انّ حاجة المجتمع البشري إلى الإمام أمر اقرّ به العقل وأيدّه النقل، وذلك لأنّ المجتمع دائما وفي جميع حالاته بحاجة ماسّة إلى من ينظّم شؤونه ويقرّبه من الطاعة ويبعده عن المعصية والوقوع في الضلال. وهذا ما اطلق عليه الأمامية (قاعدة اللطف)، فإنّ العقل يحكم بأنّ الله تعالى لم ولن يترك هذه الأمّة سدى، فلابدّ أنْ ينصب لهم اماما هاديا يهديهم الى سبيل النجاة ويبعدهم عن طريق الضلال. وإلاّ لانتفى الغرض الإلهي.
انّ حاجة المجتمع البشري إلى الإمام أمر اقرّ به العقل وأيدّه النقل، وذلك لأنّ المجتمع دائما وفي جميع حالاته بحاجة ماسّة إلى من ينظّم شؤونه ويقرّبه من الطاعة ويبعده عن المعصية والوقوع في الضلال.
وهذا ما اطلق عليه الأمامية (قاعدة اللطف)، فإنّ العقل يحكم بأنّ الله تعالى لم ولن يترك هذه الأمّة سدى، فلابدّ أنْ ينصب لهم اماما هاديا يهديهم الى سبيل النجاة ويبعدهم عن طريق الضلال. وإلاّ لانتفى الغرض الإلهي.
فلذا اقتضت الحكمة الإلهية أنْ يجعل الله تعالى اثني عشر خليفة من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يحكمون بين الناس بالعدل، ويقيمون شرع الله تعالى. بدءاً بالإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وختاماً بالإمام صاحب العصر والزمان. عليه السلام
لكننا نجد أنّ بعض المشككين قد وقف موقفا صارما أمام هذا المعتقد، وبدأ ينقض ما استدلّ به علماء الإمامية على وجوب نصب الإمام، وذلك من خلال الاعتقاد (بغيبة الإمام الثاني عشر عليه السلام)، فيقول كيف يمكن لإمام غائب أنْ ينظّم شؤون هذا المجتمع ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الحدود والتعزيرات، أليس هذا ناقضاً للغرض الإلهي، بل هو عكسه تماماً!
والإجابة على ذلك يمكن أنْ نبينها من خلال عدة وجوه:
الوجه الأول: الغيبة مخطط بشري لا سماوي.
إنّ غيبة الامام ليس مخططا سماويا حتى يمكن أن تنقض الغرض الإلهي، بل انها حصلت بمخطط بشري بحت، فإنّ الله تعالى لمّا نصب الإمام عليه السلام لم يكن الهدف من ذلك أنْ يغيّبه عن الأمّة، ولكنّ الأمّة إذا رفضت وانكرت إمام زمانها جاز لله تعالى أنْ يرفع عنها بعض لطفه…
وذلك واضح من خلال التتبع لسيرة الأنبياء والرسل عليهم السلام بدأَ بسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ أهل مكة لمّا رفضوا وانكروا نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتآمروا على قتله اقتضت الحكمة الإلهية انْ يرفع الله تعالى عن هذه الأمّة بعض لطفه وذلك من خلال هجرته إلى المدينة المنورة.
وكذلك ما حصل ليوسف عليه السلام، فإنّه قد غاب عن قومه سنين عديدة، ولم تكن غيبته ناقضة للغرض الإلهي، لأنّ الأمة هي التي رفضت إمام زمانها، ووقفت بوجهه ورمته بالبئر، وادّى ذلك إلى أنْ يرفع الله عنهم ذلك اللطف لعلهم يرجعون إلى صوابهم في فترة من الزمن، وهذا ما حصل بالواقع حيث أنّهم لمّا احسّوا بخطئهم اتّجاه اخيهم وإمام زمانهم توجّهوا مباشرة إلى أبيهم يعقوب قائلين له (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ).
وعندما ننظر إلى مسألة موسى عليه السلام نجد أنّ الله تعالى يقول (وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، فهذه الآيات تبيّن لنا وبكل وضوح كيف أنّ الأمّة قد رفضت إمام زمانها وعزمت على قتله فاقتضت الحكمة الإلهية أنْ يرفع عنهم بعض لطفه وذلك بغيبته عنهم، وأنْ يكون تحت ستار الخفاء، ولم تكن تلك الغيبة ناقضة للغرض الإلهي، بل عندما توفرت الأرضية الملائمة لموسى عليه السلام ظهر لقومه وانتصر على فرعون وجنوده وأمّنَ للأمّة آنذاك حرية الحركة والانطلاق واخرجهم من الظلمات إلى النور.
وكذلك حينما أرادوا قتل عيسى عليه السلام وصلبه، رفعه الله تعالى إليه، فحرموا أنفسهم من بركات وجوده، وسيعود إليهم حين يكفّون عن مناوأته، ويأمن جانبهم، ويتمكّن من القيام بواجبه، وما أوكله الله تعالى إليه.
وهذا عينه ما حصل للإمام صاحب العصر والزمان عليه السلام فالأمّة هي التي رفضته وكادت أنْ تقتله لولا رعاية الله تعالى له.
الوجه الثاني: عدم انحصار الغرض الإلهي بالتبليغ
إنّ الغرض الإلهي من نصب الإمام غير منحصر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا بنشر الاحكام واقامة الحدود وغيرها، فإنّ هذه الأمور إنّما هي واجب العلماء بعد الغيبة كما ورد عن الإمام عليه السلام ( فامّا الحوادث الواقعة فارجعوا بها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم )، بل إنّ الغرض من نصب الإمام عليه السلام هو حفظ الدين، فقد ورد عن أبي حمزة: قال: (قلت لابى عبدالله عليه السلام أتبقى الارض بغير إمام؟ فقال: لو بقيت الارض بغير إمام لساخت).
وكذلك الشهادة على الأعمال، فإنّ الإمام شهيد على أعمال الخلائق كما في قوله تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين)، فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام (في قوله ويوم نبعث في كل امّة شهيدا قال: نحن الشهود في هذه الأمّة). وكذلك إنّ وجود الإمام عليه السلام ومعرفته والإقرار بولايته وطاعته يضمن للإنسان الموت على الهداية وطريق الحق، فقد ورد في كتب العامة والخاصة (أنّه من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية).
الوجه الثالث : سر القوة في الخفاء والتستّر
إنّ معنى الغيبة ليس في مقابل الحضور بل في مقابل الظهور، فهي بمعنى الخفاء والتستر، لا بمعنى الزوال والابتعاد، وعلى ضوء المعنى الصحيح، اي الخفاء والتستر فانه عليه السلام يمارس دوره لتدبير النظام البشري في ضمن ادراة وتدبير خفيّ، يخفى على الانظمة البشرية مهما كانت تلك الانظمة قوية وعملاقة، فإنّ عنصر الخفاء هو سر القوة والقدرة في تدبيره. وقد أشار لهذا المعنى الشيخ السند في بعض كتاباته.
الشیخ وسام البغدادی