علي الوردي
إنّه بعد الظهور المقدس للإمام المهدي عليه السلام يتحول غالبية المسلمين طواعية من أتباع للمذاهب الأخرى إلى الإيمان بالحجة عليه السلام كإمام مفترض الطاعة لما يرون فيه من قائد استثنائي وقد نجح بشكل ملفت…
إنّه بعد الظهور المقدس للإمام المهدي عليه السلام يتحول غالبية المسلمين طواعية من أتباع للمذاهب الأخرى إلى الإيمان بالحجة عليه السلام كإمام مفترض الطاعة لما يرون فيه من قائد استثنائي وقد نجح بشكل ملفت برفع لواء الإسلام عالياً رغم كل التحديات المحيطة به، فضلاً عمّا يمارسه الإمام عليه السلام من ادوار فكرية لافتة.
على أنّ هذا التحول لا يحدث مباشرة بعد الظهور كما حدث مع أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في مرحلة الإسلام الأولى، لوجود موانع تحول دون انفتاح المخالفين على الإمام عليه السلام بشكل كامل, وأهم هذه الموانع هم حكام الجور وأئمة الضلال، أمثال السفياني واضرابه الذين يحاولون تصوير الصراع مع حركة الأمام عليه السلام بأنّه صراع طائفي بين السنة والشيعة وليس صراعا بين الحق والباطل.
امّا أهم ما يتوقع في هذه المرحلة بالاعتماد على المنهج الطوعي والروايات الواردة فهو:
آ- تطوير الإمام عليه السلام لطرق البحث والاستدلال:
إنّ الفتح الذي يتحقق على يد الإمام عليه السلام في الكشف عن باطن القرآن والمفاهيم الحقّة لمدرسة أهل البيت عليه السلام سيساهم بشكل كبير في تطوير طرق البحث العلمي والاستدلال المنطقي بشكل عام، الأمر الذي يساعد على التفاعل مع مدرسة أهل البيت عليهم السلام التي تعتمد الدليل العقلي طريقا للوصول للحقيقة من خلال إيمانها بأنّ الحسن والقبح عقليين، بينما ترى المدرسة الأخرى أنهما شرعيين.
إنّ تحرير العقل البشري من كل ألوان التقييد والحجر غير المبرر بالتأكيد سيساعد البشرية بشكل عام، والمخالفين بشكل خاص أنْ تنظر للحقيقة بعين حيادية ومن غير زيادة أو نقصان، وأنْ تراجع نفسها فيما وجدت عليه آباءها. وأنّ مجرد المراجعة قد تمهّد الطريق للمخالفين في الانفتاح على حركة الأمام عليه السلام وبالتالي القبول بها طواعية.
ب- اشاعة الإمام عليه السلام لثقافة الحوار والتسامح:
لمّا كان المنهج الطوعي للتغيير يعتمد الحوار المستند إلى الدليل العقلي، فلاشك أنّ الإمام عليه السلام سيشجع عليه ويدعو له لأن قبول الآخر بالحوار أول خطوة على طريق التغيير المحتمل. ولو قدر أنّ الحوار لم يوصلنا إلى نتيجة حاسمة فلابد للطرفين المتحاورين من احترام احدهما الآخر. امّا اللجوء إلى القول بالتكفير والضلال فإنها لن تؤدي إلاّ إلى القطيعة والحروب المدمرة، وفي هذا مخالفة واضحة لمنهج الأنبياء.
إنّ مواقف أهل البيت عليهم السلام من مخالفيهم كانت تمتاز بالتعبد بأسمى الأخلاق وأنبل القيم، فأمير المؤمنين عليه السلام لم يمنع الماء عن جند معاوية في حرب صفين، وأمّا الإمام الحسين عليه السلام فإنّه سقى عسكر الحر بن يزيد حين جعجع به.
إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام قد حكّموا الأخلاق حتى في ساحات القتال فاننا لا نتوقع أنّ الإمام المهدي عليه السلام سوف ينأى بنفسه عن هذه القيم في الساحات الاجتماعية والفكرية عند ملاقاته للمخالفين الذين يسعى لضمهم إلى حركته.
ج. الكشف عن النعم الباطنة بتطويره للعلوم الطبيعية:
انّ ما يتحقق على يد الإمام عليه السلام من فتوحات في علوم القرآن وما يتصل به من علوم آل محمد عليهم السلام سيمهد الطريق لإحداث ثورة علمية في طرق البحث والاستدلال كما أسلفنا وهذا بدوره سيساعد بشكل كبير في الكشف عن خفايا العلوم الطبيعية وبالتالي تحقيق نقلات نوعية على طريق البناء والتقدم بحيث يمكن للبشرية بلوغ النعم الباطنة التي لم تستطع كل الأقوام السابقة بلوغها والمشار إليها في قوله تعالى: (ألَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً).
إنّ عجز الأقوام السابقة عن بلوغ النعم الباطنة ما هو إلاّ نتيجة طبيعية لما يعلمون, فهم (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنياْ وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ).
فالمؤهّلون إذن لبلوغ النعم الباطنة هم فقط سالكوا الطريق إلى الله العارفون بحقه، المستحقون للظفر بأسراره من معارف وعلوم لتطويعها في بناء أرضه، والظاهر أنّ هذا لا يكون إلاّ في ظل الحضارة المهدوية بعد أنْ يقوم الإمام عليه السلام بالكشف عن هذه الأسرار.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: (إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس الأنام فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم). ليتحقق مصداق قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ). وتتحقق جنة الله في الأرض التي طالما حلمت بها البشرية (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا).
إنّ كل هذه الفتوحات العلمية السالفة الذكر التي يحتمل أنْ يكشف عنها الإمام عليه السلام يمكن أنْ تحدث رغبة جامحة في صفوف عامة المسلمين من بقية المذاهب الأخرى للاطلاع على حقيقة هذه الحركة الواعدة، ولعل البعض ينفتح على مدرسة أهل البيت عليهم السلام وعلى حركة الإمام عليه السلام بدرجة تجعله مقتنعا بها تماماً، الأمر الذي يؤدي إلى إثارة هلع حكام الجور في المنطقة ويثير الفزع لدى أئمة الضلال. إنّ الترجمة المتوقعة لهذا الخوف هو ممارسة الحكام مزيداً من القمع والإرهاب ضد كل من يحاول ولو التعاطف مع الحركة الجديدة، وتحريك الماكنة الإعلامية لممارسة ادوار تضليلية عن طريق وعاظ السلاطين. إلاّ أنّ رصانة المنطق الذي يتحدث به الإمام عليه السلام وأدلته القوية تجعل القدر الأكبر من هذه المخططات المعادية تنهار وتفشل، عندها يحاول أعداء الإمام عليه السلام تصوير الصراع على أنّه صراع طائفي وحجتهم في ذلك أنّ الإمام عليه السلام يريد القضاء على مذهب أهل السنة والجماعة وأنه شيعي، والشيعة يسبون الصحابة ويعبدون القبور و و و… وكل هذا يستدعي محاربتهم و وجوب القضاء عليهم!!
ثم تجتمع كلمة أعداء الإمام عليه السلام على مهاجمة البلدان المحكومة من قبله عليه السلام وهم يحاولون البحث عن فرس الرهان الذي يستطيع تنفيذ هذه المهمة، فلا يجدون أفضل من السفياني المنطلق في نفوذه المتنامي في المنطقة.
وتجد دول الضلال ضالتها من خلال دعمها لحركة السفياني. وبالفعل فإنّ السفياني ومن ورائه المحاربون فيتم التصدي لهم ويندحر قسم منهم في حرب ضروس وقاسية، وأمّا القسم الآخر فيخسف الله بهم في البيداء فيكونوا عبرة لمن سواهم ويتحقق النصر لجند الإمام عليه السلام وتسقط عروش الجائرين ويهلك الله المضلين، ويرتفع المانع الذي كان يحول بين الشعوب المستضعفة المسلمة وبين حركة الإمام عليه السلام ويتحقق شرط التحولات الطوعية، وهو الانفتاح على حركة الإمام عليه السلام في أجواء تسودها الحرية، عن الإمام الباقر عليه السلام: (يظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همّة إلاّ آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشيعتهم فيبعث بعثاً إلى الكوفة فيصاب بأناس من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم قتلاً وصلباً).
عن أمير المؤمنين عليه السلام: (فإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام الاّ طوائف مقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه, ويأتي المدينة بجيش جرار حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به).
وفي ظل أجواء الانتصار الحاسم وهلاك السفياني يعلن الإمام عليه السلام موقفه المحايد والعجيب من المخالفين والمستند إلى معايير المنهج الطوعي للتحولات وهو: (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ).
فيتحول غالبية المخالفين إلى الإيمان بمدرسة أهل البيت عليه السلام طواعية بسبب وجود مقتضى وهو قيام حركة الإمام عليه السلام على أساس الحق، وتحقق شرط وهو انفتاح المخالفين على حركة الإمام عليه السلام، وارتفاع مانع وهو هلاك السفياني ومن معه من حكام الجور ومن أئمة الضلال. ليتحقق قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا).