سفراء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

تشكل السفارة عن الإمام المعصوم حدثاً تاريخياً وتنظيمياً مهماً في مسألة الاتصال بالإمام المفترض الطاعة ومن ثم تبليغ أوامره وممارسه بعض مهامه، فالسفارة العامة هي منصب رفيع وجليل ظهر آبان الغيبة الصغرى للإمام وانتهى بوفاة الشيخ علي السمري رضوان الله عليه، ولم يصل إلى رتبة السفارة إلا أربعة أشخاص وهم عثمان العمري ومحمد العمري والحسين بن روح وعلي السمري رضوان الله عليهم ومن هنا سوف نستعرض بعضاً من جوانب حياة كل سفير:-

تشكل السفارة عن الإمام المعصوم حدثاً تاريخياً وتنظيمياً مهماً في مسألة الاتصال بالإمام المفترض الطاعة ومن ثم تبليغ أوامره وممارسه بعض مهامه، فالسفارة العامة هي منصب رفيع وجليل ظهر آبان الغيبة الصغرى للإمام وانتهى بوفاة الشيخ علي السمري رضوان الله عليه، ولم يصل إلى رتبة السفارة إلا أربعة أشخاص وهم عثمان العمري ومحمد العمري والحسين بن روح وعلي السمري رضوان الله عليهم ومن هنا سوف نستعرض بعضاً من جوانب حياة كل سفير:-
الأول: عثمان بن سعيد العمري:
وكان الإمام عليه السلام يثق به كثيراً، وكان معتمداً عند الإمام علي النقي والإمام الحسن العسكري عليهما السلام، ووكيلهما في حياتهما وكان أسديّاً يُنسب إلى جده جعفر العمري، ويقال له السّمان أيضاً أي بياع الزيت واشتغل بهذا الشغل تقية من أعداء الله واخفاءً لأمر السفارة، وكانت الشيعة تسلم إليه الأموال التي يأتون بها للإمام الحسن العسكري عليه السلام فكان يضعها في ماله ثم يأتي بها إلى الإمام الحسن.
وجاء في رواية أحمد بن اسحاق القمي من أجلاء علماء الشيعة، فقال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد (الهادي) عليه السلام في يوم من الأيام، فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهّيأ لي الوصول اليك إذا شهدت في كل وقت فقول من نقبل ومن نمتثل؟
فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعنّي يقوله وما أدّاه اليكم فعني يؤديه، فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم، فقلت له مثل قولي لأبيه.
فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى اليكم فعني يؤديه.
ونقل العلامة المجلسي في البحار عن جمع من ثقات أهل الحديث أن جمعاً من أهل اليمن جاؤوا إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام ومعهم أموال فقال عليه السلام: امض يا عثمان فانك الوكيل والثقة المأمون على مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال.
فقال أهل اليمن: يا سيدنا والله ان عثمان لمن خيار شيعتك ولقد زدتنا علماً وبموضعه من خدمتك وانه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى، قال: نعم واشهدوا علي ان عثمان بن سعيد العمري وكيلي وان ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم.
وروي في البحار أيضاً بسنده انه لما مات الحسن بن علي عليه السلام حضر غسله عثمان بن سعيد رضي الله عنه وأرضاه وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره مأمور بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها الا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها.
وكانت توقيعات صاحب الامر عليه السلام تخرج على يد عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد عليه السلام بالأمر والنهي والأجوبة عما تسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام…
وهكذا كان باقي السفراء والوكلاء.
الثاني: من الوكلاء والسفراء محمد بن عثمان بن سعيد العمري:
وثقه ووثق أباه الامام الحسن العسكري عليه السلام، وأخبر شيعته بانه وكيل ابنه المهدي عليه السلام، فلما مات ابوه عثمان بن سعيد خرج توقيع الإمام الحجة عليه السلام يشتمل على تعزيته لوفاة أبيه وانه النائب بعده والمنصوب من قبله عليه السلام، وعبارة التوقيع على ما رواه الصدوق وغيره بهذا النصّ:
قال عليه السلام:
«انا لله وانا اليه راجعون تسليماً لأمره ورضاء بقضائه، عاش أبوك سيعداً ومات حميداً فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام، فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً فيما يقربه إلى الله عز وجل واليهم، نضّر الله وجهه واقاله عثرته… أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا وأوحشك بفراقه وأوحشنا.
فسرّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله عز وجل ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه، وأقول: الحمد لله فان الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله عز وجل فيك وعندك، أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفقّك، وكان الله لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً ومعيناً».
وهذا التوقيع الشريف خير شاهد على جلالتهما وعلوّ مقامهما.
وروى العلامة المجلسي رحمه الله أيضاً في البحار عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي رحمه الله عن جمع من الأصحاب انه خرج توقيع من الناحية المقدسة إلى محمد بن عثمان بن سعيد العمري بعد وفاة أبيه عثمان بن سعيد:
«والابن وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة الاب رضي الله عنه وارضاه ونضَّر وجهه يجري عندنا مجراه ويسد مسده وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل، تولاه الله…».
وفي رواية أخرى عن الكليني انه اخرج توقيع بخط الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف فيه:
«وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي».
وظهرت على يده دلائل ومعاجز كثيرة للشيعة من قبل الإمام الحجة عجل الله فرجه، وكان في زمن الغيبة ملجأ ومأوى للشيعة ونائب الحجة عجل الله تعالى فرجه.
وروي عن أم كلثوم ابنته انها قالت: كان لأبي جعفر بن محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه مما سمعها من أبي محمد الحسن عليه السلام ومن الصاحب عليه السلام… [ثم قالت:] انها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه…
وروى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده عن محمد بن عثمان بن سعيد انه قال: والله ان صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه.
وفي رواية أخرى انه سُئل عنه: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: «اللهم انجز لي ما وعدتني».
ورأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: «اللهم انتقم لي من أعدائي».
الثالث: من الوكلاء والسفراء هو الحسين بن روح:
وقد كان في زمن سفارة محمد بن عثمان متولياً بعض الأمور من قبله فقد كان محمد بن عثمان يعتمد على بعض اخوانه المؤمنين الثقات والحسين بن روح واحداً منهم، بل كان عند الناس ان اعتماد محمد بن عثمان على غير الحسين بن روح اكثر من اعتماده عليه، فتصوروا ان أمر الوكالة والسفارة بعد محمد بن عثمان ستنتقل إلى جعفر بن احمد لكثرة خصوصيته بمحمد بن عثمان بل كان كل طعام محمد بن عثمان في آخر حياته يخرج من دار جعفر بن أحمد.
روى العلامة المجلسي رحمه الله في البحار عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي انه روى عن جعفر بن أحمد قال: لمّا حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه، فالتفت الي ثم قال: اُمرت أن أوصي إلى أبي القاسم بن روح، قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت إلى عند رجليه.
وفي الرواية المعتبرة ان أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه جمع وجوه الشيعة وشيوخها، فقال لهم: إن حدث عليّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد اُمرت أن أجعله في موضعي بعدي فارجعوا إليه وعوّلوا في أموركم عليه.
وفي رواية معتبرة أخرى كما رويت في البحار ان جمع من وجوه الشيعة وكبارهم دخلوا على محمد بن عثمان، فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه السلام، والوكيل له والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعوّلوا عليه في مهماتكم، فبذلك اُمرت وقد بلّغت.
وورد توقيع الإمام الحجة عليه السلام للشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، كما ورود ذلك في البحار عن جمع من الأخيار والثقات وهو:
«نعرفه عرفه الله الخير كله ورضوانه وأسعده الله بالتوفيق، وقفنا على كتابه وهو ثقتنا بما هو عليه وانه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه، زاد الله في إحسانه إليه انه ولي قدير، والحمد لله لا شريك له وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً».
وذكر في أحواله انه كان شديد التقية في بغداد، وكان يحسن السلوك مع المخالفين من المذاهب الأربعة بحيث نسبه أرباب كلّ مذهب اليهم فكانوا يفتخرون بانه منهم.
الرابع: من الوكلاء والسفراء الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السَمُريّ:
ان الشيخ الحسين بن روح عليه الرحمة لما حضرته الوفاة جعله مقامه بأمر الحجة عليه السلام، فكان الإمام عليه السلام يجري على يده المكرمات والمعاجز وأجوبة مسائل الشيعة، وكانوا يسلّمون الأموال والحقوق إليه بأمره عليه السلام، فلّما حضرته الوفاة اجتمع الشيعة عنده وطلبوا منه أن يعين من يقوم مقامه في السفارة فقال: لله أمر هو بالغه، أي لابد من وقوع الغيبة الكبرى، ثم انقطعت السفارة فمن ادعاها بعد ذلك أو ادعى المشاهدة مع النيابة الخاصة فهو كذاب مفتر على الحجة عجل الله فرجه.
فيكون المرجع في الدين والشرائع العلماء والفقهاء بأمر الإمام عليه السلام فان النيابة ثابتة لهم على سبيل العموم، كما ورد في التوقيع الشريف لمسائل اسحاق بن يعقوب حيث قال عليه السلام: «واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم».
وفي رواية أخرى: «مجاري الأمور بيد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه»، فيكون المستفاد مما تقدم إنه لابد للمكلفين من الرجوع إلى العلماء وحفظة العلوم والأخبار وآثار الأئمة الأطهار عليهم السلام القادرين على استنباط الأحكام أي يكون المرجع هو الجامع للشرائط المبحوثة في كتب الفقه.

شاهد أيضاً

عِللُ الغيبة و فلسفتها

«اللّهمّ عرّفني حُجّتك، فإنّك إنّ لم تُعرّفني حُجّتك ضَلَلْتُ عن ديني»لا نعرف شيئاً بعد معرفة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *