تعتري إدارة الرئيس جو بايدن حالة من القلق والارتباك فيما يتعلق بمستقبل تعاملها مع أفغانستان وحركة طالبان، بعد انتهاء 20 عاما من سيطرة أميركية شبه مطلقة على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والتنموية داخل أفغانستان.
وتنازع واشنطن 3 آراء بشأن تعاملها المستقبلي مع أفغانستان: إذ يرى فريق ضرورة أن تطوي واشنطن صفحة أفغانستان وتتركها لشأنها مع غياب أي مصالح أميركية حيوية هناك، في حين يرفض آخرون هذا الطرح ويطالبون بالتمهل وعدم حسم خيار التعامل مع النظام الجديد في كابل، أما الفريق الثالث فيرى ضرورة عدم ترك أفغانستان لقمة سائغة في يد منافسي أميركا مثل روسيا أو الصين أو إيران.
وإن التطور اللافت بعد سماح حركة طالبان بمغادرة أول طائرة من أفغانستان منذ استكمال الانسحاب الأميركي -الذي جاء عشية إعلان حركة طالبان حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال- ترك آثاره على النقاش السياسي داخل واشنطن، وربط بعض المعلقين هذه التطورات بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة.
واشنطن والحكومة الطالبانية
فاجأت حركة طالبان الدوائر الأميركية بتشكيل حكومي مغلق على مسؤولين ينتمون للحركة، حيث تألفت بالكامل من رجال متشددين من طائفة البشتون، ومن الدائرة الداخلية لحركة طالبان منذ فترة طويلة.
ومن بين الشخصيات الرئيسية رئيس الوزراء محمد حسن آخوند المسؤول السابق في نظام طالبان (1996-2001) الذي يخضع لعقوبات من الأمم المتحدة، ووزير الداخلية سراج الدين حقاني زعيم شبكة حقاني الذي يسعى مكتب التحقيقات الفدرالي إلى القبض عليه بعد توجيه اتهامات له بالمسؤولية عن هجمات إرهابية.
وعلى عكس ما توقعت واشنطن، لم يشمل التمثيل الوزاري نساء، واستبعد كذلك شخصيات أفغانية تعرفها الولايات المتحدة جيدا مثل الرئيس السابق حامد كرزاي، والرئيس السابق للمجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبد الله عبد الله.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال الأربعاء الماضي إن حكومة تصريف الأعمال التي شكلتها طالبان ليست شاملة، وإنها لا تفي بمتطلبات الحكومة الشاملة، وتضم أشخاصا يشكلون تحديا.
واعتبر ديفيد دي روش، الأستاذ بجامعة الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع (البنتاغون) والمحارب السابق بأفغانستان، أن التشكيل الوزاري إنما يعكس طبيعة حركة طالبان الحقيقية.
وأكد روش أنه لا يعتقد “أن هذا التشكيل الوزاري لا يمكن اعتباره حكومة تقليدية، لكنه يعكس بوضوح طبيعة حركة طالبان، فما أراه -في الأساس- بمثابة مجلس شورى على أساس المحاصصة، حيث نجحت شبكة حقاني في فرض مبدأ تقسيم الغنائم”.
وأوضح روش أن توازنات القوى داخل حركة طالبان وحلفائها دفعت لهذه التشكيلة الحكومية، وقال إنه “من الواضح أن زيارة الجنرال فايز حميد رئيس الاستخبارات الباكستانية إلى كابل كانت للتوسط بين أطراف طالبان، إذ إن الفصيلين الأساسيين يسعيان إلى كسب غنائم الدولة الأفغانية وترسيخ سيطرتهما، لكنهما لم يظهرا أي ميل لتوسيع حكومتهم إلى ما هو أكبر من جماعتهم فقط، كما لم يبديا أي استعداد لتوسيع الحكومة لتضم غيرهما. ولم يعكس التشكيل الحكومي أي تحسن في القدرة على حكم أفغانستان، ولا على تلبية المشاكل الضخمة التي تنتظرها”.
أما آرون ديفيد ميللر -المسؤول السابق بوزارة الخارجية، والخبير بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي حاليا- فغرد مستنكرا طبيعة التشكيل الوزاري لحركة طالبان.
وقال آرون ميللر إن “تعيين سراج الدين حقاني -الذي رصدت الولايات المتحدة 5 ملايين دولار لمن يساعد في القبض عليه- وزيرا للداخلية، من شأنه أن يحرم طالبان من 3 أشياء تحتاجها بشدة: المال، والاعتراف الدولي، وتقليل الشكوك فيها. ويبدو أن الأيديولوجية والحاجة إلى استيعاب القوى الداخلية أكثر أهمية لهم”.
طالبان وذكرى 11 سبتمبر
وفي الوقت الذي تنفست فيه واشنطن الصعداء بعد موافقة حركة طالبان على السماح برحيل طائرة تضم 200 مدني أميركي ومواطني دول أخرى ظلوا في أفغانستان بعد انتهاء عملية الإجلاء الأميركية نهاية الشهر الماضي، أثارت حالة من عدم اليقين حول الرحلات الجوية لمن تبقى من الأميركيين وآلاف الأفغان ممن عملوا لصالح القوات الأميركية توترات بين إدارة بايدن وكثير من أعضاء الكونغرس من الحزبين ممن يشاركون في الجهود الرامية إلى الضغط على طالبان للسماح بسفرهم.
وفي الوقت الذي قالت فيه المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن “واشنطن لن تتعجل في الاعتراف بحكومة طالبان في أفغانستان”، تتزايد الأصوات الداعية داخل واشنطن إلى الانتظار وعدم التسرع بإعلان موقف واضح من نظام حكم حركة طالبان.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، اتفق ديفيد دي روش مع دعوات الانتظار والحكم على أفعال حكومة طالبان وليس كلماتها أو تعهداتها.
وقال روش إنه “وبالنظر إلى ما سبق، أعتقد أنه من الحكمة أن تنتظر الولايات المتحدة والدول الأخرى، وألا تتسرع في اتخاذ أي خطوات”، وأضاف “في هذه المرحلة المبكرة تستمتع طالبان بنشوة الانتصار والسيطرة على مقدرات الأمور، وعندما يمر بعض الوقت يختفي ذلك، وستبدأ الحركة في مواجهة تحديات إدارة بلد صعب للغاية، وسوف تتعقد الأمور وسيقل ما لديهم من إمكانيات، وحينذاك سنعرف الطبيعة الجديدة لطالبان، ويمكننا أن نقرر كيفية التعامل معها”.
في حين نبه آرون ديفيد ميلر، المسؤول السابق بوزارة الخارجية، إلى ضرورة مراقبة تعامل حكومة طالبان مع الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول التي خطط لها تنظيم القاعدة من داخل الأراضي الأفغانية قبل 20 عاما، وغرد ميلر يقول “فلنراقب عن كثب ما إذا كانت حكومة طالبان ستحتفل بذكرى هجمات 11 سبتمبر/أيلول نهاية هذا الأسبوع، وإلى أي درجة سيربطون أنفسهم ببروباغندا تنظيم القاعدة”.
المصدر: الجزيرة