قضية المهدي المنتظر عليه السلام عقيدة راسخة وقاعدة شامخة

رد آية الله العظمى المرحوم الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء* أحد مراجع النجف الأشرف على     كتاب المهدي والمهدوية لأحمد أمين**

(المهدي والمهدوية) كتاب للكاتب المصري أحمد أمين، مؤلف كتاب (ضحى الإسلام، ظهر الإسلام، فجر الإسلام) في كتابه هذا حاول أن يتعرض إلى فكرة الإمام المهدي عليه السلام فخالف رأيه المعقول والمنقول، وقد رد عليه علماؤنا بأجلى بيان، ومنهم المرحوم الشيخ محمد أمين زين الدين في كتابه (مع الدكتور أحمد أمين فـــــي المهدي والمهدوية، والمرحوم الشيخ محمد علي الزهيري في كتابه (المهدي وأحمد أمين) الذي قدم له سماحة آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، وقد آثرنا نشر هذه المقدمة لما بها من حجة دافعة لهذا الكاتب المنحرف).

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)ـ،ـ(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)ـ،ـ (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا).

صدق الله العلي العظيم

كنت ولا أزال أعجب (والدهر أبو العجائب).

على أنها الايام قد صرن كلهن عجائب، حتى ليس فيها عجائب أعجب، ويشتد عجبي من تحامل بعض حملة الأقلام من مصر وكتّابها الذين يحقّ فيهم قول القديم.

واتى بكتاب لو انبسطت يدي…

نعم أعجب من تحاملهم على الشيعة، وإطلاق العنان لأقلامهم السامّة في الطعن على تلك الطائفة، والقدح في أئمتهم من أهل بيت النبوّة ومعدن الوحي والرسالة، أولئك الأئمة الذين ملأوا الدنيا وبهروها علماً وعملاً وفضلاً وشرفاً ونوراً. نعم بلغ بهم الجهل والعصبية العمياء إلى مسّ كرامة تلك الأنوار المقدسة والثقل الأكبر الذي أمر الله ورسوله بالتمسّك به وقرنه بالقرآن المجيد، وهكذا في كل برهة بعد برهة وآونة بعد أخرى يأتينا من مصر ما يخدش العواطف ويثير الضغائن والدفائن، ولا يزالون يهاجمون والشيعة يدافعون، الشيعة يحرصون على الألفة والوئام، وأولئك لا يرغبون إلاّ في الفرقة والخصام.

كتب أحدهم في كتاب له أسماه (فجر الإسلام) وهو بالحق (فجور الإسلام) كتب فيه على الشيعة ما تقتضيه ذاته ومقدار علمه، وكتبنا في ردّه (أصل الشيعة) الذي دلّه على عواره، ورضخه بالحجارة، ووعد أن يتدارك في (ضحى الإسلام) الذي ضحى به الإسلام لأغراضه التي يعلم الله ما هي وما الدعاوى له الى الإصرار على تفريق الكلمة، وتمزيق صفوف الأمّة المسلمة، وهل هناك إصبع دخيلة توسّلت لضرب المسلمين بهذه الوسيلة؟ (الله أعلم). ثم تفاقم طغيانه وعدوانه فرمى المسلمين لتفريقهم وتضاربهم بكتيب جعله بإسم (المهدي والمهدوية)، مع أن قضية المهدي الذي تقول به الشيعة وأنه ثاني عشر الأئمة المعصومين سلام الله عليهم كادت أن تكون من الضروريات، والأحاديث المعتبرة الواردة عن النبي وأهل بيته على اختلاف أساليبها، كادت أن تكون متواترة، بل حقا أنها لمتواترة، إن لم تكن بالتواتر اللفظي فبالتواتر المعنوي قطعاً من طرق علماء السنّة فضلاً عن الشيعة، وقد توالت وتتابعت المؤلّفات والرسالات لإثبات اخبار النبيN والأئمةK عنه ودفع الشبهات والاستبعاد والوصمات في كل قرن من قرون الإسلام الى يومنا هذا بما يزيد في كل قرن على مئات من مصنفات أكابر العلماء، كغيبة النعماني والشيخ المفيد والطوسي وأمثالهم، مضافا إلى أنه أمر قد أكل الدهر عليه وفاض فيه النقد والرد والإحتجاج واللجاج من النافين والمثبتين، وكانت الحرب سجالاً، وانتهى الطعن فيه والنضال. وهب أن الحق فيه مع المُثبتين أو النافين (معاذ الله) ولكن ما الفائدة بإعادة الحرب جذعة وإثارة هذه الدفائن والأحقاد في وقتٍ نحن أحوج ما نكون إلى جمع الكلمة والتحابّب والتقارب لا التطاحن والتضارب، وما الغرض من سلوك الطرق الملتوية ونَبْذ ما أمرنا الله به في كتابه الكريم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) ثم ما كفاه التعرّض للمهدي حتى أساء بما شاء وشاءت له ذاته وأغراضه السافلة إلى الأئمة المعصومين من آباء المهدي عليه السلام، كالإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهم جميعاً، فهل تشكّ أيها الناظر المنصف أنّ هناك دواعٍ خفية ويداً أجنبية تريد الفتك بالمسلمين وضرب بعضهم ببعض مما هو جدير بذوي الضمائر المظلمة والأنفس الخبيثة والقلوب القذرة عبدة الأغراض والأهواء والمادة الصمّاء حبائل الفتن في كل زمن.

نعم كنت أعجب ويزداد عجبي من تلكم الوقاحة والقباحة والحماقة والصفاقة، فقد تكرر على الشيعة تهجم تلك الحثالة فيضطر أفاضل الشيعة إلى الدفاع، فيدفعون بأقوى الحجة طعونهم، ويفقأون بها عيونهم ويقصمون ظهورهم، ولكن لا يرتدعون بل يعودون ثم يعتدون ثم يعودون وهكذا دواليك، نعم كنت أعجب وأطلب السر لهذا الأمر الغريب والوضع الشاذ، ثم بعد طول الفكرة اهتديت بل هداني جلّ شأنه إلى سرّ ذلك، وهو أنه سبحانه إتماماً للحجّة وقطعاً للمعاذير، وإنارة للحق قد تقتضي حكمته أن يسلب توفيقه ورعايته من بعض النفوس الشقيّة فتشنّ أقلامها السامة للمطاعن في العقائد الحقة والأصول القويمة، كي تنبعث لدفعها أقلام الحق وألسنة الصدق ورجال الإخلاص، فتشرق من كلماتهم شموس الهداية وتنقشع سحب الباطل ويتمزق ظلام الضلال ويقوم ذلك مقام وظيفة الأنبياء والرسل وأوصيائهم، لئلاّ يقول الجاحدون (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) وإلا فإن قضية الغائب المنتظر ـ أرواحنا فداه ـ عقيدة راسخـة وقــاعدة شامخــة مبنيــة على أصول متينة وقواعد رصينة لا يمكن التنصل عنها والخروج منها، وأصبحت أمراً مفروغاً عنه، ولكن أنّى لضعيف البصيرة من إدراك تلك القواعد المحكمة والقضايا المبرمة، ولو بطلت الإمامة بطلت النبوّة ولو بطلت النبوّة، بطل التوحيد، سلسلة مرتبطة بعضها ببعض، وحلقات تتصل إحداها بالأخرى، بل الأخبار والأحاديث النبوية التي طابق النقل فيها العقل بقاعدة  (كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع) والكل واضح وضوح الشمس، بيد أن الخفافيش بنور الشمس لا تعيش، يقول من أغشاه أو أعماه نور شمس الحقيقة أن العقول لم تعد تحتمل أو تقبل وجود إمام غائب منتظر… إلى آخر ما قال… نعم إن العقول السخيفة والأنفس الضعيفة لا تحتمل أو تتحمل ذلك، وإنما تذعن به عقول أهل الإيمان واليقين والتي لا تخضع الا لسيطرة الأدلّة والبراهين، على أنه لم يأتِ بشيء جديد أو مفيد بل تكرار وإعادة بلا إفادة. وجلّ ما قال قد قيل قبله وتقدّم الجواب عنه من علماء الشيعة بأوفى بيان في ألف تأليف في كل عصر وكلّ قرن العشرات أو المئات، ولكن لله جل شأنه في ذلك حكمة سامية في هذه الإعادة لكي تتم الحجة في كلّ عصر ولكل جيل وقبيل، ولولا النار ما فاح طيب العود.

وإذا اراد الله نشر فضيلة       طويت أتاح لها لسان حسود

ويشهد لما ذكرنا من كثرة ما كتب الشيعة في هذا الموضوع السامي نظماً ونثراً حديثاً وقديماً ما وقع قبل أكثر من خمسين سنة أعني في العقد الثاني بعد الألف والثلثمائة، حيث وردت قصيدة من بغداد في التشكيك أو الاحتجاج على عدم تولد الحجة سلام الله عليه قيل أنها لشكري أفندي وقيل للرصافي، أوّلها:

أيا علماء العصر يا مَن لهم خبر     بكلّ دقيقٍ حار من دونه الفِكرُ

لقد حار منّي الفكر في الغائب الذي      تحيّر فيه الناس والتبس الأمر

فمن قائلٍ في القشر لُبّ وجوده         ومن قائل قد ذب عن لبّه القشر

ثم أخذ بترجيح الأول على الثاني في عدة أبيات، فصار لها دوي في محافل النجف وكانت طافحة بالعلماء والأدباء أكثر مما هي اليوم.

فرفعت القصيدة إلى استاذي في الحديث الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي رحمه الله، وقد كان ألّف في هذا الموضوع قبلاً جملة رسائل وكتب وطبع جملة منها، ولكنْ كتب رسالة مستقلة في جواب تلك الأبيات سمّاها <كشف الأستار عن الحجة الغائب عن الأبصار>، ذكر فيها النص على وجوده وولادته من أربعين عالماً من أكابر علماء السنة، ونظمت تلك الرسالة بقصيدة في أكثر من ثلثمائة بيت، أولها:

بنفسي بعيد الدار قرّبه الفِكرُ    وأدناه من عشّاقه الشوقُ والذِكرُ

وقد طُبعت الرسالة مع أكثر القصيدة ثلاث مرات ونفدت، فليراجعها من أراد مزيد الإطلاع، ولله الحجّة البالغة، ولا زالت شموس الحق والحقيقة بازغة، ولله الحمد والمنة الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

الهوامش:

* الشيخ محمد حسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمد رضا بن الشيخ موسى بن الشيخ الأكبر جعفر ولد عام 1294هـ.

من أعلام الطائفة ومنابع العلم والأدب والفقه والأصول وأئمة القريض والفصاحة ولد في النجف وأتم المقدمات والسطوح ودخل مراحل الدروس العليا وحضر على الشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي والشيخ اغا رضا الهمداني وغيرهم. شرع بالتدريس فكانت له حوزة من الفضلاء، ابتدأ بالتأليف، سافر إلى الأقطار العربية والإسلامية وساهم في مؤتمراتها، اشترك في الحركات الوطنية، كان مهاباً لدى الدولة، وكلمته مسموعة لدى الشعب، شارك في القتال ضد الانكليز، أقام مكتبة عامرة، توفي في 15/ ذي القعدة/ عام 1373هـ له الكثير من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة. (معجم رجال الفكر والأدب في النجف/ د. محمد هادي الأميني/ ص 1086.

**  الموضوع كتبه سماحة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في بضع دقائق يوم الثلاثاء 28/ محرم الحرام/ 1371 في النجف الأشرف.

Check Also

غیبة لابدّ منها

غیبة مهدی هذه الامة غیبة لابدّ منها، لانه مهدی هذه الامة، ولان وعد الله سبحانه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *