، الحلال من الحرام، ويدعو الى سبيل الله، ولا تنقطع الحجة من الارض إلاّ أربعين يوماً قبل القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة).