إنما قضية تحقيق الأمن والحؤول دون تطوير قوة المقاومة في المنطقة، يشكل أهم القضايا الداخلية في الكيان الصهيوني. وهذه القضية تأتي على رأس أولويات الحكومات الإسرائيلية. فان زيادة قوة المقاومة دائماً ما تشكل إحدى أهم العوامل لانهيار الحكومات في إسرائيل، كما يشكل الوقوف بوجه المقاومة إحدى الشعارات الانتخابية للمنافسين في الإنتخابات. اليوم يدور التنافس بين نتنياهو والمعارضين حول عدم نجاح الكيان المحتل في قمع مقاومة الشعب الفلسطيني، مع انه من الممكن ان تكون مختلف الأسباب للتنافس السياسي في الأراضي المحتلة، لكن في نهاية المطاف يشكل قمع الفلسطينيين وتوسيع رقعة الاحتلال، أولوية لكل التيارات السياسية للوصول إلى سدة الحكم في إسرائيل.
لو نظرنا من هذه الزاوية وبهذه المقاربة، فلا نجد فرقاً بين نتنياهو والآخرين، إذ ان تغيير الحكومة في الكيان الصهيوني يعني ان فئة وحزب جديد يريد اختبار قدراته في قضية قمع الفلسطينيين وإفشال المقاومة، حتى يمكنه من كسب ود المستوطنين في الإنتخابات القادمة، لهذا من المستبعد بان يخرج هذا الأمر المصيري من أجندة أي حكومة في الكيان الصهيوني، مع انه قد تختلف خطوات تلك الأحزاب والتيارات في هذا المجال. إذ ان توجيه الاتهام للمنافس بأنه لا يعرف كيف يواجه تيارات المقاومة، تحول إلى الشعار الرئيس والآلية الجوهرية للتنافس في الإنتخابات وكسب أصوات الصهاينة، وان “نفتالي بنت” ليس بمستثنى عن هذه القاعدة. هذا ويجب ان نعرف بان الكيان الصهيوني ولما كان يرى نفسه وحيداً في المنطقة، وتحاصره الدول الإسلامية، دائماً ما يحاول ان يمنع اندلاع هذه الخلافات في الداخل، كي يبقى هذا الكيان بمنأى عن التهديدات المحيطة، محتفظاً بوحدة صفوفه.
لكن على الرغم من هذه المساعي لتوحيد الصفوف، إلا إننا نشاهد ظهور تيارات فكرية مختلفة، تريد على حد تعبيرها المساومة مع دول المنطقة، ذلك بوحي من تحقيق المصالح، أم لضرورة التراجع عن الشعارات الجوهرية الصهيونية. ان مفهوم المساومة له علاقة مباشرة مع مفهوم الأرض مقابل السلام، وان التيارات المتطرفة، داخل الكيان الصهيوني، ترى ان أي شكل من أشكال المساومة يعارض تعاليمهم الدينية، وهم على استعداد للجوء إلى العنف، لمنع زيادة قوة هذه الأفكار، وهذا ما ظهر سابقاً عندما تم اغتيال إسحاق رابين.
ان التيارات التي تشكل الكيان الصهيوني والقوة التي تصنع القرارات، تحاول بان تقضي على هذه الخلافات نهائياً، ذلك أنها ترى بان أي شكل من الانقسامات الداخلية، تهدد أساس هذا الكيان، وان التحذيرات التي تطلقها الأجهزة الأمنية للكيان الصهيوني للحؤول دون ظهور هذه الخلافات والصراعات حول المساومة، تأتي في هذا الإطار، إذ تعبر عن القلق الذي تعيشه الفئة الرئيسية للكيان الصهيوني الناجم عن ظهور الخلافات الداخلية، فان الكيان الذي يعاني من صراعات داخلية، وحروب خارجية، لا يعد الوجهة المطلوبة لليهود في العالم، بل انه يشجع المهاجرين للعودة إلى أراضيهم الرئيسية، ومثل هذه العملية تمثل تهديداً وجودياً يهدد جوهر الكيان المحتل.
طيلة العقود الثلاثة الماضية، تدهور الأمن الداخلي في إسرائيل بشكل كبير. فتيارات المقاومة في المنطقة أصبحت أقوى يوماً بعد يوم مما كانت عليه في الماضي، وبسطت نفوذها وقوتها في قلب الأراضي المحتلة، ومن جهة أخرى فان الإخفاقات المتتالية التي منيت بها حكومات الاحتلال في مواجهة المقاومة، زادت من وتيرة الخلافات والانقسامات، وقسمت المجتمع الاسرائيلي إلى فئتين، يتهمان بعضهما بالمساومة أو بالتطرف.
أدت التكهنات بشأن تغيير حكومة إسرائيل بعد 12 عاماً من حكم بنيامين نتنياهو المستمر، إلى إعادة هذه الخلافات إلى الساحة السياسية العامة في إسرائيل، ويقوم مؤيدو القطبين السياسيين لإسرائيل بإخراج قضاياهم تدريجياً إلى الشارع العام. فتصريحات المسئولين الأمنيين في الكيان الصهيوني عند التعبير عن القلق حول انتشار العنف الداخلي تتطابق مع الواقع الميداني، وما يهدد وجود هذا الكيان في الوقت الذي تهدد فيه التهديدات الخارجية هو الخلافات الداخلية التي تسببها تلك التوجهات الفكرية.
المصدر: صحيفة اعتماد