الشيخ المفيد: إسم يرد عند علماء الشيعة من كبارها، وعند المتكلمين من أحسنهم وألمعهم وأكثرهم محاجة وإظهاراً للحق، وعند الفقهاء أورعهم وأتقاهم، عاش في بغداد وانشغل بدراسة العلوم الدينية فيها حتى أصبح المقدم في كل علم من الفقه والكلام والاصول وذاع صيته في بغداد.
من هو الشيخ المفيد؟
الشيخ المفيد: إسم يرد عند علماء الشيعة من كبارها، وعند المتكلمين من أحسنهم وألمعهم وأكثرهم محاجة وإظهاراً للحق، وعند الفقهاء أورعهم وأتقاهم، عاش في بغداد وانشغل بدراسة العلوم الدينية فيها حتى أصبح المقدم في كل علم من الفقه والكلام والاصول وذاع صيته في بغداد.
وتبلغ مؤلفات الشيخ المفيد طبقاً لما ذكره تلميذه البارز الشيخ الطوسي مئتي مؤلف.
وقد توفي رضوان الله عليه في بغداد عام 413 هجرية عن عمر بلغ 75 عاماً ودفن في المرقد المشرف للأمامين الكاظمين عليهما السلام.
الرسالة الاولى الى الشيخ المفيد قدس سره نص الرسالة كما ورد في الاحتجاج للشيخ الطبرسي:
ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها في أيام بقيت من صفر سنة عشرة وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز نسخته: (الاحتجاج الجزء : 2 الصفحة : 497)
للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق، أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك أعزهم الله بطاعته وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته فقف أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.
نحن وإن كنا نائين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنا نحيط علما بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، أا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حم أجله ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متمّ نوره ولو كره المشركون، اعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية يحششها عصب أموية يهول بها فرقة مهدية، أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن وسلك في الطعن منها السبل المرضية، إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه ستظهر لكم من السماء آية جلية ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا فإن أمرنا بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة، والله يلهمكم الرشد ويلطف لكم في التوفيق برحمته، نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام، هذا كتابنا إليك أيها الأخ الولي والمخلص في ودنا الصفي والناصر لنا الوفي حرسك الله بعينه التي لا تنام فاحتفظ به ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحداً وأدِ ما فيه إلى من تسكن إليه وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
قبل الدخول في صلب بحث موضوعنا وهو معنى الرسالة والمطلوب منا عمله في هكذا ظروف هناك عدة مسائل منها:
سند الرسالة:
أوردت هاتان الرسالتان في كتاب الاحتجاج للطبرسي بدون سند ومرسلة مما يدعو البعض إلى تركهما وركنهما لعدم احتوائهما على السند وخاصة ان بين الشيخ المفيد والطبرسي مؤلف الاحتجاج رحمهما الله حوالي اكثر من مئتي عام مما يبعد الاحتمال عن أنه أخذ الرسالتين مباشرة عن الشيخ المفيد، أقول: ورد في الرسالة الشريفة: إعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه، مما يدل انه ألزم الشيخ المفيد بنقلهما الى من تسكن إليه نفسه أي من الشيعة الموثقين فقط لا غير لغاية أمنية أولاً وعدة أسباب أخرى تقتضيها المصلحة العامة ثانياً، وهكذا نعرف أن الشيخ المفيد أدى مضمون الرسالة الى الخالصين من الشيعة الذين التزموا بمعاني الرسالة الكبرى ومفاهيمها العليا. ولهذا أيضا نرى خلو كتب الشيخ المفيد من إيراد هذه الرسالة لان كتبه تقع بيد الخاص والعام. ونفهم أيضا أن السلسلة التي وصلت عن طريقها الرسالتان الى الطبرسي هي من خاصة مؤمني الشيعة أيضا الذين توارثوا هاتين الرسالتين ولهذا نرى أن الطبرسي كان مسلّماً لهاتين الرسالتين بالأخذ بهما أخذ المسلمات حيث قد أوردهما في كتاب مراسلات الامام المهدي في عصر الغيبة وغيرها.
وقد أورد السيد الصدر ثلاثة أسباب وجيهة إلى الأخذ بهاتين الرسالتين هي:
أولا: إرسال الطبرسي لهما إرسال المسلمات مما يدل أنه كان معتقدا بصحة سندهما وربما يكون قد حذفه لمدى شهرته ووضوحه.
ثانيا: تضمن الرسالتين على توجيهات عالية وتنبؤات صادقة.
ثالثا: إقتضاء المصلحة العامة صدور هذه الرسائل في أول زمان الغيبة الكبرى وذلك لتحقيق مصلحتين:
المصلحة الاولى: اعطاء الإمام المهدي لقواعده الشعبية القواعد العامة والمفاهيم الاساسية التي ينبغي أن يعرفها الناس وتكون سارية المفعول خلال عصر الغيبة الكبرى.
المصلحة الثانية: اعطاء الإمام المهدي عليه السلام القيادة الرئيسية من الناحية الاسلامية بيد العلماء الصالحين.
لماذا الشيخ المفيد؟
وقد يرد أيضا سؤال وهو: لم يَختص الشيخ المفيد بتشريفه بهاتين الرسالتين من دون الشيعة وعلى مدى هذه العصور الطويلة؟ ولهذا جواب من عدة نواحي أولا: ورود (أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك).
في نص الرسالة نفهم أن الإمام دعا الله سبحانه لهذه المراسلة وقد أذن له سبحانه لهذه المراسلة وقد فهم الإمام هذا القبول إما عن طريق علم الإمام الإلهي بالغيبيات والحكم الإلهي لكل واقعة أو من طرقه الخاصة الأخرى.
ثانيا:
قبول الاطروحة التي طرحها السيد الصدر من أن الذنوب هي التي تحجب الانسان عن المعصوم ورؤيته.
ومما يؤيده ان الشيخ المفيد رضوان الله عليه كان طاهرا من الذنوب وقد انفك منها. وانه انكب على الطاعات وحصل على رضوان الله عليه مخاطبة الامام له بالأخ السديد والولي الرشيد.
شرح الرسالة الأولى:
تضمنت الرسالة في المقطع الاول السابق على التعريف لمن أرسلت له الرسالة ومرسل الرسالة والحمد والتهليل وعلى توصية بمن يجب أن يعرض عليه الرسالة وهو من تسكن إليه أيها الشيخ المفيد.
سبق وأشرنا إلى هذا اللطف الالهي الذي اختص به المفيد من مخاطبته بالاخ من قبل الامام وذلك لبيان مدى الدرجة التي وصل اليها الشيخ رضوان الله عليه بدأت الرسالة بالبسملة ببسم الله الرحمن الرحيم تيمنا وبركة كما اعتاد مسلمو الشرق والغرب بالتسمية في بداية كل أمر والسلام بعبارة سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين ليبين مدى الفضيلة التي اكتسبها الشيخ المفيد لانه ولي لآل بيت الرحمة ومخصوص بأهل بيت النبوة باليقين الكامل، ولهذا تمتع الشيخ المفيد بهذه المكانة العليا لدى شيعة أهل البيت وآل البيت، ومتابعة لمؤلفات الشيخ المفيد مع سيرة حياته الكريمة نرى زخر مؤلفاته بالدفاع عن مذهب أهل البيت وتعميق رأي مدرسة أهل البيت ووضع الأصول الفقهية والعقائدية للمذهب والتي لا تصدر إلا عمن درس العلوم الدينية عن دراية وفهم واستنباط وحس علمي طويل في إثبات الحق لا يكتسبه الا ذو حظ عظيم وكثرة محاجته التي ظهرت على المخالف والمؤالف…
وكذا بدأت الرسالة بتوحيد الله والثناء عليه بالكلمة العظمى الله الذي لا اله الا هو التي وردت عدة روايات انها اسم الله الاعظم وبالدعاء بالصلاة على محمد واله الطاهرين.
وكذلك ابتدأت الرسالة موضوعها بالدعاء للشيخ بالتوفيق لنصرة الحق وهو النهج الذي نهجه الشيخ المفيد في مؤلفاته وكرس حياته له وهو نصرة دين الحق ونرى أن بعد ذكر صاحب الأمر لاسم الشيخ ابتداءً قد دعا له بالعز فقال: (أدام الله إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد)، وهذا الدعاء أيضا ينم عن مدى عظمة الشيخ المفيد وكم أدخل سروراً على آل البيت بنصرته لمذهبهم بالحكمة وبالموعظة الحسنة.
وبعد أن أعلم الشيخ المفيد أن الرسالة إنما هي قد جاءت بعد أخذ الإذن الإلهي ولاقتضاء المصلحة.
يورد السيد محمد الصدر اطروحتين لفهم الإذن الإلهي للإمام هما:
الأولى: صدور الإذن المباشر من قبل الله عزوجل في كل واقعة واقعة. ذلك الإذن مستفاد بالالهام ونحوه من مراتب العلوم التي يختص بها الإمام المعصوم.
الثانية: الإذن الإلهي المستفاد من بعض القواعد العامة التي يتعرفها المهدي عليه السلام. ويستطيع تطبيقها في كل مورد.تلك القواعد التي نعبر عنها باقتضاء المصلحة الإسلامية لشيء من الأشياء.
فإذا أحرز الإمام وجود المصلحة في المراسلة مثلا فقد أحرز وجود الإذن الإلهي بالعمل على تلك المصلحة.
أبلغ صاحب الأمر الشيخ أن هذه الرسالة بعد فهمها والعلم بما جاء بها ألاّ يبلغها إلا للخالصين لمن يطمئن إليهم بالإيمان من الشيعة لتكون دستورا عمليا للعمل بما تقتضيه المصلحة العامة من الواجبات.
وان شاء الله فان الامام كما نفهم من النص العام انه يسكن بمكان بعيد عن دور الظالمين للصلاح الرباني في حفظ راعي الشريعة الامام المهدي عن أخطار الظالمين وملاحقاتهم، وخوف الامام هذا نابع من خوفه على المذهب والشيعة حيث قال¨ حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين.
وان هذا البعد عن الانظار باق ما دامت دولة الفاسقين قائمة في الارض إلا أن هذا البعد فإن الإمام قريب من الشيعة عالم بأحوالهم عارفاً بأخبارهم ولا تفوته من أمورهم الدينية والدنيوية مثقال ذرة.
وبعد البيان الاجمالي باحاطته عليه السلام بالامور ودقائقها بدا التفصيل عن المحنة التي أصابت الشيعة فنفهم من نص الرسالة أن الشيعة كانوا واقعين تحت الذل والحروب وفي التاريخ المرافق لظهور هذه الرسالة وهو العام 410 هجرية، فعلى الرغم من انتشار مذهب التشيع الإثني عشري في القرن الرابع الهجري إلا أننا نلمس أيضا في هذا القرن زلزلة الوضع السياسي العام للمسلمين وانتشار الفتن الطائفية والسياسية وتخلخل الوضع العام ونجمل الاحداث العامة كما في موسوعة الامام المهدي والكامل في التاريخ.
1. أحداث عامة
1 ـ امر الاندلس قد آل الى التفرق والانحلال عام 407 هـ
2ـ الشمال الافريقي يؤول الى التفرق وتنابذ الامراء بعد أن غادره المعز لدين الله الى مصر عام 341
3 ـ تاسيس الدولة الفاطمية من قبل المعز لدين الله في مصر مع وجود حرب في شمال افريقيا عام 406
4 ـ انقطاع الحجاج عن الحج للصعوبات للاعوام: 401هـ، 411هـ ، 416هـ، 417هـ، 418هـ.
2. أحداث خاصة بالشيعة
فعلى الرغم من انتشار مذهب التشيع في هذه الفترة وظهور علماء كبار لهم ومتكلمين أمثال الشيخ المفيد الذين وضعوا في هذه الفترة أصول الاستنباط وأصول المذهب في زمن الغيبة وظهور دول شيعية أو تميل إلى التشيع مثل ظهور الدولةالفاطمية وسيطرة البويهيين على الحكومة الإسلامية إلا أنه قد حدثت حوادث مؤسفة ومضايقات جمة وخطيرة على حياة المواطن الشيعي في تلك الفترة:
1ـ حوادث مؤسفة في بغداد في يوم عاشوراء عام 406هـ
2 ـ في واسط في العام الذي يليه 407 هـ
3ـ قتلت جميع الشيعة في شمال افريقيا.
4ـ حوادث في بغداد عام 408هـ
5ـ اشتداد الاوضاع سوءاً في بغداد حتى نفي الشيخ المفيد من بغداد عام 409هـ
6ـ تكررت مثل هذه الأعمال في الكوفة عام 415هـ وفي بغداد عام 422هـ
وعلى الرغم مما أصاب الشيعة من المصائب فان الامام يؤكد أنه غير بعيد عن شيعته وأنه دائم بالدعاء لهم بالحفظ كما في نص الرسالة (موالينا قبلك أعزهم الله بطاعته وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته).
وان لولا هذا الدعاء لكان الاعداء أخذوا منهم كل مأخذ ولم يبقوا من الشيعة أحداً.
وان السبب من وراء هذا الذل ابتعادهم عن العهد المأخوذ عليهم وهو الامام المهدي كما تقدمت الرسالة بادئ الامر.حيث نعت الامام نفسه (من مستودع العهد المأخوذ على العباد).
تقوى الله… الوصية الأولى:
فاتقوا الله جل جلاله في هذا المقطع بدأت الرسالة الشريفة بالوصية الأولى وهي تقوى الله ورأس التقوى مخافة الله.
التقية في الفتن:
تؤكد الرسالة الصادرة بلزوم الاعتصام بالتقية عند اشتداد الازمات في زمان الغيبة وخاصة ظهور الفتن الطائفية كما هو واضح من الأحداث المرافقة لتاريخ ظهور هاتين الرسالتين والتي كانت مثيرة لهذه الفتن الجاهلية البعيدة عن التعاليم الحقيقية للاسلام يصفها بشب نار الجاهلية والتي يحشد لها ويعظمها أتباع (عصابات أموية) ونسبتها إلى الأموية أي الامتثال بسيرة آل امية في إظهار الكراهية الشديدة والعداء والبغض لآل البيت كما هو واضح من سيرة آل أمية. فالامام زعيم (كافل وضامن) بالنجاة من هذه الفتن كل من التزم طريق التقية وانشغل برضى الرب عن الدخول باللغو ومشاركة إشعال نار الفتنة واتخذ طرق السبل المرضية، أي اتخاذ طريق الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى آل البيت بالتي هي أحسن وأقرب إلى التقوى، وخير مثال هو الشيخ المفيد الذي عرف في زمانه بكثرة المناقشات والمحاججات التي كانت تتخذ طريق العلم من النفس العلمي الطويل والاستدلالات الدينية العلمية بدلا من اتخاذ طريق العصب الأموية وهو طريق القوة والارهاب الدموي في فرض أفكارهم.
التنبؤات في الرسالة:
(إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه ستظهر لكم من السماء آية جلية ومن الأرض مثلها بالسوية ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق).
الآية الأرضية:
يشير السيد محمد الصدر عن هامش الكامل الجزء السابع الصفحة 303 في موسوعته انه في النصف الاول من جمادي الاولى من سنة ورود الرسالة فاض البحر المالح وتدانى الى الأبلة ودخل البصرة بعد يومين.
الآية السماوية:
تضمنت الرسالة نبؤة من السماء جلية أهملها التاريخ تحدث في جمادي الاولى من سنة كتابة الرسالة وهي سنة 410هـ كتب السيد الصدر في موسوعة الإمام المهدي أنه إما لم يذكر التاريخ هذه العلامة السماوية أو أنها التي حدثت في العام 417 هـ حيث في رمضان 417 انقض كوكب (وهو المعبر عنه في زماننا بالنيازك والشهب) عظيم استنارت له الارض فسمع له دوي عظيم وله عدة تفسيرات:
أولا: انه فعلا حدث في جمادي الاولى حدث سماوي عظيم أهمله التاريخ لسبب أو اخر.
ثانيا: ان مفهوم البداء عند الشيعة قد يسمح بتأخر الحدث فتكون العلامة السماوية هي نفسها التي حدثت في عام 417هـ.
ثالثا:
ان موعد جمادى الاولى هو بداية العمل بوصية الامام في الرسالة من التقوى والعمل بالتقية حيث تناول المقطع لما يكون في الذي يليه أي أن موعد جمادى الأولى هو بداية العلامة السماوية الجلية والارضية معها بالسوية تتابعا فيشير عليه السلام إلى موعد بداية الأحداث وتتابعها فيما بعد، وعلى هذا المفهوم من الرسالة تكون موعد الشهب والنيازك بعد سبعة أعوام هو المقصود، وما يؤيد هذا الرأي النبوءة الثالثة ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق وهي أرض إيران إلى الشرق من بغداد والعراق مكان ورود الرسالة فنلاحظ ان ايران تعاني من الحروب خلال الاعوام 411 و414 والحرب هي اكبر ما يحزن ويقلق ولكن ليس هناك ما يثبت ان بداية هذه الحروب هي جمادي الاولى من 410 هـ
2- (ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق وأشارت الرسالة إلى نبوءة أخرى وهي سقوط العراق بيد الحروب الطائفية المتتالية التي آخرها احتلاله من قبل السلطان طغرل بك أول ملوك السلاجقة الذي دخل بغداد عام 447، وأما ضيق الأرزاق في العراق خلال هذه الفترات وغلاء الاسعار فقد ذكر التاريخ عن اكل الناس للميتة ولحوق الوباء ودفن الموتى بدون غسل أو تكفين.
أما ما يخص الحجاج والحج فنحن سبق أن أوضحنا ان الفتن وسوء الاوضاع السياسية أدت إلى انقطاع الحج وقد يكون هذا الانقطاع كليا كما في الاعوام 401و410و411و416و417و418 هـ ان في ما بعد هذه الاعوام بدأت امور الحجاج بالاستقرار وعادت مراسيم الحج تمارس بدون مضايقات حتى عاد الحج وهنا تاتي الاشارة واضحة عن تدخل الامام المباشر في تهيئة الحاج وتيسير الحج والتوفيق على ظهوره بالاتساق والتنسيق والنظام. وهذا التدخل يكون بالدعاء والتدخل المادي الحي فتشير جملة الروايات على ان الامام عليه السلام يجتمع مع الناس في مراسيم الحج في كل عام.
الوصية الثالثة:
(فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا فإن أمرنا بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة والله يلهمكم الرشد ويلطف لكم في التوفيق برحمته).
العمل بكل عمل يقرب من بيت الرحمة من قبل الالتزام بتعاليم أهل البيت ولا بأس أن ننوه أن مشاركة آل البيت في أحزانهم وإقامة مراسيم العزاء ومواساة أمهم فاطمة الزهراء عليها السلام من أكثر الأعمال التي تقرب من آل البيت بعد الالتزام الكامل بتعاليم الدين الإسلامي الواردة في القران والسنة المطهرة للرسول وآل بيته صلى الله عليهم اجمعين.
التوقيع الشريف:
وتشرفت الرسالة بالتوقيع باليد العليا للإمام أرواحنا له الفداء ومخاطبة الشيخ المفيد بالأخ، وهذا من اللطف الالهي الذي اختص به الشيخ المفيد رضوان الله عليه، وقد نال هذه الدرجة العليا لانه (المخلص في ودنا الصفي والناصر لنا الوفي) لاتشوبه شائبة في ود أهل بيت الرحمة وبلغ النصرة لهم بالكلمة والدعوة الى دينهم بكل ما اؤتي من علوم حتى انتهت اليه زعامة الشيعة.كما تضمن التوقيع الشريف الوصية للشيخ بان لا يطلع على هذه الرسالة أحداً وأن يؤدي معاني مضامينها العالية الى من تسكن اليه نفسه والوصية الى الجماعة المؤمنة بالعمل بما جاء فيها والصلاة على محمد واله.
الرسالة الثانية: كما في الاحتجاج الجزء 2 صفحة 498
وورد عليه كتاب آخر من قبله عليه السلام يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة نسخته:
من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله بسم الله الرحمن الرحيم سلام الله عليك أيها الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو إلهنا وإله آبائنا الأولين ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطاهرين وبعد: فقد كنا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه وحرسك به من كيد أعدائه وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا ينصب في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفا من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان ويأتيك نبأ منا يتجدد لنا من حال فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال والله موفقك لذلك برحمته فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تبسل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين يبتهج لدمارها المؤمنون ويحزن لذلك المجرمون وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظم من رجس منافق مذمم مستحل للدم المحرم يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأض والسماء فلتطمئن بذلك من أوليائنا القلوب وليتقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين أنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه إلى مستحقيه كان آمنا من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلة، ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته على من أمره بصلته فإنه يكون خاسرا بذلك لأولاه وآخرته، ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم، وكتب في غرة شوال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها، هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي بإملائنا وخط ثقتنا فاخفه عن كل أحد واطوه واجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن إلى أمانته منأوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
شرح اليسير من الرسالة الثانية:
يصف الإمام نفسه بأنه مرابط في سبيل الله ومن هذا الجهاد نفهم أيضا أن الإمام يتدخل في كثير من القضايا المهمة في الامة الاسلامية والمصيرية بصورة مادية وتحت أطروحة خفاء العنوان التي طرحها السيد محمد صادق الصدر، وفي هذا دليل لمن لا يعلم ويظن أن الإمام ساكت أو مختفٍ اختفاءا سالبا نهائيا دون تدخل فالامام مجاهد من عدة مواقع ونواحي.
ويصف الإمام الشيخ المفيد في مطلع الرسالة فيقول:
بدأت الرسالة الثانية كالرسالة الاولى بالبسملة وحمد الله والتهليل والصلاة على محمد وال محمد
تحدثت الرسالة الثانية عن: ويأتيك نبأ منا يتجدد لنا من حال فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال والله موفقك لذلك برحمته، فهل هناك رسالة ثالثة لم تصل الينا عبر التاريخ، فالرسالة الاخيرة الى السفير الرابع علي بن محمد السمري رضوان الله عليه قد تناولت إخباره عن بقاء أيام قليلة يستعد بها لسفره الى دار اللقاء والآخرة، ومعلوم أن الرسالة الثانية المتقدمة قد وصلت الشيخ المفيد قبل عام من وفاته فهل اتبعت هذه الرسالة من واضح العبارة رسالة اخرى أخيرة… الخ وهذا السؤال موكول إلى التاريخ في حله. ولكن ما يؤكد هذه المرة أن هذه الرسالة متبعة باخرى هو احتواء الرسالة الثانية على (فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال والله موفقك لذلك برحمته) أي بمعنى آخر احتواء الرسالة الثالثة على الأَعمال المحمودة والصالحة والمقربة إلى حجة الأزمان وبالتالي المقربة من الملك العلام جل وعلا.
(فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تبسل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين يبتهج لدمارها المؤمنون ويحزن لذلك المجرمون).
الامر الموجه الى الشيخ المفيد وهو مرجع الشيعة انذاك من مواجهة فتنة تسربلها قوم حضرت لها الاسباب غايتها التشكيك في المذهب والدين أو غيره، واندحار هذه الفتن هو مصدر بهجة للمسلمين وهو المحافظة على كيانهم الديني والعقلي السليم وحفظ بيضة الاسلام وتحزن المجرمين لعدم إتمام غرضهم من التفرقة إلى غيرها من الأسباب. وقد تكون العقائد التي استدل بها الشيخ في كتبه العقلية وأسس أسسها الاستقرائية هي درء الفتنة العقائدية التي حضر لها المجرمون.
والحادثة في الحرم المعظم واستحلال الدم قد يكون هو النفس الزكية التي تقتل في الكعبة زادها الله تشريفا قبل خمس عشر ليلة من ظهور الامام الكبير الشريف كما نصت الروايات….الخ
ويؤكد الإمام أيضا ـ كما أكد في الرسالة الأولى ـ انه وراء حفظ المؤمنين بواسطة الدعاء وغيره.وان راعت خطوب الفتن الشيعة وتعاظمت وتفاقمت فهم في مأمن منها ببركة الامام المهدي بشرط ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب اي اجتناب المنهي من الذنوب هو الغاية الاولى لحصول المراد (القرب من الامام ارواحنا لتراب مقدمه الفدا).
(ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين أنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه إلى مستحقيه كان آمنا من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلة ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته على من أمره بصلته فإنه يكون خاسرا بذلك لأولاه وآخرته).
وهذا عهد يعهده الإمام إلى الولي المخلص المجاهد (وهو الشيخ المفيد) للظالمين (أنفسهم علاوة على الظالمين للناس) انه:
أولا: من اتخذ طريق التقوى مسلكا.
ثانيا: أخرج ما في ذمته من المستحقات والواجبات مثل الخمس وزكاة الفطرة وقضاء الصلوات الواجبة الى غيره من المستحقات المالية أو الفعلية على الإنسان.
يصل إلى الأمان الكامل من الفتنة المظلة والمبطلة ببركة شموله بدعوات الإمام.
اما من بخل بإخراج ما استحق عليه من الواجبات فهو الخسران الأكبر في الدنيا بوقوعه في الفتن والأخرى أن يخلد في النار.
تضمن هذا المقطع عدة نقاط مهمة نمر بها اقتصارا لتوضيحها، ومن طلب التفاصيل فليطلبها من مصادرها
أولا: الجهاد
ثانيا: التقوى
ثالثا: المستحقات المالية مثل الزكاة وزكاة الفطرة والخمس….
أولا: الجهاد
ان في نعت الإمام¨ للشيخ المفيد رضوان الله عليه بالولي المخلص المجاهد فينا الظالمين انموذجا لطيفا ولفتة إلهية وتنبيها ربانياً إلى عظمة هذه الصفة التي اتصف بها الشيخ المفيد.
ثانيا: التقوى
وقد تقدم الكلام عن التقوى وهي خوف الله في شرح الرسالة الاولى في ذكر الكلام بخطبة الامام علي عليه السلام الشاملة لمعنى التقوى وقد مرت.
ثالثا: المستحقات المالية على المسلم
إن المستحقات المالية على المسلم ليس كما يتكلم عنها البعض من وصفها بما يشابه الضريبة و…. وان فلسفة وجودها هي إعدام الفوارق الطبقية في المجتمع، اي نعم انه من أهداف المستحقات المالية إيجاد التساوي بين طبقات المجتمع الواحد لكننا يجب أن نفكر بأن المستحقات المالية هي واجبات وأعمال وطقوس عبادية حالها كحال الصلاة والصوم…..و باقي الفروع وجدت كما وجد الصوم لتطهير النفس، فانها وجدت لتطهير الروح والنفس والأموال قال تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وعلى هذا المفهوم الذي يجب أن نفهمه فان المتهرب عن أداء هذه الواجبات هو كالمتهرب من أداء الصلاة وباقي الطقوس الدينية وإن كان توقف قبول الصلاة في كثير من الاحيان على أداء الخمس وباقي المستحقات المالية الخ.
وان إيراد الأحاديث الكثيرة التي أوجبت الخمس بل اللعن الدائم على المتخلف عنه وارد في أكثر من موقف وحديث… وكذا فان الأحاديث عن الزكاة وزكاة الفطرة كثيرة حتى أورد الفقهاء أبواباً لهذه المستحقات الثلاث في رسائلهم العملية.
(ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم).
وأخيراً أشارت الرسالة إلى الوفاء بعهد الإمام، ومن هنا نفهم أن هناك حقا للإمام على شيعته منها ما رواه الصدوق رحمه الله في من لا يحضره الفقيه يرفعه الى الحسن بن علي الوشا عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: ان لكل امام عهدا في عنق أوليائه وشيعته وإن من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم فمن زارها رغبة في زيارتهم وتصديقا فيما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة.
ومن أداء حقهم معرفتهم فتواترت الأحاديث عن بيت العصمة عليهم السلام (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) وان تمام معرفتهم هو الأمان الأكبر والإيمان الأعظم، فعن الإمام الصادق عليه السلام (ان من عرف هذا الأمر لم يضره تقدمه أو تأخره) أي ان من عرف أئمته لا يضره إن عاش في زمن الظلم والظلمات، أدرك النور والظهور أم لم يدركه لانه محشور معهم في درجتهم ان شاء الله وهذا ما نفهمه من مجمل أحاديث أهل البيت عليهم السلام.
وأخيرا إن التزم الشيعة بتعاليم هذه الرسالة لتشرفوا برؤية الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة لصاحبها أفضل سلام.