إن نظرية الانتظار في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر تسمى بالانتظار البنّاء الحركي،(1) كذلك تسمى بالانتظار الموجّه الذي يدعو إلى التغيير من السيئ إلى الحسن والذي فيه العمل والحركة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله والجهاد،(2) حيث يعد المكلف نفسه اعداداً كاملاً من جميع الجهات ليكون مؤهلاً لنصرة المهدي المنتظر عليه السلام في وقت ظهوره، وان يترقب ظهوره في كل لحظة ليقوم بتنفيذ الوعد الإلهي الحق، بإنقاذ البشرية من الظلم والفساد والضلال.(3) ومن مميزات هذا النوع من الانتظار بأنه يمنح الإنسان الأمل والتفاؤل الذي يخترق ظلمات اليأس التي تكتنف حياة الإنسان، ومن خلال الأمل يمنح الإنسان (المقاومة) وبالتالي سوف يمنحه (الحركة) وهذه الأخيرة تخص هذا النوع من الانتظار.
إن نظرية الانتظار في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر تسمى بالانتظار البنّاء الحركي،(1) كذلك تسمى بالانتظار الموجّه الذي يدعو إلى التغيير من السيئ إلى الحسن والذي فيه العمل والحركة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله والجهاد،(2) حيث يعد المكلف نفسه اعداداً كاملاً من جميع الجهات ليكون مؤهلاً لنصرة المهدي المنتظر عليه السلام في وقت ظهوره، وان يترقب ظهوره في كل لحظة ليقوم بتنفيذ الوعد الإلهي الحق، بإنقاذ البشرية من الظلم والفساد والضلال.(3)
ومن مميزات هذا النوع من الانتظار بأنه يمنح الإنسان الأمل والتفاؤل الذي يخترق ظلمات اليأس التي تكتنف حياة الإنسان، ومن خلال الأمل يمنح الإنسان (المقاومة) وبالتالي سوف يمنحه (الحركة) وهذه الأخيرة تخص هذا النوع من الانتظار.(4)
حيث وجد الشيخ محمد مهدي الآصفي إن هناك علاقة ما بين حركة الإنسان وبين تحقيق خلاصه ونجاته، وبهذا الشأن يقول (فإن الإنسان إذا عرف أن نجاته وخلاصه يتوقفان على حركته وعمله، وجهده سوف يبذل لخلاصه ونجاته وعمل من الجهد والحركة ما لا قبل له به من قبل).(5)
وبالتالي فإن الإنسان بيده يستطيع ان يحقق ما ينتظره أما بالإسراع أو التأجيل أو الإلغاء.
لذلك فإن الباحثين والدارسين لمسألة المهدي عليه السلام بينوا ان هناك عدة شروط أو تكاليف يلتزم بها المكلف اثناء فترة غياب المهدي عليه السلام.
وقد لخّص السيد محمد الصدر قدس سره هذه الشروط بعدة عناصر، حيث قال: (لا يكون الفرد على مستوى الانتظار المطلوب إلا بتوفر ثلاثة عناصر وهي عقائدية ونفسية وسلوكية).(6)
فبالنسبة إلى العنصر الأول: الجانب العقائدي:(7)
فيقصد به الاعتقاد بتعلق الغرض الإلهي بإصلاح البشرية جميعاً، وتنفيذ العدل المطلق فيها في المستقبل.
كذلك الاعتقاد بأن القائد الذي يقود البشرية في ذلك اليوم الموعود، هو الإمام المهدي عليه السلام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام الأمر الذي قامت ضرورة المذهب الإمامي عليه، وقامت عليه الأعداد الضخمة من اخبارهم.
العنصر الثاني: الجانب النفسي للانتظار وهذا بدوره يتكون من أمرين رئيسيين:(8)
الأمر الأول: هو الاستعداد الكامل لتطبيق الأطروحة العادلة الكاملة عليه، كواحد من البشر على أقل تقدير، ان لم يكن من الدعاة إليها والمضحين في سبيلها.
