(من التنظر وهو توقع الشيء والانتظار المأمور به في المقام هو توقع دولة الحق على يدي الموعود والمؤمّل من لدن آدم إلى زماننا هذا. والمستفاد من الروايات ان دولة الحق موعودة، وعد بها الله سبحانه وتعالى عبادَه الصالحين، وانه يأتي يوم يحكم الحق تحت راية السلطان العادل البسيطةَ كلها, قال الله سبحانه (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ)
هناك تعاريف عديدة لمفهوم الانتظار, إذ حاول بعض الكتاب والمؤلفين ان يجعل له حداً تاماً، لكي يتم فهم معناه بشكل مجمل.
فعُرف بأنه:
(عبارة عن كيفية نفسانية ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره وضده اليأس).(1)
أو هو: (إيمان بالغيب يحمل العبدَ على العمل والتعبّد بعقيدة متكاملة، ويكون مُحبّا للعدل كارها للظلم يوجه نفسَه وسائرَ أعمالِه نحو ما فيه خيرُها وخيرُ الآخرين).(2)
وقيل عنه بأنه: (من التنظر وهو توقع الشيء والانتظار المأمور به في المقام هو توقع دولة الحق على يدي الموعود والمؤمّل من لدن آدم إلى زماننا هذا. والمستفاد من الروايات ان دولة الحق موعودة، وعد بها الله سبحانه وتعالى عبادَه الصالحين، وانه يأتي يوم يحكم الحق تحت راية السلطان العادل البسيطةَ كلها, قال الله سبحانه (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ)).(3)
وعرّف أيضا بأنه: (ترقب ظهور وقيام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمد عليه السلام, وامتلائها قسطاً وعدلاً، وانتصار الدين القويم على جميع الأديان كما أخبر به الله تعالى نبيه الأكرم ووعده بذلك, بل بشر جميع الأنبياء والأمم انه يأتي مثل هذا اليوم الذي لا يُعبد فيه غيرُ الله تعالى ولا يبقى من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة احد… ).(4)
ولعل أبرز من حده في تعريف دقيق ومختصر هو السيد محمد علي الحلو في كتابه الغيبة والانتظار, عندما قال عنه انه: (حالة ترقب يصاحبه عمل يمارسه المنتظر لاستقبال اليوم الموعود, وهذا العمل يجمعه مصطلح واحد ليكون من أظهر مصاديقه وهو التقوى) ثم أردف قائلا: (فالانتظار إذن هو: عمل المنتظر بتقوى عملية يحققها واقعه المعاش).(5)
فجمع في التعريف بين مفهوم الانتظار النظري ومفهومه العملي، على اعتبار أن المنتظر لا يكون منتظراً حقيقة إلا من خلال المزاوجة بين النظرية والتطبيق وكما جاء في الروايات (ثمرة العلم العمل) فمن خلال العمل سيكون الانتظار حقيقياً.
ثم إن هناك أسئلة مهمة تطرح نفسها.
هل أن الانتظار واجب أم لا؟ وهل يجب على المكلف انتظار الفرج؟ وما الدليل إن كان واجباً؟
وقد أجاب آية الله الشيخ بشير النجفي عن وجوب الانتظار بقوله:
(إنّ الانتظار واجب بحكم العقل والشرع.
أما العقل: فلما نعلم من طبيعة البشر انه لا يندفع إلى فعل لا ينبغي أن يندفع إليه إلاّ إذا أحرز انه يؤدي إلى ما يرغب فيه ويتمناه، وتوقّعُ الوصول إلى البغية يدفعه إلى العمل، فالتوقع والانتظار لدولة الحق على يد الإمام المنتظر عليه السلام, مقدمة أساسية ومنطلق فكري وعملي نحو بذل الطاقة والجهد في سبيل الوصول إلى تلك البغية.
وأمّا الشرع: فقد ورد الأمر بالانتظار في كثير من الروايات فبلغ حد التواتر بل في بعضها ان الانتظار من أفضل الأعمال).(6)
وسنحاول استعراض بعض هذه الروايات كدليل نقلي على وجوب الانتظار ولما لها من أهمية خاصة.
فعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عز وجل).(7)
وعن الإمام الصادق عليه السلام:
(إذا أصبحتَ وأمسيتَ لا ترى فيه إماما من آل محمد ـ أي بعد وقوع الغيبة ـ فأحبَّ من كنتَ تحبُّ، وابغض من كنتَ تبغض، ووالِ من كنتَ توالي، وانتظر الفرج صباحاً ومساءً).(8)
وعنه عليه السلام أنه قال:
(من دين الأئمة الورع والفقه والصلاح، وانتظار الفرج بالصبر).(9)
(وروي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، انه قال ذات يوم: ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملاً إلا به؟ فقلتُ بلى. فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما أمر الله، والولايةُ لنا، والبراءةُ من أعدائنا ـ يعني الأئمة خاصة ـ والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم عليه السلام، ثم قال: ان لنا دولةً يجيء الله بها إذا شاء، ثم قال: من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فان مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة).(10)
وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج انه ورد توقيع من صاحب الأمر عليه السلام على يد محمد بن عثمان وفي آخره..
(وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان في ذلك فرجكم).(11)
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام (انتظار الفرج من أعظم الفرج، ثم قال عليه السلام من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا، أعطاه الله أجر ألف شهيد من شهداء بدرٍ وأُحد).(12)
فهذه الروايات وغيرها تدل بشكل واضح على وجوب انتظار الفرج، وعلى فضل المنتظرين وما أعد الله لهم من الأجر والثواب والمكانة الرفيعة التي يحظَون بها).
أنواع الانتظار
من خلال النظر إلى مفهوم الانتظار نستطيع أن نحدد نوعين من الانتظار، يمكن لنا ان نطلق عليهما اسمي: الانتظار النظري، والانتظار العملي.
ولكن بعض الكتاب والمثقفين يقسم الانتظار إلى نوعين:-
انتظار إيجابي، وانتظار سلبي، أو:
(انتظار بنّاء باعث للتحرك والالتزام الرسالي، فهو عبادة وأفضل العبادات.
وانتظار مخرّب يشل الإنسان عن العمل البناء فهو يعتبر نمطا من أنماط الإباحية).(13)
(ان نوعي الانتظار هذين هما نتيجة لنوعين من الفهم لماهية الظهور التاريخي العظيم للمهدي الموعود عليه السلام… والبعض يفسر القضية المهدوية وثورتها الموعودة بأنها ذات صبغة انفجارية لا غير… وأنها نتيجة لإنتشار الظلم والتمييز والقمع وغصب الحقوق والفساد… ).(14)
نحن نعتقد أن ما يسمى بالانتظار المخرب أو الانتظار السلبي والذي يقوم على فكرة أن الإمام لا يظهر إلا إذا امتلأت الأرض ظلماً وجوراً وإن كان هذا الأمر صحيحاً على ما جاء في بعض الروايات- فلا بد أن نقوم بنشر الفساد والترويج له، لكي ينتشر الظلم فيظهر الإمام، نحن نعتقد أن هذا الأمر ليس من الانتظار في شيء، بل هو عبارة عن انحراف عقائدي مبطّن بفكرة الانتظار. وان من يقوم بهذا الأمر ليس من المنتظرين في شيء، لأن ما جاء به تعريف الانتظار في بداية البحث منافٍ تماماً لهذه الاطروحات الإباحية.
فنحن نسأل هؤلاء، كيف تعلمون أن الإمام المهدي عليه السلام عندما يظهر لا يقوم بالاقتصاص منكم؟ ثم ما هو فرقكم عمّن يقوم بهذا الأمر وهو نشر الفساد من غير المسلمين؟
ولكن الصحيح في نوعي الانتظار، الانتظار النظري (السلبي)، والانتظار العملي (الايجابي). غير ما أريد منه سابقا.
إذ ان الانتظار النظري (السلبي)،هو الإيمان بعقيدة الإمام المهدي عليه السلام دون عمل أو تهيؤ، بل هو كسل لا غير.
وليس معناه نشر الظلم والفساد، لان هذا الأمر كما قلنا ليس من الانتظار في شيء.
أما الانتظار العملي: فهو الإيمان بعقيدة الإمام المهدي عليه السلام مع العمل والتهيؤ للظهور المبارك من خلال نشر الثقافة المهدوية، ومحاربة الظلم والفساد وإيجاد القاعدة الممهّدة للإمام المنتظر عليه السلام. فهو انتظار نظري عملي،تقترن فيه النظرية مع التطبيق العملي، وهو الانتظار الشرعي المراد من الروايات الصحيحة.
وقد.. (يتصور البعض أن مفهوم الانتظار مفهوم رجعي، جامد يدعونا إلى السكون والسكوت عن الظالمين والعياذ بالله، في حين أن العكس هو الصحيح . فلو نظرنا إلى التاريخ لوجدنا أن الشيعة منذ البداية وحتى يومنا الحاضر وسيبقَون حتى ساعة الظهور المباركة، أصحاب الثورات وأهل النهضات والمقاومة الرسالية للظلم والظالمين، وما ذلك الا لعقيدتهم بالإمام الحجة عجل الله فرجه).(15)
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من هو المنتظر؟ وهل ان كل من اعتقد بالمصلح العالمي هو منتظر؟
والجواب (ليس كل من اعتقد بالمصلح العالمي يعد منتظرا، وكذلك ليس كل من كان معتقدا بالعقيدة الإثنى عشرية يعد منتظرا، وهكذا يعمم هذا النفي ليشمل من اعتنق المهدوية قلبا وآمن بها جنانا ووجدانا، ولكن لم يجسدها حركةً على صعيد الواقع، ولم يتعاط معها كقضية واقعية محسوسة لها بعدها وأثرها على مستوى الفرد والمجتمع).(16)
أي أن هناك من يؤمن بالإمام المهدي عليه السلام على المستوى النظري،وهناك من يؤمن به على المستوى النظري والعملي، والأخير هو الانتظار الحقيقي لأنه يلامس الواقع وهو أن حركة الإمام هي حركة تغييرية ثورية. والتغيير لا ينبع إلا من الداخل (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ).
فالانتظار الحقيقي هو الذي يعمل من خلاله المنتظر نحو التغيير، من أجل التحضير لحركة الإمام المهدي عليه السلام باعتبار ه عليه السلام, هو الذي سيقود الحركة النهائية للانقضاض على الباطل، والواقع الفاسد الذي تعيشه الشعوب والأمم. ومن ثم إقامة دولة الحق والعدل.
أما الكسل والخمول والتراخي، والتوكل على الغير فليس من الانتظار. والشخص المتكاسل والمتهاون، إنما ينطلق في تكاسله وتهاونه من ذات نفسه، إذ أن الشريعة المقدسة لم تأمر بهذا، بل على العكس، فمن يدعي أن على المنتظر أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن لا يقاوم الظلم والطغيان أو الفساد في الأرض، إنما هو مخطئ في تصوره، وإلا كيف سيتم الحفاظ على الخط الرسالي للأمة؟ وكيف ستتم مواصلة السير نحو الظهور المقدس دون وجود قاعدة جماهيرية مؤمنة قادرة على تحمل أعباء العمل الرسالي؟
فـ (الوظيفة الشرعية تتلخص في إقامة الإصلاح والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ).(17)
لذلك فان الإمام المهدي عليه السلام كما تشير الكثير من الروايات سيواجه فرقاً ضالة كثيرة، وتمرداً داخلياً كبيراً قبل أن يقاتل اليهود والنصارى في المعارك العالمية الحاسمة . وهذا الأمر إنما يحصل بسبب عدم قدرة البعض على تقبل الظهور المبارك، لعدم وجود عقيدة إيمانية راسخة.
(إن أول مواجهة يخوضها الإمام عليه السلام هي المواجهة مع الانحراف الداخلي..).(18) فالانتظار (لا يكون صادقا إلا إذا توفرت فيه عناصر ثلاثة مقترنة: عقائدية، ونفسية، وسلوكية، ولولاها لا يبقى للانتظار أي معنى إيماني صحيح، سوى التعسف المبني على المنطق القائل (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) المنتج لتمني الخير للبشرية من دون أي عمل إيجابي في سبيل ذلك).(19)
إن المشكلة الحقيقية التي تواجه الأمة هي غياب الإمام المهدي عليه السلام، وطول زمن الغيبة، ومن ثم كثرة الفتن، وما ينتج عنها من قلة الصبر وخذلان الحق.
فقد جاء في الروايات عن أمير المؤمنين عليه السلام (والله لتُميَزُنَّ واللهِ لتُمَحصُنَّ واللهِ لتُغَربَلُنَّ كما يُغربلُ الزوان من القمح).(20)
وفي رواية أخرى عن محمد بن منصور عن أبيه، قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة نتحدث (فالتفت إلينا فقال: في أي شيء أنتم؟ هيهات، هيهات لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا، لا والله لا يكون ماتمدون إليه أعينكم حتى تميزوا، لا والله لا يكون ماتمدون إليه أعينكم إلا بعد إياس، لاوالله لايكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى من يشقى، ويسعد من يسعد… ).(21)
ولكن أئمتنا عليهم السلام لم يتركوا الناس دون نصح أو إرشاد فقد بينوا الطريق الصحيح والمنهج الأسلم الذي يجب أن يسير عليه المنتظرون للنجاة والخلاص من الفتن، فقد بينوا (سلام الله عليهم) سبب عدم تحديد وقت للظهور.
فعن الإمام الجواد عليه السلام انه قال:
(انها ستكون حيرة لو عُيِّنَ لهذا الأمر وقت لقست القلوب، ولرجع عامة الناس عن الإسلام، ولكن قالوا : ما أسرعه ! .. وما أقربه!، تألفا لقلوب الناس وتقريبا للفرج . اجل انه ليقسو قلبي حين أعرف أن الحجة سيخرج بعد ألف سنة مثلا، فأيأس من لقائه شيئا ما، ثم يزيد ابني من بعدي يأسا، ويتزايد يأس حفيدي لذلك . فيبتدئ البعد عن الدين جيلاً فجيلاً، أما لو بقي من غير توقيت فاني أهفو للقاء الميمون، ويهفو إليه غيري، ونحس بأننا مطالبون بين يدي الإمام يحاسب سيفه على التفريط، ومحاسبون على التقصير، فنشعر بالمسؤولية ونتمسك بعقيدتنا ونقوم بواجباتنا ونرى هيبة الإمام مسيطرة علينا، فتستقيم أعمالنا وتحسن عباداتنا ويتحسن سلوكنا ومعاملاتنا مع سائر الناس).(22)
ثم بينوا لنا بعض الأمور التي يجب أن تتوفر لكي يكون الإنسان منتظرا من خلال رواياتهم عليهم السلام وهذه الأمور نذكرها في النقاط الآتية:
1- إطاعة الله عز وجل.
ففي رواية عن الأمام الباقر عليه السلام (لا تذهب بكم المذاهب، فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله).(23)
2- الولاية.
ورد عن أحد الأئمة المعصومين عليهم السلام (فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه، فلو أن أحداً صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية، لم يُقبل منه صوم ولا صلاة . (فبهذا المعنى يكون الاعتراف بالولاية باعثاً على انتظار الفرج، ويكون انتظار الفرج مع العمل الصالح المقبول من أفضل العبادات) ).(24)
3- الورع ومحاسن الأخلاق.
فعن الإمام الصادق عليه السلام (ومن سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق…).(25)
فأن الكف عن المحرمات والتنزه عنها يورث أعلى الدرجات، ويزكي النفس ويطهرها خاصة فيما إذا تخلقت بمحاسن الأخلاق والصفات الحميدة.
4- الطُمَأنينة.
فقد روي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال ذات يوم (ألا أخبركم بما لا يقبل الله ـ عزّ وجل ـ من العباد عملاً إلا به؟… ثم ذكر، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم).(26)
فالاطمئنان بان الله ـ عزّ وجل ـ ناصر المؤمنين ومظهر الحق، وخاذل الكافرين ومزهق الباطل، ومعز الأولياء . وخاصة وليه الإمام الحجة بقية الله في أرضه وهذا من سننه عز وجل التي لا مناص منها، لكي يجعل الإنسان متفائلا بقرب الخلاص والنصر.
(فان نجاح جماعة الانتظار يكمن في تفاؤلها الطموح بقيام دولة الحق، وهي تسعى دائما إلى صياغة أعمالها على أساس ذلك، لذا فهي حيوية دائمة غير متأثرة بالإحباطات السياسية المحيطة بجماعة الانتظار، فضلا عن أن هذه الجماعة تحقق نجاحها في خضم التحديات التي تواجهها دائما).(27)
5- الاجتهاد والتفقه في الدين.
إن التسلح بالعلم يؤدي إلى القدرة على مواجهة الفتن، كما جاء في الرواية عن الإمام علي عليه السلام: (الناس ثلاثة، عالم رباني، ومتعلم على طريق النجاة، وهمج رُعاع ينعقون مع كل ناعق) فان من لا علم له أو دين، يسهل التلاعب به، لأنه لا يمتلك خلفية عقائدية متينة تجعله يواجه الانحرافات الفكرية والعقائدية التي ينشرها أهل الضلال والكفر، لينالوا من خلالها من الخط الرسالي الأصيل لأتباع أهل البيت عليهم السلام.
ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لعبد الرحمن بن سبابة :كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يتبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون… ).(28)
وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال : (لتُمَحَصُنَّ يا شيعةَ آل محمد تمحيصَ الكُحلِ في العين وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها).(29)
فالثبات على الشريعة يلزمه التفقه في الدين والاجتهاد في طلب العلم، ومن ثم تتحصل الملكة على تشخيص الفتن.
7- طاعة أولي الأمر من الفقهاء.
ففي الرواية عن الأمام الهادي عليه السلام: (لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، الدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين للضعفاء من عباد الله من شباك إبليس ومردته، لما بقي أحد الا ارتد عن دين الله، ولكنهم يمسكون أزِمَّةَ قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانَها ـ أي مقودها ـ الذي يشق عباب الماء، أولئك هم الأفضلون عند الله ـ عزّ وجل ـ).(30)
فالعلماء هم القادة الحقيقيون للأمة في زمن الغيبة. والطاعة لهم تُنجي من الهلكة والضياع في بحور الفتن التي تحيط بالأمة. وإن طاعتهم هي طاعة للإمام المهدي عليه السلام لأنه أمر أن يطاع الفقهاء (من رأيتموه صائنا لنفسه،حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه).
واجبات المنتظرين:
من أهم الأمور التي يجب أن تطرح في هذا البحث، هي واجبات المنتظر للإمام المهدي عليه السلام؟
لقد عرفنا من خلال البحث انه ليس كل من ينتظر الإمام هو منتظر حقيقة له، وعلمنا إن هناك نوعين من الانتظار هما الايجابي والسلبي،وهنا علينا أن نبين أهم واجبات المنتظرين وهي:
1- الدعاء للإمام المهدي عليه السلام بالحفظ وتعجيل الفرج . وفي هذا المجال هناك عدة أدعية مختصة بالإمام المهدي عليه السلام, كدعاء العهد ودعاء الفرج وغيرها، أو التصدق نيابة عنه عليه السلام.
2- التمهيد للظهور المبارك من خلال نشر الثقافة المهدوية وتعريف الناس بالإمام عليه السلام، والخطوط العريضة لحركته المقدسة لإيجاد الاستعداد النفسي والبدني للظهور. والتهيؤ للظهور المبارك من خلال إيجاد القاعدة الشعبية التي تمتلك العقيدة الراسخة والإيمان المطلق بالإمام عليه السلام.
3- (الإكثار من زيارة الأماكن المقدسة للمعصومين عليهم السلام وذرا ريهم وخلصائهم ودعوة الناس إلى الزيارات الجماعية والفردية).(31) (والتعرف على المعصومين عليهم السلام وسيرتهم وخصوصا إمام العصر والزمان عليه السلام بمطالعة ومدارسة كتب سيرتهم وأحوالهم ومجالسهم والسؤال من العلماء والعارفين عنهم).(32)
4- العمل على نشر الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية وتوحيد الصفوف ومساندة الفقراء والضعفاء، والتخلق بالصفات الحسنة ونشر الفضيلة.
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطها، ومقارعة الظلم والفجور والفساد ومن يروج له، من أجل الحفاظ على الخط الرسالي للأمة.
6- الصبر على الشدائد والمحن، وتقلبات الأيام، والاعتبار بسيرة الأئمة عليهم السلام والاطمئنان بنصر الله عز وجل (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ).
فضل المنتظرين
دل الكثير من الروايات عن أهل بيت النبوة عليهم السلام على فضل المنتظرين وأن أهل زمان ظهور الإمام عليه السلام المنتظرين له عليه السلام هم أفضل العباد.
وان الله تعالى قد فضلهم على كثير من المؤمنين، والخصوصية الموجودة في هذا الأمر هي أنهم آمنوا بالغيب، آمنوا بالإمام المهدي عليه السلام ولم يروه، وآمنوا بآبائه عليهم السلام والنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ولم يروهم، وتحملوا في سبيل ذلك المصاعب والمشاق وتعرضوا للعذاب والآلام، ولكنهم صبروا واحتسبوا ذلك عند الله عز وجل،، فكان حقيقا على الله ان لايضيع أجرهم ويرفع لهم ما شاء من الدرجات (إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أعظم الناس يقيناً، قومٌ يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي، وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد في بياض). (أي آمنوا بما وجدوه عندهم مسطوراً في الكتب بدءاً بتوحيد الله والاعتراف بصفاته الثبوتية، وانتهاء بالإيمان بالنبوة والولاية فالبعث والحساب، أي آمنوا بأصول الدين وأركانه بواسطة الأخبار الصحيحة التي أخذوها عن إسلافهم).(33)
وفي رواية أخرى عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال:
(يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم البارئ جلّ جلاله، فيقول عبادي وإمائي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي فابشروا بحسن الثواب مني فأنتم عبادي وإمائي حقاً منكم أتقبل وعنكم أعفو ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي).(34)
لا بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرفعهم درجة فوق درجة أصحابه (رضوان الله عليهم )،فقد روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم قالوا : يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحُنين ونزل فينا القرآن، فقال: لكنكم لم تحملوا ما تحمّلوا ولم تصبروا ما صبروا).(35)
ثم إن منزلتهم لا تزال ترتفع شيئا فشيئا حتى تصل درجة الشهداء، ففي رواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام (من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا، أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر).(36)
ولا يزال هذا الفضل ـ فضل المنتظرين ـ في تزايد وتعاظم من الله عز وجل. وتبينه روايات أهل البيت عليهم السلام ، ليكون دافعا للمؤمنين على الصبر وانتظار الفرج.
فيروي الشيخ النعماني في كتاب الغيبة عن علاء بن سبابة عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال (من مات منكم على هذا الأمر منتظرا كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائم).(37)
وفي الرواية عن الإمام السجاد عليه السلام حيث قال ضمن حديث له عن القضية المهدوية (إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان لان الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والإفهام ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة العيان وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف. أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً والدعاة إلى دين الله عز وجل سراً وجهراً).(38)
و(ان الانتظار الذي يكون أفضل من سائر العبادات المندوبة، ويترتب عليه الأجر والثواب هو الانتظار المقترن بالطاعة والعمل الصالح وأداء الوظائف الشرعية والإنسانية وتحمل المشاق والصعوبات بسببه، والاستعداد الكامل للبذل والتضحية في سبيل إعلاء كلمة الله ودحض الباطل).(39)
بعد هذا كله يظهر لنا مقدار عظمة الانتظار وفضل المنتظرين، فما انتظار الفرج إلا جهاد، وأي جهاد، انه جهاد لنصرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وال بيته الأطهار.
جهاد مقترن بالصبر والتقوى والطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم على جميع الصُعُد والمستويات. حتى النصر النهائي على أهل الكفر والفسوق والعصيان.
الهوامش
(1) أعلام الهداية , المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام, ج14 ,ص188 .
(2) يوم الخلاص , كامل سليمان , ص180.
(3) ولادة الإمام المهدي عليه السلام, المرجع الديني الشيخ بشير النجفي ,ص72 .
(4) أعلام الهداية, المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام, ج14 , ص189 .
(5) الغيبة والانتظار، السيد محمد علي الحلو، ص176 .
(6) ولادة الإمام المهدي عليه السلام, المرجع الديني الشيخ بشير النجفي،ص72 – 73 .
(7) الحركة الإصلاحية من الحسين عليه السلام إلى المهدي عليه السلام,السيد صدر الدين القبانجي، ص243.
(8) يوم الخلاص، كامل سليمان، ص174.
(9) نفس المصدر، ص195 .
(10) تاريخ الإمام الثاني عشر، الشيخ عباس القمي،ص146 .
(11) الاحتجاج، الطبرسي، ص284 .
(12) يوم الخلاص، كامل سليمان، ص191-191 .
(13) أعلام الهداية، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ، ج14، ص190 .
(14) نفس المصدر، ص191 .
(15) الإمام المهدي قدوة الصديقين، السيد محمد تقي المدرسي، ص56 .
(16) مجلة الانتظار، العدد الخامس، ص71 .
(17) الحركة الإصلاحية من الحسين عليه السلام إلى المهدي عليه السلام، السيد صدر الدين القبانجي، ص175.
(18) نفس المصدر، ص168 .
(19) أعلام الهداية، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ،ج14،ص190 .
(20) مئتان وخمسون علامة حتى ظهور الامام المهدي عليه السلام,السيد محمد علي الطباطبائي، ص77.
(21) الغيبة، الطوسي، ص227 .
(22) يوم الخلاص، كامل سليمان، ص176 – 177 .
(23) يوم الخلاص، كامل سليمان، ص179 .
(24) نفس المصدر، ص180 .
(25) الحركة الإصلاحية من الحسين عليه السلام إلى الإمام المهدي عليه السلام, السيد صدر الدين القبانجي، ص243.
(26) تاريخ الإمام الثاني عشر،الشيخ عباس القمي،ص146-147 .
(27) الغيبة والانتظار، محمد علي الحلو، ص181 .
(28) تاريخ الامام الثاني عشر، الشيخ عباس القمي، ص143 .
(29) الغيبة، النعماني، ص206 .
(30) يوم الخلاص، كامل سليمان، ص206 .
(31) مائتان وخمسون علامة حتى ظهور الإمام المهدي، السيد محمد الطباطبائي، ص176.
(32) المصدر نفسه،ص176 .
(33) يوم الخلاص، كامل سليمان، ص179 .
(34) كشف الحق أو الأربعون، محمد صادق الخاتون آبادي، ص140 .
(35) الغيبة والانتظار، السيد محمد علي الحلو، ص193 .
(36) يوم الخلاص، كامل سليمان، ص192 .
(37) الغيبة، النعماني، ص200 .
(38) أعلام الهداية، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ، ج14،ص192 .
(39) الإمام المهدي ومفهوم الانتظار، الشيخ كاظم المصباح،ص158.
عماد جميل خليف