النوم مع الشيطان (7) هجرة الأخوان من مصر وسوريا إلى الحضن السعودي

بينما كنت اجلس في مكتبي في جنوب الهند، كنت كلما أقرأ، كلما أصبحت أكثر تحفزا للتعرف على الإخوان المسلمين. في ذلك الوقت لم أكن أعرف شيئا تقريبا عن الإسلام، ولكن ومن خلال النظر إليهم في “مدراس” – وهي إحدى مدن الهند التي يقصدها الكثير من سكان العالم للعلاج أو التعليم- وفي شبه القارة، كان الأخوان المسلمين مروضين نسبيا. ولكنهم كانوا يقومون بحرق المحلات التجارية الهندوسية، إلا أن تحركاتهم نادرا ما كانت تستمر على مدى يوم أو يومين. المسلمون في الهند لم يقوموا باغتيال السياسيين أو بتحضير السيارات المفخخة

تأسست جماعة الإخوان المسلمين، في العام 1928 من قبل المصري، حسن البنا، لتنقية الإسلام وتخليص مصر من النفوذ الأجنبي. وفي العام 1947 أصبحت الجماعة عنيفة، من خلال مهاجمتها الشركات المملوكة من اليهود في القاهرة. وبعد مرور عام، فرضت الحكومة حظر على جماعة الإخوان المسلمين. وقال البنا عندما سمع الخبر “إذا دفنت الكلمات تبقى الأيادي”. في 28 ديسمبر 1948، حقق الإخوان نبوءة البنا من خلال اغتيال رئيس الوزراء المصري.. واستجابت الحكومة بقطع رأس الثعبان، ما أسفر عن مقتل البنا في1949  ولكن هذا جعل الإخوان أكثر تعصبا. بعد محاولة خلفاء البنا الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر في العام 1954، أغلق ناصر على الإخوان المسلمين تماما، وأصبحت القيادة إما تحت الأرض أو في المنفى.

هجرة الأخوان من مصر وسوريا إلى الحضن السعودي

انتهى الأمر بمعظم الإخوة في المملكة العربية السعودية، ولكن ليس الجميع. فقد هرب البعض إلى سوريا، حيث كان الطلاب العائدين من مصر قد أسسوا لهم فرعا في العام 1930. في نهاية المطاف، وفي الثمانينات تمكنت الحكومة السورية من سحقهم  وأرسلت الأخوان مرة أخرى، إلى السعودية والبعض إلى ألمانيا الغربية (حيث أسست خلايا مهدت الطريق لـ11 أيلول). وبقي آخرون في دمشق وأماكن أخرى في سوريا،  تحت الأرض ولكن ليسوا بعيدين المنال.

كان ذلك في حدود المعلومات المتاحة. واستنادا إلى الرسائل التي جمعتها وكالة المخابرات المركزية فإنها لا تعرف شيئا عن الإخوان المسلمين.

افترض أنه لم يكن لديهم مصدر، أو جاسوس، أو منظمة، والوكالة ليس لديها بوضوح أي فكرة عن كيفية تنظيم جماعة الإخوان في سورية ومن أين يحصلون على أموالهم، فبصراحة، هم كانوا مذهولين.

ومن الهند كان يمكنني أن أقول إن الإخوان ينتشرون مثل الفيروس. وقد برزت فروع لهم في أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا، وأماكن أخرى، ولكن يبدو أن المشكلة الحقيقية هي في سوريا. حيث يمكن أن تكسر أو تسوى العملية السلمية مع “إسرائيل”.

رسميا، كانت واشنطن تريد رحيل حافظ الأسد- فهو كان مسلحا بالاتحاد السوفياتي في كل نزاع دولي تقريبا- ولكن إذا استعيض عنه بالإخوان، فهل يمكن التأكيد أن الأمور لن تزداد سوءا. إذا كان التاريخ دليلا، فالإخوان لن يجلسوا حول قصر الأسد لتدخين سيجار الهافانا، بل سيكونون في الجبهة، مما يعني احتمال مهاجمة “إسرائيل”. كيف يمكن لوكالة المخابرات المركزية أن تعرف إذا كانت للإخوان أي فرصة للاستيلاء على سوريا؟ عدم وجود جاسوس في جماعة الإخوان شيء لا يمكن تصوره، مثل البابا الذي ليس لديه جاسوس بجانب مارتن لوثر.

تلك الليلة في عمان وأنا في حانة في فندق انتركونتيننتال، كنت أود أن انجح حيث فشل زملائي، فقد كنت مقتنعا بان “علي” سيقول لي كل شيء عن الإخوان، سوف يطلعني على الحقائق العنيدة والصعبة. “علي” قد يكون علويا، لكن أحسب أنه منذ كانت حياته على المحك، جعل من عمله فرصة لمعرفة العدو (ولكن كنت صغيرا وساذجا) بطبيعة الحال، كنت أفضل الحصول على الحقائق، من سوري من الأخوان المسلمين، ولكن على ما يبدو التسديدة بعيدة، فليس لدي أي فكرة عن مكان العثور على واحد منهم

في صباح اليوم التالي قبل التوجه إلى دمشق، ذهبت لرؤية رئيس  الـCIA المتواجد في عمان توم تويتان. فقد عرفت توم عندما كان نائبا في دلهي وكنت أنا في “مدراس”. توم كان وديا ومتخصصا. كنت أظن انه في طريقه إلى الابتعاد، ولم أظن انه سيصبح نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية. في نهاية عمل توم ولسخرية القدر، زوج ابنته قتل عندما انفجرت طائرة بان آم 103 فوق لوكربي في اسكتلندا.

توم وأنا تحدثنا طويلا عن آليات وصولي إلى سوريا، كانت محطتي عمان من أجل تجاوز مطار دمشق، المراقب عن كثب من قبل المخابرات السورية. ولكن إذا أخذت سيارة أجرة من عمان إلى دمشق، يمكنك أن تدخل وتخرج قبل أن يلاحظك السوريون، وهكذا الخطة تتم.

عندما انتهينا، سألت توم عن الإخوان المسلمين في سورية، ولكنه تجاهلني. فسالت: “هل الأردنيين يمنحونهم المال والملجأ، فقط لأنهم يكرهون السوريين- “ماذا يقول الأردنيون عنهم؟”.” نحن لا نضغط على الأردنيين للاطلاع على التفاصيل”، وهم لا يتطوعون للقيام بذلك ابد”. الإخوان المسلمين ليسوا هدفا بالنسبة لنا”.

وكان تويتان يقول: “الوكالة ليس لديها معلومات حول الإخوان المسلمين”. وكالة المخابرات المركزية في الخارج تتجسس على البلدان أو الجماعات الإرهابية التي تطلب القيادة المركزية منها التجسس عليهم. لا استطيع أن أؤكد لك ذلك ولكن أنا على يقين، بان الاتحاد السوفيتي يضع عمان في أولوياته. من الناحية العملية، الضابط الذي يعمل لصالح تويتان يقضي أيامه ولياليه بمطاردة الدبلوماسيين السوفييت، على أمل أن يجند احدهم للتجسس لصالح وكالة المخابرات المركزية. الإخوان المسلمون ليسوا الهدف المفترض، وعمان لم تضيع وقتها ومالها عليهم.

كان لدى تويتان أيضا مشكلة الثقافة في وكالة الاستخبارات المركزية. فأكثر الضباط كانوا في منتصف العمر، ومن القوقاز البروتستانتية. وإذا كان لديهم أي خبرة، فهي عسكرية. قليل منهم يتحدثون العربية، والذين يتحدثونها فهم يفعلون ذلك بطرقة سيئة للغاية. وبما أن معظم الإخوة يتحدثون الإنجليزية بشكل بسيط، حاجز الثقافة واللغة لا يمكن التغلب عليه من قبل وكالة المخابرات المركزية.

عمان كانت نموذجا لبقية الشرق الأوسط. الإخوان المسلمون كانوا خارج نطاق رادار وكالة الاستخبارات المركزية، والراديكالية السنية بشكل عام. بعض المحللين تابعوهم في أوقات فراغهم، ولكن دون تدخل مديرية العمليات، بل رست تصوراتهم على مصادر الصحفيين والأكاديميين.

منذ قيام جمال عبد الناصر بضرب الإخوان المسلمين في العام 1954، لم تعد تجد إخوانيا لإجراء مقابلة معه، بل كان ذلك مستحيلا تقريبا. فهم دفنوا أنفسهم بعمق تحت الأرض، والمملكة العربية السعودية، التي أصبحت راعية للإخوان بعد العام 1954، كانت كالكتاب الذي أغلق على “البراذرز”، ومعظم الأكاديميين والصحفيين كانوا نادرا ما يحصلون على تأشيرة إلى المملكة العربية السعودية. الإسلام المتشدد كان ثقب أسود عميق. وعندما ظهر أسامة بن لادن علنا في أواخر 1990، كان بالنسبة لمعظم الأميركيين، وكأنه قد جاء من تحت القبور.

الإرهاب الأخوان والتمويل السعودي بقرار أميركي

لأكون منصفا، لم يكن خطأ وكالة المخابرات المركزية، فحتى 11 سبتمبر لم يكن هناك رئيس يهتم بما إذا كانت “لانغلي” تتجسس على الإخوان. وخلال الحرب الباردة، جافى الرؤساء النوم بسبب قلقهم من الاتحاد السوفياتي ومفاعلاته النووية. في الأساس، كانت وكالة المخابرات المركزية، تتجسس دائما على مسار الأسلحة النووية وما إذا كانت على الطريق.

كل الحروب القذرة التي كانت وكالة المخابرات المركزية غارقة فيها ، في خليج الخنازير وفي أنغولا، لها علاقة بالشيوعية.

