الفائدة والعلة من غيبة الإمام وخطورة عدم غيبته

حقيقة حينما نتكلم عن الفائدة عن غيبة الإمام الحجة (عليه السلام) لا بد أن نؤمن ونتيقن بأن الله تعالى قد أخفى ذلك الوجود المقدس عن الأنظار لحكمة لأن افعال الله عز وجل لا تصدر إلا عن حكمة وعن غاية تصدر طبقاً للمصالح الواقعية إذا لا بدا أن تكون غيبة الإمام لها علة وحكمة وإن جهلناها نحن القاصرون وأريد ان اذكر لكم حديثاً يدل على إن العلة الأساسية من غيبة الإمام لم تبين للناس ولا يعلم بها سوى الأئمة الأطهار (عليهم السلام).

 

حقيقة حينما نتكلم عن الفائدة عن غيبة الإمام الحجة (عليه السلام) لا بد أن نؤمن ونتيقن بأن الله تعالى قد أخفى ذلك الوجود المقدس عن الأنظار لحكمة لأن افعال الله عز وجل لا تصدر إلا عن حكمة وعن غاية تصدر طبقاً للمصالح الواقعية إذا لا بدا أن تكون غيبة الإمام لها علة وحكمة وإن جهلناها نحن القاصرون وأريد ان اذكر لكم حديثاً يدل على إن العلة الأساسية من غيبة الإمام لم تبين للناس ولا يعلم بها سوى الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
قال عبد الله بن فضيل الهاشمي: قال الإمام الصادق (عليه السلام): لا بد من غيبة لصاحب الأمر، بشكل يقع معها الناس في الشك، فقلت: لماذا؟ قال: لستُ مأذونًا ببيان السبب، فقلت: وما الحكمة فيها؟ فقال: نفس الحكمة الموجودة في غيبة الحجج السابقين موجودة في غيبته، لكن حكمته لا تظهر إلا بعد ظهوره، كما أن حكمة إغراق السفينة وقتل الغلام وإصلاح الجدار على يد الخضر (عليه السلام) لم تتضح لموسى (عليه السلام) إلا عندما فارق الخضر، يا ابن فضيل إن أمر الغيبة سر من أسرار الله، وغيب من الغيوب الإلهية، ولأننا نعتقد بأن الله حكيم فعلينا أ نعترف بأن أفعاله تصدر عن حكمة، وأن كانت خافية علينا.
يستفاد من هذا الحديث أن العلة الأساسية من الغيبة لم تبين، أو أن الإطلاع عليها لم يكن في صالح الناس، أو أنهم لم تكن لهم القابلية على فهمها.
ولكن بينت بعض الأحاديث ثلاث حكم للغيبة:
• الحكمة الأولى الامتحان والاختبار، فالإيمان بالغيبة يميز جماعة من ضعيفي الإيمان، وتتضح قيمة من دخل الإيمان في أعماق قلوبهم بواسطة انتظارهم الفرج، والصبر على الشدائد، وإيمانهم بالغيب، ويحصلون على درجات من الثواب.
قال موسى بن جعفر (عليه السلام): إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة، فالله في أديانكم،لا يزيلنكم عنها أحد، يا بني لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله امتحن بها خلقه.
• الحكمة الثانية خروج الإمام وليس في عنقه بيعة لأحد. قال الحسن بن فضال: قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): كأني بشيعتي عندما يموت ثالث أولادي «الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)» يفتشون كل مكان بحثًا عن إمامهم، ولكن دون جدوى، فقلت: لماذا يا ابن رسول الله؟ فقال: لأن إمامهم، ولكن دون جدوى، فقلت: ولماذا يغيب؟ فقال: حتى إذا خرج بسيفه لا تكون في عنقه بيعه لأحد.
• الحكمة الثالثة خوف الإمام على دينه ونفسه. عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا زرارة لا بد للقائم من الغيبة، قلت: ولم؟ قال: يخاف على نفسه، وأومأ بيده إلى بطنه.
خطورة عدم غيبة صاحب الأمر (عليه السلام):
ربما سائل يسأل: ما المانع من أن يظهر الإمام (عليه السلام)، ويعرف مكانه الناس، ويعيش في إحدى بلدان العالم، ويقود المسلمين دينياً، ويستمر في حياته على هذه الشاكلة، حتى تصبح أوضاع العالم مساعدة لقيامه للجهاد، فينهض بسيفه فيقضي على الكافرين.
الجواب: إن هذا فرض لا بأس به، ولكن ينبغي دراسة عواقبه ونتائجه، سأشرح لكم هذا الأمر على غرار الأحداث العادية:
بما أن الرسول الأكرم والأئمة الأطهار (عليهم السلام) قالوا للناس مرارًا: إن حكومة الظلم والجور ستسقط على يد المهدي الموعود، ولذا كان الوجود المقدس لإمام العصر (عليه السلام) محط أنظام فئتين من الناس.
• الأولى: فئة المظلومين، وهم أكثر الناس، وهم بسبب مظلوم بينهم يجتمعون حول إمام العصر (عليه السلام) ويأملون منه النهوض والدفاع عنهم.
• الثانية: فئة الظالمين، ومصاصي الدماء المتسلطين على رقاب الأمة المحرومة، لأجل الوصول إلى منافعهم الخاصة، وحفظ مناصبهم، وهم لا يتورعون عن ارتكاب أي عمل أجرامي حفاظا على مقامهم، هذه الفئة ترى أن الوجود المقدس للإمام (عليه السلام) عائق عن تحقيق مقاصدهم المشئومة ويرون فيه خطراً على رئاستهم، فلا بد من قيامهم بإزاحته عن طريقهم وتخليص أنفسهم من هذا الخطر العظيم، فيتحد كل الطغاة من أجل تحقيق هذا الهدف الأساسي المرتبط بمدمومية تسلطهم ليستأصلوا جذور العدل والقسط، ولا يهدئوا حتى يحققوا هذا الأمر.
وهذا ليس بمستغرب أخي القارئ، فلقد تحقق هذا حينما وقفت قوى الاستكبار في وجه ثورة الإمام الخميني «قدس سره» ولا زالت قوى الاستكبار مستمرة في بغيها وظلمها للدولة الإسلام الجمهورية الإسلامية الإيرانية فهي لاتريد لهذه الدولة أن تتقدم في رقيها فلقد حوربت وقوطعت اقتصادياً لكي لاتنجح للوصول إلى التكنلولجيا النووية السلمية، ولكن الله لهم بالمرصاد.
حتى لانخرج عن الموضوع وأقول ربما سائل يسأل ما المانع لو قتل إمام العصر في سبيل إصلاح الأمة وترويج الدين والدفاع عن المظلومين؟ فهل أن دمه اعز من دم أجداده؟
ولماذا يخاف الموت؟ وفي الجواب عليه نقول إن الإمام الغائب لا يخشى الموت في سبيل الله مثل أباءه تماماً ولكن قتله ليس في صالح الأمة والدين لأنه إذا قتل احد من أباءه في ذلك الزمان حل محله إمام آخر ولكن لوقتل صاحب الأمر (عليه السلام) فليس هناك من يخيفه مع إن الله سبحانه قدر له النصر في نهاية المطاف على الباطل، وعن طريق الوجود المقدس للإمام الثاني عشر (عليه السلام) تبقى وراثة الأرض بيد عباد الله الصالحين.
ونحن في هذا الزمن العصيب محرومون من الوجود المقدس لصاحب العصر والزمان بسبب أفعالنا وأعمالنا، فإن الوجود المقدس للإمام هو غاية الكمال الإنساني والرابطة بين عامل المادة وعالم الربوبية ولو لم يكن الإمام على الأرض لنقرض النوع الإنساني، ولو لم يكن الإمام لما عُرف الله بشكل كامل، ولو لم يكن الإمام موجودًا لنقطع الارتباط بين عالم المادة، وعالم العقل والروح، إن وجود الإمام بمثابة «المولد» الذي وصل الطاقة إلى الآف المصابيح، وإن إشراقات وإفاضات العالم الغيب تصطع أولاً على مرآءة قلبه الصافية، وتنزل عن طريقه إلى سائر قلوب الناس، الإمام هو قلب عالم الوجود، وقائد ومربي للنوع الإنساني، وإن ظهوره وغيبته لاشأن لهما في ترتب ذلك الأثر، فهل يمكن بعد ذلك القول: ما فائدة الإمام الغائب أظنكم تنقلون هذا الإشكال عن لسان الذين لم يتعرفوا المعنى الحقيقي لمعنى الولاية والإمامة، ولا يرون في الإمام إلا مُفتيًا ومقيمًا للحدود في حين أن مقام الإمامة والولاية أسمى بكثير من هذه الأمور الظاهرية.
عن جعفر الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جده علي بن الحسين (عليه السلام) قال: نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادات المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المسلمين، ونحن أمان لأهل الأرض، وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض، ولولا نحن على الأرض لساخت بأهلها.
ثم قال: ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، وإما ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو الأرض إلى أن تقوم الساعة من حجة، ولولا ذلك لم يعبد الله.
قال سليمان: قلت لجعفر الصادق (عليه السلام) كيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا شترها السحاب.
في هذا الحديث وعدة أحاديث أخرى شبه الوجود المقدس لصاحب الأمر (عليه السلام) وانتفاع الناس منه بالشمس خلف السحاب، ووجه الشبه هو ما ثبت في العلوم الطبيعية والفلك من أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية، وتحفظ جاذبيتها الأرض من أن تقع وتدور الأرض حول نفسها فينتج بذلك الليل والنهار، وتبعث حرارتها الحياة في الحيوانات والنباتات والإنسان، وينير شعاعها الأرض، ولا فرق في ترتب هذه الآثار على ظهور الشمس واختفائها خلف الغيوم، فإن جاذبيتها وحرارتها موجودة على كل حال، وان تفاوتت شدة وضعفاً وعندما تختفي الشمس خلف الغيوم السوداء. وعند الليل يظن الجاهلون أن الموجودات حينئذٍ لا تستفيد من نور الشمس وحرارتها، لكن هذا اشتباه.
والوجود المقدس للإمام (عليه السلام) كمثل الشمس فهو قلب عالم الإنسانية، والمربي والهادي التكويني، ولا يوجد فرق في ترتيب هذه الآثار بين ظهوره وغيبته.
أما فيما يخص الفوائد الأخرى التي ذكرناها فيبدو أن عامة الناس محرومون منها حالة الغيبة، ولكن ليس لأن الله تعالى يمنع فيض الناس أنفسهم والعدالة، وهيأ أفكار الناس لتقبل ظهور إمام العصر لعجل الله ظهوره، وتمتع المجتمع ببركات وجوده المقدس التي لا تحصى. وهناك فائدة اخرى وهي أن الإمام بالمهدي الغائب (عليه السلام) وانتظار ظهوره يبعث الأمل والإطمئنان في قلوب المسلمين، وهذا الأمل أحد اكبر اسباب النجاح والتقدم نحو الهدف، فإن كل جماعة يسكن قلبها روح اليأس، ولا يضيئ فيه مصباح الأمل، سوف لا تتحقق النجاح ابداً.
اجل ان أوضاع العالم المضطربة والمؤسفة وطغيان المادية وركود العلوم والمعارف والحرمان المتزايد لطبقة المستضعفة، وتنامي قوة الاستعمار، والحروب الساخنة والباردة وسباق التسلح بين الشرق والغرب، قد أربكت مفكري العالم وطالبي صلاحه، وجعلتهم يشككون في قابلية أصلاح البشر. وإن النافدة الوحيدة المشرعة أمام الإنسانية وأمالها الوحيد في هذا العالم المظلم هو انتظار الفرج، وحلول العصر المشرق لحكومة التوحيد لتسنى تنفيذ القوانين الإلهية.
إن انتظار الفرج هو الذي يبعث الهدوء في القلوب المنكسرة اليائسة، وهو المرهم لجروح الطبقات المحرومة إن البشارات الداعية لحكومة التوحيد هي التي تثبت عقائد المؤمنين، وإيمانهم بغلبة الحق هو الذي يشجع مصلحي البشرية ويدفعهم إلى السعى وعدم النكوص والتخاذل، وإن الانتظار لتلك القوة الغيبية هو الذي ينجي الإنسانية من السقوط في وادي اليائس الرهيب.
إن رسول الله محمد (صلى الله وعليه وآله) عندما وضع برنامجاً لحكومة التوحيد العالميه واشار لظهور المصلح العالمي الحجه إبن الحسن قد أبعد شبح اليأس وأنقطاع الامل عن عالم الإسلام وسدٌ باب الأنكسار وإنعدام الأمل والمنتظر من المجتمع الإسلامي الغيور ومن علماء الدين ومن المثقفين أن يلفتوا انظار المجتمعات او أنظار العالم لهذا البرنامج ويهيئوا الناس لإستقبال دولة التوحيد الكبرى.
وحتى نلقاكم في حلقة قادمه بعنوان لماذا لم يظهر الإمام المهدي (عج) والعلامات التي تحققت في بلادنا. وصلى الله على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

Check Also

عِللُ الغيبة و فلسفتها

«اللّهمّ عرّفني حُجّتك، فإنّك إنّ لم تُعرّفني حُجّتك ضَلَلْتُ عن ديني»لا نعرف شيئاً بعد معرفة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *