دراسة الأبعاد المختلفة لسیاسة تقلیل التدخل الأمریكي وتأثيرها على أمن المنطقة
السیاسة – نقلا عن الوکالة الشیعیة للأنباء: لما كان العالم المعاصر يفتقد إلى سلطة مركزية سياسيا وامنيا، وانه عالم متعدد في الجانب الجغرافي، فلا غرابة في ظهور مناطق مختلفة لكل منها نماذج أمنية متمايزة، إنها لقضية واضحة المعالم ذلك ان الدول التي تتواجد في منطقة واحدة لديها قضايا أمنية مشتركة، كما ان التهديدات المشتركة قد تشكل مجالا للتعاون الأمني المشترك، ان السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال، يفيد لماذا لم تتكون صيغة التعاون الجماعي بين دول منطقة غرب آسيا بالرغم من التهديدات الأمنية؟ ماذا سیاسة تقلیل التدخل الأمریكي وما تأثيرها على أمن المنطقة؟
سیاسة تقلیل التدخل الأمریكي في منطقة غرب آسيا
عند النظر إلى سمات غرب آسيا الأمنية نرى بأنها تعد من المناطق القليلة عالميا، إذ لا توجد فيها تحالفات إقليمية إلا ما قل وندر، وان ظهرت فانها لا تتجاوز فترة زمنية بعينها، وسرعان ما تتلاشى، الغريب في الأمر هو ان دول المنطقة وبالرغم من مواجهة التهديدات المشتركة لم تتبن أي مقاربات لمواجهة هذه التهديدات بشكل جماعي، ان ما يوجد بينها هو المقاربات المتعارضة، فالتنوع القومي والطائفي واللغوي الكبير ووجود مصادر الطاقة الكبيرة وحكومات غير ديمقراطية في الغالب، جعلت من هذه المنطقة تحمل سمات فريدة بنوعها.
إنما التدخل الأجنبي يعد من العناصر الجوهرية والثابتة في قائمة سمات غرب آسيا الأمنية، ففي القرن المنصرم، تأسست بعض الدول نتيجة هذا التدخل الذي جاء من خارج المنطقة، هذه الحقيقة هي التي تقف وراء اعتماد بعض الدول في المنطقة على بعض الدول في المنطقة وكذلك على المستوى العالمي في توفير أمنها، فتلك الدول التي تأسست على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، ترى بأنه لا امن لها سوى من خلال دعم القوى من خارج المنطقة، وخاصة أمريكا وعلى هذا فأنها مستعدة لمنح مصادرها وأراضيها لتلك الدول، ومن هنا جاء تدخل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ولسنوات طويلة في القضايا الأمنية في منطقة غرب آسيا.
أما السمة الثانية لمنطقة غرب آسيا فهي التنافس الكبير بين الدول المؤثرة بغية الحصول على النفوذ في مناطق جغرافية خاصة، ومن خلال الاعتماد على المكونات الجيوسياسية، فان التنوع القومي واللغوي والطائفي في المنقطة قد وفر الأرضية لتكوين تنافس جيو سياسي بين الدول، هذا التنافس بين اللاعبين ليس سلبيا دائما، فان طبيعة تأسيس الحكومة يتجلى في متابعة مصالح كثيرة وعلى رأسها توفير الأمن وراء حدودها، ويجب الاعتراف بهذا الأمر، لكن ما حوّل التنافس بين الدول في منطقة غرب آسيا إلى تحدي وحتى أزمة أمنية، يظهر في التدخل الكبير لدول من خارج المنطقة وخاصة الولايات المتحدة.
ففي ظل ظروف يتفاقم التدخل الخارجي بالتزامن مع التنافس بين اللاعبين، تتصور بعض الدول بأنها قد امتلكت مفاتيح القوة بدعم من الدول الخارجية، ولهذا تظهر حالة غير متوازنة، تقود التنافس نحو تكوين أزمة أمنية، فان تأسيس القواعد العسكرية والتنافس العسكري وشراء الأسلحة كلها قضايا تكوّن أزمة أمنية، وهذا ما تواجهه منطقة غرب آسيا في يومنا هذا.
أخيرا وليس آخرا فان سیاسة خفض التدخل الأمريكي كما أعلنت عنها الإدارة الامريكية طيلة السنوات الأخيرة، تضرب بجذورها في عدة عوامل، فالإخفاق الكبير التي منيت به الإدارة الأمريكية في غرب آسيا وبالرغم من دفع تكاليف باهظة الثمن، وضرورة التركيز على الوضع الاقتصادي الداخلي وضرورة الاهتمام بالتنافس مع القوى الناشئة مثل الصين، تعد من الأسباب التي أرغمت الولايات المتحدة على التقليل من تواجدها في المنطقة، فكلما قل التدخل الأجنبي، توفرت معه الفرص للتعاون الإقليمي بين دول المنطقة.