تحتل مسألة الإمام المهدي مساحة واسعة من الآراء التي لم يبت بها بعد، وإن كانت الروايات قد تكفلت بإيضاح ما خفي عنا من حركته عجل الله فرجه وتبقى قضية الإعجاز في حركته قضية شاخصة لا يمكن نفيها أصلاً أو إثباتها إلى الحد الذي تكون حركته عليه السلام على أساسها كلياً، إنما تتطلب ظروف حركته الموازنة بين الإعجاز والوسائل الطبيعية للوصول إلى مقصوده المبارك، والمقال لايتناول قضية الإعجاز على أنها مسألة روائية فحسب في حين أن حركته كلها إعجازية إلا أنه اختار الوسائل الطبيعية في تحقيق أهدافه الإلهية المباركة. فلا يمكننا نفي الإعجاز في حركته مطلقاً ولا يمكننا إثبات أن حركته تعتمد على الإعجاز فحسب، وإن كانت الكاتبة لم تتناول مسألة الإعجاز بشقيها العلمي والروائي إلا أنها استطاعت أن تحقق هدفاً بحثياً في شأن حركته عجل الله فرجه.
قلم: نور الساعدي/ كلية الشيخ الطوسي الجامعة
تحتل مسألة الإمام المهدي مساحة واسعة من الآراء التي لم يبت بها بعد، وإن كانت الروايات قد تكفلت بإيضاح ما خفي عنا من حركته عجل الله فرجه وتبقى قضية الإعجاز في حركته قضية شاخصة لا يمكن نفيها أصلاً أو إثباتها إلى الحد الذي تكون حركته عليه السلام على أساسها كلياً، إنما تتطلب ظروف حركته الموازنة بين الإعجاز والوسائل الطبيعية للوصول إلى مقصوده المبارك، والمقال لايتناول قضية الإعجاز على أنها مسألة روائية فحسب في حين أن حركته كلها إعجازية إلا أنه اختار الوسائل الطبيعية في تحقيق أهدافه الإلهية المباركة. فلا يمكننا نفي الإعجاز في حركته مطلقاً ولا يمكننا إثبات أن حركته تعتمد على الإعجاز فحسب، وإن كانت الكاتبة لم تتناول مسألة الإعجاز بشقيها العلمي والروائي إلا أنها استطاعت أن تحقق هدفاً بحثياً في شأن حركته عجل الله فرجه.
يذهب بعض الباحثين في الاتجاه القائل بان الإمام المهدي عليه السلام يستخدم وسائل اعجازية وليس مجرد أدوات طبيعية في حركته وهذا يعني انه عجل الله فرجه ينتصر بالاستخدام الاعجازي لا بالاستخدام الطبيعي وذلك لاعتقادهم بأنه بغير الاستخدام الاعجازي لا يمكن للإمام عجل الله فرجه أن ينتصر على أعدائه الذين يتمتعون بالتقدم العسكري والتكنولوجي.
هذا ما يتوصل إليه الباحث عند قراءة الروايات الواردة في هذا الصدد قراءة سطحية بعيدة عن التأمل.
ومن هذه الروايات:
* (أن الإمام يدخل العراق بسبع قباب من نور لا يدرى في أيها هو).(1)
* حينما يبعث عجل الله فرجه القضاة والولاة إلى المدن والأمصار ويحتاج إلى معرفة مسألةٍ ما عجز عن جوابها يقول له الإمام عجل الله فرجه: (اقرأ جوابك في كفك).(2)
* (إن شيعته يسمعون صوته في أقصى الغرب كانوا أو في أقصى الشرق).(3)
* التحاق بعض أصحابه به من كل مكان على السحاب وأنهم المفقودون من فرشهم.(4)
وغيرها من الروايات الأخرى التي عند قراءتها يقال بأن الإمام يستخدم العامل الاعجازي في حركته وليس العامل الطبيعي.
هذه النتيجة لا يمكن قبولها لجملة من الأسباب:
الأول: حركة الإمام المهدي حركة إصلاحية إلهية شأنها شأن باقي الحركات الإصلاحية للأنبياء والرسل، فلو كان الإعجاز طريقاً صحيحاً للدعوة الإلهية لأمكن كل الأنبياء والرسل إنجاح دعوتهم دون كل ذلك العناء الذي واجههوه أثناء مسيرتهم.
