من البديهي أن العقل يحكم بأن الله تعالى لم ولن يترك عباده سدى، فلا بد أن يلطف بهم فيبعث فيهم أنبياء ويجعل لهم أوصياء ويكون له على الأرض حجة في كل عصر وأن يكون هذا الحجة هادياً مهدياً معصوماً وباباً وسبيلاً ونوراً وأسوة وطريقاً للوصول وتمثالاً للأوصاف المجیدة والحمیدة أمام البشرية لكى يتمكن الإنسان من إحراز مراتب الكمال لأن الإنسان بعد مشاهدة الإمام یقبل بأنه يمكنه الوصول إلی هذه الحقيقة وتحقيقها وأیضا الانعتاق من قيد الضلالة وأن يكون في مأمن من الابتلاء بالآفات والبلايا والعذاب الإلهي.
قدم أئمة أهل البیت (ع) تعابیر رائعة و بلیغة في تفسیر هذه الآیة المبارکة : ” وَ نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ “. جاء في أحادیث الأئمة المعصومین (ع) أن هذه الآیة تشیر إلی ظهور وقیام الإمام الحجة (عج).
کان الإمام الصادق (ع) عندما یتلو هذه الآیة یقول:” والله إن شأن نزول هذه الآیة هم بنواسرائیل ونحن تأویلها”
قال أمیرالمؤمنین (ع) :” هم آل محمد (ع) یبعث الله مهدیهم بعد جهدهم، فیعزهم و یذل عدوهم”
هناک أکثر من 180 اسم ولقب لأئمة أهل البیت (ع) باعتبارهم خلفاء وحجج الله علی الأرض تشیر إلی أوصافهم المتعالیة .
مراتب الكمال التی یمتلکها الأئمة تظهر مدى قربهم إلى حقيقة التوحيد والمعارف الإلهية. نحن نقول في كثير من الأحيان في سلامنا على تلك الذوات المقدسة : ” اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بابَ اللهِ لا يُؤتي الأمْنِه، السَّلامُ عَلَيْكَ يا سَبيلَ اللِه الَّذي مَنْ سَلكَ غَيْرُهُ هلك “.
من البديهي أن العقل يحكم بأن الله تعالى لم ولن يترك عباده سدى، فلا بد أن يلطف بهم فيبعث فيهم أنبياء ويجعل لهم أوصياء ويكون له على الأرض حجة في كل عصر وأن يكون هذا الحجة هادياً مهدياً معصوماً وباباً وسبيلاً ونوراً وأسوة وطريقاً للوصول وتمثالاً للأوصاف المجیدة والحمیدة أمام البشرية لكى يتمكن الإنسان من إحراز مراتب الكمال لأن الإنسان بعد مشاهدة الإمام یقبل بأنه يمكنه الوصول إلی هذه الحقيقة وتحقيقها وأیضا الانعتاق من قيد الضلالة وأن يكون في مأمن من الابتلاء بالآفات والبلايا والعذاب الإلهي.
ولهذا فإن أئمة الأطهارعليهم السلام :
– هم تماثیل للحق في جميع أشكاله. هم الحقيقة الواقعية والقرآن الناطق على هيئة الإنسان.
– هم الاُسوة الحقيقية والعينية الذي ظهرت فيهم الصفات الحسنة والمقربون إلی الله (لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اُسْوَةُ …)
– هم طريق الهداية والتمثال الحقيقي لكيفية الحياة .بإمكاننا أن نجد الحق والحقيقة في مسارهم وسلوكهم وسنتهم في الحياة وأن سيرتهم وسنتهم هي من مصادر تشخيص الأحكام الإلهية وأن النبي الأكرم وضع أهل البيت إلي جانب القرآن وإنهم الثقل والأمانة الباقية للمسلمين من بعد الرسول (ص).
– هم الضمان لنجاة الإنسان وأمان للبشرية من عذاب الله
– هم حجة الله البالغة الذي أعلن عن حجيتهم رب العالمين
لايوجد في الكون بين البشرية من يحمل هذه الصفات سوى المعصومين عليهم السلام كما قال القرآن الكريم : ” إنَّما يُريدُ اللهِ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسِ اَهْلِ البَيْتِ وَ يُطَهِّرُكُمْ تَطهيراً 5 ” لکی لایحدث أي خلل أو نقص في مسار تربیة، وهدایة وإرشاد العباد على يد الإمام وحجة الله على الأرض الذین هم جمیعاً في معرض الزلات والسهو ووسوسة الشیطان والعمر القصیر والموت المحتوم وسائر الابتلاءات والتي هي من مقتضیات حیاة الدنیا والتي هي دار بلاء وامتحان.
هذا الأمر أیضاً ناجمٌ عن رحمة الله بعباده وأن اصطفاء وإجتباء حجج الله هو أیضاً یشیر إلی هذا المعنی. جمیع الروایات المنقولة عن رسول الله (ص) وأئمة الدین المذکورة في المصادر الروائیة للشیعة والسنة تشیر بشکل مباشر إلی أن هذه الآیة تعني أهل بیت الرسول (ص).
اختصاص هذه الأمور في الروایات المأثورة خاصة الأدعیة الصادرة من خزانة أهل البیت علیهم السلام لیست من باب المجاملات الجاریة بین عامة الناس لأن مثل هذا العمل لدى رب العالمین وأئمة الدین یعتبر أمراً لغواً وأن مقام رب العالمین منزهٌ من اللغو والثرثرة والمجاملات. هم أصحاب الصفات الحميدة . هم خزّان العلم، منتهي الحلم، أصول الكرم و ذوي النهى، ورثة الأنبياء، معادن حكمة الله، حفظة سرّ الله، مخلصين في توحيد الله، أهل الذّكر، اولي الأمر، بقيّة الله و… الشخص الذي يمتلك هذه الأوصاف بشكل تام جديرٌ بأن يكون خليفة الله على الخلق. إن الظهور التام لهذه الصفات جعل أهل البيت أهلا أن يكونوا أعلاماً للدين وأحد الثقلين وعدلاً للقرآن كما أن سيرتهم وسنتهم لدى العلماء والمراجع لتشخيص الحكم وحل المسئلة تحظى بالحجية. جاء في حديث عن النبي الأكرم (ص) والحسن المجتبى (ع) بأن : «مَنْ ماتَ وَ لَمْ يَعْرِفُ اِمامَ زَمانِهِ ماتَ مَيتةً جاهِلَيَة”
عدم معرفة الإمام الزمان (ع) یعني عدم معرفة الهدف والحجة وطریق النجاة من الجاهلیة والضلالة . عندما تتجلی الحقیقة في إمام الزمان (ع) یعنی أن الحق لدیه ومعه ویتحقق عن طریقه وکلما کان غیرذلک فهو عین الجاهلیة والضلالة.
قال الإمام علي النقي (ع) في زيارة الجامعة الكبيرة: ” وَ الْحَقُ مَعَكُم وَ فيكُمْ وَ مِنْكُمْ وَ اِلَيْكُمْ وَ اَنْتُمْ اَهْلُهُ وَ مَعْدِنُهُ…” هذه العبارة جاءت ترجمة ل : ” إِنِّی تَارِکٌ فِیکُمُ الثِّقْلَیْنِ کِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی وَ إِنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّى یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ ”
هما لن یفترقا عن بعضهما البعض ذاتیاً ولو لم یکن الأمر هکذا لما کان بإمکاننا أن نخاطبهم بهذا القول :” الحق معکم وفیکم وإلیکم”. الحق لم یضاف الیهم ولم یتم عرضه علی حیاتهم وأن التقرب إلیهم یعني التقرب إلی الحق والإبتعاد عنهم هو الابتعاد عن الحق. کما نقرأ في زیارة صاحب العصر (عج) : “أنَا وَليٌّ لَكَ بَريٌ مِنْ عَدُوِّكَ فَالحَقُّ ما رَضْيْتُمُوهِ وَ الباطِلُ ما اسْتَخْطُمُوه”.
الضلالة لیس بالضرورة لها مصداق ثابت کعبادة الأصنام. الباطل یتجلی في کل عصر وجیل بشکل ما کما کان یتجلی في الأدوار السابقة یوما في شخصية فرعون و نمرود ویوما آخر في شخصية أبولهب وأبوسفیان أو عبادة الأصنام والتمر اَو القمر والنجم.
إن اختلاف الصور والمصادیق لایعني اختلاف المعنی والباطن. هناک مفهوم ثابت وهو الاستکبار والطغیان الذی یتجلی في کل عصر بشکل ما. المهم هو اکتشاف المفاهیم الثابتة.
حب أهل البیت والاقتراب الیهم وتجدید العهد معهم أیضاً یرتبط بهذا المعنی وأن الاقتراب إلیهم و الاشتراک معهم في الخصال الحميدة جعلت النبی الأکرم (ص) یخاطب سلمان الفارسی مع أنه لیس له أي صلة قرابة مع الرسول (ص) قائلا: ” سلمان منّا أهل البيت” وجعلت القرآن یخاطب أبولهب مع أن له صلة رحم بالرسول (ص) قائلا : «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ». إن الاشتراک في الهدف یعنی الاشتراک في المعنی والوجود في ساحة الحیاة ویعنی القرابة والمحرمیة .
سلمان بعد أن انتهج طریق الحق والحقیقة والکمال أصبح ذو شأن عال وجدیر بأن یخاطبه الرسول (ص) قائلا: ” سلمان منا أهل البیت”و في الجهة المقابلة الذین انتهجوا طریق الدرکات السفلی أصبحوا ذي شأن نازل وأهلا لهذا الخطاب الإلهي بأن ” تبت یدا أبي لهب وتب” . دون أي شک فإن إرادة الله هي إرادة الرسول (ص) أیضاً.
بعد أن ذاب رجل عظيم مثل النبي الأكرم (ص) في الله وسلب عن نفسه أي إرادة واختيار تام بلغ أعلی وأسمى مراتب العبودية وبلغ درجة من القرب بحيث أصبح ” قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي ” أي بلغ رسول الله من القرب إلى الله الحد الفاصل بين القوسين أو أدنى من ذلك .
من المؤكد أن جبرئيل كان في هذه الرحلة في خدمة الرسول (ص) حتی بلغ خلال هذه الرحلة درجة أعلن جبرئيل فيها أن “لو دنوت أنملة لاحترقت”.
إن الرسول الأعظم (ص) كان أعلى وأسمى مرتبة وإستعداداً من جبرئيل ولهذا كما قال الشاعر سعدي الشيرازي “يبلغ الإنسان مرتبة لم ير فيها سوى الله” . بلغ الرسول (ص) مرتبة ما كان يرى فيها سوى الله. مرتبة لم يحظ بها جبرئيل.
هنا تتجلى معنى الإرادة الإلهية في خلق الخليفة . خليفة الله هو الخليفة والحجة والأسوة على ما سوى الله. ساحة حكمه تبدأ من أهل الملكوت المقربين كجبرئيل حتی أدنى المخلوقات في عالم الملك .
خاطب النبي الأكرم (ص) أميرالمؤمنين علي (ع) قائلا : ” من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شي ء .”
الخشية والخوف في حد ذاته يؤدي إلي الخضوع والخشوع أمام رب الأرباب. كل من تواضع أمام الله من المؤكد أن الله سيرفعه مقاماً محموداً.
كل من ارتبط بالله لامحالة ستشمله العناية والعزة الإلهية “وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَی اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ” . كل من تعلق بالله لايخاف سواهُ وأنه ستكتنفه العزة الإلهية بحيث يكون في مأمن من مخافة ما سوى الله.
عندما ينتسب الإنسان إلى الله ويستقطب أوصاف الكمال ستشمله بإذن الله حصة كبيرة من الهيبة والجلال . كما أن الجميع عند مواجهة الأولياء والأنبياء ينحنون أمام هيبتهم وجلالهم. يمكن لنا أن ندرك هذا المعنى في عبارة اُخرى وهى : «العُبُودِيَةِ جُوهَرَةِ كُنْهِهَا الرُبُوبيَةِ”.
العبد الصالح إذا بلغ الدرجة التامة من العبودية يتمكن من تربية الآخرين الذين هم في مرتبة انزل منه . العبد الصالح ينال هذا المقام بإذن الله لتربية العباد.
بعبارة أخرى تربية العباد هي من الأمور التي يختص بها الله سبحانه وتعالى . كما قال الله سبحانه و تعالى لايمكن لنا أن نعتبر شخصاً ولياً لله في جميع الأمور الدنيوية والأخروية ونسلب عنه مقام تربية العباد. “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ”
جابر بن عبدالله الأنصاري جاء إلى الرسول (ص) في آخر أيام حياته وسأله عن هذه الآية: «وَ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَ إِقَامَ الصَّلَاةِ وَ إِيتَاء الزَّكَاةِ وَ كَانُوا لَنَا عَابِدِينَ”
قال رسول الله (ص) : یا جابر معنی هذه الآیة هم الأوصیاء من بعدي . سیأتی یوما أنت ستدرک ولدي محمد الباقر فإذا أدرکته ولقیته فبلغه سلامي …”
إن الشعور بالافتقار إلی الناس والخوف منهم یجعل الإنسان یخضع ویخشع أمام الرجال والنساء من أمثاله دون سبب مما یشیر إلی عدم خضوعه وخشوعه أمام الله وهذا الأمر یجعل الإنسان یفقد الحجب التي تحفظه ولهذا فإنه یشعر بأنه لایوجد من یحمیه.
المؤمن یخاف الله لأن یری نفسه فقیراً ذاتیاً امام عظمة الله سبحانه وتعالی.
هذا الخوف یجعل الإنسان مستعدا للإقرار بالنقص والضعف وإظهار العبودیة عسی أن یرحمه العزیز الغني بکرمه ولطفه ویجعله یتمتع بنعمه الواسعة لأن الإنسان من أجل النجاة من الفقر والضعف والذلة والمسکنة یتشبث بأذیال الحبیب.
کل المخلوقات بحسب طاقاتها والمشیئة والإرادة الإلهیة لها مجموعة من الأوصاف والخصال. کما أن جمیع الحیوانات والنباتات لها حصة من الوفاء والحلم والصبر والجود والشجاعة والغضب والغیرة وأمثال هذه الصفات وبعضها تقدمت علی بعض في إظهار بعض الصفات.
العالم مرآة لجمیع هذه الصفات والخصال في المخلوقات. إن صفة الجلال أظهرت نفسها في العرش والبحر والطوفان وصفة الجمال أظهرت نفسها في أوراق الزهور وروعة قطرات الندی.
الإمام القلب النابض لعالم الوجود
الإنسان یمتلک الاستعداد وقدرة استقطاب هذه الخصال ولهذا وُصِفَ بالعالم الأصغر. هذا الاستعداد والأفضلیة لإظهار الصفات الجمالیة والکمالیة جعلت الإنسان أن یکون أشرف المخلوقات والحاکم علیها وأن یتمتع بالأرض والموجودات من خلال الهیمنة علیها.
کل إنسان له حصة خاصة من هذه الصفات. کما تظهر بعض الصفات أکثر من سائر الصفات في بعض الأشخاص أحیانا.
إن رقة الشعور والاحساس المرهف لدی الشعراء والعنف الموجود لدی الطواغیت الجبابرة لهذه الصفات ظهور خاص لكل منهما والتي بعض الأحیان تأخذ منحی الإفراط أو التفریط وتجعل ساحة الحیاة ضیقة علی الکثیر من المخلوقات وتؤدي إلی أزمات کبیرة. هذا الإفراط والتفریط وعدم الاتزان والضعف في ضبط وإدارة النفس تجعل الأشخاص یفقدوا الأهلیة لتولي المناصب.
إدارة النفس هی بدایة لإدارة الآخرین. هذه الإدارة بالضرورة مرتبطة بأن یتعرف الإنسان علی نفسه وجمیع قابلیاته وقدراته. التعرف علی کل ما یجعل الإنسان أن یهبط من أعلی المراتب إلی أسفل المراتب والتعرف علی مصادر نیل الحقیقة ولهذا قدم الله رجالا باعتبارهم خلفائه فی الأرض الذین یمتلکون أعلی درجات القابلیة لإدارة شؤون العباد.
المعرفة الحقیقیة للنفس تؤدي إلی معرفة خالق الکون ولهذا جاء في الحدیث الشریف أن: «مَنْ عَرَفَ نَفْسُهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ”1
هذه المعرفة تؤدي إلی الخضوع والخشوع وبسببها الإنسان يصبح تمثالا للحق بعيداً عن النفس الأمارة.
الإنسان الکامل هو التمثال التام للحق المنزه عن النفس الأمارة. عزالدین نسفي مؤلف کتاب “الإنسان الکامل” له بیان رائع في وصف هذا الإنسان ومکانته في الکون وإن التطرق إلیه لایخلو من الروعة والفائدة:
اعلم بأن الشریعة هی أقوال الأنبیاء والطریقة هي أفعال الأنبیاء والحقیقة هي نظرة الأنبیاء. ینبغي للسالک أن یتعلم من علم الشریعة مما لابد من تعلمه ومن ثم یعمل بالطریقة مما لابد منه لکي یحظي بأنوار الحقیقة بقدر سعیه وجهده.
کل من قبل بأقوال نبیه فهو من أهل الشریعة وکل من عمل بما عمل نبیه فهو من أهل الطریقة وکل من یری ما کان یراه نبیه فهو من أهل الحقیقة.
کل من امتلک هذه الامور الثلاثة فهو الإنسان الکامل وهم قادة الخلق وکل من لم یمتلک أى من هذه الامور فهو الناقص ومن البهائم.
کل من یمتلک هذه الأمور الأربعة أي الأقوال الحسنة والأفعال الحسنة والأخلاق الحسنة والمعارف فهو إنسان کامل. کل من بلغ هذه الأمور الأربعة بشکل کامل فقد بلغ درجة الکمال وأن الأرض لاتخلو عن مثل هذا الإنسان الکامل وإنه الفرید في دهره وأیام حیاته. أن کل المخلوقات هی بمثابة شخص واحد وأن الإنسان الکامل هو بمثابة القلب لمثل هذا الشخص وکما أن الموجودات لایمکنها مواصلة الحیاة دون قلب فإن الإنسان الکامل هو الوحید بین الخلق. العلماء في العالم هم کثیرون لکن من هو قلب العالم لیس إلا شخصا واحدا و الأولیاء الآخرون هم في مراتب أخری. کل منهم في مرتبة . بعد التحاق الإمام بالرفیق الأعلی یخلفه إمام آخر لكي لایبقی العالم دون قلب.
البشر هم أفضل الکائنات وثمرة شجرة الموجودات والإنسان الکامل هو الموجز والملخص بین البشر. الإنسان الکامل یشرف بشکل تام علی المخلوقات من حیث الصورة والمعنی.
بعد أن عرف الإنسان الكامل ربّه لم يجد طاعة أفضل من توفير الراحة للخلق ولم يجد راحة أفضل من أن يقول للناس شيئا يجعل حياة الدنيا للناس سهلة وأن يكونوا في مأمن من بلايا وفتن الدنيا وأن يكونوا من أهل الفلاح في الآخرة وكل من يعمل هكذا فهو وارث الأنبياء.
الإنسان الكامل لم ير طاعة أفضل من أن يصحح مسار العالم وأن يثبت الصدق بين الخلق وأن يزيل العادات والسنن السيئة من بين الخلق وأن يبني قوانين حسنة بين الناس وأن يدعو الناس إلی الله وأن يعلم الناس بعظمة ووحدانية الخالق وأن يبث الحب والمودة بين الناس لكي لايؤذي بعضهم البعض وأن يوفروا الراحة والأمن للآخرين وأن يتعاونوا مع البعض وأن يسلم الآخرون من يده ولسانه وأن يلتزموا بالعهود التي تعاهدوا فيما بينهم وأن لاينكثوا المواثيق وكل من نكث المواثيق فلا إيمان له و كما قال الرسول (ص): من لا عهد له لا إيمان له. المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده.”
من البديهي أن اللطف والحكمة والعدالة الإلهية تقتضي بأن يضي ء نورا أمام البشرية وأن يفتح باباً وطريقا أمامهم وأن يضع مصداقاً عينياً وملموساً أمام أعينهم حتى يكون أسوة لهم وأن يكون الإنسان في مأمن من الضلالة وأن يتمكن من السير نحو مراتب الكمال ومن هنا العقل يؤيد موضوع السؤال والإجابة والعذاب والأجر وإلا دون هذه الأمور فإن المعاد يصبح أمراً عبثياً وأن الله منزه عن العبث والاهمال والظلم.
قال الإمام علی بن موسی الرضا (ع) في حدیث رائع وطویل ذکر فیه جمیع صفات الإمام وذکرت الکثیر من المصادر الروائیه الشیعیة هذا الحدیث ونقلت هذا الحدیث سلسلة من الرواة الثقة جاء فیه: ” وأقام لهم علياً عليه السلام علماً وإماماً، وما ترك شيئاً مما تحتاج إليه الأمـة إلاّ وقد بينه. فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فقد كفر…”
ثم قال في وصفه لقدر وشأن الإمامة :” هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم ؟
إن الإمامة أجل قدر …وأعظم شأنا…وأعلى مكاناً…وأمنع جانباً..وأبعد غوراً..من أن يبلغها الناس بعقولهم..أو ينالونها بآرائهم فيقيمونها بإختيارهم.
وقام الإمام الرضا (ع) في هذا الحدیث الشامل والجامع بعد أن ذکر قدر الإمامة وصعوبة معرفته من قبل الناس بسبب عظمته وجلالته وعزته وعمقه قام بتعریف الإمام الشخص الذی یستحق مثل هذا المقام العالی والرفیع:
الإمام أمين الله في أرضه وحجته على عباده وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله والذابَ عن حريم الله..
الإمام المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصص بالعلم موسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المارقين وبوار الكافرين…”
الناس في غفلة عن ذکر ضرورة حضور الإمام (ع) بین الخلق وشأن منصب الإمامة وخصال ومهمة الإمام باعتبارها المواضیع الرئیسیة الثلاث وأن هذه الغفلة أدت إلی الإخلال بشکل جاد في إطار نظام معرفة المسلمین. فان الیوم إحیاء هذا النظام المبتني علی موضوع ومفهوم الإمامة والولایة ضروری للخروج من الوضع المتأزم الراهن. ینبغي إعادة التعرف بشکل عام علی الحاجات الماسة لهذا الجیل الذی یمر في فراغ نظري مخیف وفي هذا الوقت بالذات الذی یهیمن علیه النظام النظري الغربي وثقافته وأفکاره المبنیة علی الإلحاد والشرک.
علو وعظمة شأن ومقام الإمام والإمامة يقتضي ضرورة التعرف علیه . کما جاء في حدیث الرسول الاعظم (ص) و أیضا الإمام الحسن المجتبی (ع) :” مَنْ ماتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ اِمامَ زَمانُهُ ماتَ مَيْتةً جاهِلَيَه”. النقطة الملفتة للانتباه هنا هو أن الحصول علی هذه الدرجة من المعرفة مرهونة باللطف الإلهي والعنایة الربانیة. کما جاء في هذا الدعاء الرائع ” الّلهمّ عرّفني حجّتك ان لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني”.
علو وعظمة شأن الإمام والإمامة جعل من الصعب التعرف علیهما. کما أن هذا التعرف یشیر إلی الهدایة. “من عرفنا، عرف الله” .أي فور الحصول علی المعرفة یتم الحصول علی الهدایة. الهدایة رزق مبارک ینبغي أن یتم من قبل الله . ” ویهدي من یشاء” هذا الکلام یذکر الإنسان بأنه في جمیع الشؤون حتی في مجال معرفة الحجة یحتاج إلی الحجة. کما جاء في الحدیث الذی ذکرناه عن الإمام الرضا (ع).
إن التوسل والمراجعة إلی الساحة القدسیة للحجج الإلهیة في جمیع الشؤون ضروري للهدایة والسیر والوصول إلی أعلی مراتب الکمال.
مقال السید نسفي حول الإنسان الکامل بأن جمیع الکائنات بمثابة شخص واحد والإنسان الکامل هو مثل القلب لهذا الشخص وأن الموجودات دون هذا القلب لایمکن لها مواصلة الحیاة، مقال جمیل ورائع.
حیاة جمیع الأعضاء والجوارح مرهونة بالقلب. کیف یمکن للأعضاء و الجوارح و الجوانح المنقطعة عن القلب أن تتعرف علیه؟
جمیع الناس خاصة المسلمون یعانون من مرض صعب للغایة وأي مرض هو أصعب من إستغناء الأعضاء و الجوارح و الجوانح عن القلب ؟
نحن وضعنا نفوسنا الأمارة بالسوء وعقلنا المتوهم المنقطع عن العقل الکامل الهادي المهتدي دوماً معیاراً للسیر والوصول. هذا الأمر یشیر إلی حد کبیر إلی الارتماء في أحضان الغرب ولهذا لایمکن لنا الخلاص منه. المسلمون ومن ضمنهم الشیعة یرون أنفسهم لاراعي لهم رغم أنهم ینفون دوما هذه الحقیقة. عندما لم نعمل علی أساس الوحي وسیرة وسنة أئمة الدین ونهتم فقط بأقامة مجالس العزاء لهم وذکر مناقبهم الأخلاقیة وسیرتهم وسنتهم وفي النهایة نهتم فقط بجزء من الأحکام الفردیة مثل الحلال والحرام في المأکولات والمشروبات والزواج وإن هذه الأحکام هي الميزان و المعيار الوحید لحشر ونشر المسلمین فیما بینهم یومیاً ولم یبقی مجالا لیکون لأئمة الدین حضوراً ووجوداً تاماً في مستوی الحیاة الفردیة والاجتماعیة للمسلمین ومناسباتهم العامة.
النقطة الملفتة للانتباه هي أن مستوی معرفة حجج الله بین المسلمین لاتتعدى معرفة أعداء آل البيت عنهم.
. سورة قصص (28)، آية 5.
. روزگار رهايي ( يوم الخلاص ) ص 151. الزام النّاصب ص 22.
. روزگار رهايي( يوم الخلاص ) ، ص 450؛ الإمام المهدي، ص 267.
. قمي، عبّاس، مفاتيح الجنان، الزيارة الخاصة لصاحب العصر والزّمان(عج).
. بحارالأنوار، ج 68 ص 239.
. مفاتيح الجنان، زيارة الجامعة الكبيرة.
. النبيّ الأكرم(ص)، بحارالأنوار، ج 37،ص 168 (هذه الرواية موجودة بشكل متواتر لدى الشيعة والسنة).
. مفاتيح الجنان، زيارة صاحب العصر والزمان ، ص 680.
. بحارالأنوار، ج 22، ص 326.
. سورة مسد (111)، آية 1.
. سورة نجم (53)، آية 9.
. صدوق، محمّد بن علي، من لايحضره الفقيه، ج 4، ص 357؛ بحارالأنوار، ج 75، ص 270.
. سورة طلاق (65)، آية 3.
. سورة مائده (55)، آية 55.
. سورة انبياء (65)، آيه 73
. البحراني حسيني، سيّد هاشم، تفسير البرهان، ج 3، ص 66.
. بحارالأنوار، ج61، ص91.
. كليني، محمّد بن يعقوب، أصول كافي، ص198؛ صدوق، محمّد بن علي، عيون أخبار الرّضا، ص18.
. نفس المصدر
. نفس المصدر
. بحارالانوار، ج 68، ص 239.