الأمر الثاني: توقع البدء بتطبيق الأطروحة العادلة الكاملة في أي وقت حيث انه منوط بإرادة الله تعالى، حيث ان الأخبار الدالة على ظهوره هو فجأة بغتة، وهذا ما جاء في الاكمال عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك، فقال: مثله مثل الساعة لا يجليها لوقتها إلا الله عز وجل، لا تأتيكم إلا بغت.
العنصر الثالث: الجانب السلوكي للانتظار:(9)
ويقصد به هو الإلتزام الكامل بتطبيق الأحكام الإلهية السارية في كل عصر، على سائر علاقات الفرد وأفعاله وأقواله، حتى يكون متبعاً للحق الكامل والهدى الصحيح، فيكتسب الإرادة القوية والإخلاص الحقيقي الذي يؤهله للتشرف بتحمل طرف من مسؤوليات اليوم الموعود.
وبناءاً على ما تقدم فإن للانتظار الإيجابي عدة تكاليف يقوم بها المكلف أثناء فترة غياب المهدي عليه السلام.
ومن الجدير بالذكر ان معظم هذه التكاليف التي سوف نستعرضها هي من النقاط البارزة والمشتركة بين أهل السنة والشيعة الاثني عشرية، وأهم هذه التكاليف:
أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحداً من أهم ركائز الانتظار الايجابي للمهدي المنتظر عليه السلام، وذلك لأن مفهوم الانتظار الايجابي يسعى إلى ايجاد مجتمع اسلامي قويم وفق تعاليم القرآن الكريم، والسنة النبوية المتواترة واعداده اعداداً رسالياً ليكون مؤهلاً لحمل رسالة السماء، لذلك فلابد له أن يتخذ من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة للبناء الاجتماعي والاصلاح الديني.(10)
وقد يسأل هل ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان كفائيان أم عينيان.
والجواب: اختلف العلماء في كيفية وجوبه، فقال الأكثر إنها من فروض الكفايات وقال آخرون: هما من فروض الأعيان لا يسع أحد تركهما والإخلال بهما،(11) قال الشيخ الطوسي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضان من فرائض الإسلام، وهما فرضان على الأعيان، لا يسع أحد تركهما والإخلال بهما.(12)
وقال آية الله الخميني: (الأقوى وجوبهما كفائي، فلو قام به من به الكفاية سقط عن الآخرين، والا كان الكل مع اجتماع الشرائط).(13)
وقال السيد علي الحسيني السيستاني: فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببعض مراتبهما واجبان كفائيان… فإذا لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر أحد… اثمنا جميعاً… أما إذا قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحدنا فقد سقط عن الجميع.14)
وقال أيضاً: أنهما واجبان عينيان ببعض مراتبهما، وهي مرتبة إظهار الكراهة فعلاً أو قولاً من ترك المعروف وفعل المنكر.(15)
أما ابن كثير في كتابه (تفسير القرآن العظيم) يقول إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضان كفائيان، إذا قام به البعض سقط عن الكل، وذلك لقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)،(16) ففي قوله (وَلْتَكُنْ مِنْكُم) أي بعضكم وليس الكل، فالمقصود من الآية: ان تقوم فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن.(17)
وبناءاً على ما تقدم فلابد من الأمر بالمعروف وإزالة المنكر سواء كان عينياً أم كفائياً، حيث إذا كان بمقدور الفرد أو الأفراد إزالته فيها، وإلا فإنه يجب على الجميع العمل به وجوباً عينياً مع اجتماع الشرائط.
(لذلك لا يختص وجوب الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء وغيرهم والعدول والفساق والسلطان والرعية والأغنياء والفقراء).(18)
وشرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عديدة، ذكرها الفقهاء، الا إنها تندرج في أمرين رئيسيين وهما:(19)
الأمر الأول: العلم بالمعروف والمنكر، فلو لم يكن الفرد عالماً بالحكم الشرعي الإسلامي، أو لم يكن محرزاً بأن فعل الشخص الآخر معصية للحكم… لم تكن هذه الوظيفة الإسلامية واجبة، بعبارة أخرى لا يجبان على الجاهل بهما، فالذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يجب أن يعلم ما هو المعروف وما هو المنكر، وان يشخصهما تشخيصاً تاماً، فبمراعاة هذا الشرط يتدارك أي محذور أو خطأ يحتمل أن يقع أثناء ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمنع من وقوعه.
الأمر الثاني: احتمال التأثير في الفرد الآخر، فلو لم يكن يحتمل ان يكون لقوله أثر لم يجب القيام بالأمر والنهي، فضلاً عما إذا احتمل قيام الآخر بالمعارضة والمجابهة أو إيقاع الضرر البليغ.
وقد ورد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العديد من آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الشريفة.
وعليه فإن أصحاب الانتظار الايجابي في الفكر السياسي الاثني عشري ارتكزوا على هذه الركيزة وذلك لأنها واجبة ذكرت في العديد من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وتارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه عواقب كثيرة منها نزع للبركات، وتسليط الظلمة عليهم كذلك لا يستجاب دعاء الأخيار فيما ذا دعوا الله لرفع الظلم والبلاء.
وهذا بدوره يؤدي إلى اضمحلال مقومات المجتمع المسلم واندثاره وعدم بقاء من ينتظر المهدي عليه السلام وهذا ما جعل المؤمنين بمفهوم الانتظار الايجابي يركزون على ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتخذونه ركيزة من أهم ركائز نظريتهم.(20)
ثانياً: الجهاد
يعتبر الجهاد بشقيه جهاد النفس وجهاد العدو من الركائز المهمة التي يستند عليها أصحاب الانتظار الايجابي في انتظارهم لظهور الإمام المهدي عليه السلام ، حيث يعتبر أحد التكاليف المهمة التي يقوم بها المكلف أثناء فترة غياب المهدي عليه السلام عند الاثني عشرية، ويعد فريضة واجبة القيامة بها عند أهل السنة.
وقبل الدخول في تفاصيل هذه الركيزة لابد من إعطاء المعنى اللفظي والاصطلاحي لهذا المفهوم.
المعنى اللغوي لكلمة (الجهاد) هو من مصدر للفعل جاهد، مجاهدة، وأصله الثلاثي (الجَهد) بفتح الجيم. وضمنها الطاقة وقرئ بهما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ)، والجهد بالفتح المشقة، و(جَهَد) دابته و(أجهدها) إذا حمل عليها في السير وفق طاقتها و(جهد) الرجل في كذا أي جدّ فيه وبالغ وبابهما: قطع، و(جُهِد) الرجل على ما لم يُسمّ فاعله فهو (مجهود) عن المشقة و(جاهد) في سبيل الله (مُجاهدة) و(جهاداً) و(الابتهار) و(التجاهُد) بذل الوسع و(المجهود).(21)
أما المعنى الاصطلاحي: ويقصد به أي الجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو، والجهاد ثلاثة أضرب، مجاهدة العدو، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس.(22)
وقد أثار الإسلام أمام الإنسان، مسؤوليته العملية عن القتال في سبيل الله، والجهاد بالمال والنفس، ومحاربة الجماعات التي تصد عن سبيل الله، لأن ذلك هو معنى الإيمان، وحقيقته وواقعيته، وهو الأساس الأخلاقي الذي يبرر للإنسان القتال.(23)
أضف إلى ذلك كله ان الإسلام لم يبتعد عن قاعدته الأساسية الروحية والأخلاقية، عندما شرع الجهاد، وأباح القتال وشجع على العنف، من أجل مواجهة الضرورات الدفاعية والوقائية التي تفرضها طبيعة حركته في الحياة، كدين يتحدى الظلم والانحراف، ويهدم الإلحاد والفوضى.24)
أما من ناحية فريضة الجهاد، فإن الفقه الإسلامي بين صنفين من الجهاد هما:(25)
1 ـ الجهاد الابتدائي: أو جهاد الدعوة للإسلام، أو نظام فتح البلاد الكافرة ونشر الإسلام فيها ويكون هذا بالحجة والدليل والتعليم والحوار على الصعيد العالمي، وهذه الدعوة قد تصادف من يمنعها ويكافحها، وهنا لابد للدولة الإسلامية من حماية دعوتها بالقوة والسلاح ومجاهدة من يقف في سبيلها، لنشر الهدى والإيمان وتحرير الإنسان من سيطرة الطاغوت وتيه الجاهلية.
2 ـ الجهاد الدفاعي: وهو الصنف الثاني من أصناف الجهاد ـ ويجب هذا الصنف من الجهاد عندما تتعرض العقيدة أو الأمة والوطن الإسلامي أو المصلحة الإسلامية العليا للخطر، كالهجوم والاحتلال الذي تمارسه القوى والكيانات الكافرة.. كالذي يجري الآن في أفغانستان ولبنان وفلسطين وأمثالها.
وقد ناقش الفقهاء في أبواب الجهاد هذه المسألة وأجمعوا على جواز الجهاد الابتدائي عندما يظهر الإمام المهدي عليه السلام ، وان هذا هو المألوف لدى فقهاء الشيعة الإمامية، حيث تنحصر مشروعية القتال عندهم في (الجهاد الدفاعي) في حماية العقيدة والوطن الإسلامي ومقدساته والمصلحة الإسلامية العليا، فجهاد الفتح أو الابتدائي برأيهم هو من شؤون وصلاحية المهدي المنتظر عليه السلام.(26)
لذلك أن أصحاب الانتظار الايجابي يدعون إلى النوع الثاني وهو الجهاد الدفاعي وممارسته في عصر غيبة الإمام المهدي عليه السلام ، وذلك لأن من خلاله سوف يرفع مستوى الوعي الجهادي، والقدرة القتالية لدى المسلمين، ويزرع في نفوسهم روح البذل والتضحية، لكي تمكنهم لخوض الجهاد الابتدائي الذي سيمارسه القائم المنتظر عليه السلام حال ظهوره.(27)
وقد ورد ذكر الجهاد في سبيل الله في كثير من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ثالثاً: انتظار الفرج والدعاء بتعجيله
لقد أمرت الأحاديث الشريفة إلى انتظار الفرج كذلك الإكثار من الدعاء بتعجيل الفرج وظهور الإمام المهدي عليه السلام ، كأحد التكاليف المهمة لعصر غيبته.(28)
بالنسبة إلى انتظار الفرج، نلاحظ ان طول عصر غيبة الإمام المهدي عليه السلام تعتبر حلقة من حلقات التمحيص (الاختبار) الإلهي، وذلك لأن في امتداد غيبة المهدي عليه السلام سوف تنكشف النفوس الضعيفة الإرادة، وذلك لأنهم يظنون بكونه قدراً حتمياً ووضعاً أبدياً، فيحصل لديهم اليأس والقنوط لذلك سوف يفشلون في التمحيص الإلهي.(29)
لذلك جاء النهي عن العجل بصدد حلول ظهور المهدي عليه السلام ، وذلك لأنه يمكن ان يكون باعثاً لفقد بعض الناس الارتباط والتعلق بحكمة الغيبة والانتظار وأسرارها الإلهية، ليصطدم بحالة يأس وقنوط لذلك أصدروا أمراً بالصبر على انتظار خروجه.(30)
ومن هنا فإن طول عصر الغيبة وما يصاحبها من صبر وتحمل للظروف النفسية والموضوعية تعتبر عبادة وجهاد للمنتظرين المخلصين.(31)
وقد وردت روايات كثيرة في أهمية انتظار الفرج، ومنها:
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ،(32) قال: ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعت قول الله عز وجل: (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)، (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) فعليكم بالصبر إنما يجيء الفرج على اليأس وقد كان من قبلكم أصبر منكم.
وعن الفيض بن المختار عن أبي عبد الله عليه السلام،(33) قال: من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه، قال: ثم سكت هنيئة، ثم قال: لا بل كمن قارع معه بسيفه ثم قال عليه السلام: لا والله، كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كذلك ان الإكثار من الدعاء بتعجيل فرج ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، يعتبر من الأمور المهمة للمكلفة أثناء فترة الغيبة وذلك لأن في تقوية الارتباط بالله والتوجيه إليه تعالى يعتبر تمهيداً لظهور المهدي عليه السلام.
فعن الإمام المهدي عليه السلام في التوقيع المروي في كمال الدين، وكتاب الاحتجاج،(34) قال: واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم.
وقد وردت أدعية كثيرة في أمر ظهور المهدي عليه السلام وفي ثواب انتظاره منها هذا الدعاء الذي يردده المؤمنون كثيراً (اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً).(35)
وفي دعاء الافتتاح المنقول عن الإمام الحجة عليه السلام ، نقرأ هذا الدعاء:
(اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا وكثرة عدونا وقلة عددنا وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا… اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.(36)
كذلك دعاء العهد، روي عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال: من دعا إلى الله تعالى أربعين صباحاً بهذا الدعاء كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه تعالى من قبره وأعطاه الله لكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة، وأول هذا الدعاء (اللهم رب النور العظيم ورب الكرسي الرفيع…).(37)
كذلك دعاء الندبة الذي يدأب عليه المؤمنين في يوم الجمعة (والدعاء مذكور في كتب الأدعية).(38)
وغيرها من الأدعية الكثيرة التي تدعو إلى انتظار فرج الإمام المهدي عليه السلام والدعاء لتعجيل ظهوره.
وعلى الرغم من أهمية الدعاء عند أصحاب الإنتظار الإيجابي، حيث تصنع في داخلهم حالة من الانصهار الروحي والوجداني مع الإمام المهدي عليه السلام، إلا ان الاكتفاء بهذا الأمر وحده لا يجعلهم في عداد المنتظرين لظهور الإمام المهدي عليه السلام لذلك دعوا إلى أمور أخرى وهي التوطئة العملية لظهور الإمام المهدي عليه السلام.
رابعاً: التوطئة العملية لظهور الإمام المهدي عليه السلام
كذلك يدعو أصحاب الانتظار الايجابي إلى التوطئة العملية ويعتبرونها من التكاليف المهمة على المكلف نقصد بالتوطئة هو تمهيد الأرض لظهور المهدي عليه السلام ، حيث أن من دون الإعداد والتوطئة والنصرة لا يمكن ان تتم ثورة المهدي عليه السلام في تاريخ الإنسان، وتوطئة الأرض لهذه الثورة مهمة واسعة كبيرة، ومعقدة ينهض بها جيل الموطئون في مواجهة عتاة الأرض وطغاتها المستكبرين، ولابد لهذا الجيل الذي ينهض بمشروع إعداد الأرض لظهور الإمام ان يواجه القوة الآلية التي تستخدمها جبهة طغاة الأرض وتزيد بالتربية الإيمانية والجهادية والتوعية السياسية.(39)
وعليه فإن مشروع التوطئة العملية لظهور الإمام عليه السلام يتمثل فيما يلي:(40)
1 ـ تهيئة كوادر مؤهلة كافية للانتماء لثورة الإمام المنتظر عليه السلام.
2 ـ تهيئة أرضية وقاعدة صالحة تدعم ثورة الإمام المنتظر عليه السلام.
3 ـ تهيئة الأجواء الفكرية والنفسية لاستقبال الإمام عليه السلام.
4 ـ تعميق وترسيخ مبدأ الرفض لكل الكيانات المناقضة للإسلام، والعمل على قيام كيانات تطبق الإسلام.
5 ـ تهيئة الآلية السياسية والعسكرية والاقتصادية والإدارية والإعلامية التي لابد منها في مثل هذه الثورة.
ويلخص عبد الهادي الفضلي دعوة التوطئة العملية، بأنها دعوى أما بالعمل السياسي، أو القيام بالثورة المسلحة، حيث يقول (لا أظن إن التوطئة لظهور إمام مصلح يؤسس مجتمعاً جديداً، وقيام دولة جديدة، تفيد معنى غير العمل السياسي، إما بإثارة الوعي السياسي وحده، حيث لا يقتدر على الثورة المسلحة، وإما مع الثورة حيث يكون مجالها).(41)
خامساً: التعرف على علامات الظهور
أضف إلى ذلك كله، إن من تكاليف عصر الغيبة أو عصر ما قبل ظهور المهدي الموعود عليه السلام ، معرفة علامات ظهوره.
وعلامات الظهور، عبارة عن عدة حوادث مبعثرة في الزمان، ولا يمكن أن تدوم، مهما طال زمانها، حيث أن كل إنتاجها هو اعلام المسلمين وتهيئة الذهنية عندهم لاستقبال يوم الظهور.(42)
لذلك فهي مقدمة أو منهجية للمخلصين الممحصين المؤيدين للمهدي عليه السلام ، الذن ينتظرون ظهوره، وهم على احاطة ذهنية كاملة بالعلامات، فهم الذين تلفتهم الحوادث إلى يوم الظهور، وتعدهم نفسياً وإيمانياً واجتماعياً لاستقباله ومؤازرته والقيام بواجباتهم لنصرته.(43) كذلك هي مقدمة لكشف ادعياء المهدوية والنجاة من شباكهم.(44)
ويمكن الإشارة إلى علامات عصر الظهور:(45)
1 ـ خروج الرايات السود من خراسان.
2 ـ قتل النفس الزكية.
3 ـ ظهور الدجال.
4 ـ ظهور السفياني.
5 ـ ظهور اليماني.
وبناءاً على ما تقدم، نطرح سؤالاً جوهرياً وهو: من ينتظر من؟ هل المؤمنين بهذه العقيدة؟ أم الإمام عليه السلام ينتظرنا؟
وقد أجاب عن هذا السؤال الشيخ محمد مهدي الآصفي وقال:(46) إن الإمام المهدي عليه السلام هو الذي ينتظر حركتنا ومقاومتنا وجهادنا، وليس الأمر العكس، فإن أمر ظهور الإمام إذا كان يتصل بواقعنا السياسي والحركي فإننا نحن الذين نصنع هذا الواقع.
ثم أضاف، وبالتالي فنحن نستطيع أن نوطئ لظهور الإمام بالعمل والحركة ووحدة الكلمة والانسجام والعطاء والتضحية والأمر بالمعروف، وبإمكاننا أن نؤخر ذلك بالتواكل والغياب عن ساحة العمل، والتهرب من مواجهة المسؤوليات.
لذلك لا يجوز للمكلف المؤمن التأخر عن واجباته بمجرد الانتظار للمصلح المهدي والمبشر الهادي، فإن هذا لا يسقط تكليفاً، ولا يؤجل عملاً ولا يجعل الناس هملاً كالسوائم.(47)
وبناءاً على ما تقدم، فإن الواجبات الإسلامية لا تزال قائمة على المسلمين في زمن غيبة الإمام المهدي عليه السلام ، والمعلوم ان المهدي عليه السلام هو الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية في ظهوره.
الهوامش:
(1) مرتضى مطهري، مصدر سبق ذكره، ص 42.
(2) محمد مهدي الآصفي / الانتظار الموجه..
(3) صدر الدين الصدر، المهدي عليه السلام ، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر، قم، ط3، 1424هـ، 2002م، ص 211.
(4) محمد مهدي الآصفي، مصدر سبق ذكره، ص 38.
(5) المصدر نفسه، ص 39.
(6) محمد الصدر، تاريخ الغيبة الكبرى، مصدر سبق ذكره، ص 292.
(7) المصدر نفسه: ص 292.
(8) المصدر نفسه، ص 293.
(9) محمد الصدر، تاريخ الغيبة الكبرى، مصدر سبق ذكره، ص 294.
(10) كاظم جعفر المصباح، مصدر سبق ذكره، ص168.
(11) المنتظري،دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج2، المركز الإعلامي للدراسات الإسلامية، قم، 1408هـ، ص220.
(12) نقلاً عن: كاظم جعفر المصباح، مصدر سبق ذكره، ص 224.
(13) من هنا المنطلق (مجموعة مسائل حيوية لآية الله الخميني)، دار التوجيه الإسلامي، بيروت، 1979، ص 71.
(14) عبد الهادي تقي الحكيم، الفتاوى الميسرة وفق فتاوى آية الله العظمى السيد علي السيستاني، دار المؤرخ العربي، بيروت، (د.ت) ص 302.
(15) المصدر نفسه، ص 304.
(16) آل عمران: 104.
(17) الحافظ عماد الدين أبي الفدا اسماعيل بن كثير، تفسير القرآن الكريم، دار الخير، بيروت، 1412هـ 1992، ص 306.
(18) أحمد زكي تفاحة، الإسلام والحكم، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1977م، ص 87.
(19) أنظر محمد الصدر، تاريخ الغيبة الكبرى، ص 317، ص 118، وللمزيد أنظر أيضاً أحمد زكي تفاحة، المصدر السابق، ص88 ـ ص 91، كذلك أنظر آية الله المنتظري، مصدر سبق ذكره، ص 241 ـ ص 25.
(20) كاظم جعفر المصباح، مصدر سبق ذكره، ص 174.
(21) محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، مصدر سبق ذكره، مادة (جهد)، ص 114.
(22) الراغب الاصفهاني، الحسين بن محمد بن الفضل (ت 502هـ)، معجم مفردات القرآن الكريم، تحقيق نديم مرعشلي، دار الفكر للطباعة والتوزيع، بيروت، 1392هـ، 1972م، ص 98.
(23) محمد حسين فضل الله، الإسلام ومنطلق القوة، دار الملاك للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1423هـ، 2003م، ص 204 ـ 205.
(24) المصدر نفسه، ص 212.
(25) أنظر كاظم الحسيني الحائري، الكفاح المسلح في الإسلام، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، بيروت، 1403هـ، 1982م، ص7. كذلك أنظر: محمد المبارك، نظام الإسلام (الحكم والدولة)، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، ايران، 1997، ص 118، ص 156.
(26) كاظم الحسيني، الحائري، مصدر سبق ذكره، ص8.
(27) كاظم جعفر المصباح، مصدر سبق ذكره، ص 181 ـ 182.
(28) عبد الرحيم الحصيني، مصدر سبق ذكره، ص 176.
(29) محمد الصدر، تاريخ الغيبة الكبرى، مصدر سبق ذكره، ص 349.
(30) محمد رضا حكيمي، الانتظار، مجلة الفجر، العدد3، السنة الأولى، مكتبة الاعلام الإسلامي، الحوزة العلمية، قم، 1404هـ، ص 100.
(31) عدنان البكاء، مصدر سبق ذكره، ص 254.
(32) نقلاً عن محمد تقي الموسوي، مكيال المكارم في فوائد الدعائم للقائم عليه السلام ، تحقيق العلامة السيد علي عاشور، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1422هـ، 2001م، ص 128.
(33) المصدر نفسه، ص 131.
(34) المصدر السابق نفسه، ج1، ص 287، كذلك يمكن الرجوع إلى نفس المصدر في ذكر فوائد الدعاء للمهدي عليه السلام ، فقد كتب الكثير عنها السيد محمد تقي الموسوي وذكر المكرمات الكثيرة إذا دعى بها المؤمن خلال فترة الغيبة.
(35) صالح الجواهري، ضياء الصالحين في الأدعية والزيارات، دار الفقه للطباعة والنشر، ايران، 1424هـ، ص75.
(36) عباس القمي، مفاتيح الجنان، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط2، 1422هـ، 2003م، ص 231 ـ 236.
(37) عباس القمي، مصدر سبق ذكره، ص 615 ـ 618.
(38) المصدر نفسه، ص 607 ـ 613.
(39) محمد مهدي الآصفي، مصدر سبق ذكره، ص 45، ص 61.
(40) المصدر نفسه، ص 61، كذلك أنظر: صدر الدين الصدر، مصدر سبق ذكره، ص 212. كذلك أنظر: كيفية تهيئة النفس في عصر الانتظار، الانترنت عن الموقع التالي:
(41) عبد الهادي الفضلي، مصدر سبق ذكره، ص 27.
(42) محمد الصدر، تاريخ الغيبة الكبرى، مصدر سبق ذكره، ص 398.
(43) المصدر نفسه، ص 446.
(44) عبد الرحيم الحصيني، مصدر سبق ذكره، ص 175.
(45) تعتبر هذه العلامات، علامات رئيسة لظهور الإمام المهدي عليه السلام ، ولمزيد من التفاصيل أنظر: محمد الصدر، تاريخ الغيبة الكبرى، مصدر سبق ذكره، ص 502 وما بعدها.
(46) محمد مهدي الآصفي، ص 61.
(47) محمد رضا المظفر، مصدر سبق ذكره، ص 102.
الاستاذة ناهدة محمد زبون/ كلية العلوم السياسية- جامعة بغداد