فیما كانت طائرتان حربیتان إسرائیلیتان تحلقان أمس فوق الجنوب والشوف والبقاع الغربی، من دون ان تستفز حمیة الغیارى على السیادة الوطنیة، ومن دون ان تثیر أی رد فعل، كان السجال الداخلی یحتدم حول «العملیة المتطورة» للمقاومة، التی نجحت فی اختراق أجواء فلسطین المحتلة لمسافات طویلة، عبر «طائرة أیوب»، فی إنجاز نوعی اخترق «جدار الصوت» فی عمق الكیان الإسرائیلی.
وبدل أن تكون هذه النقلة النوعیة فوق رقعة المواجهة مع إسرائیل دافعاً إضافیاً لتقدیر جهد المقاومة وإنجازاتها، كموقف مبدئی، بمعزل عن الخلافات المستحكمة بین البعض و«حزب الله»، إذ بالانقسام السیاسی الحاد یلتهم هذا الإنجاز، ویستهلكه فی الزواریب اللبنانیة، تماماً كما حصل من قبل مع حدث التحریر عام 2000 والانتصار التاریخی عام 2006.
وعوضاً عن أن یُبنى على «عملیة أیوب» لتصویب البوصلة، وتغلیب التناقض الرئیسی مع العدو الإسرائیلی على التناقضات الثانویة بین اللبنانیین، وصولاً الى الدفع نحو تنقیة المناخ الداخلی الذی أفسده الاحتقان الطائفی والمذهبی، أراد البعض ان یُفرّط مرة أخرى بهذه الفرصة الثمینة وأن یحولها الى مادة خلاف إضافیة.
ماذا صوّرت طائرة أیوب؟
وللدلالة على أهمیة «عملیة أیوب»، أفادت صحیفة «صندای تایمز» البریطانیة، أمس، أن الطائرة من دون طیار التی أرسلها «حزب الله» لاختراق المنظومة الأمنیة الإسرائیلیة «استطاعت تصویر مواقع عسكریة سریة، ونقلت هذه الصور إلى قیادة «حزب الله».
ونقلت الصحیفة عن مسؤولین أمنیین إسرائیلیین أن الطائرة «استطاعت تصویر مطارات عسكریة إسرائیلیة ومناطق التحضیر للمناورات المشتركة بین الجیشین الإسرائیلی والأمیركی، وربما استطاعت تصویر مفاعل دیمونة النووی».
ولفتت الانتباه الى أن الطائرة كانت مجّهزة بأفضل الوسائل العسكریة للتصویر الجوی، القادر على تنفیذ عملیات تصویر سری لقواعد الجیش الإسرائیلی.
وحیدی: العملیة تظهر قدراتنا العسكریة
فی هذا الوقت، اعتبر وزیر الدفاع الإیرانی الجنرال أحمد وحیدی أن الطائرة من دون طیار التی أرسلها «حزب الله» للتحلیق فوق إسرائیل تظهر مستوى القدرات العسكریة لطهران. وقال فی تصریحات بثها التلفزیون الإیرانی، إن «حزب الله» قام بعمل «عظیم»، معرباً عن اعتقاده بأن من حق الحزب إرسال طائرات للتحلیق فوق إسرائیل، ما دامت الأخیرة تقوم بخرق یومی للأجواء اللبنانیة.
وأكد وحیدی أن «قدرات إیران عالیة جداً وهی فی خدمة الدول الإسلامیة»، وفق ما نقل عنه التلفزیون الرسمی رداً على سؤال حول أصل الطائرة من دون طیار.
وأضاف: من الطبیعی استخدام ما نملكه فی الوقت الضروری للدفاع عن أراضی العالم الإسلامی.. هذه الخطوة تظهر أن «حزب الله» مستعد تماماً، وسیرد على النظام الصهیونی».
واعتبر أن الطائرة التی حلقت فوق إسرائیل «حطمت كل ما قیل عن نظام القبة الحدیدیة (الإسرائیلیة للدفاع الجوی) وأصبح واضحاً أن النظام الصهیونی لا یمكن أن یفلت من غضب المسلمین».
انقسام داخلی
لبنانیاً، رأى نائب الأمین العام لـ«حزب الله» الشیخ نعیم قاسم أن «طائرة «أیوب» هی معادلة جدیدة تدخل فی توازن الردع بین المقاومة وإسرائیل، والردع جزء من حمایة لبنان».
أما الرئیس فؤاد السنیورة، فإنه، وفی حین أقرّ بـ«الإنجاز التقنی والعسكری» المتمثل بالعملیة، رأى فی الوقت ذاته أن ذلك یشكل «خرقاً للقرار 1701 واستفزازاً لإسرائیل، وهناك من یؤشر إلى مسألة تتعلق بالمنشآت الغازیة والنفطیة فی سواحل الأراضی المحتلة، وأیضاً المفاعل الذری الإسرائیلی فی منطقة دیمونة، وهذا بحد ذاته وكأنه إعلان حرب».
منتجع الوزانی یقلق إسرائیل
الى ذلك، یبدو أن منسوب التوتر بین لبنان وإسرائیل یتخذ منحى تصاعدیاً عند مجرى نهر الوزانی، القریب من الحدود مع فلسطین المحتلة.
وجاء فی تقریر المراسل العسكری لصحیفة «یدیعوت أحرونوت» ألیكس فیشمان أن النقص فی المیاه فی الشرق الاوسط یشكل منذ زمن بعید عاملاً من شأنه أن یدفع المنطقة الى الحرب، وأن التوتر الحالی یرتبط أیضاً بمشكلة المیاه، وتحدیداً بمنتجع (لبنانی) أقیم للاستجمام.
وأوضح أن مصدر المیاه المركزی لبحیرة طبریا هو تدفق المیاه التی تصل من نهر الأردن بمصادره الثلاثة الأساس: بانیاس، دان والوزانی. وتقع منابع دان وبانیاس فی نطاق سلطة إسرائیل، ولهذا فالدولة قادرة على حمایتهما. بالمقابل، فإن قسماً هاماً من منابع الحاصبانی یقع شمالی الحدود، وهو عرضة للضرر من جانب لبنان وبشكل غیر مباشر من جانب سوریا.
وكتب فیشمان أن هذه هی حال ینابیع الوزانی، التی تشكل مصدر میاه مركزیاً، وتوجد على مسافة نحو 3 كیلومترات شمالی الحدود الإسرائیلیة، قرب مزارع شبعا.
وكان أول توتر فی المنطقة قد حصل قبل نحو عشر سنوات عندما احتجت إسرائیل بشدة
ضد ما بدا كـ«أعمال لتحویل میاه الجدول»، ونتیجة لذلك توقفت الأعمال. غیر أن التوتر تجدد مؤخراً، فی أعقاب بناء منتــجع كبـــیر یقع علـــى نحو أربعین دونماً على الضفة الغربیة من الوزانی. وسیضم المنتجع عشــرات شالیهات الضیافة، بالإضافة الى بركتی سباحة وغیرها من المبانی.
وأفاد فیشمان فی تقریره ،أنه، وخلال المشاورات التی أجریت فی المؤسسة الأمنیة الإسرائیلیة مع سلطة المیاه، برز تخوف شدید من أن تؤدی أعمال البناء، ولاحقاً النفایات التی ستتدفق بشكل حر من الموقع، الى تلویث الجدول والإضرار بالمیاه التی تصل الى إسرائیل. كما یوجد تخوف من أن تؤدی الأعمال الى حرف الینابیع بشكل یؤثر أیضاً على وصول المیاه الى إسرائیل.
وأضاف فیشمان: كانت الصحافة اللبنانیة قد أشارت إلى أن الموقع الذی یبنى صدیق للبیئة، وأن عملیة البناء أیضاً لا تضر بالجداول، وادّعى المستثمر الذی یقیم المنتجع، خلیل عبدالله أن «إسرائیل یحركها الحسد، وأن بناء منتجع هنا هو دلیل على السلام والسكینة، یتعارض مع مصالحها، ولأنها لا ترید السلام فإنها تخاف منه».
وأوضح فیشمان أن إسرائیل توجهت من خلال الأمم المتحدة الى لبنان وطلبت تدخل الدولة فی المشروع. وتبین من معلومات وصلت الى إسرائیل أن الجیش اللبنانی، الذی تخوف على ما یبدو من تصعید إقلیمی، عمد الى تجمید الأعمال، ولكن التخوف هو أن تستمر فی المستقبل، ولهذا، فإن إسرائیل تتابع بتأهب ما یجری فی الموقع.
واعتبر الناطق العسكری الإسرائیلی أن هذه «خروقات بناء لبنانیة خلف الحدود فی منطقة الوزانی. والأمر قید الفحص».