وهذا يعني أن الخيارات المتاحة تجاه الروايات بشكل عام هو بين خيارين، لا ثلاثة، إما حروب دامية وكوارث ترافقها حرب عالمية، أو حروب دامية وكوارث وليس ثمة حرب عالمية، إلا أن القول بقيام حرب كونية قول تميل إليه النفس، لاسيما وأن مجموعة من العلماء تبنوا هذا الرأي، ويعضده ما جاء في الأثر من حدوث أمور عظيمة، كظهور نار من قبل المشرق، وأنها تبقى عدة أيام، كالمروي عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: «إذا رأيتم ناراً من المشرق كهيئة المرد «وروي شبه الهردي» [4] العظيم، يطلع ثلاثة أيام أو سبعة – الشك من العلاء – فتوقعوا فرج آل محمد…»
منشأ الاعتقاد بالحرب العالمية:
روي عن أمير المؤمنين قوله: «لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث ويموت ثلث ويبقى ثلث» [1] . من خلال هذا النص وشبهه ساد الاعتقاد بأن إحدى خيارات ثلاث ستقع قبل ظهور المهدي وهي:
1/ حرب كونية وما يلحقها من تداعيات: اعتقد بعض العلماء قيام حرب عالمية قبل ظهور الإمام المهدي من خلال دلالة النص السابق وشبهه، وعلى رغم متانة هذا الاعتقاد كما سيأتي، إلا أنه يبقى رأياً قابلاً للصدق والعدم، خصوصاً وأن الروايات لم تفصح عن هذه الحرب على وجه اليقين! ومع هذا التشكيك إلا أن هذا الاحتمال يبقى وارداً.
2/ حروب إقليمة وكوارث طبيعية: وثمة رأي لا يقل أهمية عن الرأي السابق، يفيد أن تلك النصوص المنبئة بذهاب ثلثي العالم ليس بالضرورة أن تكون حرباً كونية، بل قد تعني قيام حروب متفرقة بين الدول، إما مباشرة أو بالوكالة، أو تكون حرب عصابات، وما تسمى بحرب استنزاف، أو الفوضى الخلاقة، التي تؤدي إلى إزهاق الكثير من الأرواح، عبر آلات الحرب المختلفة كالعبوات الناسفة، والاغتيالات وغيرها، وربما يتخللها أمراض خطيرة تفتك بالملايين من البشر، وقد يرافقها كوارث طبيعية كوقوع زلازل وفيضانات وأعاصير وغيرها مما تؤدي إلى دمار هائل في كيان الكرة الأرضية، وما يرافقها من أمراض مستعصية تؤدي إلى موت ذريع بين الخليقة، خصوصاً وأن الروايات تشير إلى بعضها، كقول الإمام الباقر : «لا يقوم القائم إلا على خوف شديد من الناس، وزلازل، وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك» [2] ، وقول الإمام الصادق : «يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلد البصرة» [3] .
3ـ حرب عالمية وحروب إقليمية وكوارث: وهناك قول ثالث يجمع بين القول بقيام حرب عالمية وحدوث حروب متفرقة هنا وهناك، سواء كانت قبل أو بعد الحرب العالمية، وهذا الرأي مبني على الجمع بين الأدلة المختلفة. إلا أن هذا الرأي مرده إلى القول الأول، لأن من يتبنى القول الأول لا يلغي حدوث حروب متفرقة بين العرب وكوارث طبيعية.
وهذا يعني أن الخيارات المتاحة تجاه الروايات بشكل عام هو بين خيارين، لا ثلاثة، إما حروب دامية وكوارث ترافقها حرب عالمية، أو حروب دامية وكوارث وليس ثمة حرب عالمية، إلا أن القول بقيام حرب كونية قول تميل إليه النفس، لاسيما وأن مجموعة من العلماء تبنوا هذا الرأي، ويعضده ما جاء في الأثر من حدوث أمور عظيمة، كظهور نار من قبل المشرق، وأنها تبقى عدة أيام، كالمروي عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: «إذا رأيتم ناراً من المشرق كهيئة المرد «وروي شبه الهردي» [4] العظيم، يطلع ثلاثة أيام أو سبعة – الشك من العلاء – فتوقعوا فرج آل محمد…» [5] ، وأنه يراها أهل الأرض[6] ، وأنها تأكل الأنفس والأموال تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام، تطير طير الريح والسحاب[7] ، ومن هذا المنطلق سيتركز الحديث حول الحرب العالمية المتوقعة، والمبنية على هذا المنشأ.
سبب تسمية الحرب بالعالمية العظمى:
ويبدو أن إطلاق التسمية لهذه الحرب بالعالمية العظمى، باعتبار أنها تفوق الحربين العالميتين، إذ أن الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914م بشرارة من ألمانيا[8] ، وانتهت في 11 تشرين الثاني «نوفمبر» سنة 1918م بتوقيع استسلام ألمانيا[9] ، أسفرت عن مقتل «22» مليون سوى عدد المصابين الذين لا عد لهم[10] ، بينما الحرب العالمية الثانية التي بدأت في صباح اليوم الأول من أيلول سنة 1939م[11] ، وانتهت في اليوم الثاني من شهر أيلول 1945م بتوقيع استسلام اليابان فوق الدارعة ” ميسوري ” الراسية في مياه طوكيو[12] ، والتي التهمت ما يزيد على «70» مليون إنسان[13] ، إلا أنهما «الحربان» لم تهلكا حتى سبع العالم، بينما الحرب الأخيرة التي ستقع قبل ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، فإنها ستفضي على الأقل هلاك ثلث العالم قتلاً، فعن محمد بن مسلم وأبي بصير قالا: «سمعنا أبا عبد الله يقول: لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس» [14] ، ورواية تنذر بهلاك تسعة أعشار العالم، حيث قال أبو عبد الله : «لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس» [15] ، وثمة رواية تنبئ عن هلاك من كل سبعة خمسة، فعن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله يقول: «قدام القائم موتان: موت أحمر وموت أبيض، حتى يذهب من كل سبعة خمسة فالموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون» [16] .
أقول: ولعل الاختلاف في نسبة العدد ناظر إلى أن الغرض من البيان، هو مجرد تقريب عدد الضحايا إلى السامع، للدلالة على عظم هذه الحرب وفداحتها، وسواء أخذنا على رواية الثلثين أم تسعة الأعشار أم خمسة الأسباع فإن المحصلة النهائية هو الإفصاح عن كثرة الضحايا التي ستجرها هذه الحرب! يقول السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: «ويمكن الجمع بوقوع ذلك كله على التدريج» [17] .
ثم إن هذه الحرب العالمية هي كسائر الحروب لها جانبان جانب الموت المباشر، وجانب الإصابة التي تفضي إلى الموت اللاحق، وهو ما عبرت عنه الرواية بالموت الجاذف، بقول الإمام الصادق : «يا أبا محمد إنه لابد أن يكون قدام ذلك الطاعونان: الطاعون الأبيض والطاعون الأحمر، قلت: جعلت فداك أي شيء الطاعون الأبيض؟ وأي شيء الطاعون الأحمر؟ قال: الطاعون الأبيض الموت الجاذف، والطاعون الأحمر السيف» [18] ، أي القاطع بالدال المهملة، والسريع بالمعجمة[19] ، وذلك لأن كثرة الضحايا التي تخلفه هذه الحرب الكونية، تؤدي إلى عجز الناس عن دفن قتلاها، مما يسبب انتشاراً سريعاً للأوبئة والأمراض بين صفوف البشر.
متى تندلع الحرب الكونية العظمى؟
وحيث أن الحرب لها ارتباط وثيق بظهور المهدي عجل الله فرجه، لذا يغدو التوقيت بها كالتوقيت بخروج صاحب الأمر، ومن هنا لا نجد في الأخبار جواباً للسؤال المتقدم، وقد صدق الله تعالى في قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا…﴾[20] ، ولكن الوعد قريب، كما قال تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[21] ، وفي رواية عبد الرحمن ابن كثير قال: «كنت عند أبي عبد الله إذ دخل عليه مهزم، فقال له: جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر، متى هو؟ فقال: يا مهزم كذب الوقاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون» [22] .
نعم ذكر الشيخ الكوراني في كتابه ” عصر الظهور ” ثلاثة آراء في وقت اندلاع الحرب الكونية بشكل إجمالي، وهي: «وقتها القريب من ظهوره ، وقول أنها: تقع في سنة ظهوره، وقول: بعد بداية حركته المقدسة» [23] ، إلا أني أفهم من خلال الروايات بأن حدوثها ستكون قدام خروج صاحب الأمر، لأن ثمة رواية تقول: «قدام القائم موتان» [24] ، فهي تفيد أسبقيتها على ظهوره، ورواية تقول: «بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض» [25] وقد علق عليها الشيخ الكوراني بالقول: ” تكون قريبة جداً من ظهوره “[26] ، ورواية ثالثة تقول: «لا يقوم القائم إلا على خلاف شديد… وطاعون قبل ذلك» [27] مما يعني أن الطاعون الذي هو جزء من الحرب لن يكون إلا قبل ظهوره .
كيف تندلع الحرب العالمية؟
نحن اليوم في قلق شديد من اندلاع هذه الحرب، والتي يبدو أنها وشيكة جداً، وإن لم تكن هي فلا تتعدى أن تكون هي الحروب الدامية الموعود بها قبل ظهوره ، وطلائع الحرب بدأت تظهر! لما نرى من تجاذب وتصارع بين الدول الشرقية والغربية المبنية على أساس المصالح، وقد جاءت الروايات تخبر عن هذه الحرب بأنها لا تكون إلا إذا حدث اختلاف بين من بيده الأمر في الشرق والغرب، المعبر عنه في النص بأهل الشرق والغرب، يقول الإمام الباقر : «واختلف أهل الشرق وأهل الغرب نعم وأهل القبلة، ويلقى الناس جهد شديد، مما يمر بهم من الخوف» [28] .
من يقدح شارة الحرب العالمية؟
الجواب: إن النصوص ساكتة عن ذلك، إلا أن الشيخ علي الكوراني يعلق على جملة: «يختلف أهل الشرق وأهل الغرب، نعم وأهل القبلة» بالقول: «عبارة دقيقة تشعر بأن اختلاف أهل القبلة أي المسلمين ثانوي بالنسبة إلى اختلاف الغربيين والشرقيين» [29] ، وهذا يعني أن الحرب ستحصل بين المعسكر الشرقي والغربي، وهما اللذان يمتلكان القدرات العسكرية الهائلة، وبناء على هذا الرأي يكون من المحتمل جداً أن يكون إلى جنب كل معسكر مجموعة من الدول الحليفة، ففي المعسكر الشرقي مثلاَ روسيا والصين وكوريا الشمالية وغيرها، والمعسكر الغربي أمريكا وحليفاتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، بيد أن هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق يقول: «إنّ نُذُر الحرب العالمية الثالثة بدت في الأفق وطرفاها هم الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى!» [30] .
وقد ذهب إلى هذا الرأي مؤلف يوم الخلاص حين علق على قوله : «لا ترك بعدها» [31] قائلاً: «إشارة إلى حرب عالمية تضرب الشرق والغرب وتدمر روسيا وسيبيريا وغربي وشرقي أوروبا، وكامل قارتي أمريكا وأوقيانيا وقسماً من غربي وجنوبي أفريقيا، لأن جميع هذه المناطق لم يرد لها ذكر في حروب القائم ، ولا في دولة الحق، مما يدل على أنها ستكون قد صارت إلى الفناء وانعدام الحياة فيها بسبب القذائف الذرية والهيدروجينية والصواريخ النووية الموجهة وجميع وسائل الحرب الإستراتيجية العابرة من قارة على قارة» [32] .
الأسباب المحتملة لاندلاع الحرب العالمية:
ومع ذلك يبقى التساؤل عن كنه تلك المصالح التي بسببها يقع الصراع بين المعسكرين، ويكون مقدمة لاشتعال الحروب الطاحنة؟
الجواب: هناك عدة احتمالات أهمها ما يلي:
«1» محاولة أحد المعسكرين السيطرة على مواقع إستراتيجية في الشرق الأوسط، كالبلدان النفطية مثلاً! مما يجعل البلدان التي لا نفوذ لها ترى أن ذلك سيؤدي إلى تضرر دخلها الاقتصادي، فيجر ذلك لاحتدام الحرب الباردة أولاً، ثم نشوب المعارك العنيفة.
«2» محاولة المعسكر الغربي السيطرة على الشام بالتدخل العسكري، لحماية الدولة الصهيونية وكسر قوة المقاومة في لبنان وفلسطين! مما يسبب اعتراض شديد من قبل المعسكر الشرقي ـ ولعل روسيا والصين على رأس المعترضين ـ ويشتد الخلاف بينهما، حتى تقع الحرب بين المعسكرين.
«3» تفاقم الخلاف القائم بين الدول الغربية والشرقية تجاه برنامج إيران النووي، وما ستفرزه من تداعيات خطيرة فيما لو قامت إسرائيل بضربة عسكرية في العمق الإيراني!
«4» تفاقم الخلاف بين كوريا الشمالية والجنوبية، واندلاع الحرب بينهما، وتتدخل أمريكا الحليف الرئيس لكوريا الجنوبية، مما يشعل النار في كل المنطقة من خلال التباين بين الدول العظمى!
فداحة الحرب الكونية على العالم:
أقول: ولكن تبقي هذه النقاط السابقة مجرد احتمالات لا يعلم بحقيقتها إلا الله تعالى، إلا أننا نؤمن بأن هذه الحرب إذا اندلعت فإنها ستأكل الأخضر واليابس، وتذر الأرض صفصفاً، لأن كل دولة متحاربة تريد أن يكون النصر حليفها، فتستخدم الآلات الحربية الفتاكة بما فيها السلاح النووي، الذي إذا استخدم من أي طرف عبر الصواريخ العابرة للقارات فإنه سيحدث كارثة عظمى في الأرواح البشرية وغيرها، ومن المحتمل أن تخطأ بعض الصواريخ هدفها فتقع في مكان آخر كالبحر على سبيل المثال، فتهلك الأسماك فيه، وبالمناسبة ثمة تنبؤات تنقل عن نوسترداموس في كتابه الذي ألفه منذ أكثر من أربعة قرون، توقع فيه بأن تندلع الحرب العالمية الثالثة مع حلول عام 2012، وقال: «عندما تندلع الحرب فإن إحدى القنابل النووية ستسقط عن طريق الخطأ في البحر المتوسط بدلاً من سقوطها على الأرض وهو ما سيتسبب في تسميم الأسماك الموجودة بالبحر» [33] كما توقعت العرافة البلغارية ” فانجيليا جوشتيروفا ديمتروفا ” والتي يطلق عليها فانجا: «أن الحرب ستقع في عام 2012 ورأت بأن الحرب العالمية الثالثة سوف تنشب كنتيجة لمحاولات اغتيال أربعة رؤساء حكومات. وأضافت فانجا أن رؤساء دول أوكرانيا واستونيا وليتوانيا ووزارة خارجية بولندا لدى جورجيا سيكونون محور الصراع لمشاهدة الموقف بأعينهم» [34] ، وإذا اندلعت الحرب النووية فعلاً وكانت السماء مغطاة بدخان فيه عذاب، فإن هذا ليذكرنا بقوله تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ «» يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[35] ، وإذا نزل الدخان على الناس فإنها ستبيدهم جميعاً كما فعلت قنبلة هيروشيما ونكازاكي في اليابان، يقول حذيفة بن اليمان قال رسول الله : «لتقصدنكم نار هي اليوم خامدة في واد يقال له: برهوت، تغشى الناس، فيها عذاب أليم، تأكل الأنفس والأموال تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام، تطير طير الريح والسحاب، حرها أشد من حرها بالنهار، ولها ما بين السماء والأرض دوي كدوي الرعد القاصف، هي من رؤوس الخلائق أدنى من العرش…» [36] ، والنتيجة تكون كما قالت الآية الكريمة: ﴿حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[37] ، وهي تعني أن هذه الحرب الهائلة، ستؤدي إلى هلاك عالم غفير، قُدِّر بحسب ما ألمع إليه من الروايات سابقة.
ونحن اليوم نعيش قلقاً مطرداً خشية حدوث هذه الحرب الفتاكة، فكلما ازداد تفاقم الخلاف بين الدول العظمى توقعنا اندلاع المعركة بين الأطراف المتنازعة، ومن لف لفهم.
والتساؤل الذي يطرح نفسه: مَن سيبدأ بإشعال نار الحرب؟
الجواب: واقعاً لا ندري، ولكن بدء اشتعال النار ستكون ـ كما يبدو من الروايات ـ من جهة الشرق، فعن أمير المؤمنين قال: «يا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين جوانحي علماً جماً فسلوني قبل أن تبقر برجلها فتنة شرقية تطأ في حطامها، ملعون ناعقها ومولاها وقائدها وسائقها والمتحرز فيها، فكم عندها من رافعة ذيلها يدعو بويلها دخله، أو حولها لا مأوى يكنها ولا أحد يرحمها» [38] .
تداعيات هذه الحرب على العالم:
أولاً: موت الملايين من البشر: وقد عبرت الروايات السابقة عن هلاك عظيم لهذه الحرب، ونعتته بثلث أو تسعة أعشار أو خمسة أسباع البشر، وذلك لأن الآلة فيها تختلف عن سائر المعارك التقليدية، فسلاحها الدخان القاتل، وكأن الآية الكريمة: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾[39] تعني هذه الحرب العظيمة، لأن بعدها سيأتي المخلص الموعود. وستولد هذه الحرب خوفاً ذريعاً في أنفس الكثير من الناس، وهذا ما أشارت إليه الروايات كحديث الإمام الباقر : «ويلقى الناس جهداً شديداً، مما يمر بهم من الخوف» [40] .
ويبدو أن الحرب الكونية ستطال الشعوب الكافرة الغارقة في بحر من العصيان والطغيان، ولذا جاء التعبير في بعض الأخبار كما مر: «يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم» [41] ، فهي تطال الكافرين والفاسقين أكثر مما تطال الشعوب المسلمة ولاسيما الموالية لأهل البيت ، حيث إن الرواية تقول: عن محمد بن مسلم وأبي بصير قالا: «سمعنا أبا عبد الله يقول: لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس فقلنا: إذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقى؟ فقال: أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي» [42] ، ويعضد هذا الرأي جواب الرسول للسائل حين قال: «أسليمة هي يومئذ على المؤمنين والمؤمنات؟ قال: وأين المؤمنون والمؤمنات يومئذ؟ هم شر من الحمر يتسافدون كما تتسافد البهائم وليس فيهم رجل يقول: مه مه» [43] ، بناء على إرجاع ضمير الغائب «هم» على المناطق التي سيحل فيها العذاب.
وثمة رأي يقول بأن اليهود سيصيبهم موت هائل يصل إلى ذهاب الثلثين، تقول جريس هالسل كاتبه الأمريكية مؤلفة كتاب ” النبوءة والسياسة ” صفحة 19: «إننا نؤمن كمسيحيين أن تاريخ الإنسانية سوف ينتهي بمعركة تدعي ” هرمجدون ” وأن هذه المعركة سوف تتوج بعودة المسيح الذي سيحكم بعودته على جميع الأحياء والأموات على حد سواء»، وفي هذه المعركة يهلك ثلثي اليهود لدرجة أن اليهود سيحتاجون إلى سبعة أشهر لدفن موتاهم كما ورد في سفر حزقيال 39/12 ” وستمر سبعة أشهر حتى يتمكن بيت إسرائيل من دفن موتاهم قبل أن ينظفوا الأرض» [44] .
ثانياً: تأزم اقتصادي عالمي شديد: إن هذه الحرب وإن كان وقعها سيكون بعيداً نوعاً ما عن المناطق الإسلامية بناء على ما ورد في الروايتين السابقتين، إلا أن آثارها السيئة ستنعكس على البلاد الإسلامية حتماً، ويعضد هذا ما جاء في كتاب الملاحم والفتن عن خالد بن معدان قال: «ستبدو آية عمود من نار تطلع من قبل المشرق يراها أهل الأرض فمن أدرك ذلك فليعد لأهله طعام سنة» [45] ، وقول يحدد ذلك بعد ظهور الكسوفان في شهر رمضان، فعن كثير بن مرة الحضرمي قال: «آية الحدثان في رمضان علامته في السماء، بعدها اختلاف في الناس، فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت» [46] ، وفي حديث محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله يقول: «إن قدام القائم بلوى من الله ” قلت: ما هو، جعلت فداك؟ فقرأ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾[47] ثم قال: ” الخوف من ملوك بني فلان، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص من الأموال من كساد التجارات وقلة الفضل فيها، ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار» ثم قال: ” وبشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم » [48] ، ورواية تذكر بأن الجوع سيصل إلى درجة أن يخرج البعض بابنته الحسناء ليبيعها مقابل تحصيل الطعام، ففي الرواية: «لا يخرج المهدي حتى يخرج الرجل بالجارية الحسناء الجميلة ويقول: من يشتري هذه بوزنها طعاماً، ثم يخرج المهدي» [49] .
ثالثاً: اختلاف شديد بين العرب: يبدو أنه وبعد وقوع الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي وما يخلفه من دمار بينهما، فإن تداعيات ذلك سينعكس على الدول العربية، بأن تأخذ كل دولة زمام أمرها بنفسها، ولعل الروايات التي تشير لخلع العرب أعنتها إشارة إلى تحررها عن هيمنة القوى الكبرى، فالرواية التالية تشير إلى المعنى، حيث يسرد الإمام الصادق المراحل التاريخية موجزة، في جوابه لسؤال يعقوب السراج حين سأله: «متى فرج شيعتكم؟ قال: فقال إذا اختلف ولد العباس ووهى سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أعنتها[50] …» [51] ، إلا أن خروج العرب من هيمنة القوى العظمى لا يعني استقرار المنطقة، بل على العكس تماماً، فإنه سيقع بينهم حروب دامية، وكأنما ثارات قديمة خامدة ستنتفض من جديد، وهذا ما عبرت عنه الرواية التالية التي تحكي الوضع ما بعد انتهاء الحرب الكونية فتقول: «لا يقوم القائم إلا على خوف شديد من الناس، وزلازل، وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس» [52] .
وثمة رأي آخر يتبناه الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر وهو يعلق على حديث: «خلع العرب أعنتها وتملكها البلاد، وخروجها عن سلطان العجم» [53] فقال: «وهو ما نعيشه في هذا العصر، عصر الثورات في البلاد العربية بقصد التحرر من الاستعمار الأجنبي، وسيطرة أشخاص من أهل البلاد على الحكم… وتملكها البلاد: يعني سيطرة أناس من أهل البلاد على الحكم، وخرجها عن سلطان العجم: عبارة عن محاولتها التحرر من الاستعمار والخروج عن سيطرته» [54] .
رابعاً: انحراف عن التمسك بالدين: عندما يحدث البلاء الشديد بين الناس عنده، يستبان مدى تمسك الإنسان بدينه وعقيدته، يقول الإمام الحسين : «إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون» [55] ، وقال النبي : «يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل ما تلف من دينه إذا سلمت له دنياه» [56] ، وحيث أن الأمة الإسلامية ستبتلى ببلاء شديد من القحط والجوع والقتل فإن ذلك سيؤثر سلباً على مدى تمسكهم بدينهم، وهذا ما أخبرت عنه الرواية التالية: «لا يقوم القائم إلا على خوف شديد من الناس… وتشتيت في دينهم، وتغيير في حالهم، حتى يتمنى المتمني [الموت] صباحاً ومساء، من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً» [57] ، وفي هذا الحال يتخوف على الناس تركهم لعقيدتهم الحقة، وقد جاءت روايات كثيرة تؤكد هذا الأمر، كحديث أبي عبد الله أنه قال: «ووالله لتغربلن، ووالله لتميزن، ووالله لتمحصن حتى لا يبقى منكم إلا الأقل، وصعر كفه» [58] . من هنا على المؤمن يقوي إيمانه بالله سبحانه، ويسأله الثبات على الدين، بالإكثار من دعاء الغريق الذي فيه طلب الثبات على العقيدة الصحيحة.
نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على القول الثابت إنه ولي التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
6 / 5 / 2012م – 12:34 ص
[1] كنز العمال – المتقي الهندي – ج 14 – ص 587
[2] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 231
[3] الإرشاد – الشيخ المفيد – ج 2 – ص 377 – 378
[4] وفي غيبة النعماني: «الهردي، وهو الثوب المصبوغ بالهرد، أي بالكركم. وقيل: هو الذي يصبغ بالورس ثم بالزعفران فيجئ لونه مثل لون زهرة الحوذانة. ولعل المراد به أن لون هذه النار العظيمة صفراء تميل إلى الحمرة لشد اشتعالها. والله تعالى هو العالم» إعلام الورى بأعلام الهدى – الشيخ الطبرسي – ج 2 – هامش ص 283 – 285»
[5] إعلام الورى بأعلام الهدى – الشيخ الطبرسي – ج 2 – ص 283
[6] وسيأتي ذكرها وهي واردة في كتاب الملاحم والفتن ـ السيد ابن طاووس ـ ص 40
[7] كنز العمال – المتقي الهندي – ج 14 – ص 345 – 346
[8] الحرب العالمية الأولى ـ عمر الديراوي ـ ص 28
[9] الحرب العالمية الأولى ـ عمر الديراوي ـ ص 580
[10] الإمام المهدي أمل الشعوب ـ الشيخ حسن الصفار ـ ص 14
[11] الحرب العالمية الثانية ـ رمضان لا وند ـ ص 24
[12] الحرب العالمية الثانية ـ رمضان لا وند ـ ص 582
[13] الإمام المهدي أمل الشعوب ـ الشيخ حسن الصفار ـ ص 14
[14] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 113
[15] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 244
[16] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 207
[17] أعيان الشيعة – السيد محسن الأمين – ج 2 – ص 79
[18] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 119
[19] «جَدَفَ الشيء: قطعه» المعجم الوسيط ص 113، «وجَذَف الإنسان في مشيه: أسرع» المعجم الوسيط ص 113
[20] «187» سورة الأعراف
[21] «1» سورة النحل
[22] الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 368 – 370
[23] عصر الظهور ـ الشيخ علي الكوراني ـ ص 187
[24] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 207
[25] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 211
[26] عصر الظهور ـ الشيخ علي الكوراني ـ ص 187
[27] تفسير أبي حمزة الثمالي – أبو حمزة الثمالي – ص 83
[28] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 235
[29] عصر الظهور ـ الشيخ علي الكوراني ـ ص 188
[30] هذه المعلومة أخذت من الإنترنت وقد ألقى هذا التصريح مع صحيفة “ديلي سكيب” الأمريكية
[31] الملاحم والفتن – السيد ابن طاووس – ص 99
[32] يوم الخلاص في ظل القائم المهدي ـ كامل سليمان ـ ص 581
[33] «هذا المقطع أخذته من الإنترنت والعهدة على الكاتب»
[34] «فحوى هذا المقطع أخذته من الإنترنت والعهدة على الكاتب»
[35] «10ـ11» سورة الدخان
[36] كنز العمال – المتقي الهندي – ج 14 – ص 345 – 346
[37] «24» سورة يونس
[38] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 51 – ص 57
[39] «10» سورة الدخان
[40] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 235
[41] الإرشاد – الشيخ المفيد – ج 2 – ص 377 – 378
[42] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 113
[43] كنز العمال – المتقي الهندي – ج 14 – ص 345 – 346
[44] المصدر: من موقع منتديات الصكر، اسم الموضوع: أبناء صهيون والحرب العالمية الثالثة على الإسلام عام 2012م والمؤلف: سامي لبن بتاريخ 17/ 5/ 2011م
[45] الملاحم والفتن ـ السيد ابن طاووس ـ ص 40
[46] كتاب الفتن – نعيم بن حماد المروزي – ص 132
[47] «155» سورة البقرة
[48] الإرشاد – الشيخ المفيد – ج 2 – ص 377 – 378
[49] الملاحم والفتن ـ علي بن موسى بن طاووس ـ ص 53
[50] جاء في تفسير هذه الكلمة ما يلي: «العنان – ككتاب -: سير اللجام الذي يمسك به الدابة والجمع أعنة» الكافي – الشيخ الكليني – ج 8 – هامش ص 225
[51] الكافي – الشيخ الكليني – ج 8 – ص 224 – 225
[52] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 231
[53] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 220
[54] متى يظهر الإمام المهدي؟ ص 41
[55] تحف العقول – ابن شعبة الحراني – ص 245
[56] تحف العقول – ابن شعبة الحراني – ص 52
[57] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 52 – ص 231
[58] المصدر السابق