دعوة (الاتصال) استدعاء الشياطين:القسم الأول

اسماعیل شفیعی سروستانی
قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) وهو يخاطب السيد عبد العظيم الحسني:
“يا عبد العظيم، أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً…”

 

اسماعیل شفیعی سروستانی
قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) وهو يخاطب السيد عبد العظيم الحسني:
“يا عبد العظيم، أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً…”
على عكس القصة والرواية، فإنه ليس سهلا قراءة المسرحية بدليل طريقة كتابتها وتنظيم أسطرها.
إن قارئ المسرحية يضطر أثناء القراءة لإعادة صياغة المشاهد والأحداث التي تقع لأبطال المسرحية وممثليها في ذهنه وأن يتماشى معها مشهدا مشهدا.
ومن بين المسرحيات الكثيرة التي قراتها أو سمعتها، هناك مسرحية تدور أحداثها حول المصير المؤلم والمحزن لعالم وأستاذ يدعى الدكتور فاستوس  لفتت انتباهي. وقد كتب هذه المسرحية كاتب بريطاني يدعى كريستوفر مارلو  في آخر عقد من القرن السادس عشر.
وكان الدكتور فاستوس وحيد زمانه في الحكمة والإلهيات والمنطق. وكان يجيد الطب والقانون، لكنه لم يكن قانعا وراضيا بهذا التفوق، لذلك ومن أجل  تلبية طموحه الذي لا ينتهي لجأ إلى السحر والشعوذة وأدار ظهره لجميع المعتقدات الدينية لآبائه وأجداده. وأغلق الأبواب بوجهه واستعان بالعلوم الغريبة والرقية والتمائم. ومضى قدما في هذا البحث والطلب إلى أن أفلح في لحظة ما في إقامة اتصال مع الشيطان.
ويرى فاستوس، شيطانا يدعى مفيستوفيليس  يظهر من وراء ظهره. إنه يسعى جاهدا لجعل مفيستوفيليس يقوم على خدمته، لكن بما أن الأخير هو في خدمة أمير  الشياطين أي لوسيفر، لم يصبح في خدمة فاستوس لكنه يساهم في التوقيع على عقد دموي بين فاستوس والشيطان بفضل اصرار فاستوس وبوساطة من مفيستوفيليس كوسيط ورسول لأمير  الشياطين.
وبموجب هذا العقد، يحصل فاستوس على أربعة وعشرين عاما من الحياة والتمتع بمساعدات ودعم مفيستوفيليس، وفي المقابل يوافق فاستوس على أن يقدم روحه في نهاية الموعد المقرر ويجعلها في خدمة الجحيم.
ويلبي الشيطان خلال هذه الفترة بعض طلبات فاستوس ويرد على أسئلته، لكن وبعد كل مرة من التمتع، يقترب فاستوس مرتبة أكثر إلى عتمة الروح والجحيم.
ويغوص فاستوس أكثر فأكثر في الظلام والعتمة متجاهلا تنبيهات الملك الطيب الذي يلوم بين الفينة والفينة نفس فاستوس ويدعوه إلى التوبة والإنابة والعودة عن الحرص والعنجهية، ويقضي بالتالي أربعة وعشرين عاما من الحياة بطبيعة تتسم بالإثم متنفرا من جميع قيود العلم البشري.
ويمزج فاستوس الإثم والذنب بشهوة السلطة والتحسين والمكر والخديعة وتتغلب عليه نشوة الانتصار ليجد نفسه بغتة في وضع لا يمكنه من الحديث عن الله والمسيح. ولا يمر زمن حتى تسوء معيشته ويرحل عن هذه الدنيا بموت زؤام. ويعثر تلامذته على جسده ممثلا به، بينما ذهبت روحه إلى الجحيم.
إن فاستوس هو المصير المحزن وتراجيديا الإنسان الذي يبيع نفسه للشيطان.
ان مصير فاستوس هو ليس مصير عالم كبير من أهالي “ورتمبرغ” بألمانيا فقط، بل هو مثال لعصر الإنسان. قصة تاريخ طويل يمتد على مدى أربعمائة عام يتصف بصفات ماستوس. قصة إنسان يطغى عليه عطش السلطة والميل للاستيلاء على جميع الحدود من دون رادع ووازع، ويدير ظهره لجميع السنن والأوامر  والنواهي السماوية ليستحوذ على السلطة على جناح الذنب والإثم والشعوذة والشيطان.
وقد طغت شهوة السلطة والهيمنة على فاستوس لدرجة لا تؤثر فيه نصائح وتنبيهات ملك الرحمة الذي يدعوه إلى تحاشي السحر والشعوذة وإلى العودة والإنابة.
وفي أول  لقاء جمعه مع مفيستوفيليس، يطلب فاستوس منه بأن يلازمه على الدوام وأن ينفذ له ما يريده، حتى وإن كان إخراج القمر من مداره أو إغراقالأرض بالمياه. ويقول مفيستوفيليس في بادئ الأمر بأنه  عبد إبليس ولا يمكن له أن يسدي أي خدمة لفاستوس من دون إذن ابليس، لكن إبليس (لوسيفر) يعطي هذا الإذن لكي يحقق فاستوس مطالبه.
ورغم أن مفيستوفيليس يذكره بداية بأن اللعنة الأبدية تلاحقة في هذه الواقعة وسيخلد في الجحيم وحيثما يذهب سيكون الجحيم معه وهو مع الجحيم، لكنه يعلن بغطرسة تامة ورقبة ممشوقة:
إن كان لي مكان بعدد نجوم السماء لكنت أسلمها كلها إلى مفيستوفيليس … وسأكون بمساعدته ملكا على جميع الأوطان وسأبني في السماء جسرا معلقا لكي أعبر من عليه المحيط. إني ساتسلق ذلك الجبل الذي يفصل أفريقيا عن أوروبا … والآن حيث حصلت على كل ما أردت، يجب أن أعلم ما الأعمال  الكبرى التي يمكن إنجازها بمدد علم السحر.
إن فاستوس الذي يعيش أجواء السلطة، هو كالمقامر الذي يضحي بكل شئ من أجل  ابليس.
إن قصة فاستوس، هي قصة “استدعاء”. استدعاء قوى الشر المنتشرة وفتح أبواب مملكة الوجود لها. القوى التي تدخل عبر بوابات مملكة الإنسان وبإذن الإنسان وتضيق الخناق شيئا فشيئا على سائر القوى (القوى الرحمانية) وتفرض هيمنتها وسلطتها على جميع نواحي ومناطق تلك المملكة، لكي تنقل في آخر لحظة جسم الإنسان وروحه الفاسدة والمشوهة إلى الجحيم لتزيد من  عدد أنصارها.
وفي قصة الدكتور فاستوس، يبدا كل شئ مع استدعاء وارتباط وثم “عهد”. إن العهد المبرم يحدد مصيره ونهاية سيره وسفره.
إن “التاريخ الغربي لأربعمائة عام” الذي يستعرض جشع الإنسان الغربي ونهمه ونزعته الشمولية، ليس على غير شبه بفاستوس وعهده مع ابليس. فالمسار واحد، بحيث أن جميع سنوات القرن العشرين تعرض مجمل الأزمات والمآزق المتلازمة بفجائع وكوارث وعسف ونتائج هذا العهد غير الرحماني.
وكل ما حل بقصة الخلقة طوال التاريخ، منذ اليوم الأول  ومنذ إبرام عهد الإنسان الأول  مع الله، تمثل في الامتثال والرضوخ لأوامر  ونواهي ذلك الرب الجليل ونكث هذا العهد.
والآيات الكريمة : “أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ*
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ* هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ”؛  تبين بداية ونهاية نكث العهد مع الله تعالى وانعقاد العهد مع الشيطان الرجيم.
وربما يمكن القول بأن قصة مجئ الإنسان وذهابه في الاأرض على مدى القرون المتمادية هي قصة انعقاد العهد ونكث العهد مع مصدري  الرحماني أو الشيطاني.
ويسري ويجري دائما وعلى امتداد التاريخ وعلى أديمالأرض والعلاقات الإنسانية، نهران وتياران وسلسلتان تحتضن ببطانها عموم البشرية. وأحد التيار الذي أرسى عهده مع الشيطان وأصبح  في خدمته لينتفع من ثمار هذه الصداقة، والثاني التيار الذي أرسى عهده مع الله ورسله، وأصبح  في خدمته.
ويقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا معاهدي إبليس: ” اِصْلَوْهَا الْيَوْم بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ”.
وبخلاف ما يُتصور فإن جميع سبل اختراق الشيطان وجنوده للإنسان، مغلقة. ويبذل إبليس جل جهده لفتح نافذة لينفذ من خلالها إلى مملكة الإنسان.
وأول  نافذة للاختراق والنفوذ في الشعور والوعي هي “الوسوسة والإغواء”.
وعن الإمام الصادق (ع): ما مِن مَولود يولد إلا على الفطرة، فابواه اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”.  
إن سلاح “الوسوسة و “الإغواء” الذي يستخدمه الشيطان لن يكون فاعلا تجاه الذي أحكم إغلاق جميع منافذ وحدود مملكة وجوده. ويخاطب الشيطان، الإنسان يوم القيامة قائلا:

“… لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”؛  
يتبع إن شاء الله
جـميع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافي
لا يسمح باستخدام أي مادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من ادارة الموقع
ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.

شاهد أيضاً

استدعاء الشياطين:( القسم الثالث: ماذا حدث للنظام الحقيقي للاستدعاء؟ )

اسماعيل شفيعي سروستاني إن أيادي الشيطان وبعد بعثة الأنبياء وتنزيل الكتب السماوية، تدخلت وتصرفت في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *