رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زال الحديث متواصلا وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح الفقرة التالية:
(وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ سَيِّدَةَ نِساءِ الْعالَمينَ، وَاَحَلَّ لَهُ مِنْ مَسْجِدِهِ ما حَلَّ لَهُ، وَسَدَّ
ما زال الحديث متواصلا وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح الفقرة التالية:
(وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ سَيِّدَةَ نِساءِ الْعالَمينَ، وَاَحَلَّ لَهُ مِنْ مَسْجِدِهِ ما حَلَّ لَهُ، وَسَدَّ الاْبْوابَ اِلاّ بابَهُ، ثُمَّ اَوْدَعَهُ عِلْمَهُ وَحِكْمَتَهُ فَقالَ: اَنـَا مَدينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِىٌّ بابُها، فَمَنْ اَرادَ الْمَدينَةَ وَالْحِكْمَةَ فَلْيَاْتِها مِنْ بابِها، ثُمَّ قالَ: اَنْتَ اَخي وَوَصِيّي وَوارِثي، لَحْمُكَ مِنْ لَحْمي وَدَمُكَ مِنْ دَمي وَسِلْمُكَ سِلْمي وَحَرْبُكَ حَرْبي وَالإيمانُ مُخالِطٌ لَحْمَكَ وَدَمَكَ كَما خالَطَ لَحْمي وَدَمي، وَاَنْتَ غَداً عَلَى الْحَوْضِ خَليفَتي وَاَنْتَ تَقْضي دَيْني وَتُنْجِزُ عِداتي وَشيعَتُكَ عَلى مَنابِرَ مِنْ نُور مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلي فِي الْجَنَّةِ وَهُمْ جيراني).
قلنا في الشرح السابق إنّ الفقرات التي بصدد شرحها والتي ستأتي والتي سبقت كلها مترابطة حول محاور ثلاثة، تحدثنا في المحور الاول منها وتحت عنوان (صفات توجب استمرار خط الهداية الإلهية) وسنتحدث عن المحور الثاني في (آثار ونتائج تترتب على تلك الصفات)، فيما سنتحدث عن الحلقة القادمة في المحور الثالث عن صور من الممارسات العملية التي اوجبتها صفات استمرار خط الهداية الإلهية.
وحديثنا الآن عن المحور الثاني بعد أنْ تم الحديث عن المحور الاول.
المحور الثاني:
يفرّع الدعاء المبارك على الصفات والكمالات التي لابدّ أنْ يتحلّى بها الإمام مجموعة من الآثار بعضاً منها تكوينياً والآخر اجتماعياً، وأول أثر يترتب على صفات الامامة وهو يختص بأمير المؤمنين عليه السلام دون بقية الائمة عليهم السلام وليس بتكويني، وإنما اجتماعي وناشئ عن ضرورة أنْ يكون هناك علقة ورابط بين عنصري النبوة والإمامة، فكانت الزهراء عليها السلام هي ذلك العنصر الرابط، وأشار الدعاء المبارك الى هذه الحقيقة مفرّعاً إيّاها على صفات الإمام التي يجب أن توجد في الإمام، ولكي يتفرع منه الائمة عليهم السلام اقتضت الحكمة الإلهية أنْ يكون التركيب الاستمراري بين النبوة والإمامة بكيفية تستدعي وجود وساطة تنتقل عبرها الإمامة من النبي الإمام إلى الإمام غير النبي، فتحدث الدعاء عن انّ أوّل الأئمة عليه السلام إمام وليس بنبي بواسطة فاطمة عليها السلام التي ستقوم بنقل هذا الإرث من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي عليه السلام، ليتفرّع منهما أغصان شجرة الإمامة، فجاء الدعاء ليفرّع على قوله (إلاّ أنه لا نبي بعدي) قوله (وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ سَيِّدَةَ نِساءِ الْعالَمينَ)، ومن هنا يمكن لنا أنْ نفهم مجموعة من الاحاديث التي صدرت بحق فاطمة الزهراء عليها السلام كحديثه صلى الله عليه وآله وسلم (انها روحه التي بين جنبيه) اي روح الإمامة، وكحديث الائمة عليهم السلام من انها حجّة الله عليهم وكحديثهم عليهم السلام من أنّ معرفتها دارت عليها القرون الأولى، وأنّه لولاها لما حصلت المعرفة الإلهية ولما كانت النُظم الربانيّة بالشكل الذي نراه.
ثم فرّع الدعاء الشريف جملة من الآثار الأخرى التي يتحدث كل منها عن بعد وزاوية مما توجبه صفات الإمامة من آثار للإمام، وكل واحد منها يشير بطبيعة الحال إلى أكثر من لون، وكأنّ له ظاهراً وباطناً، فكون الإمام أحُلّ له من مسجد رسول الله ما أحله صلى الله عليه وآله وسلم يشير إلى البعد المادي ومرتبة القداسة للإمام ولما لمسجد رسول الله من مكانة ولزوم الطهارة على الغير وان الإمامة مطهّرة ذاتاً، وكذلك يشير إلى بعد آخر في كون حقيقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع الأمّة هي الدعوة إلى المسجد وما يتفرع على المسجد، والدعوة الى المسجد لا تحل إلاّ من قبل الإمام المنصّب، فكأنّ الدعاء يشير إلى هذا المعنى، وهو أنّ مسجد رسول الله منصب إلهي ومرتبة للدعوة إلى الدين لا يستحقها إلاّ من احل له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه المنزلة، وحيث أنّ الإمام اكتسب صفات ما توجب الاحلال جاء الدعاء ليحلها للإمام ويحرّمها على غيره.
ثم تحدث الدعاء عن اثر آخر ملازم للإحلال ويقتضيه الإحلال وهو ان لا باب يصدر منه إلاّ الباب الذي يفتح بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يحق لأحد أنْ يصدر من بابه احكام الدين الا الباب المعيّن، فقال الدعاء وسد الابواب الاّ بابه، وهنا قد يسأل سائل انه لماذا سد الابواب الاّ بابه وأحل له وحده ما حلله من _مسجد الدين_ فجاء الدعاء لتحدث عن صفة من صفات الإمام في إطار حديثه عن آثار الإمام فقال (ثُمَّ اَوْدَعَهُ عِلْمَهُ وَحِكْمَتَهُ) إجابة لما يمكن أنْ يتوهّم من سائل عن علّة فتح بابه وحده وتحليل المسجد له وحده، وقد صرّح الدعاء بهذه العلّة على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (اَنـَا مَدينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِىٌّ بابُها) اي انا مدينة الدين والاتصال بالله، ومن أراد الدخول إلى الله فليأت من الباب، لأنّ الإمام أخو النبي ووارث النبي ووصي النبي فقال (اَنْتَ اَخي وَوَصِيّي وَوارِثي، لَحْمُكَ مِنْ لَحْمي وَدَمُكَ مِنْ دَمي) لانّ المنصب واحد والحقيقة النورانية واحدة والوظيفة واحدة.
وتفرع على هذه الحقيقة الواحدة أنّ سلم تجلّيها الاعظم وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تجلّيها الأول أمير المؤمنين عليه السلام، ثم هو سلم تجلّيها الثاني هو الحسن عليه السلام… وهكذا إلى تجلّيها الثاني عشر هو الامام المهدي عليه السلام وأنّ حربه حربه، وان الايمان به ايمان به نفسه صلى الله عليه وآله وسلم وانّ حقيقة الايمان هي الإمام، وحقيقة الإمام هي الايمان، فهما ممتزجان، لذلك قال (وَالإيمانُ مُخالِطٌ لَحْمَكَ وَدَمَكَ كَما خالَطَ لَحْمي وَدَمي).
ثم تحدّث عن أثر أخروي يترتب على هذه الحقيقة الامامية من أنّ هذه الخلافة والوصاية ليست دنيوية، وانما استمرارية أخروية فقال (وَاَنْتَ غَداً عَلَى الْحَوْضِ خَليفَتي)، اما في الدنيا فأنت تقضي ديني وديني وما يترتب علي لانّك خليفتي وتنجز عداتي بما تقتضيه وظيفتي وكوني نبي إمام.
فإذا اتبعك أحد وشايعك فإنّهم معي وحولي وجيراني فقال (وَشيعَتُكَ عَلى مَنابِرَ مِنْ نُور مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلي فِي الْجَنَّةِ وَهُمْ جيراني).