على الأقل، ذلك هذا هو التفسير الرسمي – هذا هو التفسير الذي تريد واشنطن أن تصدقه، فالجواب الحقيقي هو أكثر تعقيدا-. نعم، كان الاتحاد السوفياتي مصدر إلهاء. نعم، كان الوصول إلى الإخوان المسلمين صعب جدا، ولكن في النهاية هذا ما كان السر الصغير القذر في واشنطن : البيت الأبيض ينظر إلى الإخوان “كحليف صامت”، واعتبرهم سلاحا سريا ضد الشيوعية. وبدأ هذا العمل السري في العام 1950 مع الإخوة دالاس – ألين في وكالة الاستخبارات المركزية و جون فوستر في وزارة الخارجية – عندما وافقوا على التمويل السعودي للإخوان في مصر ضد عبد الناصر. وبقدر ما كانت واشنطن قلقة، كان ناصر شيوعيا، عنيدا فهو قام بتأميم الصناعة والشركات التجارية الكبرى في مصر، بما في ذلك قناة السويس. واشترى أسلحته من الاتحاد السوفياتي، وكان يهدد بقذف “إسرائيل” إلى البحر.

مثل أي عمل سري فعال كان هذا مكتوبا بدقة. لم يكن هناك استنتاج لوكالة الاستخبارات المركزية، ولا مذكرة إخطار إلى الكونغرس. وليس هناك أي تمويل ولو قليل من وزارة الخزانة. وبعبارة أخرى، لا يوجد أي سجل. وكل ما على البيت الأبيض القيام به هو إعطاء إشارة إلى البلدان التي تأوي الإخوان المسلمين، مثل السعودية والأردن للقيام بذلك. وهذا ما حدث أثناء الحرب الأهلية اليمنية التي حصلت في العام 1962. عندما دعم ناصر الحكومة المعادية للولايات المتحدة وأرسل قوات للمساعدة، وأعطت واشنطن موافقتها للرياض لدعم الإخوان المسلمين في اليمن ضد المصريين. وكما قال توم  تويتان “عدو عدوي هو صديقي دائما”: إنها قاعدة صارمة في الشرق الأوسط.

إذا تجسست وكالة المخابرات المركزية على الإخوان، ذلك في النهاية، كان سينقلب ضدنا يوما ما، توم تويتان أو أي ضابط في وكالة المخابرات المركزية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط بطريقة أو بأخرى وشى بواشنطن، فوظيفته المقبلة ستكون في الطابق السفلي في لانغلي، وقد طلبت وكالة الاستخبارات المركزية من القسم المتعلق بالتمويل الأجنبي للإخوان المسلمين حذف أي نصوص ومعلومات تتعلق بهذا الأمر(نص محذوف) وفي العام 1980 عقد مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر، زبيغنيو بريجنسكي، صفقة مع المملكة العربية السعودية: أميركا قد تبادل الدولار بالدولار، المال السعودي قد يذهب إلى المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفياتي. (في العام 1981 دفعت المملكة العربية السعودية 5.5 مليار دولار) والجزء الأكبر من هذه الأموال ذهب إلى المتشددين في جماعة  الإخوان المسلمين، بما في ذلك عبد سياف .

كان سياف، رئيس الاتحاد الإسلامي، رجلا خطيرا يهتم بموضوع المال والسلاح، وهو طالب في أقدم وأفضل جامعة في الأزهر، وتم تجنيده مع جماعة الإخوان المسلمين ، وقال انه لم يتدرب مع الوهابيين في المملكة العربية السعودية. ولكن أحدا في واشنطن لم يرفع العلم الأصفر، ولا الأحمر، خوفا من إغضاب الرياض.

إذا كان السعوديون والباكستانيون جزء من جماعة “الإخوان المسلمين الأفغان”، تقول حكمة واشنطن إن ذلك هو الثمن الذي يجب عليك أن تدفعه إذا كنت تتوقع منهم أن يقوموا “بالأعمال القذرة”. وإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تقتل بدم بارد فهذا يكفي للوقوف في وجه المدرعة السوفييتية. واشنطن تفخر بنفسها دائما في خوض الحروب الرخيصة. إذا تم ضرب الهيمنة السوفياتية بنجاح، فإذن الإخوان المسلمين يعتبرون صفقة رائعة.

جون أشكروفت أصبح النائب العام في ذلك الوقت، لكنا جميعنا (نص محذوف) وجدنا أنفسنا على واحدة من قوائم تنظيم القاعدة. فنحن كنا نساعد الشعب الذي أصبح ألد أعدائنا. وربما كنت سأكتب هذه الكلمات من الجحيم، أو من سجن في خليج غوانتانامو.

أنا لم أحسب أي شيء من هذا عندما كنت اجلس في المقعد الخلفي من سيارة الأجرة الصفراء المتجهة بي إلى دمشق. كل ما أعرفه هو أن الإسلام هو كالبحر الهادئ – المشمس ولكنه يخفي في باطنه الكثير من الأمور.

وقد بدا لي أن الإخوان المسلمين متواجدون في كل مكان، وإلا كيف يمكن أن يبقوا على قيد الحياة في دولة بوليسية مثل سوريا؟ وكيف يمكن أن يتسللوا هم وأسلحتهم من الأردن إلى سوريا؟ ولماذا لم يذكر الأردنيون – أو المصريون ذلك لنا؟ فلو كانت جماعة الإخوان المسلمين حقيقة في الشرق الأوسط لن نعثر عليها إلا عندما تقرر هي الخروج إلى السطح.

في اللحظة التي رأيت فيها الجنرال “علي” وهو يصل في سيارة الجيب من طراز “واز” السوفيتي العسكري، عرفت إن المرور عبر عمان وركوب سيارة أجرة لمدة يوم كان مضيعة للوقت. فقد جاء إلى المكان مع مرافقة مسلحة ومتابعة وجنود بكامل عتادهم العسكري.

في اليوم الثاني من زيارتي، سألت الجنرال عن الإخوان المسلمين، “أنا لا أعرف” أجاب علي. وقال “إنهم مجرد مجانين… الشيء الوحيد الذي يعرفونه هو القتل”.

“وتابعت: “هم قادرون على الفوز بما يريدون”؟  فكان جوابه بجولة سريعة على مواقع الإرهابيين في دمشق، ومقر القوات الجوية، الذي تم بناؤه بعد تدميره بالكامل، عبر سيارة مفخخة حضرها الإخوان المسلمون.

وقد تحصن طرفا الشارع المؤدي إلى مركز الرئيس حافظ الأسد بخرسانة كبيرة، والشيء نفسه كان أمام السفارة السوفيتية. عربات مدرعة تقوم بدوريات في الشوارع، والشرطة توقف السيارات والمارة في عمليات تفتيش عشوائية.

سرنا بجانب دمشق القديمة وشارع صممه الكسندر مخطط المدن العظيم، والآن تجد في هذه المدينة القديمة المحلات التجارية، وعربات التوابل تقف في الهواء الطلق، الباعة المتجولون، والأطفال يركضون في كل الاتجاهات..وبالكاد تستطيع أن تسمع وسط الصراخ. ووسط هذه الفوضى فقال علي: “هنا إخوانكم”.

غادرت دمشق في اليوم التالي دون أن يقول لي “علي” أي شيء عن الإخوان المسلمين، كما انه لم يقل شيئا عن دينه أو عن المعجزة التي أبقت الأسد في السلطة لفترة طويلة. وهو ليس على استعدادا ليقول لي أو لأي مسؤول أميركي آخر ما الذي يغطي سورية.

أنا متأكد من أن الإدارة تعتبر أن إرسالي إلى دمشق كان خسارة ولكن رحلتي إلى الشرق الأوسط كانت بفضل الإخوان المسلمين. وإنها لا تزال لغزا بالنسبة لي – ولغزا يجب حله. شيء واحد لم يبد واضحا، حتى لو نجح الأسد في دحر الإخوان، فهم لن يعودوا بهدوء مرة أخرى إلى كهوفهم.

حاول الإخوان اغتيال الرئيس الأسد في 25 يونيو 1980. وأنا لا أعرف إلى أي مدى استطاعوا الاقتراب منه، وفي صباح اليوم التالي من محاولة الاغتيال استيقظت دمشق على أزيز طائرات الهليكوبتر وحركة كثيفة في المعسكرات غرب دمشق. كانت المروحيات تحمل وحدة من حراس النخبة، اتجهت شرقا إلى سجن تدمر العسكري، حيث يحتجز كوادر وعناصر الإخوان المسلمين، وبعدما فتح الحراس الأبواب، بدأ نقلهم  إلى سجون أخرى، لإعدام السجناء. وعلى الرغم من إعدام المئات من الإخوان إلا أنهم لم يتراجعوا.

شهد العالم عواقب دموية في 6 أكتوبر 1981، عندما الجهاد الإسلامي في مصر – اسم آخر للجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين – واغتال أنور السادات. لن أنسى أبدا اللقطات التي عرضها التلفزيون مرارا وتكرارا، فالهجوم جاء في وضح النهار، وأمام العالم وكاميرات الصحافة، في وسط عرض عسكري، بينما كان حراس السادات غافلين عنه أو أنهم جميعا كانوا يعرفون أنهم سيموتون في الهجوم. في العام 1993 جماعة الإخوان المسلمين، ومرة ​​أخرى تحت اسم الجهاد الإسلامي، قامت مجموعة بمحاولة قتل وزير الداخلية ورئيس الوزراء. وفي العام 1995 حاولوا قتل حسني مبارك بينما كان في زيارة لإثيوبيا. وبعد ذلك بعامين، هاجم الإخوان معبد الأقصر، مما أسفر عن مقتل ثمان وخمسين سائح وأربعة مصريين .

وبطبيعة الحال، هم من قام بهجوم 11 سبتمبر 2001 في نيويورك تحت اسم “تنظيم القاعدة” وذلك بفضل أسامة بن لادن والطاقم نفسه الذي كان قد استخدم للقيام بأعمال قذرة في اليمن، وأفغانستان، وغيرها من الأماكن. الآن أصبحنا نحن أعمالهم القذرة والمملكة العربية السعودية وطنهم.

احذر من جاء إلى العشاء

الخرطوم، السودان – يناير 1985

بعد اغتيال السادات، كنت عازما على التحدث مع احد الأشخاص التابعين للإخوان المسلمين. وإلا كيف كنت سأعرف الإخوان؟ وإذا لم نعرف ما الذي جعلهم علامة فارقة، فكيف يمكن القضاء عليهم في أي وقت؟ لم أكن لأعلم ذلك في وقت قريب، ولكن أود أن أحصل على فرصتي لمعرفة ذلك.

في صباح أحد الأيام كنت في جورج تاون متجها للقاء كاتب– اسود طويل القامة، في أوائل الثلاثينات – كان مهتما بقراءة كتاب باللغة العربية. خالد، كان سودانيا، وهو طالب دراسات عليا في القانون. وقد تحدثنا لفترة طويلة، قبل التوصل إلى اتفاق لتدريسي اللغة العربية. أنا في حاجة للتعلم، وهو بحاجة للمال، فقد أحضر زوجته وأولاده من السودان وكان بالكاد يستطيع أن يعيلهم.

ولكن خالد جعل لغتي العربية أسوأ مما كانت، فالمشكلة أن لديه أسلوب تقليدي في تعليم اللغة. وقد حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية.

على الرغم من عدم نجاحنا في دروس اللغة إلا أننا أصبحنا أصدقاء. لقد ساعدت خالد على تعديل أطروحته، علمته كيفية القيادة، وحتى أعطيته سيارتي القديمة عندما تم تكليفي بمهمة في تونس. وهي كانت أول سيارة امتلكها. مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، كنت انضم إلى خالد وعائلته لتناول العشاء في شقتهم في آدامز مورغان، شمال دوبونت سيركل.

بعد أن غادرت تونس فقدت أثره. ولم اعرف عنه شيء إلى أن  تم تكليفي بمهمة في  الخرطوم في يناير كانون الثاني العام 1985 فرأيت صورته في إحدى الصحف المحلية. وكان قد عين قاضيا لإحدى المحاكم الإسلامية الجديدة في السودان. فوضعت الصحيفة فورا وتوجهت مباشرة إلى مكانه. فالبحث عن صديق قديم في الخرطوم يعتبر شيء صعبا.

اثنان من رجال الشرطة الدينية حجبوا باب المحكمة الأمامي في وجهي عندما سألت عن القاضي خالد، موضحا أنه صديقي. فنادرا ما ترى غربيا في الخرطوم، وخاصة في قاعات المحكمة. في الداخل، كانت حجرة الانتظار وكان التيار الكهربائي مقطوعا. وبينما استدرت للمغادرة سمعت صوتا داخل القاعة بدا لي وكأنه خالد، ولكن لم أكن متأكدا، فلم اسمع صوته مرتفعا فقد كان معسول الكلام، ومهذب.

فجأة، توقف الصراخ. وبعد ثانية، تفرق الحشد، وخرج خالد يرافقه احد رجال الشرطة “وجلابيته” تجتاح القذارة. وبدا مصدوما لرؤيتي هناك، فهرع لمعانقتي، -واسمحوا لي أن أتوقف هنا-. “وبعد ذلك تناولنا طعام الغداء”. وقال لي: “سيد بوب، يمكنك البقاء، وسوف نبدأ العمل على لغتك العربية مرة أخرى”.

ولاحقا رافقته إلى قاعة المحكمة، فجلست على أحد المقاعد، واستأنف الصراخ كما لو أن شيئا حدث. وقف الجمهور يحدق في وجهي، ويستمع لخالد.

كان هناك رجل يقف في علبة خشبية أشبه بـ “علب الهوكي” الرجل لم يقل كلمة واحدة. وقد بدا كأنه لم يكن لديه محام، ولم يكن هناك هيئة محلفين. وبينما بدأ خالد بالكلام، فهمت أن الرجل تم القبض عليه بسبب سرقته وعاء من السوق في صباح ذلك اليوم. ودون سابق إنذار، خفض خالد صوته وقال: “بسم الرحمن الرحيم، أجد انك مذنب بفعل السرقة، وأنا احكم عليك بعشرين جلدة”. وبإشارة من خالد، قام شرطيان بإمساك الرجل من ذراعيه، وإخراجه من قاعة المحكمة.

بمجرد اختفائهم اندلعت الفوضى في المحكمة، فحوالي نصف الجمهور كان يصرخ بأن المحاكمة كانت عادلة، والنصف الآخر كان يصرخ ويبكي، وبالطبع هؤلاء هم أقارب الرجل وأصدقائه وعندما خرجنا من المحكمة رأيت الرجل مربوطا إلى شجرة، ووجهه إلى الأرض لتنفيذ حكم المحكمة.

وفي طريقنا إلى منزل خالد، لم نقل أي شيء، فخالد كان غير مستقر فقد ذهب بعيدا عن كل ما تعلمه عن القانون في أميركا، وقال: “كما تعلمون بوب، ليس هناك خيار في السودان، نحن في بلد فقير للغاية ومضطرب، فإذا فقدنا في أي وقت السيطرة على الأمور، سننتهي – وسوف نعيش مثل الحيوانات البرية. شيء واحد قد يفهمه الناس هو القرآن الكريم. نحن لن نتمتع أبدا بكماليات النظام القانوني الخاص بكم. من فضلك لا تنظر إلى هذا كأميركي “.

فسالت: “كيف يمكنك أن تعرف ماذا يريد الشعب؟”.

“أرجوك تفهم أن السودانيين متخلفين”… إنهم في بداية فهمهم “للقرآن الكريم”. هل تعرف ما يفعله “الجهال” عندما يكونون مرضى؟ يقطعون صفحة من القرآن الكريم التي يعتقدون بأن لها علاقة بمرضهم، ويقومون بغليها في وعاء من الماء حتى ينزف الحبر، وبعد ذلك يشربون الماء، معتقدين بأنه سيتم علاجهم. هؤلاء الناس في حاجة إلى القسوة.

اسمحوا لي ولكن “كيف عرفت أن هذا الرجل سرق الوعاء؟”…”لقد رأته الشرطة القضائية التابعة لي”. أنا اعتقد أن خالد كان القاضي والمدعي العام والدفاع والمحلفين، ومنفذ الحكم، الجميع في واحد.

وعلى الرغم من انه لم يقل أي شيء، كنت قد بدأت اشك أن خالد من الأخوان المسلمين. فقد تعلم في السودان على يد الأخواني حسن- الترابي عندما كان الترابي عميد كلية القانون في جامعة الخرطوم.

لم اذهب إلى المحكمة حيث خالد أبدا، ولكنني واصلت رؤيته بقدر ما أمكن. وعادة ما كنت أذهب إلى منزله في جنوب الخرطوم. ومنزله كان يدل على مدى الفقر الذي يعيشه القاضي في السودان. كنا نجلس على سجادة كورية الصنع، ولم يكن هناك تقريبا أي أثاث آخر. زجاج النوافذ كان غير موجود، وكانت زوجة خالد تعد العشاء في الخارج، وتسحب المياه من الدلاء البلاستيكية، ولا يبدو أن ذلك كان يزعج أحدا.

لقد ضغطت على خالد ليحدثني عن الإخوان المسلمين. نظام الجنرال نميري بدأ يتمايل في أوائل العام 1985. وبدا الأمر وكأن عميد القانون خالد قد يستولي على السلطة. ويفترض أن الإخوان المسلمين يحصلون على تأييد قوي في الجيش.

في إحدى الليالي سألت خالد إذا كان من الأخوان المسلمين، كان خالد لديه عادة محببة وهي انه كان يبتسم بعينيه. وبعد أن تومض لي بابتسامة قال “أنا صوفي، بوب” “أنا حقا لا أعرف عنهم شيئا”.

أراد خالد أن يقول لي إن الصوفية الإسلامية، لديها مجموعة من المعتقدات تتعارض مع الأخوان تماما، ولكن خالد لم ينكر ذلك.

حصلت على الجواب في وقت متأخر في إحدى ليالي مارس بينما كنت نائما كان أحدهم يطرق على بابي بشكل غريب، وعندما فتحت وجدت زوجة خالد بوشاح يغطي معظم وجهها. قالت لي: “لقد ألقي القبض على خالد ” “الرجاء مساعدتي لإخراجه فالأطفال لم يتوقفوا عن البكاء”، وتابعت: “الشرطة أتت واقتادته بعيدا”. ولم يكن لديها فكرة عن مكان احتجازه.

فعلت ما بوسعي لطمأنتها واصطحبتها لمنزلها. لكن ذلك كان كل ما يمكن فعله. وفي صباح اليوم التالي كان الخبر قد نشر في كل الصحف: وكان “نميري” يعتقل قيادات الأخوان المسلمين، وبالتأكيد خالد كان من بينهم.

عندما خرج الجنرال “نميري” من السلطة في ابريل نيسان العام 1985، أصدرت الحكومة قرارا باطلاق الترابي والإخوان، بما في ذلك خالد. وكان الترابي سيأتي لتقاسم السلطة مع الحكومة العسكرية الموالية للإسلام، وتحقيق حلمه بإنشاء حكومة إسلامية في السودان. أما بالنسبة لخالد، انتهى به الأمر كأستاذ في جامعة تمولها السعودية.

لم أره منذ ذلك الحين، ففي الوقت الذي أطلق سراحه، كنت قد عدت إلى واشنطن وذلك بفضل الفريق الليبي الذي ضرب مركز وكالة المخابرات المركزية.

في أواخر العام 1985، تم تكليفي في مركز وكالة الاستخبارات المركزية الجديد لمكافحة الإرهاب وبدأت المهمة في مقر المحفوظات للبحث وراء الإخوان المسلمين، لم يكن الأمر سهلا. على الرغم من أن الغرض من لجنة مكافحة الإرهاب كان جمع ملفات وخبراء الـ  CIAتحت سقف واحد، فـ  CTC كان لديها متخصصين في كل شيء، من الجيش الأحمر الياباني إلى بادرماينهوف – وهي جماعة يسارية متطرفة شكلت في العام 1968 وسميت شعبيا باسم اثنين من قادتها في وقت مبكر، أندرياس بادر ل (1943-1977) وأولريكي ماينهوف (1934-1976). من سنواتها الأولى، وأعضاء من فصيل الجيش الأحمر يمولون أنفسهم من خلال عمليات السطو على البنوك وتشارك في التفجيرات الإرهابية وإشعال الحرائق، وخاصة الشركات الألمانية الغربية والشركات والمنشآت العسكرية الألمانية الغربية والأميركية في ألمانيا الغربية. كما أنها خطف واغتيال الشخصيات السياسية ورجال الأعمال البارزين-.

ثوار الجزيرة يستولون على الكعبة وقوة فرنسية تخرجهم بعد تمرد الجيش السعودي

في العام 1979 استولى الأصوليون السنة خلال موسم الحج على المسجد الحرام في مكة المكرمة، ما هز صورة العائلة المالكة إلى أن تدخلت الشرطة الفرنسية لاسترداد المسجد بعد ان رفض الجيش السعودي الأوامر. كما أحرق الأصوليون السنة السفارة الاميركية في اسلام اباد. وكان السنة المتشددون يهددون الولايات المتحدة أكثر من الجيش الأحمر الياباني، ولكن وكالة المخابرات المركزية ليس لديها مصدر واحد بين الإخوان المسلمين، فالملفات كانت محشوة بقصاصات الصحف القديمة، وعدد قليل من التحاليل والوثائق السرية من السفارات.

محاكمة أعضاء حركة الجهاد الإسلامي بتهمة اغتيال السادات كانت مثيرة للاهتمام. كان من المفيد معرفة الطريقة التي يتحرك فيها الجهاد الإسلامي  ضد وحدات النخبة في الجيش المصري، وذلك من خلال تضييق الساحة الأمنية المحيطة بـ 6 اكتوبر.

المسؤول عن اغتيال السادات هو عمر عبد الرحمن العالم الأزهري المصري، الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، وكان معارضا سياسيا لنظام الحكم في مصر، اعتقل في الولايات المتحدة وقضى فيها عقوبة السجن المؤبد بتهمة التآمر، في قضية تفجيرات نيويورك سنة 1993، والتحريض علي تفجير مركز التجارة العالمي.

ما أدهشني هو “ابن تيمية” رجل الدين السوري الذي برز في القرن الثالث عشر، ولد في العام 1263  في “حران”  قرب أورفة في تركيا، لكنه قضى معظم حياته في دمشق، حيث تواجد والده الذي هرب من المغول. العديد من مهاترات بن تيمية وكتاباته تهاجم الفقه الإسلامي مما جعل منه واحدا من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في عصره. في العام1306  أمرت محكمة إسلامية بسجنه وقضى بقية حياته وراء القضبان، في القاهرة والإسكندرية ودمشق. وتوفي في 1328، ولكن لماذا اتخذ ابن تيمية هذا الاتجاه وما علاقة كتابات هذا الرجل بمذابح الشرق الأوسط؟

أخوان سوريا في بيروت الشرقية

لقد كنا نبحث في المكان غير مناسب، ففي العام 1986 طرق بعض المنفيين من الأخوان المسلمين السوريين في ألمانيا باب السفارة الأميركية في “بون”، معتقدين بان أميركا قد تكون سعيدة بمؤامرتهم التي يحيكونها لإسقاط حافظ الأسد. وكما ذكرت في “لا مكان للشر”، أنا لم اعرف الكثير عنهم، ولم أكن بحاجة للسفر إلى ألمانيا لمعرفة لماذا أرادوا قتل الأسد. ولكن بعد سنة في بيروت، حصلت على فرصتي لقضاء بعض الوقت وجها لوجه مع الأخوان المسلمين. حتى أنني حصلت على بضعة دروس سريعة في الجهاد.

في أبريل 1987 مكثت في بيروت لعام تقريبا، وعندما سمعت عن تواجد صاحب ومؤسس المكتب الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق عام 1957، وأحد أعلام الدعوة السلفية في العصر الحديث، زهير الشاويش في المنطقة الشرقية لبيروت فكرت في سبب بقاء هذا الأصولي الإسلامي في الجنب المسيحي لبيروت، بينما كان المسيحيون اللبنانيين بحالة حرب مع سوريا، والمتعصبين المسلمين كانوا قد بشروا مسيحيي الشرق بانهم سيكونون غذاء لأسماك القرش في البحر الأحمر جنبا إلى جنب مع اليهود. انه حكم توم تويتان مرة أخرى، فرتبت للقاء “الشاويش”.

بحثت عن “الشاويش” ووجدت انه معروف جيدا في سورية، وعندما حملت الحكومة السورية على الإخوان، اضطر لمغادرة البلاد. وبعد المرور عبر المملكة العربية السعودية وبعض الأماكن الأخرى، استقر في بيروت في أوائل 1980 وأصبح لاحقا صاحب مكتبة دينية.

لقائه لم يكن سهلا، لا يمكنني التوجه إلى متجره وتقديم نفسي على أني وكيل وكالة المخابرات المركزية. حتى لو كانت الولايات المتحدة حليف لمسيحي لبنان الموارنة، الشاويش ليس لديه أي سبب لإجراء محادثة مع وكالة المخابرات المركزية أو أي مسؤول أميركي آخر.

خطرت لي فكرة أن أقدم نفسي كأميركي من أصل لبناني، مسلم نشأت في الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر لغتي العربية وجهلي للإسلام.

المكان الذي يقطنه “الشاويش” في بيروت الشرقية هو واحد من أكثر الأمكنة تعرضا لأحياء الخط الأحمر، والأراضي التي تفصل الأجزاء المسيحية عن الجانب المسلم: وفي الشارع الذي يقطنه كان هناك قناص يطلق النار. والى أن وصلت لأمام منزل الشاويش كان الرصاص.

كان منزل “الشاويش” مظلم كالقبر، فهناك حوالي خمسين غالون محشو بالرمل يسد جميع النوافذ والأبواب، وأكياس الرمل وصناديق الكتب لا تترك مساحة فارغة في المكان، وكان التيار الكهربائي يقطع في جزء من بيروت لأشهر. وبدا الأمر وكأن “الشاويش” لا يستطيع ان يشغل مولد، أو ربما لا يهتم.

ومن ثم دخلت إلى احد الغرف المظلمة حيث وجدت “الشاويش” يجلس على سجادة رثة، يقرأ على ضوء الشموع، والجلباب يغطيه، ويمكنني أن أقول انه كان رجلا ضخما بلحية ونظارات متصدعة، وذو ملامح إسلامية راديكالية.

“الشاويش” لم يقف لتحيتي، ولكنه دعاني للجلوس بجنبه على السجادة، وقال: “إذا كنت تريد معرفة المزيد عن الإسلام؟” فهذا جيد جدا.

تناول “الشاويش” في خطبه الحالة المزرية للإسلام، وفي صباح ذلك اليوم قال وهو غاضب أن القدس أصبحت بؤرة الصراع في الشرق الأوسط. وقال “الشاويش”: “هناك اثنتان فقط من المدن المقدسة في الإسلام، “المدينة المنورة ومكة المكرمة”.

ولمدة ساعة قدم تفسيرا مفصلا عن القدس وقبة الصخرة ودورها في شرائع الإسلام. وكانت كل جملة يقولها يقتبسها من القرآن أو الأحاديث النبوية. كنت أعرف أننا اقرب إلى النهاية عندما قام “الشاويش” بالتهجم على ياسر عرفات. فاتهمه “الشاويش” بأنه سيس القدس “فعرفات هو كلب وكذاب، وقال “بأنه تقليدي عربي”. وأقر بأنه كأي وهابي: كان يكره أي شخص يعترض على سيادة المدينتين المقدستين.

ولعام على التوالي، كل مرة كانت تسنح لي الفرصة، كنت أغامر بالوصول إلى منزل”الشاوش” للقائه. كنا نجلس هناك بالساعات لقراءة كتاب “ابن تيمية” سطرا سطرا. فوجدت أن كتاباته كانت تستهدف المسلمين المتعلمين جيدا في القرن الثالث عشر، فلغته العربية كانت مدهشة. وكانت استنتاجاته مدهشة أيضا: “الإسلام يجب تنقيته”. جميع التراكمات متعلقة بزمن النبي. فالمسلمون يجب أن يعودوا إلى النصوص الأصلية.

بالنسبة لنا في الغرب، الجزء الأهم من كتابات ابن تيمية كان الجزء الذي يتبعه المتشددون الإسلاميون لتبرير قتل المدنيين المسيحيين. منذ أيد المسيحيون الصليبيين، أصبحوا يستحقون الموت. وكان من واجب المسلم الموت من أجل قضيته. كان “ابن تيمية” مرجعية الفتوى التي دعت إلى اغتيال أنور السادات. وبرأيه حتى المسلم يستحق الموت إذا اشترك بقضية ما مع أعداء الإسلام، وجائزة نوبل للسلام التي حصل عيلها السادات مرتبطة برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، بصمات ابن تيمية طبعت على أحداث 11 سبتمبر أيضا. الناس في مركز التجارة العالمي يستحقون الموت لأنهم يدفعون الضرائب التي تذهب كمساعدات إلى “إسرائيل”.

الأهم من ذلك، ان “الشاويش” علمني أن الإخوان المسلمين ليسوا وحدهم مخلصين “لابن تيمية”. وقد استعرض تاريخ محمد بن عبد الوهاب الذي بدأ يعظ في المملكة العربية السعودية في القرن الثامن عشر، وعمل على خط دمشق منذ ذلك الحين، كان ابن تيمية مرجع الوهابيين الإسلاميين، وبات في وقت لاحق مرجعية طريق الإخوان المسلمين الراديكاليين.

Check Also

تقرير: ثلثا مسلمي أمريكا تعرضوا لحوادث إسلاموفوبيا

أفاد تقرير حديث بأن ثلثي المسلمين في أمريكا تعرضوا لحوادث إسلاموفوبيا، أي الكراهية المرتبطة بالخوف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *