تقدیم کتاب الفكر، الثقافة والأدب، الحضارة
واضح ان لكل تاريخ، ثقافة وحضارة. فهناك الكثير من الحضارات التي نشات في ربوع الكرة الارضية واضمحلت بعد حين و اعطت مكانها لحضارة اخرى. ولا شك انها اثرت جزئيا على بعضها الاخر، بيد ان ما يميزها عن بعضها بعضا وحتى ما يشكل بطاقة تعريف لها، هو باطنها اي «الثقافة» مثلما ان الفكر يشكل باطن الثقافة. ان الفارق بين الحضارة اليونانية وحضارة العصر الاسلامي، لا يكمن في شكل المباني و البنية المعمارية وازياء الناس و ملابسهم و لا حتى في علاقاتهم الاجتماعية بل في الرؤية الكلية الخاصة التي ارست اساسهما؛ اي الانطباع عن الكون و التعاريف عن نشاتها و غايتها و بالتالي التعريف الذي قدمته عن الانسان. و من هذا المنطلق فان التباين و التمايز بين الحضارات لا يكمن في «الصورة الخارجية للعلاقات و المباني» بل يعود الى «ذاتها»، وليس من الممكن تقديم درك شامل و متكامل عن ثقافة قوم ما او حضارتهم من دون معرفتهما.
و هذا الشئ الذي يجعل مكونات حضارة ما متماسكة و يضفي عليها هوية محددة.