وهكذا الإمام المهدي لو كان الأمر يتم بالطريق الإعجازي لأمكنه عجل الله فرجه خلال غيبته الصغرى السيطرة الكاملة على العالم بالرغم من جبروت العباسيين آنذاك ولما تطلب الأمر كل هذا التأخير لان التأخير ظلم للبشر والظلم غير ممكن مع الحكمة الإلهية الأزلية.
الثاني: إذا كان الإمام يسلك طريق الإعجاز المطلق في حركته وحروبه مع أعدائه فهذا يعني إن المعادلة ستكون غير متوازنة بين طرفي الخصومة أي ستكون هناك جهة قاهرة بالمعجزة وأخرى عاجزة أدواتها وهذا لايسمى نصراً في المفاهيم العسكرية لأنها حرب غير متكافئة والنتيجة ستكون ليست بتلك الصورة المطلوبة لان طريق الدعوة الإلهية لا يقوم على المعجزات، فالهدى والعدل الناتج عن المعجزة اقل تأثيراً في النفوس من الهدى والعدل الناتج بالطرق الطبيعية.
الثالث: افتراض الإعجاز في انتصار الإمام المهدي عجل الله فرجه تنفيه أخبار كثيرة منها:
1 ـ ما دل على أن أصحابه الخاصين (313)، ومع المعجزة لا حاجة لكل هذا العدد ولا حتى لواحدٍ منهم.
2 ـ ما دل على سفره من مكة إلى الكوفة، بالمعجزة يمكنه الوصول إلى الكوفة فوراً دون الحاجة إلى السفر، والمفهوم من السفر هو قطع المسافة.
3 ـ ما دل على انه يلقي خطاباً في مكة وآخر في الكوفة، إذ يمكن بالإعجاز إيصال المعاني الواردة في خطابه إلى أذهان الناس بغير كلام.
4 ـ ما دل على انه عجل الله فرجه يقتل المنحرفين بكثرة حتى انه يضع السيف ثمانية أشهر بدون انقطاع. وهذا ما لا حاجة له مع إمكان انجازه بالمعجزة بين عشيةٍ وضحاها أو في طرفة عين.
الرابع: لو آمنا بتأثير المعجزة إيمانا مطلقاً في حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه لأمكن له أن يصلح العالم في حال غيبته ولا حاجة لظهوره عليه السلام وحتى نفس وجود المهدي عليه السلام لا حاجة له إذ يمكن لله أن يصلح العالم بدون قائد ولا قيادة حيث قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً).(5)
وقوله: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)(6)).(7)
ومن هنا لا يمكن الالتزام بان سيطرة المهدي عجل الله فرجه على العالم بطريق إعجازي مطلق. وهذا لا يعني أن الحركة ستكون خالية من عامل الإعجاز تماماً وتبقى فقط وفق القوانين الطبيعية لان هذا أيضا غير مقبول لان التاريخ السابق لعصر الظهور دال بوضوح على وجود العناية والتأييد الإلهي بالإمام المهدي من يوم ولادته إلى غيبته ومن ثم ظهوره وفق خطة إلهية خاصة بالإمام المهدي عليه السلام وكذلك ما دلت عليه الروايات من أن التاريخ اللاحق للظهور يتضمن العناية والتأيد الإلهي ومنها:
* اجتماع الأصحاب وتركيز عواطفهم باتجاه نصر الإمام وتأييده.
* كون المهدي عجل الله فرجه منتصراً في كل حروبه ضد أي عدو كان عظيماً أم حقيراً.
* تجاوب الطبيعة مع العدل الساري في دولته.
وغيرها من الأخبار.
ويمكن للباحث أن يصل إلى نتيجةٍ مقنعةٍ وهي ان حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه عبارة عن خليط من العاملين الطبيعي والاعجازي ويمكن القول بان العامل الاعجازي سيستخدمه الإمام عندما يضعف العامل الطبيعي عن سد الحاجة والوصول إلى الهدف.
