لكل عصر من العصور سماته الخاصة به، والتي يسير أبناؤه وفقها ، ويُعرَف بها عند اندثاره ، وسمات العصر متوزعة على مجالاته المختلفة ، فللعصر – أي عصر- مجال علمي، وآخر اقتصادي ، وثالث سياسي ، ورابع اجتماعي، وهكذا.
وعصر الغيبة وطول الأمد له سماته الخاصة أيضاً ، والتي حكتها الروايات الشريفة ، والتي ربما نعيش مفرداتها يومياً، وسأذكر واحدة من أهم سمات هذا العصر المرتبطة بالمجال الاجتماعي ، وهي قلة الثقة !
إننا نعيش اليوم عصر الخداع والمكر والتخطيط الملون بألف لون ، إننا نعيش متاهة حاكت خيوطها أيادٍ خفية وأخرى علنية، والناس تاهوا فيها حتى يئسوا من الناصح الأمين.
لا يمكنك اليوم أن تثق بمنتج صناعي تمام الثقة ، بل تزلزلت الثقة حتى بالأدوية الطبية…
لقد قلّت الثقة بالرؤساء والمسؤولين ، بل تزعزعت حتى بالأخوة والأصدقاء ! وحقاً إنه زمن قلّ فيه الدرهم الحلال ، والأخ في الله كما تناقلته بعض الروايات الشريفة.
هذا فضلاً عن أنك تجد الكثيرين ممن يقدم الشك والريبة في كل مدعٍ للإصلاح في وسط مظلم ، وأول ما يُرمى به مدعي الإصلاح أنه طالب للجاه والمصالح الشخصية ، هذا إذا أُحسن به الظن ولم يُرم بالعمالة أو التخريب !
إنها صورة أقرب ما تكون إلى ما عبّر عنه أحد الشعراء المعاصرين بأبيات :
ياشعب هاكَ من الرّجال نماذجاً
يتلوّنون تلوّنَ الحرباء
حتّى إذا الأقدار مُثِّل دورُها
وأديفَ صبح حقيقة بمساء
وتبدلت بعض الوجوه كما انزوت
جرباءُ تُخلف بعدُ في جرباء
أنا لا أريد أن أنقل صورة يائسة أو متشائمة، أو غير متفائلة عن وضعنا اليوم، إنّما هي صورة قلقة من كلّ ما يُطرح هذه الأيام، وحتى يطمئن المرء ، عليه أن يتعامل وفق أية دعوى بالتالي :
أولاً : إن قياس صحة أيّة دعوى يكون بإرجاع مقالاتها ومفرداتها إلى المصادر الأساسية للإسلام ، فما وافق منها القرآن الكريم والسنة الشريفة الثابتة أخذنا به ، وإلا فالذي جاء بها أولى بها.
ثانياً : علينا أن نرجع إلى ذوي الخبرة والاختصاص في كل مجال ، بشرط أن يكونوا من الثقاة المأمونين على الدين ، فلا شك أنهم إذا كانوا كذلك فهم أعرف بالحقيقة وأقرب إلى الصواب وأنصح للناس من أي أحد سواهم.
ثالثاً : لا يعني هذا ان نحذف كلمة (الثقة) من قاموسنا الاجتماعي, وانما يعني أن نرجع إلى القرآن الكريم في التعامل مع المجهولات والوافدات الثقافية الغريبة, فالقرآن يأمر بالتبين في اخذ الاخبار من غير الثقاة (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا), وهي قاعدة مهمة جدا في تلقي العقائد والفروع الفقهية بل والأمور الاجتماعية المهمة فضلا عن تناقلها والترويج لها.
رابعا: علينا أن نحذّر من قنوات الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية, فالإعلام اليوم يمثل أهم أسلحة السياسة والثقافة بل والحياة, وهو يعمل على ترتيش دعوتها وإبرازها بما يقتنع معه الناس بأنها هي هدفهم خصوصا وان الإعلام اليوم صار علما له متخصصوه وأبدع فيه كثيرون حتى استطاعوا ان يصرفوا الناس عما يراد منهم ويغرقوهم في فوضى ملاعب كرة القدم وأبطال السينما وغيرهم, وهكذا هي فعالة في الترويج لاية دعوى عقائدية إذا كانت تملك طعم الإعلام ،اعني (الأموال).
وهذا كله يعني ان علينا من الآن فصاعداً أن نلاحظ التالي :
أ. أن نتحرز وندقق في كل ما يطرق سمعنا أو تلقفه عيوننا.
ب. وأن نحاول قراءة ما بين السطور لنرى ما يقع وراءها.
ج. وأن نتريث في الحكم قبل اتخاذ أي موقف أو إصدار أي حكم … فرب حكم مسبق من دون تريث اهلك الإنسان واسقط دولا وأمات حضارات…. والحر تكفيه الإشارة.