إنّ المهدي من الائمّة الاثني عشر، ولا ريب ولا خلاف في هذه الناحية، فإنّ القيود التي ذكرت في رواية (الائمّة إثنا عشر)، تلك القيود كلّها منطبقة على المهدي عليه السلام، لانّ هذا الإمام عندما يظهر يجتمع الناس على القول بإمامته، وأنّ الله سبحانه وتعالى سيعزّ الإسلام بدولته، وأنّه سيظهر دينه على الدين كلّه، وجميع تلك القيود والمواصفات التي وردت في أحاديث الائمّة اثنا عشر كلّها منطبقة على المهدي عليه السلام.
فالاتفاق يكون على ثلاث نقاط:
النقطة الأُولى : أنّ في هذه الاُمّة مهديّاً.
النقطة الثانية : أنّ لكلّ زمان إماماً يجب على كلّ مسلم معرفته والإيمان به.
النقطة الثالثة : أنّ المهدي عليه السلام الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الأحاديث الكثيرة ، نفس المهدي الذي يكون الامام الثاني عشر من الأئمّة الذين أخبر عن إمامتهم من بعده في أحاديث الأئمّة إثنا عشر.
وهنا قالت الشيعة الإماميّة الاثنا عشرية: إنّ الذي عرفناه مصداقاً لهذه النقاط هو ابن الحسن العسكري، ابن الامام الهادي، ابن الإمام الجواد، ابن الامام الرضا، ابن الامام الكاظم، ابن الامام الصادق، ابن الامام الباقر، ابن الامام السجاد، ابن الحسين الشهيد، ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
فهذه عقيدة الشيعة ، فهم يطبّقون تلك النقاط الثلاثة المتفق عليها على هذا المصداق.
فهل هناك حديث عند الجمهور يوافق الشيعة الإماميّة، ويدلّ على ما تذهب إليه الشيعة الإماميّة في هذا التطبيق؟
نعم وردت روايات في كتب القوم مطابقة لهذا الاعتقاد، إذن، يكون هذا الاعتقاد متفقاً عليه حسب الروايات وإن لم يكن القوم يعتقدون بهذا الاعتقاد بحسب الأقوال، إلاّ أنّا نبحث أوّلاً عن العقيدة على ضوء الأدلّة، ثمّ على ضوء الأقوال والآراء، ولنقرأ بعض تلك الروايات:
الرواية الاُولى: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّوجلّ ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي، فقام سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، من أيّ ولدك ؟ قال: من وَلَدي هذا. وضرب بيده على الحسين عليه السلام).
هذه الرواية في المصادر عن أبي القاسم الطبراني، وابن عساكر الدمشقي، وأبي نعيم الاصفهاني، وابن القيّم الجوزية، ويوسف بن يحيى المقدسي، وشيخ الإسلام الجويني، وابن حجر المكي صاحب الصواعق.
الحديث الثاني : قوله صلى الله عليه وآله وسلم لبضعته الزهراء عليها السلام وهو في مرض وفاته : (…ومنّا مهدي الاُمّة الذي يصلّي عيسى خلفه، ثمّ ضرب على منكب الحسين عليه السلام فقال: من هذا مهدي الاُمّة).
وهذا الحديث رواه: أبوالحسن الدارقطني، أبو المظفر السمعاني، أبو عبد الله الكنجي، وابن الصبّاغ المالكي.
الحديث الثالث: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج المهدي عليه السلام من ولد الحسين عليه السلام من قبل المشرق، لو استقبلته الجبال لهدمها واتّخذ فيها طرقاً).
وهذا الحديث كما في المصادر عن نعيم بن حمّاد، والطبراني، وأبي نعيم، هذا بحسب الروايات.
وأمّا بحسب أقوال العلماء المحدّثين والمؤرّخين، فهم أيضاً يصرّحون بأنّ المهدي عليه السلام بن الحسين، أي من ذريّة الحسين عليه السلام، ويضيفون على ذلك أنّه ابن الحسن العسكري عليه السلام، وأيضاً مولود وموجود، هؤلاء عدة كبيرة من العلماء من أهل السنّة في مختلف العلوم أذكر أشهرهم:
أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري، المتوفى سنة 279 هـ. أبو بكر البيهقي، المتوفى سنة 458 هـ. ابن الخشّاب، المتوفى سنة 567 هـ. ابن الازرق المؤرخ، المتوفى سنة 590 هـ. ابن عربي الأندلسي صاحب الفتوحات المكية، المتوفى سنة 638 هـ. ابن طلحة الشافعي، المتوفى سنة 653 هـ. سبط ابن الجوزي الحنفي، المتوفى سنة 654 هـ. الكنجي الشافعي، المتوفى سنة 658 هـ. صدر الدين القونوي، المتوفى سنة 672 هـ. صدر الدين الحموي، المتوفى سنة 723 هـ. عمر بن الوردي المؤرخ الصوفي الواعظ، المتوفى سنة 749 هـ. صلاح الدين الصفدي صاحب الوافي في الوفيات، المتوفى سنة 764 هـ. شمس الدين ابن الجزري، المتوفى سنة 833 هـ. ابن الصبّاغ المالكي، المتوفى سنة 855 هـ. جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ. عبد الوهاب الشعراني الفقيه الصوفي، المتوفى سنة 973 هـ .ابن حجر المكي، المتوفى سنة 973 هـ. علي القاري الهروي، المتوفى سنة 1013 هـ. عبد الحق الدهلوي، المتوفى سنة 1052 هـ. شاه ولي الله الدهلوي، المتوفى سنة 1176 هـ. القندوزي الحنفي، المتوفى سنة 1294 هـ.
فظهر إلى الآن:
أنّ المهدي عليه السلام من هذه الاُمّة. من بني هاشم. من عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. من ولد فاطمة عليها السلام. من ولد الحسين عليه السلام.
وإنّ لكلّ بند من هذه البنود، روايات خاصة، ولم نتعرّض لها لغرض الاختصار.
وهناك بحوث تدور حول روايات في كتب السنّة تخالف هذا الذي انتهينا إليه، ولربّما اتّخذ بعض العلماء من أهل السنّة ما دلَّت عليه تلك الروايات عقيدةً لهم، ودافعوا عن تلك العقيدة، إلاّ أنّنا في بحوثنا حقّقنا أنّ تلك الروايات المخالفة لهذا العقيدة، إمّا ضعيفة سنداً، وإمّا فيها تحريف، والتحريف تارةً يكون عمداً، وتارة يكون سهواً، وتلك البحوث هي:
أوّلاً: الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم في أنّ (المهدي هو عيسى ابن مريم) فالمهدي الذي أخبر به رسول الله في تلك الروايات الكثيرة المتواترة التي دوّنها العلماء في كتبهم، وأصبحت روايات موضع وفاق بين المسلمين، وأصحبت من ضمن عقائدهم، والمراد من المهدي في جميع تلك الروايات هو عيسى بن مريم.
وهذه رواية واحدة فقط موجودة في بعض كتب أهل السنّة.
وثانياً: الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم من أنّ (المهدي من ولد العباس)، فليس من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا أيضاً خبر واحد، وكأنّه وضع في زمن بني العباس لصالح حكّام بني العباس.
وثالثاً: الخبر الواحد الذي في كتبهم من أنّه (من ولد الحسن عليه السلام)، لا من ولد الحسين عليه السلام.
وهذا أيضاً خبر واحد.
ورابعاً: الخبر الواحد الذي في بعض كتبهم من أنّ (اسم أبي المهدي اسم أبي النبي)، وأبو النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمه عبدالله، فلا ينطبق على المهدي ابن الحسن العسكري عليهم السلام، فتكون رواية مخالفة لما ذكرناه واستنتجناه من الأدلة.
وخامساً: ما عزاه ابن تيميّة إلى الطبري وابن قانع من (أنّ الحسن العسكري عليه السلام قد مات بلا عقب) وإذا كان الحسن العسكري عليه السلام قد مات بلا عقب، فليس المهدي بن الحسن العسكري عليه السلام.
فهذه بحوثٌ تعرضنا لها وأثبتنا ضعف الروايات في بعضها وتحريفها في بعضها الآخر. أمّا ما نسبه ابن تيميّة إلى الطبري صاحب التاريخ، وإلى ابن قانع، فهو كذب.