إن البشریة عامة والأمة الإسلامیة خاصة ، لابدّ أن تمر بظروف صعبة وقاسیة من الظلم والجور والانحراف حتى یبدا ظهور الفجر المقدس ، واستنتاجاً من فكرة الحدیث النبوی المتواتر القائل: إن المهدی (علیه السلام)یملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً .. وبالرجوع إلى الروایات الشریفة ، نجد أن هناك أخباراً دالة على صعوبة الزمان وفساده بشكل مطلق ، فضلا عن الإشارة إلى حوادث معینة .. ومن هذا المنطلق یمكن أن نستلخص عدة أمور:
الفصل الثانی
القسم الأول: ارهاصات عامة للظهور.
القسم الثانی: تنبؤات متحققة تاریخیا.
القسم الأول: ارهاصات عامة للظهور
إن البشریة عامة والأمة الإسلامیة خاصة ، لابدّ أن تمر بظروف صعبة وقاسیة من الظلم والجور والانحراف حتى یبدا ظهور الفجر المقدس ، واستنتاجاً من فكرة الحدیث النبوی المتواتر القائل: إن المهدی (علیه السلام)یملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً .. وبالرجوع إلى الروایات الشریفة ، نجد أن هناك أخباراً دالة على صعوبة الزمان وفساده بشكل مطلق ، فضلا عن الإشارة إلى حوادث معینة .. ومن هذا المنطلق یمكن أن نستلخص عدة أمور:
1-الأخبار الدالة على امتلاء الأرض ظلماً وجوراً:
وهو مضمون مستفیض بل متواتر من الروایات (1) وعلى شكل نص صریح وواضح بامتلاء الأرض جوراً وظلماً قبل ظهور المهدی (علیه السلام) فی الیوم الموعود.
2-الأخبار الدالة على وجود الفتن وازدیاد تیارها وتكاثرها إلى حد مروع:
عن أبی عبد الله الصادق (علیه السلام) فی حدیث طویل یتحدث فیه عن (الفتن المضلة المهولة) (2) وما روى أیضا عن الإمام الجواد (علیه السلام) أنه قال: (لا یقوم القائم (علیه السلام) إلا على خوف شدید من الناس وزلازل وفتنة وبلاء یصیب الناس وطاعون ، قبل ذلك وسیف قاطع بین العرب ، واختلاف شدید فی الناس وتشتت فی دینهم وتغییر من حالهم .. الحدیث). (3)
وللفتنة عدة معان نوجزها فی الآتی:
· الامتحان والابتلاء والاختبار
· الكفر والضلال والإثم
· اختلاف الناس بالآراء
· القتل وما یقع بین الناس من حروب.
3- الأخبار الدالة على الجزع من صعوبة الزمن وضیق النفس الشدید منه:
عن أبى عبد الله الصادق (علیه السلام): أنه یعانی المؤمنون فی زمـان
الغیبة من (ضنك شدید وبلاء طویل وجزع وخوف)(4) فمن ذلك أن الرجل یمر بقبر أخیه فیقول یا لیتنی مكانه .. ومن الواضح أن الجزع وتمنی الموت یكون نتیجة للشعور بالمشاكل والمصائب التی یمر بها الفرد فی المجتمع المنحرف.
4- الأخبار الدالة على وجود الحیرة والبلبلة فی الأفكار والاعتقاد:
كالخبر الذی روی عن الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنه قال عن المهدی (علیه السلام) فیما قال : (یكون حیرة وغیبة تضل فیها أقوام ویهتدی فیها آخرون) (5) والحیرة هنا یراد بها عدة وجوه.. كالحیرة فی العقائد الدینیة ، نتیجة للتیارات الباطلة التی تواجه جهلا وفراغا فكریا فی الأمة ، مما یحمل الفرد الاعتیادی على الانحراف .. أو الحیرة فی الإمام المهدی (علیه السلام) نفسه (6) بمعنى أن طول غیبته توجب وقوع الناس فی الشك والاختلاف فی شانه أو الحیرة بالجهاد الواجب فی زمن الغیبة من دون قائد وموجه و رائد.