وبذلك يأتي السؤال عن تفسير الروايات التي ذكرت في صدر البحث وكيف يمكن التعامل معها؟
الجواب بسيط جداً لما نشهده اليوم من التطور العلمي الهائل وكان هذا السؤال يحير العقول عندما لم يكن هذا التطور، فدخول الإمام إلى العراق بسبع قباب من نور يمكن تفسيره بأنه يدخل بموكب مهيب من الطائرات، وكذلك مسألة معرفة الأحكام بمجرد النظر في الكف أصبحت في زماننا شيئاً عادياً وهي عبارة عن الهاتف النقال، وأيضا مسألة سماع صوت الإمام ورؤيته من قبل من كان في الشرق أو الغرب فاليوم بكل سهولة يمكنك الاتصال بمن في آخر الدنيا وتكلمه وأنت جالس في مكانك عبر الانترنيت والفضائيات ووسائل الاتصال الأخرى المتطورة.
بقي سؤال يبحث عن إجابة وهو (المعارك التي يخوضها الإمام عجل الله فرجه هل يستخدم فيها سلاح يناظر بالتطور لما لدى الأعداء أم انه أكثر تطوراً)؟
يبدو والله العالم بان الإمام لا يستخدم سلاحاً في معاركه ضد أعدائه أكثر تطوراً مما لديهم لأنها ستكون حرباً غير متكافئة وكما سبق هذا لا يعتبر نصراً في المفهوم العسكري ولكن الذي يكون أكثر تطوراً هو الخطط العسكرية الموضوعة من قبل الإمام لتلك الحروب والتي على أساسها يكون التحرك وهذه الخطط ستكون محكمة ودقيقة وحساسة جداً خالية من الثغور التي يمكن للعدو أن يخترقها وهو بذلك لا يستطيع الصمود والمواجهة ضد الإمام وبهذا يكون السلاح متكافئاً في التطور ولكن التفاوت في التنظير للمعركة.
وفي بعض معارك الإمام وفتوحاته لا يستخدم السلاح وإنما بمجرد أن يطرح فكرته ودعوته ويقتنع بها الطرف الأخر مثل فتح بلاد الروم التي يقال إنها تفتح بالتكبير.
هناك شيء نريد أن يشير إليه وهو إن الانتصار الذي يحققه الإمام في معاركه وحركته يقع الجزء الأكبر منه على الاستعداد العالي لدى جيشه وأصحابه من النصرة وبذل النفس في سبيل الله والطاعة المطلقة للإمام المهدي عجل الله فرجه بغض النظر عن طبيعة السلاح وقوة الأعداء وهذا ما يفسر سبب طول غيبته عليه السلام من انه إلى الآن لم يحصل ذلك الاستعداد العالي من الأمة لكي يظهر الإمام ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والمقصود من الاستعداد العالي هو الطاعة المطلقة للإمام التي أشارت لها الحادثة الواردة في الأخبار من ان سهل الخراساني دخل على الإمام الصادق عليه السلام وطلب منه أن ينهض وان له في خراسان شيعة وأنصاراً، فأمر الإمام الصادق عليه السلام بتسجير التنور وبعد أن سجر طلب منه أن يجلس في التنور فقال الخراساني: يا سيدي لا تعذبني بالنار…
وفي هذه الأثناء أقبل هارون المكي بيديه نعله فقال له الإمام عليه السلام: ألق النعل من يدك واجلس في التنور. فألقى النعل وجلس في التنور إلى أن أنهى الإمام حديثه ثم قال عليه السلام: قم يا راساني وانظر ما في التنور فقام إليه فرآه متربعاً فخرج هارون من التنور ، فقال الإمام الصادق عليه السلام: كم تجد يا خراساني بخراسان مثل هذا، فقال: والله ولا واحداً، قال الإمام عليه السلام: لا والله ولا واحد. أما إنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة من المعضدين لنا، نحن أعلم بالوقت.(8)
في هذه الحادثة دلالة واضحة على إن احد أسباب النصر وأهمها هي الطاعة المطلقة للقائد وهذا القائد هو الإمام المنتظر وترويض النفس عليها.(9)
الهوامش
(1) عصر الظهور 137. الشيخ علي الكوراني.
(2) غيبة النعماني 319. لأبي زينب النعماني.
(3) يوم الخلاص 3./ كامل سليمان.
(4) ظ/ الحركة الإصلاحية من الحسين إلى المهدي:192. للسيد صدر الدين القبانجي.
(5) يونس/ 99.
(6) الإنعام / 149.
(7) تاريخ ما بعد الظهور:328. للسيد محمد الصدر.
(8) مناقب ابن شهر آشوب 3: 362.
(9) الإعداد الروحي لعصر الظهور للسيد علاء الموسوي.