كثرت الاصوات التي تنعت وتتهم النظام الإسرائيلي بأنه نظام ابارتهايد. فشاهدنا الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر يؤلف كتاباً بعنوان ” فلسطين: السلام لا الابارتهايد ” ومبعوث الأمم المتحدة الخاص بالأراضي الفلسطينية المحتلة السابق جون دوغارد يقول أن اسرائيل ترتكب ثلاثة إنتهاكات تتعارض مع المجتمع الدولي الا وهي الاستعمار والاحتلال والابرتهايد، وشاهدنا أيضا في يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني رئيس الهيئة العامة للأمم المتحدة الأب ميغيل ديسكوتو بروكمان وهو يقول أنه من واجبات المجتمع الدولي أن يعترف بحقيقة الأمر وينظر لإسرائيل كدولة ابارتهايد وأن يستمع المجتمع الدولي لأصوات المجتمع المدني باتخاذ إجراءات لمعاقبة هذا النظام العنصري بوسيلة المقاطعة وسحب الاستثمارات ووضع العقوبات عليه. فما هو الابارتهايد، وكيف تطبقه اسرائيل؟
ما هو الابارتهايد؟
الأبارتايد (أو الأبارتيد أو الأبارتهايد، بالأفريكانية Apartheid [əˈpɑrtheɪt] أي فصل) هو نظام الفصل العنصري الذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا من عام 1948 وحتى تم إلغاء النظام بين الأعوام 1990 – 1993 وأعقب ذلك انتخابات ديموقراطية عام 1994. هدف نظام الأبارتايد إلى خلق إطار قانوني يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية.
قامت قوانين الأبارتايد بتقسيم الأفراد إلى مجموعات عرقية – كانت أهمها السود، البيض، “الملونون”، والآسيوين (المكونة من هنود وباكستانيين – تم الفصل بينهم. بحسب قوانين الأبارتهايد اعتبر أفراد الأغلبية السوداء مواطنو بانتوستانات (أوطان) ذات سيادة اسمية لكنها كانت في الواقع أشبه بمحميات الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية. عمليا، منع هذا الإجراء الأفراد غير البيض – حتى لو أقام في جنوب أفريقيا البيضاء – من أن يكون له حق اقتراع إذ تم حصر تلك الحقوق في “أوطانهم” البعيدة. تم فصل أجهزة التعليم، الصحة، والخدمات المختلفة، وكانت الأجهزة المخصصة للسود أسوأ وضعا بشكل عام.
منذ الستينات، أخذت الاعتراضات الدولية على نظام الأبارتهايد بالازدياد، مما أدى إلى نبذ دولة جنوب أفريقيا ومقاطعتها من قبل غالبية الدول. كل هذا بالإضافة إلى معارضة داخلية سلمية من جانب منظمات عارضت الأبرتهايد أدت إلى انهيار النظام بعد أربعة عقود.
تأتي كلمة ابارتهايد من “لغة الافريكانز”، وهي لغة المستعمرين الهولنديين الذين استوطنوا جنوب أفريقيا. والكلمة تعني الفصل أو التفرقة. فعندما انتصر الحزب القومي في انتخابات عام 1948 في جنوب أفريقيا، وهو الحزب الذي يمثل المستعمرين من أصول هولندية في تلك الدولة، سن جملة من القوانين التي استكملت تلك التي وضعتها الفئة البريطانية من المستعمرين منذ تأسيس دولة أفريقيا الجنوبية عام 1910.
بموجب قوانين الابارتهايد، حوصر الشعب الافريقي الأصلي في بقع متقطعة غير متصلة والتي شكلت أقل من 13% من ارض جنوب أفريقيا التاريخية. فرضت سلطات الاستعمار على الجميع أن يحمل دفتر هوية استخدمته قوات الابارتهايد لتعرف فيما إذا كان من المسموح للفرد أن يدخل أو يخرج من مكان معين. تم اعتقال آلاف الأفارقة بحجة وجودهم في مكان يحظر عليهم التواجد فيه أو لعدم حيازتهم لدفاتر الهوية.
كانت حكومة الابارتهايد تدعي أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في القارة الأفريقية رغم تعسفها وعنصريتها الواضحة. لكنها في حقيقة الأمر لم تكن أكثر من ديمقراطية المستعمرين الخاصة بالبيض دون السود. سر هذه الديمقراطية يكمن في قوانين وسياسات الدولة التي منعت السكان الأصليون من التصويت في الانتخابات والترشح للبرلمان، فقد اعتبرت حكومة الابارتهايد كل منطقة حوصر فيها الشعب الأصلي كدولة مستقلة. ابتداءا من ستينيات القرن الماضي، بدأت حكومة الابرتهايد بتشكيل أو الاعتراف بحكومات بعدد من هذه المناطق، والتي عرفت بالبانتوستانات أو المواطن المستقلة (homelands)، والتي شكلت معازل جغرافية للسكان الأصليين. وضع لكل بانتوستان رئيس من الشعب الأصلي وعلم ونشيد وطني، والاهم من ذلك أنها بقيت السيادة في ايدي حكومة الابارتهايد وبقيت حكومات البانتوستانات معتمدة عليها بشكل كامل في الجانب المالي، وفي العلاقات الخارجية، ووضع لكل بانتوستان أجهزة أمنية وظفت الجزء الكبير من أهاليها الأفارقة، ليس للدفاع عن أمنهم بل للدفاع عن مصالح حكومة الابارتهايد وأمن المستوطنين.
لم تنجح هذه التجربة على الصعيد الدولي. لم تعترف أي دولة أجنبية بالبانتوستانات كدول مستقلة- الا في حالة واحدة وهو البانتوستان المسمى بوفوثاتسوانا التي فتحت سفارة لها في مدينة تل أبيب. أما على الصعيد الداخلي، فقد نجحت حكومة الابارتهايد بإيجاد حل قانوني لإشكالياتها الأساسية وهي أن أغلبية السكان (90%) هم من الشعب الأصلي لا من المستعمرين، وبهذه الطريقة استطاع نظام الأبارتهايد أن يحافظ على سيطرة السكان المستعمرين الأوروبيين على الشعب الأفريقي الأصلي.
جريمة الأبارتهايد وإسرائيل
علي جنب من تفاصيل نظام الابارتهايد النقطة الأساسية هي أن هذا النظام هدف لإبقاء سيطرة فئة المستعمرين مسيطرة على الأغلبية الأصلية. بموجب هذه القوانين والسياسات والممارسات النابعة عنها جرت عملية الانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان الأفريقي. فقد تم اعتقال عشرات الآلاف من المناضلين الأفارقة ومناصريهم من المدنيين في سجون ومعتقلات اشتهرت بأساليب بالتعذيب البشعة، وارتكب نظام الابارتهايد وقواته العديد من المجازر الدموية. في عام 1976 وبعد سنوات من الارتباك والخمول السياسي قام طلاب المدارس الأفارقة بتنظيم مظاهرات حاشدة ضد قوانين الابارتهايد، حيث قامت قوات النظام العنصرية بقتل أكثر من 500 وإصابة ما يزيد عن1000 متظاهر فيما عرف بانتفاضة ومجزرة سويتو. إثر هذه المجزرة، اجتمع المجتمع الدولي في الأمم المتحدة وأصدر ميثاقاً هاماً حمل عنوان الإتفاقية الدولية لمحاربة جريمة الابارتهايد والمعاقبة عليها ( ميثاق الابارتهايد).
الواضح في الميثاق هو أن المجتمع الدولي، وبموجبه القانون الدولي، يعتبر الابارتهايد جريمة غير مقتصرة على جنوب أفريقيا، بل جريمة يمكن أن ترتكبها أي دولة، وأن دور المجتمع الدولي في حالة أنه وجد دولة ترتكب هذه الجريمة أن تتخذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية والإقتصادية مثل فرض العقوبات والمقاطعة الشاملة ومحاكمة الجناة، حتى تنتهي ارتكاب الجريمة. اعتبرت عدة مواثيق دولية هامة منذ 1976 (مثل ميثاق روما والميثاق الدولي لإزالة جميع أنواع التميز العنصري) الابارتهايد كجريمة مثل الإبادة والعبودية المحظورة دوليا. الجانب الهام الثاني لهذه المواثيق أنها وضعت تعريف واضح لهذه الجريمة. ورغم إختلاف الصياغة اللغوية في تعريف جريمة الابارتهايد في هذه المواثيق، يبقى القاسم المشترك بينها هو أن الدولة التي ترتكب جريمة الابارتهايد هي الدولة التي تسخر قوانين وسياسات وممارسات تنتهك حقوق الإنسان، بغية إبقاء أو إدامة سيطرة فئة (عرقية أو إثنية أو قومية أو دينية) معينة على فئة أخرى.
نجد بعض الذين بدأوا يتهمون إسرائيل بأنها ترتكب جريمة الابارتهايد يخطئون في طريقة تعبيرهم، فيحسبون أن عبارة الابارتهايد الإسرائيلي هو مجرد تشبيه بين نظامين قمعيين بهدف الترويج للقضية الفلسطينية. فترى العديد من الكتابات تحصر تحليلها على مقارنة بعض انتهاكات حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا بانتهاك الحقوق ذاتها في فلسطين، أو يسردون الأمثلة على تشابه ممارسات النظامين وكأن الابارتهايد لائحة من الممارسات التي ارتكبها النظام العنصري في جنوب أفريقيا نقارنه مع ممارسات الدول الأخرى. يؤدي هذا الخطأ في فهم تعريف الابارتهايد الى عبارات تصف اسرائيل بأنها ” شبيهة بالابارتهايد”. نحن لا نقول أن ما حدث في رواندا ضد التوتسي واللا فاشيون من الهوتو هو ” شبيه بالإبادة ” فلماذا نعتبر نظام إسرائيل “شبيه بالابارتهايد” إذا كانت فعلا ترتكب هذه الجريمة؟
الأخطر من التشبيه هو حصر الابارتهايد الإسرائيلي في الممارسات العنصرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة جدار الفصل العنصري والمستوطنات وانتهاك حرية التنقل … الخ المبنية على التمييز بين المستوطن اليهودي والإنسان الفلسطيني. لا يمكن فهم الابارتهايد الإسرائيلي بهذه الطريقة، فيمكن أن ننظر لهذه الممارسات كجزء من سياسات الاحتلال التعسفي، ويمكننا أن نقول أنها تتسم ببعض عناصر الابارتهايد. أما إذا أردنا أن نفهم الابارتهايد الإسرائيلي على حقيقته ونعبر عنه للآخرين فهو يشمل كامل القوانين والسياسات والممارسات الإسرائيلية ذات العلاقة بالشعب الفلسطيني بأسره.
الركن الأساسي الثاني من الابارتهايد الإسرائيلي هو الجانب الأيديولوجي الفكري للحركة الصهيونية. حجر أساس هذه الفكرة هي أن الأشخاص ذوي الديانة اليهودية هم قوم مميز، ومن واجبات هذا القوم أن يقيم دولة، وأن هذه الدولة لا بد لها أن تكون يهودية. عملياً (ونظرياً) الطابع اليهودي لهذه الدولة يعني أنه ينبغي على السكان اليهود فيها أن يكونوا ويبقوا أغلبية سكانية لها السيطرة السياسية والجغرافية والعسكرية في بقعة الأرض التي اختارتها الحركة الصهيونية موقعاً لل دولة اليهودية: فلسطين.
الركن الأساسي الثاني من الابارتهايد الإسرائيلي هو عدم تطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين التي شردتهم الحركة الصهيونية لإنشاء الدولة اليهودية. فهذا انتهاك لحقوق الإنسان يهدف لإبقاء اليهود كأغلبية ديموغرافية بغرض إبقاء السيطرة للإسرائيليين اليهود (وهي الفئة القومية الدينية التي ترتكب الجريمة من خلال أجهزة الدولة بموجب القوانين والسياسات والممارسات). نضيف الركن الأساسي الثالث من الابارتهايد الإسرائيلي وهي سياسات وممارسات التمييز العنصري الممنهج بين الإسرائيلي اليهودي والفلسطيني، وقائمة هذه السياسات والممارسات طويلة تزداد طولاً مع مرور كل ساعة ومنها مصادرة الأراضي وتهجير الفلسطينيون وتجريم النشاط السياسي الحر والتمييز الواضح في سائر مجالات الحياة من الخدمات الأساسية الى الحرية الثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية وفي مجالات الصحة والتعليم والتي تهدف الى إبقاء ما تبقى من الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر وفي الضفة والقطاع في حالة ضعف بغاية إبقاء السيطرة في أيدي الفئة الإسرائيلية – اليهودية.
يجدر الذكر ان تحليل اسرائيل كدولة ابارتهايد ليس بديل ولا يقلل من واقع إسرائيل كدولة استعمار إحلالي واحتلال عسكري، لكن هذا التحليل يأتي كاستكمال لفهمنا القانوني والسياسي للنظام الإسرائيلي، ويضع التمييز العنصري في مكانها الصحيح كحجر أساس في السياسات الإسرائيلية. الجرائم التي يرتكبها الإحتلال في الضفة والقطاع تبقى جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، ويتضاعف فهمنا لمدى خطورة هذه الجرائم عندما نرى أنها ترتكب كجزء من جريمة أكبر تستهدف جميع أبناء وبنات الشعب الفلسطيني.
الأبارتهايد والصهيونية
وجهان لعملة واحدة
لا يختلف الفلسطينيون في أنّ الحركة الصهيونية قامت بعمليةٍ مركّبةٍ ضدّ الشعب الفلسطيني، شملت الاستعمار الاستيطاني، واستخدام الإرهاب المسلح، بما في ذلك المجازر، وصولاً إلى واحدةٍ من أكبر عمليات التطهير العرقي في عصرنا، والتي نفذتها في عام 1948، ومروراً بنظام الإحتلال العسكري الأطول في التاريخ الحديث. وقد بُنيت عقيدة الحركة الصهيونية على أساس تحقيق هدفين: الإستيلاء على الأرض بالقوة المسلحة وبالمصادرة والإحتيال، وتهجير الفلسطينيين من هذه الأرض. وإذا كان هدف احتلال كلّ أرض فلسطين تحقق بالقوة العسكرية، فإنّ الهدف الثاني تعثّر، بسبب صمود جزء باسل من الشعب الفلسطيني الذي أصرّ على البقاء في وطنه بعد نكبة عام 1948، وتحمّل آلام ومآسي الحكم العسكري – المخابراتي الإسرائيلي حتى عام 1966. وبسبب بسالة جزء آخر، تعلّم من تجربة عام 1948، وفضّل مواجهة خطر الموت على الرحيل، وصمد في القدس وباقي الضفة الغربية وقطاع غزة، وجزء هام منه كان من اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا عام 1948. ولم يحدث هذا مصادفة، ولم يتمّ ببساطة، بل كان حصيلة جهدٍ لا يقدّر بثمن من العمل الوطني والتوعية، والصمود الاقتصادي والمجتمعي، والنضال الشعبي الذي كانت الإنتفاضة الشعبية الأولى من أنقى تجلياته. والنتيجة الطبيعية لذلك كله أن عدد الفلسطينيين اليوم على أرض فلسطين التاريخية يعادل، إن لم يفق بقليل، عدد اليهود الإسرائيليين.
العنصرية اليهودية بكلّ تجلياتها
يعطي نظام الأبارتهايد الإسرائيلي الحق لأيّ يهودي في العالم أن يحصل على الجنسية فور هبوطه في أيّ مطار إسرائيلي، وكما أوضح بدقة علمية مميّزة تقرير فريق لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) والذي سحب بعد ساعات من نشره، يشمل نظام الأبارتهايد الفلسطينيين في أراضي 1948، وفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك القدس، واللاجئين الفلسطينيين المحرومين من حق العودة أو الوجود في وطنهم. أما منظومة الأبارتهايد العنصرية، والتي فاقت في ظلمها وبشاعتها نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا، فقد تعزّزت بقانون القومية الإسرائيلي الذي يعطي حق تقرير المصير في كلّ فلسطين التاريخية لليهود فقط.
كلّ مناحي عيش الفلسطينيين اليوم تعاني من عنصريةٍ فظّة، فهم محرومون من أرضهم، وممنوعون من البناء في معظمها، ومحرومون من مياههم التي تصادر «إسرائيل» معظمها. وفي حين تعطي السلطات «الإسرائيلية» حق استعمال 2400 متر مكعب سنوياً منها لليهودي المستوطن، فإنها تحدّد ما لا يزيد عن 50 متراً للفلسطيني. أيّ أنّ للمستوطن اليهودي حق استعمال المياه بكمية تزيد 48 مرة عن الفلسطيني في الأراضي المحتلة. ومعظم الفلسطينيين محرومون من التنقل وحرية الحركة، ويعيش مليونان منهم في سجنٍ معزول ومغلق، أشبه بمعسكر اعتقال، اسمه قطاع غزة. وعلى معظم أهل الضفة الغربية التنقل عبر 650 حاجزاً عسكرياً، ولا يسمح لهم بالوصول إلى القدس.
وفي حين يعطي نظام الأبارتهايد الإسرائيلي الحق لأيّ يهودي في العالم، سواء كان يعيش في نيويورك أو سيبيريا أو أيّ مكان، أن يحصل على الجنسية فور هبوطه في أي مطار إسرائيلي، ويعطيه حق الإقامة أينما شاء في كلّ أرض فلسطين، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس المحتلة، فإنه يحرم أكثر من ستة ملايين لاجئ من الفلسطينيين المهجّرين بالقوة من حق العودة إلى الأرض التي عاشت فيها عائلاتهم منذ مئات وآلاف السنين.
«الاسرائيلون» يتمتعون بمخصصات مياه سخية وبحقوق للتنقيب عن الموارد الطبيعية وبالسيطرة على الينابيع، وعلى المواقع الأثرية وعلى المحميات الطبيعية. الى جانب كل هذا اوجدت «إسرائيل» نظام محاكمة مزدوج فيه يطبق قانون معيّن على الفلسطينيين وقانون آخر على «الإسرائيليين»، الإسرائيليون يحظون بأجزاء واسعة من القانون «الإسرائيلي» الحديث في حين انّ الفلسطينيين يصارعون تحت أوامر عسكرية قمعية. هكذا لا يوجد للفلسطينيين الحق في التظاهر، وفي حين انه يوجد هذا الحق للمستوطنين، لهذا فانّ «الإسرائيلي» الذي تورّط في مشكلة يحاكم في محكمة مدنية يضمن فيها حقه في محاكمة نزيهة في حين انّ الفلسطيني المتهم بنفس المخالفة يحاكم في محكمة عسكرية والتي لا تجري بلغته. كما انّ «الإسرائيلي» يخرج بحرية الى خارج الكيان المحتلّ في حين انّ الفلسطيني عليه ان يحصل على تصريح من جيش الاحتلال.
كلّ سياسة نزع ملكية، وكلّ ممارسة فصل (مادية و قانونية)، وكلّ منع للتنمية وايّ نقل قسري للفلسطينيين، كلّ واحدة من هذه تحقق مكوّن «الأعمال اللا إنسانية» الموجود في تعريف جريمة الابارتهايد.
يصل دخل الفرد في «إسرائيل» إلى 42 ألف دولار، فيما لا يتجاوز ألفي دولار للفرد في الضفة والقطاع. ولكن الفلسطينيين أينما كانوا يدفعون ما يدفعه «الإسرائيليون» ثمناً للمنتجات والبضائع بسبب إلحاق السوق الفلسطيني بـ «الإسرائيلي». أكثر من مليون عملية اعتقال وأسر تمّت ضدّ الفلسطينيين منذ عام 1967، وعشرات الآلاف قضوا شهداء أو أصيبوا بجراح. لكن الجانب الأهمّ أنّ هناك نظاماً قانونياً خاصاً باليهود، وأنظمة قانونية أخرى للفلسطينيين، حسب مكان معيشتهم. ويستعمل «الإسرائيليون» ضدّ الفلسطينيين مزيجاً من القوانين العسكرية الإسرائيلية والقوانين العثمانية، والانتدابية البريطانية، بما فيها قانون الطوارئ الذي ألغته بريطانيا، وما يعجبهم من القانون الأردني، بالإضافة إلى حوالي ألفين من القوانين العسكرية. وإذا كان ذلك كله لا يكفي، فبمقدور حكام «إسرائيل» إصدار مزيد من القوانين العسكرية.
لن يوقف الفلسطينيون كفاحهم ومقاومتهم، لأنهم يعرفون جيداً الفرق الشاسع بين السلام والاستسلام، فخطة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، أو صفقة القرن كما يسمّونها، لن تنشئ دولة فلسطينية، ولن تنهي الاستيطان الاستعماري، ولن تحقق الحرية للفلسطينيين. وهي تعبّر عن قرار الحركة الصهيونية، بعد أن تلاعبت عقوداً بما سُميت «عملية السلام»، وتكريس الضمّ والتهويد لكلّ فلسطين. تشرعن خطة ترامب تجزئة الضفة الغربية إلى 224 غيتو، أو معزل أو بانتوستان إن شئتم، مع غيتو كبير في غزة، محاصرة جميعاً بالجيش الإسرائيلي، وجدار الفصل العنصري، والحواجز، والمستعمرات. وتؤكد الخطة بقاء السيطرة «الإسرائيلية» على أرض ومياه وأجواء فلسطين بكاملها، بالإضافة إلى المجال الكهرومغناطيسي، بما في ذلك البقع التي ستسمّى دولة فلسطين، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتكرّس خطة ترامب التي كُتبت بقلم نتنياهو نظام الأبارتهايد العنصري ضد الفلسطينيين، وقبولها أو التعامل معها سيعني مشاركة «إسرائيل» في خرق القانون الدولي، وقيم الإنسانية والعدالة، وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني.
مصادر قوة
جزء من أهمية تحليل إسرائيل كدولة ابارتهايد هو أنه يعيد توحيد أجزاء الشعب الفلسطيني على المستوى الفكري، ففي الأعوام الماضية، اعتاد العديد من المحللين والسياسيين أن يقسّموا معاناة الشعب الفلسطيني الى أجزاء: احتلال في الضفة والقطاع، المنفى واللجوء في قضية اللاجئين، التمييز العنصري وكبت الهوية الثقافية في حالة الفلسطينيون داخل الخط الأخضر. تحليل إسرائيل كدولة ابارتهايد يمكّننا من فهم هذه التجزئة كجزء من الجريمة ورؤية جريمة اسرائيل كجريمة واحدة أثرت على كل فئة فلسطينية بطريقة خاصة، وان واجب المجتمع الدولي والإسرائيلي بإنهاء هذه الجريمة يتضمن واجب إزالة شتى أنواع العنصرية الإسرائيلية من العنصرية التي تمنع عودة اللاجئ الفلسطيني الى العنصرية التي تمنع الفلسطيني من بناء منزل في النقب أو الجليل أو مناطق “ج” في الضفة الى العنصرية المتمثلة بالجدار والمستوطنات وسرقة المصادر الطبيعية، الى عنصرية القوانين العسكرية وشبكة الحواجز العسكرية والهويات التي تميز بين الفلسطيني والإسرائيلي على أرض فلسطين.
هناك مصادر قوة اخرى لتحليل اسرائيل كدولة ابارتهايد في مخاطبتنا للعالم، فالربط بين سياسات اسرائيل وسياسات جنوب أفريقيا في عهد نظام الأبارتهايد تشكل نوعاً من الحافز الأخلاقي عند الأفراد والمؤسسات والحركات الإجتماعية الدولية للعمل لإنهاء هذه الجريمة. لقد انتصرت حركة التضامن مع جنوب أفريقيا بتحقيق مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على حكومة جنوب أفريقيا على أعلى المستويات المؤسساتية والدولية، مما ساعد المقاومة في جنوب أفريقيا على تحقيق الجزء الكبير من مطالبها السياسية، وأهمها إزالة الابارتهايد السياسي في تلك البلاد. فترى أن أكثر حركات التضامن مع فلسطين فاعلية هي التي فهمت اسرائيل كدولة ابارتهايد والتي تعمل على مؤازرة الشعب الفلسطيني عبر عزل نظام الابارتهايد الإسرائيلي ونرى أيضا أن ردود الفعل الإسرائيلية الأكثر حدة على الصعيد الدولي هي في الساحات التي تطرح فيها اسرائيل كدولة ابارتهايد والتي تناقش الطابع العنصري للدولة. فنرى أن المؤتمر الدولي الوحيد الذي أعلنت اسرائيل مقاطعته في السنين الأخيرة هو مؤتمر مراجعة مقررات مؤتمر ديربان 2001 (الذي سينعقد في نيسان 2009). وهو النابع عن المؤتمر الدولي لمناهضة العنصرية والتي ستقوم مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والدولي بطرح قضية الابارتهايد الإسرائيلي فيه بشكل ممنهج، واضح ومدروس.
واخيرا وصفت وثيقة صادرة عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري “أبرتهايد”
وتستعرض الوثيقة، التي نشرت أمس الطريقة التي يعمل بها النظام الإسرائيلي سعياً إلى أهدافه في كافة الأراضي الواقعة تحت سيطرته.
وتعرض المبادئ التي توجه النظام وتقدم أمثلة على تطبيق هذه المبادئ، كما تشير إلى الاستنتاج المشتق من ذلك بخصوص تعريف هذا النظام وبخصوص حقوق الإنسان.
وجاء في الوثيقة أن “النظام الإسرائيلي يطبق بكافة الأراضي الممتدة بين النهر والبحر قوانين وإجراءات وعُنفاً منظماً (عنف الدولة) غايتها السعي إلى تحقيق وإدامة تفوق جماعة من البشر أي اليهود على جماعة أخرى هُم الفلسطينيون. وتشكل هندسة الحيز بطريقة مغايرة لكل من هاتين المجموعتين إحدى الأدوات المركزية التي يستخدمها النظام لتحقيق هذا الهدف.”
وتقول الوثيقة: “المواطنون اليهود المقيمون في الاراضي الممتدة بين النهر والبحر يديرون حياتهم كأنما هي حيز واحد (ما عدا قطاع غزة). الخط الاخضر يكاد لا يعني شيئاً بالنسبة إليهم ومسألة إقامتهم غربه ضمن الحدود السيادية للدولة أو شرقه في المستوطنات التي لم تضمها إسرائيل رسمياً لا علاقة لها بحقوقهم أو مكانتهم. في المقابل نجد أن مكان الإقامة مسألة مصيرية بالنسبة للفلسطينيين. لقد قسم النظام الإسرائيلي الأراضي الممتدة بين النهر والبحر إلى وحدات مختلفة تتميز عن بعضها البعض في طريقة سيطرته عليها وتعريفه لحقوق سكانها الفلسطينيين. هذا التقسيم ذو صِلة بالفلسطينيين فقط وهكذا فإن الحيز الجغرافي المتواصل بالنسبة لليهود هو بالنسبة إلى الفلسطينيين حيز فسيفسائي مشظىً يتشكل من قطع مختلفة”.
وبحسب الوثيقة، “تخصص إسرائيل للسكان في كل من هذه الوحدات المعزولة رزمة من الحقوق تختلف عن تلك المخصصة لسكان الوحدات الأخرى – وجميعُها حقوق منقوصة مقارنة برزمة الحقوق الممنوحة للمواطنين اليهود. نتيجة لهذا التقسيم يتم تطبيق مبدأ التفوق اليهودي بطريقة مختلفة في كل وحدة مما يُنتج شكلاً مختلفاً من الظلم الواقع على الفلسطينيين المقيمين فيها.
وتؤكد أن واقع حياة الفلسطيني في غزة يختلف عن واقع حياة الفلسطيني في الضفة، وهذا يختلف عن واقع حياة فلسطيني ذي مكانة المقيم الدائم في القدس أو مواطن فلسطيني داخل الخط الأخضر. لكن هذه الفروق هي الأوجُه المختلفة لتدني مكانة الفلسطيني وحقوق المنقوصة مقارنة باليهود المقيمين في المنطقة نفسها.”
وقدمت الوثيقة، تفصيلاً لأربع وسائل رئيسة يسعى النظام الإسرائيلي من خلالها إلى تحقيق التفوق اليهودي، “اثنتان منها تطبقان بشكل مشابه في كافة المناطق: تقييد الهجرة لغير اليهود والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لأجل بناء بلدات لليهود فقط وفي موازاة ذلك لأجل إنشاء معازل فلسطينية على مساحات ضيقة. الوسيلتان الأخيرتان يجري تطبيقهما على الأخص في المناطق المحتلة: قيود مشددة على حرية حركة وتنقل الفلسطينيين من غير المواطنين وتجريد ملايين الفلسطينيين من الحقوق السياسية.
وتصعب إسرائيل، بحسب بتسيلم، “ليس فقط هجرة الفلسطينيين من دول أخرى إلى الأراضي التي تسيطر عليها وإنما تصعب أيضاً انتقالهم بين المعازل المختلفة إذا ما كان هذا الانتقال يؤدي إلى تحسين مكانتهم وفق تصور النظام. فعلى سبيل المثال يمكن لفلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية أو مقيم في شرقي القدس أن ينتقل للسكن في الضفة الغربية دون صعوبة لكنه بذلك يخاطر بحقوقه ومكانته القانونية كمقيم دائم، في المقابل لا يمكن للفلسطينيين سكان المناطق المحتلة الحصول على مواطنة إسرائيلية والانتقال للسكن داخل الحدود السيادية لإسرائيل إلا في حالات استثنائية جداً ووفقاً لاعتبارات الجهات الإسرائيلية.”
كما تصعب إسرائيل على الفلسطينيين، طبقا لهذه الوثيقة، ليس فقط الحصول على مكانة في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها وإنما هي أيضاً تضع موضع الشك حق سكان المناطق المحتلة – وبضمنهم سكان شرقي القدس التي ضمتها إلى حدودها – في مواصلة الإقامة في المنطقة التي وُلدوا ونشأوا فيها، فمنذ العام 1967 سحبت إسرائيل مكانة نحو رُبع مليون فلسطيني من الضفة الغربية (يشمل شرقي القدس) وقطاع غزة بذرائع مختلفة من بينها مكوثهم خارج المناطق طوال أكثر من ثلاث سنوات. من بين هؤلاء عشرات آلاف المقدسيين الذين انتقلوا للسكن في أراضي الضفة الغربية التي لم تضمها إسرائيل في أماكن تبعد فقط بضع كيلومترات شرقًا عن منازلهم. هؤلاء جميعاً صودر حقهم في العودة لمنازلهم وعائلاتهم والأماكن التي وُلدوا ونشأوا فيها”.
الى ذلك، يقول مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم” إن “إسرائيل تطبق في كافة الأراضي الممتدة بين النهر والبحر سياسة تهويد المكان التي يوجهها تصور يعتبر الأرض مورداً مخصصاً لخدمة اليهودي بشكل شبه حصري. وفقاً لهذا التصور تتم إدارة موارد الأرض بهدف تطوير وتوسيع البلدات اليهودية وإقامة بلدات جديدة لليهود، وفي الوقت نفسه تجريد الفلسطينيين من الأراضي ودحرهم إلى معازل ضيقة ومكتظة.