5- الأخبار الدالة على الحروب والقتل:
تصف الأحادیث الشریفة الوضع السیاسی فی عصر الظهـور
بفقدان الاستقرار وكثرة الحروب والاقتتال : (قبل هذا الأمر قتل بیوح .. قیل وما البیوح؟ قال: دائم لا یفتر )(7) .. بل إن بعض الروایات تصف الحروب والاقتتال بذهاب ثلثی سكان الأرض ، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: (لا یخرج المهدی حتى یقتل الثلث ویموت الثلث ویبقى الثلث). (8)
ویمكن إعادة عنونة هذه الأخبار بحسب ما یتلائم مع معطیات ومصطلحات هذه الأیام ولیس حسب مصطلح الروایة: فمثلاً بالإمكان تشبیه الصورة بالآتی : الانحراف الفكری ، الانحراف الاجتماعی ، الانحراف الأخلاقی ، الانحراف الاقتصادی ، الانحراف السیاسی ، .. وهكذا ، ولعل أفضل ما یشیر إلى ذلك بشیء من التفصیل حدیث الرسول صلى الله علیه وآله: عن ابن عباس، قال: (حججنا مع رسول الله صلى الله علیه وآله حجة الوداع ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، ثم أقبل علینا بوجهه.
فقال: ألا أخبركم بأشراط الساعة!
فكان أدنى الناس منه یومئذ سلمان t فقال : بلى یا رسول الله.
فقال صلى الله علیه وآله: إن من أشراط القیامة ، إضاعة الصلوات واتباع الشهوات ، والمیل مع الأهواء وتعظیم أصحاب المال وبیع الدین بالدنیا. فعندها یذاب قلب المؤمن فی جوفه ، كما یذاب الملح فی الماء ، مما یرى من المنكر فلا یستطیع إن یغیره.
قال سلمان: وان هذا لكائن یا رسول الله؟
فقال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، إن عندها یلیهم أمراء جورة ، ووزراء فسقه ، وعرفاء ظلمة ، وأمناء خونة.
فقال سلمان: وان هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، إنّ عندها یكون المنكر معروفاً ، والمعروف منكراً ، ویؤتمن الخائن ویخون الأمین ، ویصدق الكاذب ویكذب الصادق.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، فعندها إمارة النساء ، ومشاورة الإماء ، وقعود الصبیان على المنابر ، ویكون الكذب طرفا ، والزكاة مغرما والفیء مغنما ، ویجفو الرجل والدیه ویبر صدیقه ، ویطلع الكوكب المذنب.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، وعندها تشارك المرأة زوجها فی التجارة ، ویكون المطر فیضا ویغیض الكرام غیضا ، ویحتقر الرجل المعسر ، فعندها تقارب الأسواق ، إذ قال هذا: لم أبع شیئاً ، وقال هذا: لم أربح شیئا ، فلا ترى إلا ذاما لله.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، فعندها تلیهم أقوام إن تكلموا قتلوهم وان سكتوا استباحوهم ، لیستأثرون بفیئهم ، ولیطأون حرمتهم ولیسفكنَّ دمائهم ، ولیملأنَّ قلوبهم دغلاً ورعبا ، فلا تراهم إلا وجلین خائفین مرعوبین مرهوبین.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
فقال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، إن عندها یؤتى بشیء من المشرق وبشیء من المغرب یلون أمتی ، فالویل لضعفاء أمتی منهم ، والویل لهم من الله ، لا یرحمون صغیراً ولا یوقرون كبیراً ولا یتجافون عن مسیء ، جثثهم جثث الآدمیین وقلوبهم قلوب الشیاطین.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، وعندها یكتفی الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، ویغار على الغلمان كما یغار على الجاریة فی بیت أهلها ، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، وتركبن ذوات الفروج السروج ، فعلیهن من أمتی لعنة الله.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، وعندها تزخرف المساجد ، كما تزخرف البیع والكنائس وتحلى المصاحف وتطول المنارات وتكثر الصفوف ، قلوب متباغضة والسن مختلفة.
