ان بناء المساجد والقباب والأضرحة حول قبور المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام والصحابة المؤمنين والشخصيات الإسلامية، فإنها من أفضل القربات إلى الله سبحانه وتعالى: لقوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَ عَلَيْهِم مَّسْجِداً) ـ الكهف:21 ـ ، وبهذا المعنى أيضاً ورد في الأحاديث الشريفة.
وعلى ذلك جرت سيرة المسلمين خلفاً عن سلف بالبناء والإشادة عليها منذ أول الإسلام، وقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة المنورة وقبور الأئمة عليهم السلام والعلماء الصالحين في مختلف البلاد الإسلامية من أصدق الشواهد على ذلك، ومن تلك القبور قبر الحسين عليه السلام ففيه منبع القداسة والبركة وفق الروايات الشريفة وكونه نبراساً للمؤمنين ومنهلاً للمبادىء والقيم الاسلامية الأصيلة لذلك فقد عُمّر وبنيت عليه القباب اكثر من مرة وفيما يلي موجز بتاريخ تلك العمارات:
البناء على قبر الحسين عليه السلام:
أول من بنى القبر الشريف بنو أسد الذين شاركوا الإمام زين العابدين عليه السلام في مواراة الأجساد الطاهرة لآل بيت النبوة عليهم السلام ونستشف ذلك من خبر مجيء التوابين إلى القبر الشريف وأنه في ذلك الوقت وهو سنة هلاك يزيد (63 أو 64) كان ظاهراً معروفاً ولا يكون ذلك إلا ببنائه. أما تعمير القبة عليه فقد تكرر مراراً.
العمارة الأولى للقبة:
وكانت في زمن بني أمية إذ تدل جملة من الآثار أنه كان عليه سقيفة ومسجد في زمن بني أمية واستمر ذلك إلى زمن هارون العباسي لكن لا يعلم أول من بنى ذلك. ويدل الخبر الذي رواه السيد علي بن طاوس في الإقبال عن الحسين بن أبي حمزة أنه كان عليه سقيفة لها باب في آخر زمن بني أمية حيث قال فيه: خرجت في آخر زمن بني أمية وأنا أريد قبر الحسين عليه السلام إلى أن قال: حتى إذا كنت على باب الحائر خرج إلي رجل ثم قال: فلما انتهيت إلى باب الحائر. ثم قال فجئت فدخلت. وقال الصادق عليه السلام لجابر الجعفي رواه ابن قولويه في كامل الزيارة إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام فقل… وجابر توفي على ما ذكره النجاشي سنة 128 ومات مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية سنة 132 فتكون وفاته قبل انقضاء دولتهم بأربع سنين، وروى ابن قولويه في كامل الزيارة عن أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام في كيفية زيارة الحسين عليه السلام أنه قال فإذا أتيت الباب الذي يلي الشرق فقف على الباب وقل. ثم قال ثم تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء. وهو صريح في أن البناء كان سقيفة له باب من الشرق وقوله الباب الذي يل الشرق يدل على وجود باب غيره وفي حديث صفوان الجمال عن الصادق عليه السلام إذا أردت زيارة الحسين بن علي فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر وقل ثم ادخل رجلك اليمنى القبة وأخر اليسرى وقل ثم ادخل الحائر وقم بحذائه. وقال المفيد في مزاره عند ذكره لرواية صفوان بن مهران: فإذا أتيت باب الحائر فقف ثم تأتي باب القبة فقف من حيث يلي الرأس ثم أمش حتى تأتي مشهد العباس بن علي فقف على باب السقيفة وقل وروى ابن قولويه بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام: فإذا أردت زيارة العباس فقف على باب السقيفة وقل ثم أدخل.
هدم هارون العباسي قبر الحسين عليه السلام:
وبقيت هذه القبة إلى زمن هارون فهدمها وكرب موضع القبر وكانت عنده سدرة فقطعها ويوجد إلى الآن باب من أبواب الصحن الشريف يسمّى باب السدرة ولعل السدرة كانت عنده أو بجنبه.
العمارة الثانية:
في زمن المأمون. قال محمد بن أبي طالب بعدما ذكر تخريب هارون له، ثم أعيد على زمن المأمون وغيره.
هدم المتوكل قبر الحسين عليه السلام:
قال الطبري في تاريخه: في سنة 236 أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى السجن فهرب الناس وامتنعوا من المسير إليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه ويعلم من ذلك أنه كان قد بني حوله دور ومساكن وسكن الناس هناك لقوله أنه أمر بهدمه وهدم ما حوله من المنازل والدور. وروى الشيخ الطوسي في الأمالي بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير إلى قبره منهم خلق كثير فأنفذ قائداً من قواده وضم إليه عدداً كثيفاً من الجند ليشعث قبر الحسين ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر وذلك في سنة 237 فثار أهل السواد واجتمعوا عليه وقالوا لو قتلنا عن آخرنا لما امسك من بقي منا عن زيارته ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا فكتب بالأمر إلى الحضرة فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة مظهراً أن مسيره إليها في مصالح أهلها والانكفاء إلى المصر فمضى على ذلك الزمن حتى كانت سنة 247 فبلغ المتوكل أيضاً مسير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام وأنه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم سوق كبير فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زاره ثم نبش القبر وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة وعمد على تتبع آل أبي طالب والشيعة إلى أن قتل ولم يتم له ما قدره (أقول) فيكون ابتداء أمر المتوكل بذلك سنة 236 ثم أعاد الكرة سنة 237 ثم فعل مثل ذلك سنة 247 وفيها قتل المتوكل فكان يمنع من زيارته فيمتنع الناس مدة أو تقل زيارتهم ويزورون خفية ثم تكثر زيارتهم فيجدد المنع إلى أن قتله الله.
العمارة الثالثة:
عمارة المنتصر. قال محمد بن أبي طالب في تتمة كلامه السابق بعدما ذكر تخريب المتوكل القبر الشريف قال: إلى أن قتل المتوكل وقام بالأمر بعده ابنه المنتصر فعطف على آل أبي طالب وأحسن إليهم وفرق فيهم الأموال وأعاد القبور في أيامه أمر الناس بزيارة قبر الحسين عليه السلام. وقال المجلسي في البحار أن المنتصر لما قتل أباه وتخلف بعده أمر ببناء الحائر وبنى ميلاً على المرقد الشريف وأحسن إلى العلويين وآمنهم بعد خوفهم.
العمارة الرابعة:
عمارة محمد بن زيد من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بالداعي الصغيرة ملك طبرستان بعد أخيه الحسن الملقب بالداعي الكبير عشرين سنة وبنى المشهدين الغروي والحائر أيام المعتضد قال محمد بن أبي طالب في تتمة كلامه السابق بعدما ذكر إعادة القبور في أيام المنتصر قال: إلى أن خرج الداعيان الحسن ومحمد ابنا زيد بن الحسن فأمر محمد بعمارة المشهدين.
العمارة الخامسة:
عمارة عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي قال محمد بن أبي طالب في تتمة كلامه السابق بعدما ذكر عمارة ابن زيد: وبعد ذلك بلغ عضد الدولة بن بويه الغاية في تعظيمها وعمارتهما والأوقاف عليهما وكان يزورهما كل سنة وفي كتاب لبعض المعاصرين أنه لما زار المشهد الحسيني سنة 371 بالغ في تشييد الأبنية حوله وأجزل العطاء لمن جاوزه وتوفي سنة 372 بعدما ولي العراق خمس سنوات وفي زمانه بنى عمران بن شاهين الرواق المعروف برواق عمران في مشهد الإمام الحسين.
العمارة السادسة:
عمارة الحسن بن مفضل بن سهلان أبو محمد الرامهرمزي وزير سلطان الدولة بن بويه الديلمي قال ابن الأثير في حوادث سنة 407 فيها في 14 ربيع الأول احترقت قبة الحسين والأروقة وكان سببه أنهم أشعلوا شمعتين كبيرتين فسقطتا في الليل على التأزير فاحترق وتعدت النار فجددها الوزير المذكور وفي مجالس المؤمنين عن تاريخ ابن كثير الشامي أنه بنى سور الحائر الحسيني وقتل سنة 460 قيل هو الذي ذكره ابن إدريس في سنة 588 في كتاب المواريث من السرائر وهذه العمارة هي التي رآها ابن بطوبة وذكرها في رحلته التي كانت سنة 727.
العمارة السابعة:
الموجودة الآن أمر بها السلطان أويس الايلخاني سنة 767 وتأريخها هذا موجود فوق المحراب القبلي مما يلي الرأس وأكملها ولده أحمد أويس سنة 786 وقد زيد فيها وأصلحت من ملوك الشيعة وغيرهم، وفي عام 930 أهدى الشاه إسماعيل الصفوي صندوقاً بديع الصنع إلى القبر الشريف وفي عام 1048 شيد السلطان مراد العثماني الرابع القبة وجصصها وفي سنة 1135 أنفقت زوجة نادر شاه مبالغ طائلة لتعمير الروضة الحسينية وفي سنة 1232 أمر فتحعلي شاه بتهذيب القبة الشريفة.
هدم الوهابية قبر الحسين عليه السلام:
في سنة 1216 جهز سعود بن عبد العزيز بن سعود الوهابي النجدي جيشاً من أعراب نجد وغزى به العراق وحاصر مدينة كربلاء مغتنماً فرصة غياب جل الأهلين في النجف لزيارة الغدير ثم دخلها يوم 18 ذي الحجة عنوة وأعمل في أهلها السيف فقتل منهم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف وقتل الشيوخ والأطفال والنساء ولم ينج منهم إلا من تمكن من الهرب أو اختبأ في مخبأ ونهب البلد ونهب الحضرة الشريفة وأخذ جميع ما فيها من فرش وقناديل وغيرها وهدم القبر الشريف واقتلع الشباك الذي عليه وربط خيله في الصحن المطهر ودق القهوة وعملها في الحضرة الشريفة ونهب من ذخائر المشهد الحسيني الشيء الكثير ثم كر راجعا إلى بلاده.
المصدر : وکالة انباء براثا