وتضيف الوثيقة، أنه “بعد العام 1967 سلك النظام الإسرائيلي وفق المبدأ الناظم نفسه في الضفة الغربية (بما في ذلك الأراضي التي ضُمت رسمياً لمسطح نفوذ بلدية القدس): أكثر من مليوني دونم وبضمنها مراعٍ وأراضٍ زراعية نهبتها إسرائيل من الرعايا الفلسطينيين بشتى الذرائع وسخرتها لأغراض عديدة وبضمنها إقامة وتوسيع مستوطنات – إضافة مساحات عمرانية وأراضٍ زراعية ومناطق صناعية. جميع المستوطنات مناطق عسكرية مغلقة يُحظر على الفلسطينيين دخولها دون تصريح. هنالك اليوم أكثر من 280 مستوطنة في أنحاء الضفة الغربية (يشمل شرقي القدس) يقيم فيها ما يزيد على 600 ألف مواطن يهودي. كذلك نهبت الدولة من الفلسطينيين أراض أخرى لأجل شق مئات الكيلومترات من الشوارع الالتفافية المخصصة للمستوطنين.”
وتحدثت “بتسيلم” في وثيقته عن تقييد حرية حركة وتنقل الفلسطينيين، مشيرة الى أن إسرائيل تتيح لمواطنيها والمقيمين فيها – اليهود والفلسطينيين- حرية التنقل بين المناطق المختلفة التي تسيطر عليها باستثناء قطاع غزة الذي عرفته “كياناً معادٍياً”. غير أنها تمنع دخول مواطنيها إلى المناطق التي نُقلت إدارتها شكلياً إلى السلطة الفلسطينية “مناطق A”، الا في حالات استثنائية يحصل الفلسطينيون المواطنون والمقيمون في إسرائيل على تصاريح دخول إلى قطاع غزة. إضافة إلى ذلك يحق لكل مواطن إسرائيلي مغادرة الدولة والعودة إليها متى شاء. وفي المقابل لا يملك سكان شرقي القدس لا جوازات سفر إسرائيلية وقد يعرضهم المكوث لمدة طويلة خارج الدولة إلى فقدان مكانة “المقيم الدائم”.
وكممارسة روتينية يقيد النظام الإسرائيلي حركة الفلسطينيين سكان المناطق المحتلة ويمنعهم عموماً من العبور بين وحدات المناطق الواقعة تحت سيطرته.
سكان الضفة الغربية وفق بتسليم الذين يريدون دخول إسرائيل أو شرقي القدس أو قطاع غزة يُطلب منهم تقديم طلب تصريح إلى السلطات الإسرائيلية. أما قطاع غزة فقد فرضت إسرائيل عليه حصاراً منذ العام 2007 وحبست سكانه داخله بعد أن منعت أي خروج منه أو دخول إليه – سوى في حالات قليلة، حالات “إنسانية” وفقاً لتعريف إسرائيل. سكان قطاع غزة الذين يريدون مغادرة القطاع والفلسطينيون سكان المعازل الأخرى الذين يريدون دخول القطاع عليهم تقديم طلب خاص للحصول على تصريح. الجدير ذكرُه أن إسرائيل مقلة جداً في إصدار هذه التصاريح والحصول عليها يخضع لنظام تصاريح صارم وتعسفي يفتقر للشفافية والقواعد الواضحة – هكذا تعتبر إسرائيل كل تصريح تصدره لفلسطيني حسنة تتفضل بها عليه لا حقاً مكفولاً له.
ويقول مركز “بتسيلم” إنه “داخل أراضي الضفة الغربية تسيطر إسرائيل على جميع الشوارع الموصلة بين المعازل الفلسطينية. هذه السيطرة تتيح للجيش أن ينصب الحواجز الفجائية متى شاء وأن يسد مداخل القرى وأن يغلق الشوارع ويمنع الحركة في الحواجز. إضافة إلى ذلك أقامت إسرائيل جدار الفصل داخل أراضي الضفة أيضًا وإذاك عرفت الأراضي الفلسطينية الواقعة شرقي الجدار “منطقة تماس”، وبضمنها أراضٍ زراعية، ثم قيدت دخول الفلسطينيين إلى هذه الأراضي وأخضعته لنظام التصاريح نفسه.
وحول المشاركة السياسية تقول الوثيقة، إن “الفلسطينيين المقيمين في المناطق المحتلة والبالغ عددهم نحو خمسة ملايين لا يشاركون في المنظومة السياسية التي تتحكم بحياتهم وتحدد مستقبلهم. نظرياً يحق لمعظم هذه المجموعة من الفلسطينيين أن تشارك في انتخابات السلطة الفلسطينية، لكن صلاحيات هذه السلطة محدودة بحيث حتى لو جرت الانتخابات بانتظام (آخر انتخابات للسلطة جرت في العام 2006) تبقى حياة السكان الفلسطينيين خاضعة لقرارات ورغبات النظام الإسرائيلي الذي يُمسك بالمفاصل المركزية للسلطة في المناطق المحتلة، ومنها الهجرة وسِجل السكان وسياسة الأراضي والتخطيط وتوزيع موارد المياه وشبكة الاتصالات والاستيراد والتصدير والأهم: السيطرة العسكرية على الأرض والجو والبحر. الفلسطينيون سكان شرقي القدس موجودون في وضع وسطي: بصفتهم مقيمون دائمون في إسرائيل يحق لهم المشاركة في انتخابات بلدية القدس وليس في انتخابات الكنيست. أما عن حق المشاركة في انتخابات السلطة الفلسطينية فإن إسرائيل تصعبه عليهم بعراقيل كثيرة”.
ويجيب مركز “بتسيلم” في وثيقته على سؤال: إذا كنا نتحدث عن نظام يتشكل ويجري تطبيقه منذ سنين طويلة فما الجديد وما الذي تغير الآن؟ لماذا ننشر ورقة الموقف هذه الآن في العام 2021؟ ويؤكد جوابا على ذلك “يكمن التغيير الأساسي في السنوات الأخيرة في استعداد وتحفز ممثلي النظام وهيئات رسمية لتكريس مبدأ التفوق اليهودي دستورياً والتصريح بهذه النوايا علناً وعلى رؤوس الأشهاد. لقد تجلت سيرورة إزالة الأقنعة في ذروتها لدى سن “قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي” وعند إعلان نوايا الضم الرسمي (دي يوري – بحُكم القانون) لأجزاء من الضفة الغربية بعد سنين طويلة من الضم الفعلي (دي فاكتو- بحُكم الأمر الواقع) ليسقط بذلك القناع الذي دأبت إسرائيل على التخفي من ورائه طوال سنين.
ويؤكد “بتسيلم” أن “منطق عمل هذا النظام وطريقة تطبيقه مماثلان لما كان في نظام الأبارتهايد الذي اتبعته جنوب إفريقيا في الماضي، والذي كانت غايته الحفاظ على تفوق المواطنين البيض في الدولة بوسائل عدة منها تقسيم السكان إلى جماعات ذات مكانات مختلفة ومنح حقوق مختلفة لكل منها. هناك بطبيعة الحال فوارق بين النظامين – منها أن الفصل في جنوب إفريقيا اعتمد العرق ولون البشرة بينما اعتمدت إسرائيل الأصل القومي والإثني، ومنها ان الفصل هناك تجلى أيضاً في الحيز العام فصلاً بين الناس على أساس لون البشرة، فصل رسمي وعلني يتم إنفاذه وضبطه بعمل الشرطة بينما تتفادى إسرائيل بشكل عام مثل هذه التجليات البارزة. ولكن تعريف نظام الأبارتهايد في الخطاب العام وفي القانون الدولي لا يتطلب ولا يفترض التطابُق مع نظام الأبارتهايد الذي ساد في جنوب إفريقيا لأن مثل هذا التطابُق التام لن يحدث أبداً. لقد تحولت مفردة “أبارتهايد” منذ زمن إلى مفهوم مستقل (مكرس نصاً في المواثيق الدولية أيضاً) جوهره المبدأ الناظم لعمل النظام: النظام الذي يعمل بشكل منهجي على تحقيق تفوق جماعة بعينها من البشر على جماعة أخرى والحفاظ على هذا التفوق.
وشدد “بتسيلم” في وثيقته على أنه يصح القول إن النظام الإسرائيلي نظام أبارتهايد رغم أنه لم يصرح علناً عن نفسه كهذا أبداً، بل على العكس – ممثلو النظام يصرحون صباح مساء أنه نظام ديمقراطي. ذلك أن مثل هذه التصريح العلني لا يلزم لتعريف النظام كنظام أبارتهايد فالعنصر الحاسم في ذلك ليس ذاك التصريحي بل الوقائعي: أي ممارسات النظام. صحيح أن النظام في جنوب إفريقيا صرح عن نفسه أنه كذلك في العام 1948 ولكن بالنظر إلى العبر التاريخية لا يُعقل أن نتوقع من أية دولة أن تفعل ذلك في أيامنا وأن تتطوع في الإعلان عن نفسها كدولة أبارتهايد. الأكثر معقولية هو أن رد الفعل الدولي من قبَل معظم دول العالم على نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا يمنع دولاً أخرى من الاعتراف أنها تطبق نظاماً مشابهاً ومن الواضح أن ما كان ممكناً في العالم 1948 ليس ممكناً اليوم – لا على الصعيد الجماهيري ولا القضائي.
واختتم مركز المعلومات الإسرائيلي وثيقته بالقول: “إن تصويب النظر نحو الواقع أمرٌ مؤلم لكن ما يؤلم أكثر هو العيش تحت “البسطار”. الواقع الذي تصفه هذه الوثيقة جدي وخطير ولكنه واقع مترشح لمزيد من التدهور والتصعيد عبر تطبيق ممارسات جديدة – مع تكريسها في قانون أو بدون ذلك. ولكن من أقاموا هذا النظام هُم بشر وهُم من يستطيعون فرض المزيد من التصعيد – وهُم أيضاً من يستطيعون تغييره. هذا بالضبط هو الأمل الذي حذا بنا إلى صياغة ورقة الموقف هذه. لأنه كيف يمكن النضال ضد الظلم إذا لم نسمه باسمه؟ الأبارتهايد هو المبدأ الناظم – ولكن توصيفه وتعريفه بما هو لا يعني الاستسلام ورفع الراية البيضا، وإنما على العكس تماماً: إنه نداء للتغيير.
المصدر: شفقنا العربی