فقال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، وعندها تحلى ذكور أمتی بالذهب ویلبسون الحریر والدیباج ویتخذون جلود النمور صفافا.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، وعندها یظهر الربا ، ویتعاملون بالعینة والرشا ، ویوضع الدین وترفع الدنیا.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، وعندها یكثر الطلاق فلا یقام حد ، ولن یضروا الله شیئا.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، وعندها تظهر القینات والمعازف ، وتلیهم شرار أمتی.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، وعندها یحج أغنیاء أمتی للنزهة ، ویحج أوساطها للتجارة ، ویحج فقراؤهم للریا والسمعة، فعندها یكون أقوام یتفقهون لغیر الله ، ویكثر أولاد الزنا ، ویتغنون بالقرآن، ویتهافتون بالدنیا.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، ذاك إذا انتهكت المحارم ، واكتسبت المآثم وسلط الأشرار على الأخیار ، ویفشو الكذب وتظهر اللجاجة ، وتفشو الفاقة ، ویتباهون فی اللباس ، ویمطرون فی غیر أوان المطر ، ویستحسنون الكوبة والمعازف ، وینكرون الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر ، حتى یكون المؤمن فی ذلك الزمان أذل من الأَمة ، ویظهر قراؤهم وعبادهم فیما بینهم التلاوم ، فأولئك یدعون فی ملكوت السماوات: الأرجاس الأنجاس.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، فعندها لا یخشى الغنی على الفقیر ، حتى أن السائل یسأل فی الناس فیما بین الجمعتین لا یصیب أحداً یضع فی كفه شیئاً.
قال سلمان: وانّ هذا لكائن یا رسول الله؟
قال صلى الله علیه وآله: أی والذی نفسی بیده یا سلمان ، فعندها یتكلم الروبیضه.
قال سلمان: ما الروبیضه؟ یا رسول الله ، فداك أبى وأمی.
قال صلى الله علیه وآله: یتكلم فی أمر العامة من لم یكن یتكلم ، فلم یلبثوا إلا قلیلا..) الحدیث. (9)
هذا لعمری ما كنا ولا زلنا نشاهده فی عصور الفسق والضلالة التی نعیشها ونطلع علیها بالحس والعیان ، فصلى الله علیك یا رسول الله إذ أخبرتنا بذلك .. وسلام الله تعالى علیك یا مهدی الإسلام إذ تزیل كل ذلك وتبدله إلى القسط والعدل.
إن هذه الأخبار التی ذكرناها هی دالة على فساد الزمان بنحو مطلق ، من دون الإشارة إلى حوادث بعینها ، علماً بأن تقدم عصر الفتن على الظهور ، أو عصر الظلم على العدل من واضحات الأحادیث والروایات … ولابدّ من الإشارة والتنویه إلى أن اقتران بعض هذه الأخبار بما قبل قیام الساعة ، لا یكون مضراً بما فهمناه ، باعتبار أن السابق على ظهور المهدی (علیه السلام) سابق على قیام الساعة ، ولیس من الضروری أن تكون أشراط الساعة واقعة قبلها مباشرة.
القسم الثانی: تنبؤات متحققة تاریخیا
إن كل علامات الظهور تتضمن اخباراً بالمستقبل! .. ولا یمكن الإخبار بالمستقبل إلا عن طریق التعلیم من قبل علام الغیوب جل شأنه ، إما بالوحی أو بالإلهام أو بما یمت إلیه بصلة بواسطة أو بوسائط ، كما كانت علیه صفة النبی صلى الله علیه وآله و الأئمة المعصومین علیهم السلام من بعده ، وهذا هو الثابت فی عقیدة الإسلام ، قال تعالى فی كتابه الكریم (عَالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلَى غَیْبِهِ أَحَدًا ! إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ).(10)
إذاً ، فما دام المعصوم (علیه السلام) عارفاً بحوادث المستقبل ، أمكنه الإخبار بها بطبیعة الحال .. أما بالنسبة إلى الحوادث أو العلامات التی بشرت الروایات بوقوعها قبل الظهور ولو بزمن طویل ، فالسر فی مصداقیتها على الظهور وكونها علامة علیه ، هو إن النبی صلى الله علیه وآله والأئمة علیهم السلام یختارون بعض الحوادث الكبرى الملفتة للنظر مما یعلمون وقوعه فی المستقبل ، بالوحی أو بالإلهام ، فیخبرون به مرتبطاً بالظهور ، حتى إذا ما وقعت الحادثة فی الأزمان ثبت عند الجیل المعاصر لها والأجیال المتأخرة عنها صدق هذه الأخبار .. إما بالنسبة إلى الحوادث القریبة من الظهور ، بحسب أخبار الروایات فالسر فی دلالتها على الظهور هو إن الله تعالى یوجد بعض الحوادث ، خصیصاً من أجل أن تصبح علامة على الظهور ، وإلفات نظر الناس إلیه ، وخاصة أولئك المؤمنین المخلصین المنتظرین بفارغ الصبر الفجر المقدس. إذاً ، فبعض العلامات المذكورة فی الروایات متضمنة بعض الأخبار المحددة الدالة على الظهور.
من الطریف أن بعض الأخبار التی قالها النبی صلى الله علیه وآله أو أحد الأئمة علیهم السلام وسجلها أهل الحدیث فی مصادرهم ، قبل حدوث الحادثة المطلوبة ، ثم وقعت الحادثة فعلا فی التاریخ بحیث نعلم جزماً أنها لم تسجل فی المصادر بعد حدوثها .. وهو لأكبر القرائن على صدق هذه الروایات نفسها فضلا عن إثبات المهدی (علیه السلام).
وما أثبت التاریخ على حدوثه مما ورد الأخبار به فی الروایات عدة أمثلة نذكر بعضاً منها:
التنبؤ الأول:
أخبار النبی صلى الله علیه وآله و الأئمة علیهم السلام عن شؤون دولة بنی
العباس من حیث انحرافهم وفسادهم وخروجهم عن جادة الحق:
(عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله علیه وآله لأبی: یا عباس ویل لولدی من ولدك وویل لولدك من ولدی فقال: یا رسول الله ، أفلا اجتنب النساء. قال إن علم الله قد مضى والأمور بیده وان الأمر سیكون فی ولدی)(11) . فدولة بنی العباس واضحة فی التاریخ ، وما وقع بینها وبین الأئمة علیهم السلام أحفاد رسول الله صلى الله علیه وآله من ولد علی وفاطمة علیهم السلام من الخلاف وماذاقوه من بنی العباس من التشرید والمطارده والتعسف ، أوضح من أن یذكر وأشهر من أن یسطر .. ویمكن الرجوع إلى كتاب (مقاتل الطالبیین) لأبی الفرج الأصفهانی للإیضاح اكثر .. وكذلك بعض الروایات دلت عن الاخبار بهلاك بنی العباس وزوال ملكهم كالخبر الذی ورد (عن الإمام الباقر (علیه السلام) فی حدیث انه قال: ثم یملك بنو العباس فلا یزالون فی عنفوان من الملك وغضارة من العیش ، حتى یختلفوا فیما بینهم ، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم) (12).
التنبؤ الثانی:
ما ورد فی الروایات من زوال دولة بنی أمیة ، قبل زوالها بطبیعة الحال: كالحدیث الذی ورد عن الإمام الباقر (علیه السلام) انه قال: (یقوم القائم (علیه السلام) فی وتر من السنین تسع واحده ثلاث خمس ، وقال: إذا اختلفت بنوا أمیة وذهب ملكهم ، ثم یملك بنو العباس فلا یزالون .. الحدیث)(13) . علما بأن الإمام الباقر (علیه السلام) قد توفى قبل زوال ملك بنی أمیة وقیام دولة العباسیین بثمانیة عشر سنة.
التنبؤ الثالث:
ما ورد فی الروایات من اختلاف أهل المشرق والمغرب :
كالحدیث الذی ورد عن الإمام الباقر (علیه السلام) أیضا ، حیث قال: (واختلف أهل المشرق والمغرب) (14).. ولهذا الاختلاف شواهد كثیرة فی التاریخ كاختلاف أهل المشرق والمغرب فی حدود البلاد الإسلامیة ، وهذا ما حدث فعلا فی التاریخ الإسلامی طویلا ، حیث كان الشرق یحكمه العباسیین والغرب – بمعنى الأندلس الإسلامیة – یحكمه الأمویون ، أو إن الغرب بمعنى الفاطمیون فی الشمال الأفریقی حیث أسسوا الدولة الفاطمیة ، وفی كلا الحالین ، كانوا منفصلین عن خلافة الشرق العباسیة.
أو ما حدث ویحدث فی العصر الحدیث ، منذ الحرب العالمیة الثانیة إلى ألآن .. من وجود الدولتین الكبیرتین فی العالم ، التی تمثل إحداهما زعامة ما یسمى بالكتلة الشرقیة ، وتمثل الأخرى زعامة ما یسمى بالغرب. وعلى أیة حال ، فقد جعل هذا الاختلاف بین أهل الشرق وأهل الغرب من علائم الظهور .. وهذا لعمری لإحدى المعجزات التی تشارك فی الدلالة على صدق الروایة نفسها ، فضلاً عن إثبات صاحب البیعة (علیه السلام) فی الروایة .. فكما جاء فی الحدیث الذی نقله النعمانی فی غیبته (حدثنا أحمد بن محمد بن سعید قال: حدثنی أحمد بن یوسف بن یعقوب أبو الحسین الجعفی قال: حدثنی إسماعیل بن مهران قال: حدثنا الحسن بن علی ابن أبى حمزة ، عن أبیه ووهب عن أبى بصیر عن أبى جعفر (علیه السلام) قال: یقوم القائم (علیه السلام) فی وتر من السنین تسع واحده ثلاث خمس ، وقال: إذا اختلفت بنو أمیه وذهب ملكهم ، ثم یملك بنو العباس فلا یزالون فی عنفوان من الملك ، وغضاره من العیش حتى یختلفوا فیما بینهم ، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم ، واختلف أهل المشرق وأهل المغرب ، نعم وأهل القبلة ، ویلقى الناس جهد شدید مما یمر بهم من الخوف ، فلا یزالون بتلك الحال حتى ینادی مناد من السماء ، فإذا نادى فالنفیر النفیر ، فو الله لكأنی أنظر إلیه بین الركن والمقام یبایع الناس … الحدیث ).(15)
والتنبؤات الثلاث السابقة ووقوعها فعلاً فی التاریخ الطویل ، بعد صدور الروایة وتسجیل أهل الحدیث لها فی مصادرهم أكبر دلیل على صدقها .
التنبؤ الرابع :
أخبار النبی صلى الله علیه وآله بانحراف القیادة الإسلامیة فی المجتمع بعده: فمن ذلك: (ما رواه ابن عباس عن النبی صلى الله علیه وآله عن الله (علیه السلام) فی بعض كلامه مع رسوله فی المعراج حیث جعل ذلك من علامات الظهور فقال: وصارت الأمراء كفرة وأولیائهم فجرة وأعوانهم ظلمه وذوی الرأی منهم فسقه ، فعند ذلك ثلاث خسوف ، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزیرة العرب ، وخراب البصرة على ید رجل من ذریتك یتبعه الزنوج … الحدیث) (16) .
وعنه صلى الله علیه وآله: (یكون بعدی أئمة لا یهتدون بهدای ولا یستنون بسنتی ، وسیقوم فیهم رجال ، قلوبهم قلوب الشیاطین فی جثمان أنس)(17) وهذا ما حدث بالفعل بعد النبی صلى الله علیه وآله حین قام الحكم فی العالم الإسلامی على المصلحة والإرث ، وتفاصیل ذلك أشهر من أن یذكر ، واستعمال الخمور فی بلاط الخلفاء یكاد یكون من الواضحات ، ویذكر فی كثیر من مصادر التاریخ ، ولعل خیر شاهد على ذلك ، موقف المتوكل العباسی من الإمام الهادی (علیه السلام) حیث أرسل جماعة من الأتراك لمداهمة بیت الإمام (علیه السلام) والقبض علیه فی جوف اللیل ، فألقوا علیه القبض وهو یقرأ القرآن ، وحُمل إلى المتوكل ، فمثل بین یدیه ، والمتوكل یشرب وفی یده كأس. فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جانبه ، وناوله الكأس الذی فی یده ، فقال: یا أمیر ، ما خامر لحمی ودمی قط ، فاعفنی ، فأعفاه.. الخ الحادثة.(18)
التنبؤ الخامس:
ما ورد الأخبار عنه بثورة صاحب الزنج:
فمن ذلك ما جاء فی الحدیث السابق عن ابن عباس .. وهذا ما حدث بالفعل على ید صاحب الزنج ، وهو الرجل الذی ثار فی البصرة عام 255هـ – سنة ولادة الإمام المهدی (علیه السلام) – واسمه علی بن محمد ، وزعم انه علوی – وان كان یختلف عن أهل البیت عقائدیا وفكریا – استمر یعیث فی المجتمع فساداً خمسة عشر عاماً إلى أن قتل عام 270هـ ، وعمدة ما ارتكز علیه فی ثورته – مضافاً إلى دعواه الانتساب بالنسب العلوی – أنه وجه دعوته بشكل رئیسی إلى العمال والطبقة الكادحة من الشعب ، وخاصة العبید الممالیك منهم ، ومن ثم سمی صاحب الزنج ، أی قائد العبید (19).. وكیف انه عاث فی المجتمع المسلم فساداً وكلف الدولة العباسیة كثیراً ، وكبد البصرة وكثیراً من المدن الأعاجیب من القتل والنهب والتشرید.
وهذا الحدث التاریخی من أكبر الأدلة على صدق الروایة وصدق محدثها علیه أفضل الصلاة والسلام.
التنبؤ السادس:
ما ورد الأخبار عن ظهور العلم ببلدة یقال لها قم :
فمن ذلك ما جاء عن الأمام الصادق (علیه السلام) : (ستخلو الكوفة من المؤمنین ویأزر عنها العلم كما تأزر الحیّة فی جحرها ، ثم یظهر العلم ببلدة یقال لها قم ، وتصیر معدناً للعلم والفضل حتى لا یبقى فی الأرض مستضعف فی الدین حتى المخدرّات فی الحجال ، وذلك عند قرب ظهور قائمنا .. الحدیث) (20)
وهذا ما حدث بالفعل فی العقدین الأخیرین ، وعظمة هذه الروایة عندما نعرف أن أمامنا یتكلم عن ظهور العلم الدینی فی بلدة قم المجهولة المكان فی ذلك الزمان ، حیث كان أهلها عبده أوثان ونیران ، ثم تكون هذه البلدة بعد حدیثه بألف ومئتی عام تقریبا مدینة علم الشیعه ومركز دراستهم … وقد ذكرنا حدیث الأمام الصادق (علیه السلام) عن بلدة قم لاحتواه تصریحا بذهاب العلم قبل قیام القائم (علیه السلام) من الكوفة (النجف الأشرف ) بسبب ظلم السلطان وتشرید علماء الدین وقتلهم وطردهم .
هناك الكثیر من العلامات والتنبؤات التی ذكرتها الروایات تحققت فی التاریخ :-
فمن ذلك ما جاء فی الروایة عن جابر بن یزید الجعفی قال: قال أبو جعفر محمد بن علی الباقر (علیه السلام): (یا جابر الزم الأرض ، ولا تحرك یداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أولها اختلاف بنى العباس ، وما أراك تدرك ذلك ، ولكن به حدث من بعدی عنی ، ومنادیاً ینادی فی السماء ، ویجیئكم صوت من ناحیة دمشق بالفتح ، وتخسف قریة من قرى الشام تسمى الجابیة ، وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأیمن ، ومارقة تمرق من ناحیة الترك ، ویعقبها مرج الروم ، وسیقبل أخوان الترك حتى ینزلوا الجزیرة ، وسیقبل مارقة الروم حتى ینزلوا الرملة ، فتلك السنة یا جابر فیها اختلاف كثیر فی كل أرض من ناحیة المغرب ، فأول أرض المغرب أرض الشام .. الحدیث)(21) .
بالأضافه إلى ان هناك علامات عدة ذكرها الشیخ المفید فی الإرشاد مختصراً : (قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قیام القائم المهدی (علیه السلام) وحوادث تكون أمام قیامه ، وآیات ودلالات: فمنها خروج السفیانی ، وقتل الحسنی ، واختلاف بنی العباس فی الملك الدنیاوی ، وكسوف الشمس فی النصف من شهر رمضان ، وخسوف القمر فی آخره على خلاف العادات ، وخسف بالبیداء ، وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب ، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر ، وطلوعها من المغرب ، وقتل نفسٍ زكیةٍ بظهر الكوفة فی سبعین من الصالحین ، وذبح رجل هاشمی بین الركن والمقام ، وهدم حائط مسجد الكوفة ، وإقبال رایات سود من قِبَلِ خرا سان ، وخروج الیمانی ، وظهور المغربی بمصر وتملُّكه للشامات ، ونزول الترك الجزیرة ، ونزول الروم الرملة ، وطلوع نجم المشرق یضیء كما یضیء القمر ثم ینعطف حتى یكاد یلتقی طرفاه ، وحمرة تظهر فی السماء وتنتشر فی آفاقها ، ونار تظهر بالمشرق طُولاً وتبقى فی الجو ثلاثة أیام أو سبعة أیام ، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم ، وقتل أهل مصر أمیرهم ، وخراب الشام واختلاف ثلاث رایات فیه ، ودخول رایات قیس والعرب إلى مصر ، ورایات كندة إلى خرا سان ، و ورود خیل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحیرة ، وإقبال رایات سود من المشرق نحوها ، وبشق فی الفرات حتى یدخل الماء أزقة الكوفة ، وخروج ستین كذاباً كلهم یدّعی النبوة ، وخروج اثنی عشر من آل أبی طالب كلهم یدعی الإمامة لنفسه ، وإحراق رجل عظیم القدر من شیعة بنی العباس بین جلولاء وخانقین ، وعقد الجسر مما یلی الكرخ بمدینة السلام ببغداد ، وارتفاع ریح سوداء بها أول النهار وزلزلة حتى ینخسف كثیر منها ، وخوف یشمل أهل العراق وبغداد وموت ذریع فیه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وجراد یظهر فی أوانه وغیر أوانه حتى یأتی على الزرع والغلات وقلة ریع لما یزرعه الناس ، واختلاف صنفین من العجم وسفك دماء كثیرة فیما بینهم ، وخروج العبید عن طاعة ساداتهم وقتلهم موالیهم ، ومسخ لقوم من أهل البدع حتى یصیروا قردة وخنازیر ، وغلبة العبید على بلاد السادات ، ونداء من السماء حتى یسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم ، ووجه وصدر یظهران من السماء للناس فی عین الشمس ، وأموات ینشرون من القبور حتى یرجعوا إلى الدنیا فیتعارفون فیها ویتزاورون ، ثم یختم ذلك بأربع وعشرین مطرة تتّصل فتحیی به الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها وتزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدی الحق من شیعة المهدی (علیه السلام) فیعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فیتوجهون نحوه لنصرته) (22) .
من هاتین الروایتین نجد أن عدداً من العلامات والأخبار قد تحقق فی التاریخ – نذكر بعضاً منها بشكل مختصر – وللاطلاع على روایات أكثر یفضل مراجعة:
1- كتاب: (الغیبة) للشیخ الأجل محمد بن إبراهیم بن جعفر النعمانی المعروف بابن أبی زینب ، من علماء القرن الثالث الهجری ، وهو تلمیذ ثقة الإسلام الكلینی ، وهذا الكتاب من نفائس الكتب المدونة فی هذا الباب ، وقد مدحه الشیخ المفید فی الإرشاد ، ویظهر من ذلك عدم وجود مصنف قبله أفضل منه.
2- كتاب: كمال الدین وتمام النعمة ، للشیخ أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن با بویه القمی (المعروف بالصدوق) ، من علماء القرن الرابع الهجری المتوفى سنة 381هـ .
3- كتاب: (الغیبة) للشیخ أبی جعفر محمد بن الحسن الطوسی المعروف (بشیخ الطائفة) ، المتوفى سنة 460هـ .
تنبؤات أخرى متحققة تاریخیاً:
فمن التنبؤات التی تحققت فی التاریخ نذكر بالإضافة إلى ما أشرنا إلیه سابقاً بعضاً منها باختصار:
أولا: إقبال رایات سود من قبل خراسان: وینطبق ذلك على ثورة أبی مسلم الخراسانی.
ثانیا: ظهور المغربی بمصر وتملكه الشامات: وینطبق ذلك على المعز الفاطمی عندما نشر دعوته عام 396هـ ، فی الشمال الأفریقی عندما غزا الشام واستولى علیها.
ثالثا: نزول الترك الجزیرة: عندما بقیت أرض الجزیرة تحت الحكم العثمانی التركی فترة طویلة من الزمن ، یبدأ من عام 941هـ وحتى سقوط حكمهم عام 1335هـ بالاحتلال البریطانی أثناء الحرب العالمیة الأولى.
رابعا: نزول الروم الرملة: والروم فی لغة عصر المعصومین علیهم السلام هم الأوربیون بشكل عام ، والرملة منطقة فی مصر ومنطقة فی الشام ، وینطبق هذا التنبؤ على الاستعمار الفرنسی لمصر بقیادة نابلیون بونابرت ، أو الاحتلال الفرنسی لسوریا بعد الحرب العالمیة الأولى وإخراج العثمانیین منها.
خامسا: خلع العرب أعنتها وتملكها البلاد ، وخروجها عن سلطان العجم: وهذا ما عشناه فی العصر الحدیث .. عصر الثورات العربیة بقصد التحرر من الاستعمار الأجنبی ، وسیطرة أشخاص من أهل البلاد على الحكم.
سادسا: قتل اهل مصر أمیرهم: وینطبق ذلك على الرئیس أنور السادات عندما قتلته جماعة خالد الاسلامبولی.
سابعا: اختلاف صنفین من العجم ، وسفك دماء كثیرة فیما بینهم: وینطبق ذلك على حروب الدول الأوربیة فیما بینها ، مثل الحرب بین فرنسا وألمانیا أو بین بریطانیا وألمانیا أو بین تركیا و الیونان .. ویكفینا النظر إلى الحربین العالمیتین الواقعتین فی النصف الأول من القرن التاسع عشر المیلادی.
نكتفی بهذا القدر من التنبؤات المتحققة تاریخیاً ، وهی بمجموعها تشكل دلیلاً قطعیاً على صدق قائلیها المعصومین علیهم السلام ، ذلك الصدق الدال على صدق سائر أقوالهم بما فیه أخبارهم عن ظهور الإمام المهدی (علیه السلام) .. ولابدّ من زیادة الارتباط العاطفی والشعوری بقضیة الإمام (علیه السلام)، لیست كمرتكز عقائدی فقط ، بل لأنها قضیة مصیریة ملحة ، فالمطلوب أذن: أن یسهم ما وقع فی بعث الأمل ورفع درجة الارتباط بالإمام (علیه السلام) إلى مستوى أعلى وأكثر حیویة وفاعلیة وجدیة ، ویعمق فی الفرد المؤمن الشعور بالمسؤولیة ، لیعیش فی كنف الإمامة بكل ما تمثله من عطاء فی مجال العمل والسلوك والموقف وفی جمیع مفردات الحیاة.
1 – انظر بشارة الإسلام ص18
2 – موسوعة المهدی تاریخ الغیبة الكبرى ص242
3 – غیبة النعمانی ص170 ، بحار الأنوار ج52 ص231
4 – موسوعة المهدی تاریخ الغیبة الكبرى ص245 ، منتخب الأثر ص434
5 – غیبة النعمانی ص104 ، الموسوعة ص246
6 – انظر بشارة الإسلام ص86 ، بحار الأنوار ج52 ص228
7 – الممهدون للمهدی ص49 ، بحار الأنوار ج52 ص182
8 – المهدی – آیة الله الصدر ص198 ، یوم الخلاص ص564
9 – بشارة الإسلام ص25 ، منتخب الأثر ص432
10 – سورة الجن (26-27)
11 – بشارة الإسلام ص11
12 – غیبة النعمانی ص175
13 – غیبة النعمانی ص175
14 – غیبة النعمانی ص175
15 – غیبة النعمانی ص175
16 – بشارة الإسلام ص5
17 – تاریخ الغیبة الكبرى ص450
18 – تاریخ الغیبة الكبرى ص59
19 – تاریخ الغیبة الصغرى ص72
20 – منتخب الأثر ص443 ، حوارات حول المنقذ ص296 ، یوم الخلاص ص480
21 – غیبة النعمانی ص187 ، بحار الأنوار ج52 ص237
22 – الإرشاد للمفید ج2 ص368 ، بحار الأنوار ج52 ص220 ، بشارة الإسلام ص175