موعود – شهد العالم تطورًا كبيرًا في الخريطة السياسية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في 1918م حيث سيطر التحالف المنتصر والذي سمي بدول الحلفاء الذي ضم العديد من الدول أبرزها فرنسا وبريطانيا وأمريكا على خريطة العالم السياسية وأعادوا تقسيم المستعمرات التي كان يستولي عليها دول المركز بقيادة ألمانيا والنمسا والمجر والدولة العثمانية التي سقطت بانتهاء الحرب وتم تقسيم الخريطة عن طريق عدد من المعاهدات والاتفاقيات التي تمت بعد نهاية الحرب وكان من ضمنها معاهدة السلام (معاهدة فرساي) مع في 1919م والتي أقيمت في فرنسا ونتج عنها بعد ست أشهر من توقيعها معاهدة فرساي التي بتوقعيها أنهت وقائع الحرب العالمية الأولى في يناير 1920م.
بعد مضي نحو 7 سنوات على نهاية الحرب العالمية الأولى، اتجهت القوى الأوروبية لعقد مؤتمر يجمع الأعداء السابقين أملا في تخفيف حدة التوتر وإعادة الاستقرار لأوروبا وتحسين العلاقات الدبلوماسية.
فعقب نهاية النزاع الذي أودى بحياة أكثر من 10 ملايين شخص، شجبت ألمانيا اتفاقية فرساي ودانت بنودها التي اعتبرتها مهينة. وخلال العام 1923، لم تتردد القوات الفرنسية في التدخل عسكريا بحوض الرور (Ruhr) الصناعي للضغط على ألمانيا وإجبارها على مواصلة دفع التعويضات المالية التي أقرتها معاهدة فرساي.
إعادة جدولة عملية دفع التعويضات
ومع احتلال حوض الرور، واجه الاقتصاد الألماني خطر الانهيار. وأمام هذا الوضع، حاولت الولايات المتحدة الأميركية التدخل وطالبت بعقد مؤتمر بلندن يشارك فيه خبراء سياسيون واقتصاديون لتقييم مدى قدرة جمهورية فيمار (Weimar)، أي ألمانيا ما بين عامي 1918 و1933، على مواصلة دفع التعويضات التي نصّت عليها معاهدة فرساي الموقعة يوم 28 حزيران/يونيو 1919.
إلى ذلك، أفضى هذا المؤتمر لإقرار خطة داوز (Dawes Plan) التي نصّت على إنهاء احتلال حوض الرور الصناعي، الذي تسبب احتلاله عام 1923 في أزمة تضخم بألمانيا، ووضع برنامج لإعادة جدولة سداد أقساط التعويضات الألمانية. وفي مقابل ذلك، رفض الحلفاء السابقون بالحرب العالمية الأولى، إجلاء قواتهم من إقليم راينلاند (Rhineland) الذي سعت ألمانيا جاهدة لاستعادته وبسط نفوذها عليه بناء على طلب من وزير خارجيتها غوستاف شتريسمان (Gustav Stresemann).
معاهدة لإعادة السلام لأوروبا
وسعيا لتحسين العلاقات الدبلوماسية وإنهاء الخلافات بغرب القارة الأوروبية، دعا وزير الخارجية الفرنسي أريستيد بريان (Aristide Briand) لعقد مؤتمر لمناقشة سبل حل الخلافات بين مختلف الدول ووضع خطة جديدة للأمن الجماعي بالمنطقة. وقد راقت هذه الفكرة لوزير الخارجية البريطاني السير أوستن تشامبرلين (Sir Austen Chamberlain) الذي تفاءل بإمكانية تصالح الألمان والفرنسيين وإنهاء فرنسا لسياسة التحالفات الجديدة التي اتجهت من خلالها لفرض حصار حول ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الأولى.
شروط معاهدة فرساي معاهدة فرساي والتي تضمنت اعتراف ألمانيا بمسئولية الحرب كما تعهدت بتعويض الأطراف المتضررة ماليًا سميت بهذا الإسم تيمناً بالمكان الذي شهد على توقيعها وهو قصر فرساي الموجود في فرنسا وتم الاتفاق على إبرامها في مؤتمر الصلح بباريس عام 1919م وشهدت العديد من البنود وكان من أهمها ما يلي:
اولًا: النص على إسدال الستار عن كافة أعمال الحرب العالمية الأولى وبالتالي تم إنهاء الحرب رسميًا.
ثانيًا: إنشاء منظمه دوليه يكون هدفها تحقيق الأمن والسلام الدوليين وعدم القيام بحروب أخرى وسميت المنظمة بعصبة الأمم.
ثالثًا: نصت على تجريد الدول الخاسرة للحرب العالمية الأولى للعديد من أراضيها.
رابعًا: إنهاء الإمبراطورية العثمانية تمامًا.
خامسًا: مسئوليه ألمانيا عن تعويض كافة الأعمال التي تمت في الحرب العالمية الأولى وقد تم تحديد التعويضات بمبلغ يصل إلى 269 مليار مارك ألماني وتم تخفيضه فيما بعد إلى 132 ميار مارك وكان يعتبر هذا المبلغ حتى بعض التخفيض مبالغ فيه.
سادسًا: النص على وضع قيود عسكريه علي الجيش الألماني حيث تم تجريده عسكريًا والإبقاء على مئة ألف جندي فقط وإلغاء نظام التجنيد الإلزامي الذي كان مفعلًا في ألمانيا ولا يحق للجنود الألمان البقاء في الجيش أكثر من 12 عاماً وبالنسبة للضباط فكانت أقصى مدة مسموحة لهم للبقاء في الجيش هي خمسة وعشرين عامًا فقط وبذلك يصبح الجيش الألماني خالي تمامًا من الكفاءات الكبيرة ذات الخبرة العسكرية.
سابعًا: لا تستطيع ألمانيا إنشاء قوة جوية والتقيد بـ 15000 جندي للبحرية فقط بالإضافة إلى عدد قليل من السفن الحربية بدون غواصات حربية.
شاهد أيضًا: ما هو نظام الحكم في الفاتيكان ؟ نتائج معاهدة فرساي وقد نتج عن معاهدة فرساي إعادة تقسيم الدول التي كانت من ضمن الحرب فهناك بلاد قد زادت مساحتها واستولت على بعض الأراضي وهناك بلاد تقلصت حدوها وهي الدول المهزومة كما أن هناك بعض الدول التي انتهت رسميًا وأزيلت من على الخريطة السياسية.
فبناء على معاهدات الصلح وهي معاهدة فرساي مع ألمانيا في 28 يونيو 1919 ومعاهدة سان جرمان مع النمسا في 10 سبتمبر 1919 ومعاهدة نويي مع بلغاريا في 27 نوفمبر 1919 ومعاهدة تريانون مع المجر في 4 يونيو 1920 ومعاهدة سيفر مع تركيا في 10 أغسطس 1920 تم دخول دولة جديدة على الخريطة وهي دولة بولندا وتم تقسيم دولة وهي دولة تشيكوسلوفاكيا والتي قسمت ليوغوسلافيا ورومانيا وكذلك انقسمت النمسا والمجر إلى دولتين منفصلتين واختفت بعض الدول من على الخريطة كالدولة العثمانية التي كانت في وقت انهيار .
أبرز نتائج معاهدة فرساي
1. نهاية الحرب العالمية الأولى
انتهت الحرب العالمية الأولى في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1918، غير أن النهاية الرسمية لواحدة من أكثر الحروب دمويةً في تاريخ البشرية، كان في الثامن والعشرين من شهر حزيران/يونيو من العام 1919 حين تمّ التوقيع على معاهدة فرساي التي حمّلت ألمانيا المسؤولية عن الحرب وألزمتها بدفع تعويضات مالية لدول الحلفاء.
2. بداية الحرب العالمية الثانية
حملتْ معاهدة “فرساي” في رحمها جنين الحرب العالمية الثانية، إذ إنّ المعاهدة، نصاً، صِيغتْ للحيولة دون قيام ألمانيا بتكرار عدوانها العسكري، لكنّها نتيجةً، تسببت في أزمة اقتصادية وسياسية في ألمانيا، تلك الأزمة التي مهّدت الطريق لصعود الزعيم النازي أودلف هتلر منصّة السلطة وإشعاله فتيل الحرب العالمية الثانية.
3. عصبة الأمم
عصبة الأمم، منظمةٌ دولية تأسست إثر الحرب العالمية الاولى، كواحدة من بنود معاهدة فيرساي، والعصبة كانت أول منظمة تتشكل بهدف حلّ النزاعات والخلافات بين الدول بالطرق السلمية، وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي توماس وودرو ويلسون كان المهندس الرئيس لفرساي من خلال نقاطه “الأربعة عشر”، إلا أن الولايات المتحدة لم تنضم قط إلى العصبة التي بقيت غير فعالة إلى أن تم إزاحتها لصالح إنشاء هيئة الأمم المتحدة.
4. الألزاس واللورين يعودان إلى فرنسا
منطقة الأليزاس واللورين التي تم ضمّها إلى ألمانيا في العام 1870، تم إعادتها إلى فرنسا، والأمر ذاته حصل في أراضٍ أوروبيةٍ أخرى كانت ألمانيا ضمّتها في أوقات سابقة إلى أراضيها، لكنّ فقدان برلين لحقول الفحم الثمينة في الأليزاس واللورين كان بمثابة ضربة قاسية لألمانيا.
5. منظمة العمل الدولية
أنشأت معاهدة فرساي منظمة العمل الدولية، التي وضعت برامج وآليات عمل تتخذ مبدأً أن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه إلا إذا كان قائماً على العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الإنسان.
6. يوغوسلافيا
نزاعات البلقان كانت نقطة البداية للحرب العالمية الأولى التي استمرت خمس سنوات، واكتسب مفهوم “كيان سلافي موحد” قوة خلال الحرب التي مع نهايتها اتحدت صربيا وكرواتيا وسلوفينيا تحت قيادة ملك الصرب بطرس الأول، ولاحقاً تم تشكيل الاتحاد اليوغسلافي الذي ما لبث أن تفكك مع انتهاء الحرب الباردة في أوائل تسعينيات القرن الماضي.
7. نهاية الأمبراطورية الألمانية
جرّدت معاهدة فرساي، ألمانيا من مستعمراتها التي ما لبثت أن تقاسمها الحلفاء بصيغة “انتداب” هذه الصيغة التي تم اعتمادها في عصبة الأمم حينها، فكان أن حصلت فرنسا على الكاميرون ونصف دولة توغو، وحصلت بريطانيا على بروندي ورواندا وتنغانيقا والنصف الآخر لدولة توغو وجنوب غربي أفريقيا الألمانية، وتم إعطاء جزر الهادي الألمانية وهي جزر مارشال ومارينا وكارولينا لليابانيين، وأُعطيت غينيا الجديدة للأستراليين، وظل هذا الوضع الاستعماري قائماً حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
المصدر: شفقنا العربي