السيد محمد علي الحلو
لم تقتصر دعوى المهدوية في الأوساط الشعبية واتهامها وحدها بنشوء مثل هذه الحركات, بل ان الذهنية السنية كذلك كانت على استعداد لنفوذ مثل هذه الدعوى, مما يدل على ارتكاز الفكرة المهدوية في نفوس المسلمين جميعاً دون تمييز بين…
لم تقتصر دعوى المهدوية في الأوساط الشعبية واتهامها وحدها بنشوء مثل هذه الحركات, بل ان الذهنية السنية كذلك كانت على استعداد لنفوذ مثل هذه الدعوى, مما يدل على ارتكاز الفكرة المهدوية في نفوس المسلمين جميعاً دون تمييز بين شيعةٍ وسُنة, وهذا ما دعا بعض أهل السنة من ذوي الحركات الفكريــة المشوبة بالسياسة والتنظيم أنْ يدّعي المهدوية لنفسه ليحصل على أتباع ومريدين، يتمكن من خلال دعوته هذه إلى جلب قلوب هؤلاء المتطلعين للإنقاذ واستغلال عواطفهم الجياشة بالإصلاح, لذا فلم يتوان (محمد أحمد) المولود سنة 1844 في جزيرة لبب السودانية أنْ يعلن دعوته المهدوية, ولعل المحاولات السياسية التي قام محمد علي باشا بإلحاق السودان بمصر أجّجت روح السيادة والتحرر لدى السودانيين, وهو ما يفسر قبول السودانيين لدعوى مهدويــة محمد أحمد الذي انخرط في الطريقة (السمانية) وهي طريقة صوفية, حتى أصبح رئيس هذه الطريقة بعد وفاة رئيسها القريشي (ودالزين), وقد نجح في استمالة الكثير من السودانيين، ولاقت دعوته قبولاً كثيراً وانتشاراً واسعاً.
ولم يخلُ تأريخنا المعاصر من دعاوى مهدوية أخرى كالتي قام بها رجل سعودي يدعى (جهيمان) وقد أعتصم بالحرم المكي وذلك عام 1979م مما دعا العلماء في السعودية إلى إصدار فتوى بهدر دمه كون أوصافه لم تكن هي أوصاف المهدي الموعود, فضلاً عن دوافعها السياسية وقتذاك.
والذي نريد قوله إن انتشار دعاوى المهدوية طوال التأريخ الإسلامي ناشئٌ من عاملين:
الأول: محاولة بعض الحركات السياسية النفوذ إلى الأوساط العامة واستغلال العاطفة والوجدان المهدوي الذي يحمله الفرد داخل المجتمع ألإسلامي، وما لهذه الدعوة من قداسة لدى الذهنية العامة حتى أنّك لا تخال دعوة بهذا العنوان ولم تجد أتباعاً و مؤيدين, وذلك لما يحمله المسلمون من تقديس لهذه الفكرة, بل ومصداقية الأخبار للبشارة بها, وكون هذه الفكرة باتت من المسلّمات الإسلاميات وضرورات الدين بغض النظر عن الشيعة وأهل السنة والطوائف الأخر ى.
الثاني: الاحتقان الذي يعاني منه الكثير من المستضعفين الذين يستقبلون هذه الدعـوة بكـل شوق ولهفة على أنّها البديل للمعاناة التي يتحملها هؤلاء, وكون هذه البيئات المظلومة أكثر تقبّلاً لأيّة دعوة من شأنها إنقاذها من ظلاماتها التي تعاني منها دائماً، لذا فأيّة دعوة مهدوية سيتقبلها الكثير من أولئك, ومن المؤكد أنّ هذه الدعوى ستكون أرضها الخصبة في ترعرعها ونشوئها أرض المستضعفين ومواطنهم المحرومة.
وبالرغم من تلقي هذه الدعوى القبول في أول الأمر إلاّ أنها سرعان ما يفتضح أمرها وتمنى بهزيمة منكرة وخسارة فادحة، وذلك لأنّ آلية الكشف عن الكذب لهذه الدعوى، وتجنيها على الواقع تتوفر لدى المسلمين وذلك عن طريق علامات الظهور الواردة في كتب الملاحم والفتن والتي تحول دون تفشي ظاهرة المهدوية الكاذبة وإيقافها من الإمتداد والتوسع , بل انّ فضحها كأسرع ما يكون.
من هنا نلمس ضرورة معرفة علامات الظهور والتفقه بها, وهي إحدى الأسباب التي دعت أئمة أهل البيت عليهم السلام لبث مثل هذه العلامات لتكون صمام أمان لآية محاولة عابثــــة تجعل المهدوية أداة للوصول إلى مآربها وغاياتها الدنيوية.