تشهد وسائل الإعلام الإسرائیلیة -خاصة المطبوعة منها- أزمة حادة تسببت بفصل مئات الصحفیین والعاملین وتتهدد صحفا بالإغلاق وسط تحذیرات من تبعاتها السلبیة على الحالة الداخلیة وعلى الصراع.
أفاد موقع قناة الجزیرة أنه تعانی معظم وسائل الإعلام العبریة فی إسرائیل أزمة غیر مسبوقة تفجرت فی الشهور الأخیرة بعد استفحال العجز المالی فی معظمها، وتصارع ثلاث من أربع صحف یومیة عبریة من أجل البقاء.
وأعلن المالكون الجدد لصحیفة “معاریف” عن نیتهم إغلاقها كصحیفة یومیة عدا نهایة الأسبوع وتحویلها لموقع إخباری على الشبكة. ویواصل نحو ألفی عامل فیها فعالیاتهم الاحتجاجیة على ذلك.
كما تستعد صحیفة “هآرتس” الیومیة لمواجهة أزمة حادة تهددها بفصل 200 من الصحفیین والموظفین العاملین فیها والذین یشكّلون 50% من موظفیها.
كذلك تستعد صحیفة “یدیعوت أحرونوت” -وهی كالصحیفتین السابقتین قامت قبل قیام إسرائیل- لاعتماد خطة تقلیص تغطیاتها وموظفیها مطلع العام.
كعكة الإعلانات
یشار إلى أن یدیعوت أحرونوت فقدت ریادتها من ناحیة نسب الانتشار لـ”یسرائیل هیوم” (إسرائیل الیوم) الصحیفة الیومیة المجانیة التی ظهرت فی 2007 وهی موالیة لرئیس الحكومة بنیامین نتنیاهو ویمّولها شیلدون أدیلسون الیهودی الیمینی الثری المقیم فی الولایات المتحدة.
كما تهدد الأزمة بإغلاق القناة العاشرة -وهی إحدى قناتین تجاریتین- مع نهایة العام نتیجة تراكم دیونها، وهی الیوم تتلمس طریق النجاة بتقلیص نفقاتها وفصل عدد من موظفیها.
ویؤكد المدیر العام لمركز “إعلام” فی الناصرة داخل أراضی 48 أمل جمّال أن أزمة الإعلام الإسرائیلی مردها بالأساس اقتصادی.
وأشار للجزیرة نت إلى أن “كعكة الإعلانات” لم تعد كافیة نتیجة انتشار مواقع الإنترنت والإعلام الاجتماعی، مشیرا أیضا لدور الرواتب المفرطة لنخب صحفیة لم تعد وسائل الإعلام تحتملها الیوم.
جمال: تراجع قوة الصحافة بإسرائیل سیضعف دیمقراطیتها ویقوی صوت الیمین (الجزیرة)
صحف أیدیولوجیة
ونبه إلى أن سریان المعلومات المجانیة فی الشبكة قلل الحاجة للإعلانات المدفوعة مما یضعف المنظومات الإعلامیة الكلاسیكیة.
واعتبر جمال أن الكم الهائل من المعلومات أدى لتشتت المستهلكین فی إسرائیل وبالتالی إلى تراجع نسبة القراءة والمشاهدة.
وشدد على أن وسائل الإعلام الإسرائیلیة التی تحمل رسالة أیدیولوجیة كصحیفة “یسرائیل هیوم” هی التی تحافظ على حالة جیدة نتیجة تكریس أموال حكومیة وخاصة لأسباب أیدیولوجیة.
وأضاف قائلا “تدار المؤسسات الإعلامیة فی إسرائیل الیوم كمؤسسات اقتصادیة ربحیة فقط ولم تعد تحظى بدعم حكومی كوسائل اتصال جماهیریة هدفها التعددیة وخدمة الدیمقراطیة”.
تبعات سلبیة
وأكد جمال تراجع الدیمقراطیة نتیجة تراجع قوة الإعلام، وقال إنه كلما تقلصّت مساحات وأدوات الإعلام زادت هیمنة الخطاب الرأسمالی والیمینی الرافض للتسویات مع العرب جراء تقلص الأصوات المعارضة، وتابع أن “هذا یفسّر عدم إسراع الدولة للتدخل وإنقاذ الصحافة الناقدة”. وهذا ما أكده الصحفی والباحث فی الإعلام عوزی بنزیمان، لكنه وجه انتقادات قاسیة للصحفیین فی معظم وسائل الإعلام الإسرائیلیة وحملهم قسطا من مسؤولیة الأزمة.
واتهم بنزیمان زملاءه بالسكوت على استغلال الصحافة لأغراض ربحیة وسیاسیة من قبل المالكین والمستوى الإداری رغم أن ذلك أدى لتقدیم صورة غیر متوازنة للجمهور.
وقال بنزیمان فی مقال نشره فی مجلة “العین السابعة” الإلكترونیة التی تعنى بنقد الإعلام إن الصحافة العبریة لا تطبق ما تعظ به ولا تتصرف بشفافیة. وأضاف أن “الكشف للجمهور عما یدور داخل المؤسسات الإعلامیة یساهم فی منع فسادها ویشجع القراء على التضامن والانضمام للمعركة لإنقاذها من الانهیار”.
كاسبی: الأزمة العاصفة بالإعلام الإسرائیلی ولیدة سیطرة رؤوس أموال خاصة
الربح فقط
ووافق المحاضر فی الإعلام البروفیسور دان كاسبی هذه الرؤیة، إذ یرى أن الأزمة العاصفة بالإعلام الإسرائیلی الیوم هی ولیدة سیطرة رؤوس أموال خاصة علیها فی العقدین الأخیرین لا تهمها الرسالة الصحفیة بل الربح فحسب.
وأشار للجزیرة نت إلى انهیار الاعتقاد بأن تأمین جودة صحفیة یتم فقط بفضل إدارة أعمال ماهرة، لافتا إلى أن تقدیسها حال دون استعداد الصحف مسبقا للمنافسة مع الإنترنت والحد من الأزمة الناجمة عنها.
وأبدى كاسبی المحاضر فی جامعة بئر السبع رأیا مغایرا عن المرحلة القادمة، وأشار إلى أنه رغم الأزمة الحادة التی تعصف بالصحافة المطبوعة فی إسرائیل والعالم فإن مستقبلها مضمون.
تكیّف وتعایش
ورأى أن ما جرى فی وسائل الإعلام الأخرى فی الماضی ستشهده الصحافة المكتوبة أیضا، لافتا إلى أن الإذاعة لم تجهز على الكتاب والتلفاز والسینما.
وأضاف قائلا “هكذا فإن الصحافة قادرة على مواجهة الإنترنت وهی الیوم فی مرحلة موجعة من الدفاع عن النفس وقریبا ستنتقل لفترة التكیّف والتعایش مع الصحافة الإلكترونیة”.
وتوقع كاسبی أن تخلی المنافسة والتهدیدات مكانها للتعاون والتكامل مرجحا أن تقوم الصحف بدور حیوی باتجاه التعلیقات والمتابعات للتغطیة السریعة للأحداث فی الإنترنت، وبخلاف أفكار شائعة یتوقع كاسبی أن تساهم الشبكة فی زیادة حجم ثقافة القراءة بما فی ذلك قراءة الصحف.