أدلة وقوع الغيبة وثبوتها

من المنطق, وضرورات العقل _ تماماً _ أن تحدث هذه الغيبة المشار إليها في زمن ما؛ لتكون القضية المنطقية متحققة, وتسمى قضية صادقة, يتطابق فيها نسبة المحمول للموضوع, مع الواقع الخارجي, فعند ذلك, تكتسب القضية صفة القطع, واليقين المعرفي, لمن لم يصدّق بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم, أو الأنبياء عليهم السلام, وسواء بادعاء عدم صحة السند, أو عدم تعقل القضية, أو بإنكار قول الأنبياء عليهم السلام, فكله سواء, من الناحية المنطقية, ويحتاج إلى نفس التسلسل المنطقي, مع فارق اختصار بعض الحلقات, فإن من يصدّق بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم, يختصر جملة إجراءات, ولكنه يبقى, يحتاج إلى إثبات صدور البشارة, ويحتاج إلى تحقق البشارة.

من المنطق, وضرورات العقل _ تماماً _ أن تحدث هذه الغيبة المشار إليها في زمن ما؛ لتكون القضية المنطقية متحققة, وتسمى قضية صادقة, يتطابق فيها نسبة المحمول للموضوع, مع الواقع الخارجي, فعند ذلك, تكتسب القضية صفة القطع, واليقين المعرفي, لمن لم يصدّق بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم, أو الأنبياء عليهم السلام, وسواء بادعاء عدم صحة السند, أو عدم تعقل القضية, أو بإنكار قول الأنبياء عليهم السلام, فكله سواء, من الناحية المنطقية, ويحتاج إلى نفس التسلسل المنطقي, مع فارق اختصار بعض الحلقات, فإن من يصدّق بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم, يختصر جملة إجراءات, ولكنه يبقى, يحتاج إلى إثبات صدور البشارة, ويحتاج إلى تحقق البشارة. وتحقق البشارة يجب أن يثبت بالطريقة التالية:

1 _ وجود نصوص تدل على المهدي عليه السلام, بالاسم, والنسب.

2 _ ثبوت تحقق هذا الوجود, لهذا المنصوص عليه, بالولادة, والتعايش.

3 _ فإذا ثبت الأصلان السابقان, ثبت بشكل ذاتي, أنه صاحب الغيبة, فلا يحتاج إلى أكثر من دعوى الغيبة؛ لأنها نتيجة حتمية للمقدمات, من البشارة, والتحقّق (بالتسمية, والتعيين, والوجود, من ولادة, وتعايش).

ولكن, من أجل قطع الشكّ في هذه النتيجة, عند من يشكّك, فيجب ذكر التواصل, بعد ادعاء الغيبة, وهذا يعتمد على طرق الإثبات الخبرية, المعتمدة عند البشر, وأرقى هذه الطرق, هي طريق نقل الثقة عن ثقة, مع العلم, أنه لا يثبت شيء في الدنيا إن لم تثبت هذه الطريق؛ بل لا حقيقة تاريخية _ مطلقاً, على أن هذه الطرق, هي أكثر طرق إثبات التاريخ تشدداً؛ لأن هناك ما هو أقل من هذا المعيار تشدداً, ويؤخذ به عند محقق التاريخ, ووقائعه, بل عند جميع العقلاء, فيما إذا أرادوا إثبات حدث, كطرق القرائن الدالة, بل ما هو أدنى منها مرتبة, من الطرق الظنية, كالآثار, والدلائل الأخر, التي يأخذ بها المحققون, في إثبات الوقائع التاريخية. فإذا ثبتت هذه الطريق, أو جملة طرق معرفية لثبوت الواقع التاريخي الخارجي, فلا مجال إلاّ التسليم بوقوع الغيبة, فضلاً عن إمكانها, والبشارة بها.

وهذه سلسة متكاملة, لا بدَّ من الترابط بينها, ولا يصح إغفال بحث حلقاتها, لمن يريد أن يبحث بطريقة علمية, ولا يجوز عكس القضايا, بطريقة مقلوبة, كما وقع لبعض المذاهب الإسلاميّة, وتابعيهم في تناول هذه القضية. فإن بعض المذاهب الإسلاميّة تعاملت مع هذه القضية بشكل غريب, من ناحية منطقية, فمثلاً هم يثبتون صحة نصوص البشارة بالمهدي عليه السلام, وغيبته, وبعد أن يصلوا إلى اسمه محمّد بن الحسن عليه السلام, ويسلمون بوقوع ولادته, لكنهم يشككون في غيبته, بحجة أن ادعاء الغيبة, إنما هو ادعاء صدر عن نوابه من أجل المال. وهؤلاء الذين يعتبرهم التاريخ ثقات, ومن أتقى الناس, وأمثلهم طريقة, هم كاذبون _ كما زعموا _ بسبب حب المال. وعليه _ كما استدلوا _ لا أصل لأحاديث المهدي. وهذا الشكل من الاستدلال, خلط للأوراق, وخرق لكل تفكير وتسلسل منطقي.

هنا _ يفاجأ المرء, بالرجوع القهقرى, بواسطة دليل ظني, غير صحيح, على أصل البشارة, وأصل أحاديث المهدي عليه السلام, فإذا أراد قائلهم أن يجامل, وأن يتلّون فيقول: إن هذه القضية, تثبت أن أصل قضية المهدي, غامضة, ومشوّشة, ولا يمكن معرفتها, ولا طريقة التعامل معها, حتّى لو لم ننفِ أحاديث البشارة بالمهدي, بشكل إجمالي. وهذا يثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما تكلم عن المهدي, بهذه الصراحة, والوضوح, والتكرار بكثرة, لم يضع أيّ تكليف على المسلمين, تجاه هذه القضية, مما يبقيه إخباراً عبثياً مزعجاً, لا داعي له, وهو يشوّش فكر المسلمين, بقضية يدّعى أنها قضية ارتكازية, والنتيجة هي قضية غير مطلوبة _ أصلاً, وأقل من هامشية, فكيف تكون قضية مركزية, في فكر المسلم, وهي غير مطلوبة منه, بأيّ موقف كان؟

وعلى هذا _ يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم, قد فعل عكس ما هو مأمور به من البيان, وهذا اللازم, لا يهم أصحاب هذا الاتجاه السلبي, تجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم, بل الأنبياء عليهم السلام, والرسالات, خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن البشارة لم تكن على لسانه الشريف وحده صلى الله عليه وآله وسلم  بل على لسان أنبياء آخرين, وفي رسالات أخرى, بل وفي عموم الديانات كما سيتضح ذلك في الفصل التالي.

هذا المسار الفكري, كثيراً ما يقع في شرك عشوائية التفكير, إذ لا يهمه, ولا يعتني أبداً أن ينعكس تفكيره في أيّ مرحلة من المراحل, وأن يقفز من مرحلة إلى أخرى, بعيداً عن المنطق, والتفكير السليم, وهذه هي العبثية في الفكر بأجلى صورها.

نستطيع أن نمثل لهذه القضية, بأمثلة واقعية, لفكر المغفلين, والجهلة, حين لا يميّزون تسلسل الأفكار. فمثلاً حين نقول: إن الطبيب الفلاني حاذق, إنما نقول ذلك لشهادة جامعته, وشهادة زملائه الأطباء, وشهادة المرضى, الذين عالجهم, ولكن سرعان ما نسمع من الجهلة: إن هذا الطبيب لا يفهم, بدليل أنه طبب فلاناً, فوصف له وصفة ناقصة, فانتكست صحته وبعد التحقيق, يتبيّن أن المريض لم يلتزم بتوصيات الطبيب, وسمع نصيحة زائر له, بأخذ دواء إضافي, سبب له ما لا يمكن السيطرة عليه. وما أكثر ما يمرّ بنا مثل هذا الحدث في الحياة الواقعية بالفعل. ولقد كنت أتصور أن هذا شأن الشرق الغارق بالجهل حسب, ولكن بعد الخبرة الحياتية, تبيّن لي أنه حالة شائعة عالمياً, عند كل السطحيين, والجهلة في العالم, حتّى في أكثر الدول تقدماً. وهذا يشبه _ إلى حد بعيد _ ما يقوم به بعض أصحاب المذاهب, تجاه قضية الغيبة, فهم يحاولون نفيها, بأدلّة فلسفية, خيالية, غير متحدة الموضوع مع المدعى, ولا تثبت في النقاش, وبسببها ينفون أصل القضية الثابتة بالأدلّة النصوصية عندهم, كما هو حال الطبيب الثابتة براعته بالشهادات العلمية, بدليل لا يمت إلى أصل القضية بصلة, بل هو يثبت عكسها.

وهكذا فادّعاء عدم وثاقة نواب الإمام, لاحتمال الاستفادة المالية, هو من أوهن الطرق المنطقية؛ لأن الوثاقة تنفي الاحتمال المذكور, فكيف يكون الاحتمال نافياً للوثاقة؟ ثمّ إن البحث في احتمال الخيانة المالية لا يمكن أن يكون جزءً من دليل النفي؛ لأن هذا الادعاء لا يكفي فيه الاحتمال _ أوّلاً _ بل يجب أن يكون محققاً, وأنّى لهم هذا؟ ثمّ إن الأمر لا يتعلق في الحقيقة بالنواب الأربعة فقط, بل بمجموع علماء, وفقهاء المذهب, الذين فيهم من هو أكثر علماً, وأعظم شأناً, من النواب, وتسليم كل هذا المجموع بصحة نيابتهم, لم يكن عن جهل عند العلماء منهم, بل العالم تصرّفه عين العلم, ثمّ كما يظهر, من مجمل تصرف علماء الشيعة, بأنهم كانوا يمتحنون النواب, بقضايا لا تقبل الشكّ, من قبيل الخوارق, والمعجزات, واختبار الأمانة, والصدق, بالإضافة إلى تيقنهم, من خلال اللقاء السري لقادة الشيعة بالإمام, إخبار الإمام نفسه عن وكلائه, وتوثيقهم, أو نفي بعضهم. أي باللقاء السري مع خاصته, الذين لا شبهة فيهم, وهم من ينشر الخبر, وحين يكون اللقاء بهذا الحجم, يكتسب صفة التواتر, التي هي أقوى أدلّة المعرفة.

نأتي إلى معالجة التسلسل المنطقي لإثبات وقوع الغيبة, مع عدم الاستشهاد بالنصوص _ متعمدين _ لأن البحث خارج عن هذا؛ ولأن النصوص تملأ مجلدات, وهي موجودة بكتب مستقلة, يمكن الركون إليها, ودراستها, مع أننا سنذكر ما يتعلق بالبشارة به عليه السلام:

1 _ تسمية الإمام, وتخصيص سلسلة آبائه, وهذا ثابت لمن درس النصوص, عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وعن الأئمّة الأطهار عليهم السلام, واحداً بعد واحد, بأنه محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن (عليّ بن أبي طالب) الذي جعل الله ذرية نبيه صلى الله عليه وآله وسلم, في عقبه, كرامة من الله, لا تقل أعجوبة وعن أيّة كرامة للأنبياء. وهذا التعيين, إذا ناقش فيه المزوّرون, ورضي بتزويرهم العقلاء من طالبي الحق والحقيقة, فإن معنى ذلك, هو التسليم بكذب التاريخ, وعدم صدقه, إذ لا حقيقة تبقى, ولا دين, ولا وجود لأيّ معنى للتاريخ في الحاضر.

2 _ إثبات ولادة الإمام, وثبوت وجوده, وهذا بسيط من ناحية معرفية, فإن شهادة المولّدة, وشهادة الأهل, بثبوت النسب _ خصوصاً الأب _ هي مما يعتبر شرعاً, وقانوناً, وواقعاً, في إثبات النسب, والوجود, فإذا أراد الحاكم الشرعي, أن يثبت نسب إنسان عادي, فماذا يفعل, غير ثبوت الفراش الشرعي, وشهادة الوالدة, وإقرار الأب؟ وهذه الأمور, حاصلة _ تماماً.

فكيف إذا أضفنا إليها, استحضار الإمام العسكري عليه السلام, لزعماء الشيعة, وأعيانهم, وإطلاعهم على إمامهم المقبل, وتكلّمهم معه عليه السلام, واستمرار ذلك طيلة حياة الإمام العسكري عليه السلام, وبعد وفاته, حيث ظهر الإمام المهدي عليه السلام ظهوراً قصيراً للعامة, يوم دفن أبيه عليه السلام, وبعد ذلك التواصل مع الشيعة, عبر أوثق, وأهم, نواب الإمام الحسن العسكري, والإمام الهادي, وهو العبد الصالح عثمان بن سعيد العمري الأسدي, رضوان الله عليه, المشهور بالفضل, والإيمان, والوثاقة, بشهادة إمامين سابقين على الإمام المهدي عليه السلام, مما يجعل قضية التشكيك فيه, قضية تجزيئية, غير ناظرة للواقع الحقيقي, وهكذا الحال في محمّد بن عثمان, ابنه, وفي الحسين بن روح, وفي السَمري, رضوان الله عليهم أجمعين, فهم من أوثق الناس في الأمانة, والتدين, والصلاح, بموجب أشد المعايير المتبعة, في تحديد الوثاقة.

هذه الحال, لا تدع أيّ مجال للشكّ, ولكن بعض أصحاب المذاهب, والأهواء _ الذين لا تعنيهم الحقيقة العلمية, بقدر ما يعنيهم التشكيك _ شكّكوا في ولادة الإمام عليه السلام ؛ لأن من كان نائباً عنه يستلم أموال الإمام, ويسلمها إليه؟ وكأن هذه الحال, تهمة, بدخول المال في القضية! وشكّكوا به؛ لأن الإمام العسكري عليه السلام لم يتزوج, ونسوا بأن المهدي عليه السلام ابن سرية, وليس ابن زوجة! وكأن المشككين, جاءوا من جزر الواق واق, فلا يعرفون أن ابن الاَمة, ابن شرعي, وأن العديد من أئمّة الشيعة, هم أبناء إماء, مثل الإمام زين العابدين, والكاظم, والجواد عليهم السلام, وشكّكوا؛ لأن الإمام نفى أمام محضر الجواسيس, وجود ولد له, وكأنهم ينتظرون من الإمام أن يقدّم بقية الله الأعظم عليه السلام, إلى جلاوزة الشيطان؛ ليقضوا عليه!! ومن الطبيعي, والمنطقي _ تماماً _ أن ينفي الإمام عليه السلام ولده, في مورد الاجتماع العام, وفي وجود الجواسيس, وقد استدلوا على عدم الولادة, بعدم ذكر لعبه مع الأطفال في الشارع, وهذا استدلال عجيب صادر عن عقل قاصر, لا يدرك حجم المسألة, وقد كرره من لا يستطيع أن يثبت أيّ حقيقة تاريخية, بما فيه ولادته من أبيه عليه السلام بموجب معاييره, فهل يستطيعون إثبات لعب الأنبياء مع الصبيان, أو لعب النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أو لعب الأئمّة, بل هل يستطيعون إثبات روايات لعب معاوية, وعبد الملك بن مروان, وأبي حنيفة, والشافعي في الشوارع مع الصبيان, على أن حال الإمام المهدي عليه السلام مختلف تماماً, لما وكّل به أمر السماء, وللشأن الذي هو عليه, ناهيك عن ضرورة إخفائه, هذه الضرورة التاريخية التي أرادها الله _ تعالى _ قبل أن يطبقها الإمام العسكري على ولده المبارك.

كما استدلوا على عدم ولادة الإمام المهدي عليه السلام باختلاف أسماء اُمّه, فهي ذات عدة أسماء, وعليه فالإمام المهدي عليه السلام غير مولود!! وقد نسي هؤلاء السطحيون, أن السبية تأخذ اسماً جديداً, عند كل نخاس, وعند كل مالك. وهي كبقية السبي, لها اسمها الذي سماها به أبواها, وأسماؤها التي سماها بها النخاسون, واسمها الذي سماها به الإمام العسكري عليه السلام, فما المشكلة في تعدد أسماء اَمةٍ تباع في الأسواق كبقية الإماء؟

والحقيقة, إن هذه أهم مصادر تشكيكهم, في ولادته, وفي الطعن بالإمام, وبالإمامة, وبحقيقة التشيّع _ كما يقولون _ وهي أقرب إلى الفكاهة, منها إلى الأدلّة, التي تستطيع أن تنفي الواقع. وبعضها, لو جردناه عن كثرة الكلام, والتشويشات, لكان قضايا هزلية, يمكن أن تكون من الطرف, والملح, التي يتسامر بها المتسامرون, وإلاّ ما ذا يمكن أن يسمى _ سوى هذا _ التشكيك بولادة الإمام؛ لأن اُمّه (الاَمة) لها عدة أسماء؟ وما الذي يقال لمن ينفي وجود من شهدت الأدلّة الشرعية, والعقلية, والقانونية, والواقعية بوجوده, بسبب عدم ورود روايات, للعبه بين الصبيان؟ هذه كلها _ في واقع الأمر _ ليست سوى طرف, وفكاهات, تدل على المستوى العقلي, لمن يصدق أنها أدلّة علمية, على نفي الحقيقة.

ثبوت الغيبة:

وهذا يفهم من الكلام السابق. فالغيبة واقعة _ أصلاً _ منذ بداية حياته, وقد تم إخفاء الإمام عليه السلام, من قبل والده عليه السلام, واستمر الاختفاء, والغيبة, مع التواصل المحدود, مع القيادات الشيعية, وأهل الوساطة الموثقين, وقد كان الواقع من الاختفاء, والانتظار لأمر الله الكبير, لإصلاح البشرية, يتطابق ويتوافق, مع ما ورد من نصوص, عن المعصومين عليهم السلام, في طريقة الغيبة, وأهدافها, وأسرارها, وقد وقعت للشيعة, حلولاً, وتواصلاً معجزاً, مع الإمام عليه السلام, في غيبته الصغرى, التي كان فيها يتواصل مع شيعته, عبر نوابه, وهذه الحالة, قد سلّم بها الكثير من العلماء المخالفين للمذهب الشيعي.

وأما بالنسبة للغيبة الكبرى, فإن وقوعها كان بإعلان معجز, حيث حدد الإمام عليه السلام, وقت وفاة نائبه السمري, رضوان الله عليه, بعد ستة أيام, وستقع بعدها الغيبة،(1) وفعلاً وقع ذلك, وتمت الغيبة, التي وعدنا بها الأنبياء, والنبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم, والأئمّة الطاهرون عليهم السلام, ولكن في سبيل أن يزول الشكّ, من قلوب المؤمنين, كانت تحدث بعض اللقاءات بالإمام, من دون قصد, أو من دون أن يكون هناك وكالة, أو سفارة, لتثبيت الوجود, في قلوب المؤمنين, وليأتيهم الردّ على التشكيك, بكونه مات, أو هلك, كما يتصور من لا يؤمن بهذه الظاهرة الغريبة, التي صنعها الله في البشرية, في عصرنا تقريباً, إذا استثنينا الإيمان بوجود الخضر, وإلياس عليهما السلام, أو الدجال. وإلاّ فإن ما حدث لهم, ظواهر مشابهة لظاهرة بقاء الإمام, وغيبته.

وأكتفي بهذا القدر من الإشارات المهمة, في وقوع الغيبة للإمام المهدي عليه السلام, من دون الخوض في النصوص _ كما قلت؛ لأن هذا الموضوع, يستحق كتباً طوالاً, وليس كتاباً واحداً. أو مبحثاً واحداً في كتاب, يكون فيه أحد المقدمات التوضيحية الكثيرة, لموضوع أصل فكرة الإمام المهدي, وعلاقته بالله _ تعالى _ ودينه.


الشيخ نزيه محي الدين/ استاذ وباحث في الحوزة العلمية

الهوامش

(1)  جاء في رسالة الإمام عليه السلام, إلى أبي الحسن السمري, رضوان الله عليه: (بسم الله الرحمن الرحيم, يا عليّ بن محمّد السمري, أعظم الله أجر إخوانك فيك، ‏فإنك ميت, ما بينك, وبين ستة أيام, فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد, فيقوم مقامك ‏بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى، وذلك بعد ‏طول الأمد, وقسوة القلوب, وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدعي ‏المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة, قبل خروج السفياني, والصيحة فهو كذاب ‏مفترٍ, ولا حول, ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم). كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: 516. وقد عد الشيعة الأيام, فكان كما قال عليه السلام، وقد وقعت الغيبة الكبرى, بعد هذه الرسالة, ووقع ما كتبه عليه السلام, من ادعاء بعض الشيعة للسفارة, كذباً, وقد فضح الله كل من كذب على الإمام عليه السلام, ببركته, وتوفيق الله.

Check Also

عِللُ الغيبة و فلسفتها

«اللّهمّ عرّفني حُجّتك، فإنّك إنّ لم تُعرّفني حُجّتك ضَلَلْتُ عن ديني»لا نعرف شيئاً بعد معرفة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *