وردت عدة أحاديث عن مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (ع) وفيها أحاديث ضعيفة ، وفيها ما يتعلق بحركة الفاطميين ودخولهم الى مصر وقد خلطها بعضهم بأحاديث خروج السفياني وظهور المهدي (ع) . لكن بعض أحاديثها صحيح ، وهو يمدح نجباء مصر وأنهم وزراء للإمام المهدي (عج) ومنها ما يذكر أن الإمام (ع) سيجعل مصر منبراً عالمياً للإسلام. وقد عقدنا لها فصلاً في: المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عج) .
مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (عج)
وردت عدة أحاديث عن مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (ع) وفيها أحاديث ضعيفة ، وفيها ما يتعلق بحركة الفاطميين ودخولهم الى مصر وقد خلطها بعضهم بأحاديث خروج السفياني وظهور المهدي (ع) .
لكن بعض أحاديثها صحيح ، وهو يمدح نجباء مصر وأنهم وزراء للإمام المهدي (عج) ومنها ما يذكر أن الإمام (ع) سيجعل مصر منبراً عالمياً للإسلام. وقد عقدنا لها فصلاً في: المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عج) .
نجباء مصر وزراء الإمام المهدي (عج)
وقد روت حديث نجباء مصر مصادر الطرفين . فمن مصادرنا: غيبة الطوسي/284 : «عن جابر الجعفي، عن الإمام الباقر (ع) قال: يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاث مائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام ، والأخيار من أهل العراق ، فيقيم ما شاء الله أن يقيم ».
وفي دلائل الإمامة للطبري الشيعي/248، بسنده عن أمير المؤمنين (ع) قال:« قال رسول الله (ص) :يا علي، عشر خصال قبل يوم القيامة ، ألا تسألني عنها؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: اختلافٌ وقتل أهل الحرمين ، والرايات السود وخروج السفياني ، وافتتاح الكوفة ، وخسف بالبيداء ، ورجل منا أهل البيت يبايع له بين زمزم والمقام ، يركب إليه عصائب أهل العراق ، وأبدال الشام ، ونجباء أهل مصر، ونصير أهل اليمن ، عدتهم عدة أهل بدر ».
وفي الإختصاص للمفيد/208: «عن حذيفة قال:سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا كان عند خروج القائم ، ينادي مناد من السماء: أيها الناس قُطع عنكم مدة الجبارين ، وولي الأمر خير أمة محمد فالحقوا بمكة . فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب العراق ، رهبانٌ بالليل ليوثٌ بالنهار ، كأن قلوبهم زبر الحديد ، فيبايعونه بين الركن والمقام .
قال عمران بن الحصين: يا رسول الله صف لنا هذا الرجل ، قال: هو رجل من ولد الحسين كأنه من رجال شنوءة ، عليه عباءتان قطوانيتان ، إسمه إسمي ، فعند ذلك تفرح الطيور في أوكارها ، والحيتان في بحارها، وتمُد الأنهار ، وتفيض العيون ، وتُنبت الأرض ضعف أكلها ، ثم يسير ، مقدمتُه جبرئيل ، وساقته إسرافيل ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ». ومجمع البيان:4/398 ،وإثبات الهداة:3/621، ونحوه عقد الدرر للسلمي/83 .
ورواه ابن حماد في الفتن:1/356:«قادة المهدي خير الناس ، أهل نصرته وبيعته ، من أهل كوفان ، واليمن ، وأبدال الشام . مقدمته جبريل وساقته ميكائيل ، محبوب في الخلائق ، يطفئ الله تعالى به الفتنة العمياء ، وتأمن الأرض ، حتى إن المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل. لايتقي شيئاً إلا الله تعطي الأرض زكاتها والسماء بركتها ».
وفي سنن الداني/104 ، بسنده عن حذيفة قال: «قال رسول الله (ص) .. بنحو حديث الإختصاص ، وفيه: « فقام عمران بن الحصين الخزاعي فقال: يا رسول الله كيف لنا بهذا حتى نعرفه ؟ فقال: هو رجل من ولدي كأنه من رجال بني إسرائيل ، عليه عباءتان قطوانيتان ، كأن وجهه الكوكب الدري في اللون ، في خده الأيمن خال أسود ، ابن أربعين سنة ، فيخرج الأبدال من الشام وأشباههم، ويخرج إليه النجباء من مصر ، وعصائب أهل المشرق وأشباههم ، حتى يأتوا مكة فيبايع له بين زمزم والمقام…الخ.». وفردوس الأخبار للديلمي:5/523 ح8963 ، بعضه ، كما في الداني . وتفسير الطبري:15/17 ، بعضه ، عن حذيفة ، كما في الداني . والفائق للزمخشري:1/87 ، وتهذيب ابن عساكر:1/62، و63، و96، وفيه: « عن علي (ع) : الأبدال من الشام ، والنجباء من أهل مصر ، والأخيار من أهل العراق». « قبة الإسلام بالكوفة ، والهجرة بالمدينة ، والنجباء بمصر ، والأبدال بالشام، وهم قليل».
أقول: هذه فضيلة كبيرة لمصر وأهلها، لأن أصحاب المهدي (ع) الخاصين لهم مقام عظيم ، فهم ممدوحون على لسان النبي (ص) وأهل بيته (ع) . وهم في دولة العدل الإلهي حكام في العالم .
وفي تاريخ بغداد:3/289: « عبيد الله بن محمد العيشي قال: سمعت الكتاني يقول: النقباء ثلاث مائة ، والنجباء سبعون ، والبدلاء أربعون ، والأخيار سبعة ، والعُمَد أربعة ، والغوث واحد . فمسكن النقباء المغرب ، ومسكن النجباء مصر ، ومسكن الأبدال الشام ، والأخيار سياحون في الأرض ، والعمد في زوايا الأرض ، ومسكن الغوث مكة ، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ، ثم النجباء ، ثم الأبدال ، ثم الأخيار ، ثم العمد ، ثم أجيبوا وإلا ابتهل الغوث، فلايتم مسألته حتى تجاب دعوته»وتاريخ دمشق:1/300، والشعراني/178، والعجلوني:1/25، والداني5/1092 .
وفي الفائق:1/87 ، وتهذيب ابن عساكر:1/62، عن علي (ع) :« قبة الإسلام بالكوفة ، والهجرة بالمدينة ، والنجباء بمصر ، والأبدال بالشام وهم قليل» .
أقول: هذا فضيلة كبيرة لمصر وأهلها ، لأن أصحاب المهدي (ع) الثلاث مئة وثلاثة عشر لهم مقام عظيم ، فهم ممدوحون على لسان النبي وأهل بيته (ص) . وهم وزراء المهدي (ع) وحكام العالم في دولة العدل الإلهي.
وفد مصر الذي يحمل البيعة للإمام المهدي (عج)
في الإرشاد/360: « عن الإمام الرضا (ع) قال: كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات ، حتى تأتي الشامات فتؤدى إلى ابن صاحب الوصيات ». وفي رواية: تهدي البيعة .
وهذا الوفد غير النجباء من أصحابه ، الذين يأتون اليه عند ظهوره في مكة . ومعنى تؤدي اليه البيعة أو تهديها: أنها تبايعه نيابة عن أهل مصر ، وهو إشارة الى أن حكومة موالية للمهدي (ع) تقوم في مصر .
أمير الأمرة في مصر سنة ظهور المهدي (عج)
روى النعماني في كتاب الغيبة/283، بسنده عن عبيد الله بن العلاء ، عن الإمام الصادق (ع) قال: « إن أمير المؤمنين (ع) حدث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم ، فقال الحسين: يا أمير المؤمنين ، متى يطهر الله الأرض من الظالمين ، فقال أمير المؤمنين: لايطهر الله الأرض من الظالمين حتى يسفك الدم الحرام ثم ذكر أمر بني أمية وبني العباس في حديث طويل، ثم قال: إذا قام القائم بخراسان ، وغلب على أرض كوفان والملتان ، وجاز جزيرة بني كاوان . وقام منا قائم بجيلان ، وأجابته الآبر والديلمان ، ظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والجنبات ، وكانوا بين هنات وهنات . إذا خربت البصرة وقام أمير الإمرة بمصر».
وتدل الفقرة الأخيرة على أن حركة أمير الإمرة مؤيدة للإمام (ع) ، وأمير الأمرة أي الأمير المطاع من الجميع ، فهو قائدٌ لقادة ، وقد يكون صاحب رتبة في الجيش أو أنه بعد نجاحه يكون حاكم مصر .
وقد جعل قيامه علامة لظهور الإمام (ع) ، فيكون قبله من مقدماته والتمهيد له ، أو مرافقاً لظهوره (ع) .
ويؤيد ذلك ذكر القائم بخراسان وجيلان ورايات الترك بآذربيجان ، وقد ورد أنها في سنة ظهور الإمام (ع) .
الإمام المهدي (عج) يدخل مصر ويجعلها مركزه الإعلامي
روت مصادرنا عن علي (ع) أنه قال: «لأبنين بمصر منبراً ، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ، ولأخرجن اليهود من كل كور العرب ، ولأسوقن العرب بعصاي هذه . فقال الراوي وهو عباية الأسدي: قلت له: يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت ؟ فقال: هيهات ياعباية ، ذهبت غير مذهب . يفعله رجل مني ، أي المهدي (ع) ».(معاني الأخبار:406، والإيقاظ/385 ).
وهو يشير الى معركة المهدي (ع) مع السفياني في دمشق ومن وراءه من اليهود ، فينتصر عليهم ويدخل القدس كما نصت الروايات ، وأنه بعد انتصاره يُخرج اليهود من بلاد العرب ، ويجعل مصر مركزاً إعلامياً عالمياً .
وقد وصفت خطبة رويت عن أمير المؤمنين (ع) تسمى خطبة المخزون ، حركة المهدي (ع) وحروبه ، وذكرت دخوله الى مصر ، وهي خطبة طويلة رواها الحسن بن سليمان في مختصر بصائر الدرجات/195، وفي طبعة/210، وطبعة/519 ، عن السيد بن طاووس بسنده عن الإمام الصادق (ع) ، جاء فيها: «وإن لكل شئ إنّاً يبلغه ، لا يعجل الله بشئ ، حتى يبلغ أناه ومنتهاه ، فاستبشروا ببشرى ما بشرتم به ، واعترفوا بقربان ما قرب لكم ، وتنجزوا من الله ما وعدكم .
إن منا دعوة خالصةً ، يظهر الله بها حجته البالغة، ويتم بها النعمة السابغة، ويعطى بها الكرامة الفاضلة، من استمسك بها أخذ بحكمة منها ، آتاكم الله رحمته ومن رحمته نور القلوب ، ووضع عنكم أوزار الذنوب ، وعجل شفاء صدوركم وصلاح أموركم ، وسلام منا لكم دائماً عليكم تسلمون به في دول الأيام ، وقرار الأرحام أين كنتم ، وسلامه لسلامه عليكم في ظاهره وباطنه …فإن الله عز وجل اختار لدينه أقواماً انتجبهم للقيام عليه ، والنصرة له ، بهم ظهرت كلمة الإسلام ، وأرجاء مفترض القرآن ، والعمل بالطاعة في مشارق الأرض ومغاربها…
إن أمرنا صعب مستصعب ن لا يحتمله ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان. لايعي حديثنا إلا حصون حصينة ، أو صدور أمينة أو أحلام رزينة . ياعجباً كل العجب بين جمادى ورجب…
ألا أيها الناس سلوني قبل أن تشرع برجلها فتنة شرقية ، وتطأ في خطانها بعد موت وحياة أو تشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض، ورافعة ذيلها تدعو يا ويلها ، بذحلة أو مثلها ، فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك ، بأي واد سلك ، فيومئذ تأويل هذه الآية: ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ…
ولذلك آيات وعلامات ، أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق ، وتحريق الزوايا في سكك الكوفة ، وتعطيل المساجد أربعين ليلة ، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر يشبهن بالهدى ، القاتل والمقتول في النار ، وقتل كثير وموت ذريع ، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ، والمذبوح بين الركن والمقام…
ثم يسير إلى مصر فيعلو منبره ، ويخطب الناس ، فتستبشر الأرض بالعدل ، وتعطى السماء قطرها ، والشجر ثمرها ، والأرض نباتها ، وتتزين لأهلها ، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرف الأرض كأنعامهم ، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم ، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم…فيومئذ تأويل هذه الآية: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ . وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ . فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ .
فيمكث فيما بين خروجه إلى يوم موته ثلاث مائة سنة ونيفاً ، وعدة أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر ».
وهذا يدل على أن المهدي (ع) يحتل دمشق بعد معركة كبرى مع السفياني، ويكون اليهود متواجدين في عصره في بلاد العرب ، فيخرجهم منها ، وأنه يجعل مصر مركز إعلامياً للعالم .
وروى في مختصر البصائر/210، وصف علي (ع) دخول الإمام المهدي (ع) الى مصر واستقبال أهلها له ، قال: «ويسير الصديق الأكبر براية الهدى…ثم يسير إلى مصر فيعلو منبره ويخطب الناس فتستبشر الأرض بالعدل..».
كما تذكر رواية أن للإمام المهدي (ع) في هرمي مصر ، كنوزاً وذخائر من العلوم ، رواها الصدوق في كتابه كمال الدين/564 ، عن أحمد بن محمد الشعراني ، الذي هو من ولد عمار بن ياسر رضي الله عنه ، عن محمد بن القاسم المصري، قال: «إن ابن أحمد بن طولون شغَّل ألف عامل في البحث عن باب الهرم سنة ، فوجدوا صخرة مرمر وخلفها بناء لم يقدروا على نقضه ، وأن أُسْقُفاً من الحبشة قرأها، وكان فيها عن لسان أحد الفراعنة قوله: «وبنيت الأهرام والبراني، وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري. فقال ابن طولون: هذا شئ ليس لأحد فيه حيلة إلا القائم من آل محمد (ص) . ورُدَّت البلاطة كما كانت مكانها». وفي الرواية نقاط ضعف ، لكنها تصلح مؤيداً .
الأبقع الذي تسانده مصر
ذكرت روايات حركة السفياني أن الأبقع يخرج قبله على حاكم الشام الأصهب ، ويكون بينهما صراع ، ثم يأتي بالسفياني من جهة حوران فيقاتلهما وينتصر عليهما ، ويسيطر على سوريا . وورد في وصف الأبقع أن أنصاره من مصر ، أو هو مصري الأصل .
ففي فتن ابن حماد/77 عن علي (ع) قال: « تخرج بالشام ثلاث رايات: الأصهب والأبقع من مصر ، فيظهر السفياني عليهم ».
وفي تفسير العياشي(1/65): «وإن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب والأبقع والسفياني ».
دخول جيش المغرب الى مصر
روى ابن حماد في كتابه الفتن وغيره روايات عن علاقة مصر بأحداث خروج السفياني ، تذكر دخول أهل المغرب الى مصر ، وغالبها مراسيل وأقوال أشخاص ، ويبدو انها من تحريف الرواة لأحاديث دخول جيش المغرب الفاطمي الى مصر والشام، ولا علاقة لها بظهور الإمام المهدي (ع) .
قال ابن حماد:1/222: «عن عمار بن ياسر قال: وخروج ثلاثة نفر بالشام ، وخروج أهل المغرب إلى مصر، وتلك أمارة السفياني». والداني/78 .
وقال ابن حماد:1/285: « عن أرطاة قال: إذا اجتمع الترك والروم ، وخسف بقرية بدمشق وسقط طايفة من غربي مسجدها، رُفع بالشام ثلاث رايات: الأبقع والأصهب والسفياني ، ويحصر بدمشق رجل فيقتل ومن معه ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني ، فإذا أقبلت مادة الأبقع من مصر ، ظهر السفياني بجيشه عليهم فيُقتل الترك والروم بقرقيسيا، حتى تشبع سباع الأرض من لحومهم ». والأبقع: في وجهه بقع. والأصهب: إسم للأسد ، وصفة للأصفر الوجه . ومادة الأبقع: أنصاره .
والصحيح أن حركة الأبقع تكون في الشام ، وهو مؤيد من مصر، أو أصله من مصر . أما دخول جيش المغرب الى مصر ، فينطبق على حركة الفاطميين ولا علاقة لها بظهور المهدي (ع) . وأحاديث السفياني قبيل ظهور المهدي (ع) متواترة ، لكن لم يثبت علاقتها بدخول المغربيين الى مصر .
وكذلك الروايات التي تتحدث عن أزمة اقتصادية في الحجاز بسبب منع المواد التموينية عنها من مصر، فهي تخص القرون الأولى ، حيث كانت مصر مصدر تموين الحجاز ، لكن الرواة خلطوها بأحاديث المهدي (ع) ، كما في مسند أحمد:2/262، عن أبي هريرة: قال رسول الله (ص) :« مَنَعت العراق قفيزها ودرهمها ، ومَنَعت الشام مدها ودينارها ، ومَنَعت مصر إرْدَبَّها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم «ثلاثاً» وقال: يشهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه » ! والقفيز والمد والإردب: مكاييل للغلات . ونحوه مسلم:4/2220 ، وأبو داود:3/166، والبيهقي:9/137، ودلائل النبوة:6/329، كلها عن أبي هريرة .
وهي ترتبط بقطع التموين عن الجزيرة يومذاك من العراق والشام ومصر .
ولعل من نوعها الرواية عن حاكم مصر الذي يأتي بالروم ويبسط يدهم في حكمها ، رواها ابن المنادي/33: « عن أبي ذر (رض) قال عن النبي (ص) : سيكون رجل من بني أمية بمصر يلي سلطاناً ثم يغلب على سلطانه أو ينزع منه ، ثم يفر إلى الروم فيأتي بالروم إلى أهل الإسلام ، فذلك أول الملاحم».وتهذيب ابن عساكر:4/147، والجامع الصغير:2/63.
ومضافاً الى الإشكال في سندها، فقد يكون حدثها وقع وانتهى ، ولا ينافي ذلك قوله: فذلك أول الملاحم ، فهو يستعمل بمعنى أحداث ظهور المهدي (ع) ، وقد يقصد به ملاحم في ذلك العصر.
والنتيجة: أنه لا يصح عد هذه الروايات من علامات ظهور المهدي (ع) ، مضافاً الى ضعفها وإرسالها .
كذبة كعب في أن الدجال من مصر
قال ابن حجر في فتح الباري:13/277: «وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر قال: وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة ! قال: ولم ينزل خبره في التوراة والإنجيل ، وإنما هو في بعض كتب الأنبياء .
وأخلق بهذا الخبر أن يكون باطلاً ، فإن الحديث الصحيح أن كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال ، وكونه يولد قبل مخرجه بالمدة المذكورة مخالف لكونه ابن صياد ، ولكونه موثوقاً في جزيرة من جزائر البحر… وأقرب ما يجمع به بين ماتضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال ، أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقاً ، وأن ابن صياد شيطان تبدَّى في صورة الدجال في تلك المدة ، إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجئ المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها » !
ثم اعترف ابن حجر بتناقض أحاديثهم الصحيحة في الدجال فقال: «ولشدة التباس الأمر في ذلك سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد ، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم، وقد توهم بعضهم أنه غريب فرده وليس كذلك ، فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر . أما أبو هريرة فأخرجه أحمد من رواية عامر الشعبي عن المحرز بن أبي هريرة عن أبيه بطوله ، وأخرجه أبو داود مختصراً وابن ماجة عقب رواية الشعبي عن فاطمة ».
أقول: يقصد كعب أن الدجال الذي هو ملك اليهود سيولد في مصر كموسى (ع) ، ويقود بني إسرائيل
وقد روى المسلمون قبل كعب أن الدجال يهودي ، ففي مسند أحمد:3/224 ، قال أنس: «قال رسول الله (ص) : يخرج الدجال من يهودية أصبهان(محلة في أصفهان) معه سبعون ألفاً من اليهود ، عليهم التيجان ». ونحوه مسلم:8/207.
لكن كعباً جعل الدجال عربياً ، وجعل أنصاره عرباً ! ففي مصنف ابن أبي شيبة:8/671، و:15/182: «كأني بمقدمة الأعور الدجال ست مائة ألف من العرب يلبسون السيجان».(والدر المنثور:5/354». وفي كنى البخاري/65، وغيره ، عن ابن عمر: «يتبع الدجال أربعون ألفاً من صلب العرب ».
ثم جعل كعب الدجال عراقياً ، لأن أهل العراق وخاصة القبائل اليمانية كانوا يعرفون زيف كعب ويكذبونه ! فقال كعب كما في عبد الرزاق:11/396: «يخرج الدجال من العراق» !
وقال كعب لعمر لما أراد أن يسكن العراق: «لا تفعل فإن فيها الدجال ، وبها مردة الجن ، وبها تسعة أعشار السحر، وبها كل داء عضال يعني الأهواء». عبد الرزاق:11/251، والدر المنثور:5/354 .
وقد فصلنا حديث الدجال في معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) . وبينا أن حركته بعد ظهور الإمام المهدي ونزول عيسى’، وبينا اضطراب روايات أتباع السلطة فيه وتناقضها .
والمشكلة عندهم أنها كلها صحيحة ! فقد قال عمر إن الدجال هو ابن صياد المعاصر له ، وقال تميم الداري إنه رآه موثقاً في جزيرة في البحر ، وقال كعب إنه في جزيرة باليمن موثق من زمن سليمان (ع) !
بغض كعب الأحبار لمصر وكذبه عنها
نشط كعب الأحبار في نشر مدح الشام وذم الحجاز ومصر والعراق ، وتحولت أقواله على يد تلاميذه الى أحاديث نبوية ! منها حديث ابن عمر أن النبي (ص) قال: «دخل إبليس العراق فقضى حاجته ، ثم دخل الشام فطردوه ، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ ، وبسط عَبْقَريَّه» ! أي فرش بساطه ، واستقر في مصر !
(رواه الطبراني في الأوسط: 6/286، والكبير:12/262، ووثقه في الزوائد:10/60).
وفي تاريخ دمشق:1/317 و318: «ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بُسَاق» وعقبة بُساق: في طريق الذاهب الى مصر! (معجم البلدان:1/413).
وفي معجم الطبراني الأوسط:6/286، والكبير:12/262، وتاريخ دمشق:1/99، عن إياس بن معاوية: قال رسول الله (ص) : « إن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله ، وإن إبليس أتى العراق فباض فيها وفرخ ، وإلى مصر فبسط عبقريه واتكأ ! وقال: جبل الشام جبل الأنبياء ».
كما روى الحاكم:4/462 ، نبوءة كعب وأحلامه بخراب مصر ، قال: «الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية ، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة ، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة ، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر» .
وكل هذا من مكذوباته ، ولعله اتفق مع الروم فأشاع في المسلمين أنهم إذا فتحوا القسطنطينية فسيخرج الدجال ، وتخرب مكة والمدينة ، وتخرب مصر وبلاد المسلمين !
وروى ابن حماد:1/236: «عن كعب قال: رأس الأرض الشام وجناحاها. ولا مصر والعراق والذنباء أي الحجاز! وعلى الذنباء يسلح الباز » !
وهذا ذم يهودي خبيث لمصر والعراق والحجاز مركو النبوة ! والعجيب أن رواة الخلافة وعلماء المذاهب ، قبلوه ورووه ، ولم يردوا عليه !
ختام في مشاهد أهل البيت وذرياتهم في مصر
هذا العنوان موضوع لكتاب أو كتب ، وإنما أردنا منه الإشارة الى هذه الحقيقة المهمة التي تكشف عن العلاقة العقائدية العريقة لأهل مصر بأهل البيت (ع) . ونكتفي هنا بإيراد موضوعات وصفية لمشهد الإمام الحسين (ع) في القاهرة ، كتبها الأخ العزيز الصحفي الدكتور نبيل شرف الدين ، وهو من كُتَّاب صحيفة الأهرام وغيرها من الصحف المصرية والعربية ، وكان يكتب بإسم « مالك الحزين» .
كتب هذه المقطوعات في شبكة هجر الثقافية ، منها بتاريخ (3/4/2001) بعنوان: سَيِّدْنَا ، قال:
إنه لمركز صميم البؤرة ، والمنطلق إلى الجهات الأربع ، أصلية وفرعية في القاهرة أو غيرها من مدن مصرية..تلك منزلة مسجد وضريح سيدنا الحسين رضي الله عنه عند المصريين قاطبة .
إذا ما قيل على مسمع من القوم: سيدنا..فهذا يعني الحسين. وإذا ما قيل مولانا.. فهذا يعني الحسين .
وإذا ما قيل: الحسين.. فهذا يعني كثيراً.. يعني الإستشهاد من أجل الحق ، وإقرار العدل ، وافتداء الجمع بحياة الفرد ، لكي يتحول الوجود المادي إلى معنوي ممتد ، فلا زمن يحده ، ولا مكان يقيده..
وقد شاء لي حظي أن أقيم سنوات على مقربة من مسجده ، الذي يحوي ضريحاً يضم رأسه الشريف ، فارتبطت حواسي كلها به ، بمعالمه ونقوشه ومعماره ، وما ينبعث من أرجائه.. ذلك العطر الخفي ، والظلال الهادئة ، وطوابير الساعين إلى الصلاة في رحابه وزيارة مرقد الرأس الشريف ، لا ينقطعون ليلاً أو نهاراً ، يسعون إليه من القرى النائية ، والواحات المعزولة في الصحراء ، والمدن القريبة والبعيدة ، تنتظم حوله الحياة في أجمل مشاهدها ، يفيض المكان بالطمأنينة ، بالسكينة ، بالرضا .
منذ صدر شبابي كنت أتطلع إلى الآية الكريمة: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، مكتوبة بخط جميل ، حروف خضراء على خلفية من اللون البني، ومحفورة في الجدران ، أقرأها فأرق ، وأرددها فأستكين، وقد صاحبتني طوال مراحل عمري ، ومع بلوغ العمر نقطة متقدمة أستعيدها.. فأحن وأفهم ، وأسترجع مغزى ودلالات استشهاد:سيدنا.. و.. مولانا .
إذا ما قيل: الحسين.. فهذا يعني مكاناً أيضاً..تُعرف مناطق القاهرة القديمة بمراقد آل البيت.. السيدة زينب ، السيدة نفيسة ، السيد عائشة ، سيدي زين العابدين . المركز هو: الحسين . إنه المركز الروحي لمصر كلها وليس القاهرة فقط بل في العالم الإسلامي كله . وانظر لما يقوله المقريزي في موسوعة المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار ، ما نصه: « قال الفاضل محمد بن علي بن يوسف بن ميسر: وفي شعبان سنة إحدى وتسعين وأربع مائة خرج الأفضل ابن أمير الجيوش بعساكر جمة إلى بيت المقدس وبه « سكان» والغازي « أرفق» في جماعة من أقاربهما ورجالهما وعساكر كثيرة من الأتراك ، فراسلهما الأفضل يلتمس منهما تسليم القدس إليه بغير حرب فلم يجيباه لذلك ، فقاتل البلد ونصب عليها المنجنيق ، وهدم منها جانباً ، فلم يجدا بداً من الإذعان له وسلماها إليه ، فخلع عليهما وأطلقهما ، وعاد في عساكره ، وقد ملك القدس .
فدخل عسقلان وكان بها مكان دارس فيه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فأخرجه..وعطره وحمله في سفط إلى أجلِّ دارٍ بها، وعمر المشهد ، فلما تكامل حمل الأفضل الرأس الشريف على صدره وسعى به ماشياً إلى أن أحله في مقره.
وقيل إن المشهد بعسقلان بناه أمير الجيوش بدر الجمالي ، وكمله ابنه الأفضل.. وكان حمل الرأس إلى القاهرة من عسقلان ووصوله إليها في يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمس مائة ، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها ، والقاضي المؤتمن..ويذكر أن هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان ، وجد دمه لم يجف ، وله كريح المسك ، فقدم به الأستاذ مكنون في عشاري من عشاريات الخدمة ، وأنزل به إلى الكافوري ، ثم حمل في السرداب إلى قصر الزمرد ، ثم دفنه عند قبة باب الديلم بباب دهليز الخدمة ، فكان كل من يدخل الخدمة يقبل الأرض أمام القبر ، وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم . هذا ما ذكره المقريزي في خططه الشهيرة .
وكتب الدكتور شرف الدين بتاريخ(19/12/ 1999) بعنوان: مسجد الحسين ومنزلته في نفوس المصريين:
يُعَدُّ جامع سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب من أهم معالم القاهرة الذي يحرص أي مسلم زائر لمصر على زيارته .
وبلغ تقديس المصريين له أقصى المدى مما دفع الكثير من المؤرخين إلى إطلاق اسم مسجد الحرم المصري عليه ، نظراً لإيمان المصريين المطلق بأن رأس الحسين مدفون في هذا المسجد الذي يقع في قلب القاهرة ، رغم اختلاف الروايات حول هذه الحقيقة.. ففي مظفر التذكرة للشعراني: أنه قد ثبت أن الصالح طلائع ، الذي بنى المشهد الحسيني بالقاهرة ، نقل الرأس إلى هذا المشهد ودفع في ذلك نحو أربعين ألف دينار، وخرج هو وعسكره فنقلوه من خارج مصر .
كما يذكر الرحالة العربي ابن جبير أن من مشاهد القاهرة المشهد العظيم الشأن ، حيث رأس الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وهو في تابوت فضة مدفون تحت الأرض، وقد بني عليه بنيان مجلل بأنواع الديباج، فيه من أنواع الرخام المجزع غريب الصنع ، بديع الترصيع مالا يتخيله المتخيلون .
ويقع جامع الحسين قرب الجامع الأزهر الشريف ، وسوق خان الخليلي الشهير ، وأنشأه الفاطميون سنة549 هجرية، تحت إشراف الوزير الصالح طلائع.. بني الجامع بالحجر المنحوت ، ويضم ثلاثة أبواب مبنية بالرخام الأبيض ، تطل على خان الخليلي ، وباباً آخر بجوار القبة ، ويعرف بالباب الأخضر .
ويضم الجامع منبراً خشبياً دقيق الصنع مطلياً بالذهب ، نقل إليه من جامع أزبك بك بالعتبة الخضراء أربعة وأربعون عموداً ، عليها بوائك تحمل السقف المصنوع من الخشب ، متقن الصنع والمنقوش باللازورد ، والمطعَّم بالذهب . وفي السقف ثلاث مناور مرتفعة مسقوفة ، بها ثلاثون شباكاً من النحاس المطلي بالذهب ، يعلوها في الجهة البحرية شبابيك صغيرة ، دوائرها من الرخام .
وعلى المشهد الشريف نقش من الأبنوس المكسو بالإستبرق الأحمر المزركش ، في أعلاه كمامة من الحرير الأخضر ، وبجوانبه أربعة عساكر من الفضة ، وبدائرة مقصورة الجامع ، وقبته ألواح مزخرفة بخطوط مذهبة ، مكتوبة بالخط الثلث والكوفي . وبأعلى الباب الذي يلي المنبر نقشت العبارات البليغة: الشفاء في تربته ، والإجابة تحت قبته ، والأئمة في ذريته .
وقد اهتم أمراء وأكابر مصر في كل عصر بهذا الجامع الكبيرفنمَت عمارته وزخرفته، وأُضيئت قاعاته وطرقاته وممراته ، وفرشت أرضياته بالسجاجيد النفيسة . وقد عمره الأمير عبد الرحمن كتخدا في سنة 1175ميلادية .
كما عزم والي مصر عباس باشا على توسعته وزيادة مساحته ، فقام بشراء الأملاك المجاورة له وهدمها، وشرع في بناء الأساس ثم توقفت الإنشاءات بعد أن وافته المنية ، وبقي الحال على ما هو عليه حتى تقدم مصطفى بك العناني لشراء الأرض التي كان اشتراها عباس باشا ، وعمرها لنفسه وأقام عليها فنادق وخانات وبنايات لحسابه . ويقال أنه اكتشف كنزاً خلف قبة المشهد الحسيني .
وفي سنة 1199ميلادية أمر الخديوي إسماعيل باشا بتجديد الجامع وتوسعته ، وكلف على مبارك باشا برسم التصور المعماري لتجديد الجامع ، بحيث يتسع لاستقبال أحباء ومريدي الإمام الحسين رضي الله عنه ، وكلف الأمير راتب باشا ناظر ديوان الأوقاف المصرية أن يشرف بنفسه على تنفيذ إنشاءات الجامع الجديدة ، التي صممها علي باشا مبارك . وفي إطار هذا التجديد هدم كل الجامع ، ما عدا القبة والضريح الشريف .
وبدأت الإنشاءات في سنة1282هجرية وانتهت في1290هجرية بالشكل الذي سبق وصفه، ومن العناصر التي تخلفت من المشهد القديم حتى الآن:
الباب المعروف باسم الباب الأخضر ، ومبني من الحجر وعلى يساره دائرة مفرغة بزخارف ، وتعلوه بقايا شرفة جميلة . كما تخلف من المنارة الأيوبية التي أنشأها فوق هذا الباب أبو القاسم السكري القسم الأسفل منها وهو المربع الذي يحتوى على زخارف جصية نادرة وعلى تاريخ الإنشاء .
أما التابوت الخشبي ، فهو أيوبي الطراز ويعتبر تحفة نادرة تمثل طراز الحفر على الخشب في عصر الأيوبيين في مصر ، وهو محفوظ حالياً بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة .
وهناك الحجرة التي شيدت عام1893ميلادية لتحتوي على الآثار النبوية ، وهي مجاورة للقبة من الجهة القبلية وتشمل من الآثار النبوية الشريفة على قطعة من قميصه الشريف ، ومكحلة ، وقطعة من العصا الشريفة وشعرتين من اللحية الشريفة ، وبها أيضاً مصحفان بالخط الكوفي .
وإلى الآن يعتبر مسجد سيدنا الحسين من أهم المزارات الدينية التي يحرص المصريون والمسلمون عموماً على زيارتها والتبرك بها ، فكثيراً ما نرى داخل المسجد أو المشهد أشخاصاً يقومون بإيقاد الشموع لسيدنا الحسين بعد شفاء مريض لهم ، أو خروجه من أزمة ما ، كما يلجأ العامة للدعاء بداخله .
أما مولد سيدنا الحسين ، فيعد من المناسبات التي ينتظرها الكثيرون ، حيث تتحول ساحة المسجد والميدان الذي يطل عليه إلى مهرجان عظيم ، يكتظ بحلقات الذكر والإنشاد الديني وقراءة القرآن.. وهو يجتذب الزائرين والمريدين ، من جميع أنحاء مصر والعالم العربي .
فاتني أن أذكر اللوحة الرخامية الكبيرة المعلقة على باب المسجد المؤدي للمشهد الحسيني ، وقد كتب عليها بالذهب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين مني ، من أحبهما أحببته ، ومن أبغضهما أبغضته .
وللعلم هناك أضرحة لاحصر لها لآل البيت في القاهرة ، ومنهم: السيدة زينب ، والسيدة نفيسة ، والسيد أحمد البدوي في طنطا ، ولهذه الأضرحة منزلة عالية في نفوس المصريين . وقد حاول بعض المتطرفين من عينة «السلفجية» فلم تفعل الحكومة شيئاً ، بل تصدى لهم الناس ، ولما كادت تحدث فوضى ، تدخلت الشرطة لوقف هذه المشاكل ، حدث ذلك في السبعينات إبان ظهور هؤلاء الهمج .
والمصريون البسطاء يذهبون لأضرحة الحسين والسيدة نفيسة ، وغيرهما للتبرك بهما ، ولم نسمع أن ذلك شركٌ وحرامٌ ، إلا مع ظهور هؤلاء الهمج !
هناك قدر هائل من العادات الشيعية في مصر ، كالإحتفال بيوم عاشوراء والأذكار ، والتبرك بآل البيت ، وغير ذلك مما يتطلب جهداً بحثياً كبيراً لرصده وتحليله ودراسة ما إذا كانت تلك من بقايا تراث العصر الفاطمي ، أول دولة شيعية في التاريخ.. ولذلك تجد المصريين السنة ، بما فيهم علماء الأزهر لايكفرون الشيعة ، ولا يحملون كل هذا العداء الذي صدمت حينما رأيته في مواقع الحوار عبر الشبكة ! فإذا سألت مصرياً عن الشيعة فسيرد عليك ببساطة ، هذا مذهب الذين تشيعوا لعلي وآل البيت .
كل ما أريد أن أقوله إن هناك بالفعل تجارب عملية وإنسانية على التقارب بين السنيين والشيعة ، وتعالوا مصر لتروها ، ولعل البعض لايعرف أن الأزهر الشريف نفسه كان أول جامعة شيعية في العالم ، قبل مدينة قم وغيرها ، وأدعو المهتمين بدراسة التاريخ أو علم الاجتماع ، أو التأصيل أن يولوا هذه الفكرة اهتمامهم باعتبارها تجربة هامة ، ربما لا يلتفت إليها الكثيرون .
وكتب بتاريخ (4/5/2000) بعنوان: المشهد الحسيني في القاهرة:
على باب ضريح الإمام الحسين في القاهرة لوحة رخامية كبيرة كتب عليها بالذهب الحديث النبوي الشريف: الحسن والحسين مني.. من أحبهما أحببته ، ومن أبغضهما أبغضته..
وداخل المسجد أكبر ثريا « نجفة » في العالم العربي ، كما يؤكد إمام المسجد ، وهي للحق آية في الجمال والبهاء ، ووزنها كما هو مثبت في دليل تاريخ الضريح وصاحبه يصل إلى خمسة أطنان ، من الكريستال المحلى بالذهب الخالص ، وقوائمه من الفضة الخالصة..
أما السجاد فحدث ولاحرج ، فقد تبرع العام الماضي أحد كبار التجار من طائفة البهرة « يقيمون حول الضريح» بسجادة فارسية تعود إلى القرن العاشر الميلادي ، وحجمها يبلغ16متراً مربعاً، وهي من الحرير الخالص ، وقد فرشت في المقام « الضريح» الذي يقع في الجانب الشرقي داخل المسجد..
ويعقد داخل المسجد يومياً أكثر من خمس مائة عقد قران ، تصل أيام الخميس والجمعة إلى الألف ، حيث يحرص آلاف المصريين على عقد قرانهم داخل المسجد الحسيني ، وبعضهم يأتي من مدن مصرية بعيدة ، قد تبتعد عن القاهرة أكثر من سبع مائة كيلو متراً .
للحسين ، ومسجده ، وضريحه ، ومشهده ، منزلة خاصة في نفوس المصريين . وفي شهر رمضان يستحيل على المرء أن يجد موضعاً لقدم في هذا الميدان المعروف بالمشهد الحسيني .
باعة المصوغات الذهبية للتحف والفنون اليدوية.. مكتبات ضخمة.. مقاهي شديدة الجمال.. مطاعم شهيرة.. حلقات ذكر.. ندوات دينية وأخرى ثقافية.. مواكب زواج.. سياح أجانب يقفون مذهولين لروعة المكان وتلك الأعداد الغفيرة من الزوار..
كل هذا في كفة.. و..مجاذيب الحسين.. في كفة أخرى ، فهناك حول الضريح تجد عشرات ممن ارتدوا الخرقة الصوفية.. وتركوا بيوتهم وأعمالهم واستأنسوا بالحسين..أقاموا حول الضريح يلتحفون السماء ويفترشون الأرض.. يأكلون ما يجود عليهم به أهل الخير.. وما أكثرهم هناك.. ويصلون الصلوات الخمس في المسجد..
في رمضان لست مضطراً لأن تدفع نقوداً لكي تفطر ، إذا ما كنت في ميدان الحسين ، فأهل الخير يحملون آلاف الوجبات ، ويقدمونها مجاناً للصائمين وعابري السبيل.. وفي كل شهور السنة يحرص الكثير من الأغنياء على توزيع زكواتهم وصدقاتهم على الناس حول الضريح..
أما في صلاة العيدين فحدث ولاحرج.. تغسل الأرض والله العظيم غسلاً.. لا تكاد تميز بين عامل النظافة الموظف رسمياً لهذا الغرض ، وبين مئات الشباب والشيب ، الذين يشمرون عن سواعدهم ويحملون المقشات ليكنسوا الميدان.. بعضهم أطباء ومهندسون وضباط وأساتذة جامعات وتجار أثرياء..
وكلهم يعتقدون أن الله تعالى سيبارك لهم ، عندما يتواضعون ويكنسون الميدان ، ويرشون الماء..
في الفجر يحضر الركب الرسمي لرئيس الجمهورية ، ومعه كل الوزراء وشيخ الأزهر.. ويحظر سير السيارات في هذا الميدان ، وكافة الشوارع المؤدية إليه.. لكن يتجاوز عدد المصلين المليون شخص كل عيد… طيلة الوقت تستمع لابتهالات الشيخ سيد النقشبندي.. وإنشاد الشيخ ياسين التهامي.. حتى يرفع المؤذن الآذان.. الله أكبر الله أكبر..فيتحول الكون كله لمستمعين لهذا النداء السماوي الجليل..
عجائز أتين من أقصى الصعيد ، حملن بضع قروش يوزعنها وفاء لنذر تحقق.. سيدات يتعلقن بأستار الضريح راجيات تحقيق أملهن في إنجاب طفل حرمن منه ، أو عودة ابن غريب اضطرته الحياة الصعبة للرحيل في بلاد الله..وثمة رجل طاعن في السن يذرف دمعة حرى وهو يناجي صاحب الضريح قضاء حاجة يعلمها الله وحده..
يتعامل الناس هنا في مصر مع الحسين ، كأنه ما زال حياً داخل الضريح.. يتحاكمون إليه في منازعاتهم.. يتحدثون إليه في كروبهم.. بعضهم يرسل إليه خطابات عبر البريد..
وصلت خلال العام الماضي إلى أكثر من مليون رسالة كما أكدت هيئة البريد المصرية ، التي تسلمها لخادم الضريح..
المرسل:… المرسل إليه: حضرة الإمام سيد شهداء الجنة الحسين بن علي رضوان الله عليهما.. العنوان: القاهرة… مسجد الإمام الحسين .
رائحة العطور تغمر أنوف زوار الضريح.. وأنوار لا تنطفئ.. ولم تنطفئ منذ قرون.. وجلال لايضاهيه حتى ضريح السيدة زينب التي يحلو للمصريين إطلاق عدة ألقاب عليها.. منها أم العواجز.. ورئيسة الديوان..و.. الطاهرة .
في المسافة الممتدة بين الضريحين تقع أجمل وأبهى أحياء القاهرة.. الدرب الأحمر.. القلعة.. الحسينية.. باب الخلق.. باب النصر.. باب الفتوح.. الباطنية.. الجمالية.. الكحكيين.. المغربلين.. الخ .
لأهل البيت في مصر منزلة ، لايشعر بها إلا من يعرف المصريين جيداً…. فحينما حاول بعض المتطرفين ذات يوم تفجير قنبلة في منطقة الحسين.. خان الخليلي.. لم يسلمهم الناس للشرطة ، بل فتكوا بهم.. فحينما وصلت قوات الأمن لم تجد سوى جثث هامدة.. ولم يزل الفاعل مجهولاً حتى اليوم ، فقد تفرقت دماؤهم بين القبائل..
تعقيب المرجع الشيخ الصافي على الموضوع
نشرنا هذه المواضيع في المجلد التاسع من كتاب الإنتصار، وهو قطاف من مناظراتنا مع الوهابية ، مع تعقيبات عدد من الإخوة الكتاب على الموضوع . وقد اطلع عليه يومها المرجع الديني الكبير الشيخ لطف الله الصافي حفظه الله ، فكتب ما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد الحمد والصلاة ، فإني لا أقدر على وصف ما حصل لي من الوجد والشوق ، والإحساس بالقرب والحضور ، والجلوس على بساط المحبة والأنس والخشوع لله تعالى..عندما طالعت ما كتبه بعض الأدباء العارفين عن الحالات العطرة والروحانية القدسية ، التي تحصل لزوار مشهد مولانا سيد أهل الإباء ، وواحد أهل المباهلة والعباء ، أبي عبد الله الحسين (ع) في مصر ، القطعة الشريفة من وطننا الإسلامي الكبير ، التي حازت شرف ولاء أهل البيت (ع) من أول ما أشرق عليها نور شمس الدعوة المحمدية والرسالة الإلهية .
لقد كررت مطالعة هذا التصوير الجميل لمظاهر الولاء ومحبة النبي والآل صلوات الله عليهم ، والإجتماعات والإحتفالات والحلقات في مشاهدهم النورانية ، العامرة بذكر الله تعالى وعبوديته .
إن مشهد الإمام الحسين (ع) ، من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، بل هو من أفاضلها كما رواه السيوطي ، ولو لم يكن بيت علي وفاطمة الزهراء وسيدي شباب أهل الجنة ، بعد بيت النبي (ص) أفضل تلك البيوت ، فبيت من يكون ؟
وجدت نفسي بعد قراءة هذا المقال ، مفعمةً شوقاً وحضوراً وأنساً بالله تعالى ، ورغبةً في زيارة هذا الضريح الشريف ، والمشهد الجليل ، الذي تسطع منه أنوار الجمال المحمدي ، والجلال العلوي ، المشعة من جلال الله تعالى وجماله الأزلي السرمدي.. وهي معان يدركها ويشعر بها من يدرك بحقيقة إيمانه بالله ورسوله ما لهذه المشاهد المرفوعة التي تخدمها ملائكة الله تعالى ، من قدر عند الله تعالى ورسوله (ص) .
وجدت نفسي كأني في مصر، في جوار الضريح الشريف والحضرة الحسينية ، بين إخواني الزائرين المصريين الوالهين ، الموالين لأهل البيت (ع) ، وهم يتبركون بالمقام ويغتنمون الفوز فيه بالصلاة والإبتهال ومناجاة الله تعالى ، يطلبون حاجاتهم من ربهم عنده ، ويصلون على النبي وعلى شهيد الإخلاص والإباء ، شهيد معالم الإنسانية الكبرى ، شهيد كل المكارم ، أبي عبد الله الحسين.. حسين التضحية والجهاد والإيثار ، حسين الصبر والشجاعة ، حسين الإسلام والإنسانية .
اللهم كحِّل بصري بمشاهدة تراب ضريحه في مصر وكربلاء .
نعم ، وجدت نفسي في هذه البقعة المباركة التي شرفها الله تعالى بكرامة الإنتساب إلى سبط النبي (ص) ، فرأيت بعين قلبي ملائكة الله تعالى محدقين بها.. فهنيئاً لزوار تلك البقعة المباركة ، مركز تقرب أولياء الله ، ومهبط ملائكة الله.. وهنيئاً لإخواننا أهل مصر ما هم فيه من جوار ضريح سيد شباب أهل الجنة. هنيئاً لهم هذا الفوز العظيم ، ثم هنيئاً لهم ما هم فيه من ولاء أهل البيت (ع) . هنيئاً لشيوخهم وشبانهم ، رجالهم ونسائهم ، علمائهم وتلاميذهم ، أساتيذهم وطلاب جامعاتهم . فياليتنا معهم فنفوز بما يفوزون به عند هذا الضريح المبارك .
ويا مولاي يا حسين ، يا أبا عبد الله ، يا ابن رسول الله ، يا من استنقذت عباد الله بتضحيتك الكبرى من جهالة الضلالة.
أشهد أنك رفعت أعلام الدين، وكسرت صولة المستكبرين والمستعبدين ، ونصرت الله ورسوله ، مجاهداً صابراً .
وأشهد أن الله يحب من أحبك ، ويبغض من أبغضك ، وأن الله طهركم يا أهل البيت من الرجس تطهيراً . والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
12صفر المظفر- 1421هـ . لطف الله الصافي