عند شرح السياسة الخارجية الجديدة للديمقراطيين في عام 2021، استشهد مستشار الأمن القومي لبايدن بـ “صلاة الصفاء” في مقال له. والصلاة التي وردت في المصادر المختلفة هي: ” اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها والحكمة لمعرفة الفرق بينهما”.
في نفس المقال، كما يقول الكاتب، عندما طالب مسئولو الأمن القومي في غرفة الأزمات بالبيت الأبيض الرئيس باراك أوباما بمزيد من الأموال لأفغانستان، احتج أوباما قائلاً: “لدينا الكثير من الأولويات المحلية ولا يمكنني زيادة ميزانية أفغانستان. أنا الوحيد الذي يعرف ما يجب وما لا ينبغي أن ننفقه في الولايات المتحدة.
تشير هذه القضايا وغيرها، إلى ظهور قضية أساسية في السياسة الخارجية الأمريكية: أمريكا اليوم ليست أمريكا عام 1951. النظام الدولي اليوم، وبينما يعد متعدد الأقطاب (الولايات المتحدة والصين وروسيا)، يتسم بالتنظيم الهرمي (ظهور الهند والبرازيل وكوريا الجنوبية). ان تبوأ مكانة الأعلى في عام 1951 ومكانة الأعلى في عام 2021 لا يتمتعان بنفس الشروط. بايدن، وهو ديمقراطي يقع في مكانة يمين المركز لتيار أمريكي سياسي، وكذلك الديمقراطيون ككل، قبلوا بتغيير تلك الظروف، والسياسات التي تم تبنيها على مدى الأشهر السبعة الماضية تعكس رؤيته الكونية الجديدة. إنهم يريدون تحقيق التوازن بين الالتزامات والموارد. يقول بول كينيدي، أستاذ العلاقات الدولية، “لقد فقد العثمانيون والاتحاد السوفيتي والبريطانيون قوتهم تدريجياً عندما تجاوزت التزاماتهم إمكانياتهم”.
لفهم مكانة الشرق الأوسط في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يمثل الاستيعاب الدقيق لهياكل صنع القرار “الداخلية” الأمريكية أمراً أساسياً، وليس بالضرورة ما يحدث في الشرق الأوسط. هناك مبدأ راسخ نسبياً في نصوص السياسة الخارجية: في كل من الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية، يتم اتخاذ قرارات السياسة الخارجية في غرف صغيرة وعلى يد عدد محدود من الناس. لكن السؤال المهم هو: من الأشخاص أو التيارات المستفيدة من هذا القرار؟ في وسائل الإعلام، يعتقد البعض أن الولايات المتحدة فشلت أو هربت في أفغانستان، أو وصلت إلى طريق مسدود، أو فشلت عملية بناء الدولة.
إذا قمنا بتلخيص أسباب الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق في عامي 2001 و2003 في جملة واحدة، فيمكننا إيجازها على هذا النحو: النسيج شديد التعقيد لشبكة النفط والغاز والطاقة وأسلحة أمريكا مع إدارة بوش وخاصة مع نائبه ديك تشيني. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من حوالي اثنان ونصف تريليون دولار أنفقت في أفغانستان والعراق قد عادت إلى الولايات المتحدة. وقد صنع الآلاف من المقاولين المعدات اللازمة وارسلوها إلى القوات العسكرية والمدنية.
إذ قامت الشركات الأمريكية بإنجاز مئات المشاريع. فعلينا ان نرى ما إذا كان أولئك الذين يعارضون انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان هم أعضاء في مجلس إدارة شركات المعدات الكبيرة. كان حضور الولايات المتحدة في التطورات التي شهدته إيران قبل الثورة على سبيل المثال وتدخلها يصل إلى 95 ٪ وذلك بغية منع دخول الاتحاد السوفيتي والشيوعية في إيران. بعبارة أخرى، فإن الأولويات والقضايا الداخلية للإدارة الأمريكية هي التي تحظى بالأهمية، وليس الديناميكية الداخلية في إيران، وتاريخ الثورة الدستورية، والليبرالية، وعوامل أخرى.
لطالما تحدثت إدارة بايدن عن مغادرة أفغانستان، وربما دون ان تقول بصراحة، سعت إلى تحويل الميزانيات العسكرية الإضافية من الشرق الأوسط إلى مشاريع التنمية الضخمة داخل الولايات المتحدة التي مهدت الطريق للنشاط الاقتصادي ونمو فرص العمل وتوليد الإيرادات لمواجهة الصين. يحرص فريق السياسة الخارجية والأمن القومي والاقتصادي لبايدن على شرح الأولويات والالتزام بها.
وضع مستشار الأمن القومي لإدارة بايدن في مؤسسة كارنيجي، إلى جانب آخرين، إطاراً تأسست فيه السياسة الخارجية على صرح مصالح الطبقة الوسطى الأمريكية. ويقول إنه في أي مقاربة للسياسة الخارجية، يجب أن نرى ما إذا كان من مصلحة الشركات الكبرى العمل في خارج أمريكا وفتح فروع جديدة خارج الولايات المتحدة، أو في مصلحة قسم من المجتمع الأمريكي استمرار القيم الأمريكية من خلال الحصول على العوائد، وذلك وفقاً للإبداع وبذل المساعي. يمكن القول إن اثنين من منظري بايدن، أي كل من جك سوليفان وويليام بيرنز، وكلاهما كانا يعملان في مؤسسة كارنيجي قبل تولي مناصب في هذه الإدارة، يمثلان هذه الأفكار والنظريات الأمريكية. كلاهما يؤيد بقوة الدبلوماسية، والتعددية، وتقديم حوافز في مجال حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت يتبنان الواقعية وتحديد الأولويات. إنهما يعتقدان أن الأساليب العسكرية ليست قادرة دائماً على حل الأزمات الدولية.
المصدر: موقع ديبلماسي إيراني