من البديهي ان العقائد الدينية لابد ان تكون مسنودة ومؤسس لها بتشريع حتى لا تقع ضمن دائرة البدع.
وزيارة الاربعين للامام الحسين(ع) هي من ابرز الزيارات حجما وفضلا فلابد ان يكون لها تأسيس شرعي وعملي من قبل اهل البيت (عليهم السلام)، وقد تميز المذهب الشيعي بانه يعتمد الدليل وهذه احدى عناصر قوة الشيعة انهم يبحثون ويدققون عن التاريخ والتأسيس و السند الشرعي، وبذلك حافظوا على المذهب من الضياع والبدع من خلال المؤسسة الدينية(الحوزة العلمية) وعلمائهم.
وفي هذ الباب من الدراسة سنسلط الضوء على تأسيس زيارة الاربعين من خلال قراءة التاريخ وموقف اهل البيت(ع) منها، وسوف تتضح الصورة بشكل اكبر بكل ما يخص هذه الشعيرة المباركة من حيث السند والبعد التاريخي والاثار الاجتماعية والثقافية والاعلامية والدينية والسياسية خلال السلسلة التي سنقدمها بشكل مبسط ومقتضب وتنسجم مع الفهم العام لجميع المتابعين ومن خلال الحلقات اللاحقة باذن الله.
وسنقدم هذه البحوث بمصادرها للاستفادة منها من قبل الباحثين..
واما عن عنوان هذه الحلقة فقد ورد في تأسيس هذه الزيارة في المشهور من الروايات ان الصحابي الجليل جابر ابن عبد الله الانصاري(ره) (1)، وعطية العوفي(ره) (2)، هما اول من زار قبر الامام الحسين(عليه السلام) بعد استشهاده وصادفت الزيارة في العشرين من شهر صفر.
وروي ان في يوم العشرين من شهر صفر كان رجوع وعودة حرم الامام الحسين(عليه السلام) الى مدينة الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الى زيارة الحسين(عليه السلام)، وهو اول من زار من الناس (3).
وليس هناك دليل قاطع يثبت ان هذه الزيارة حصلت في المناسبة الاربعينية الاولى بعد مقتل سيد الشهداء (4).
وتؤكد الروايات المسندة كما ينقل ابن طاووس القول: قال الراوي لما رجعت نسائه وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل مر بنا على طريق كربلاء، فوصلوا الى موضع المصرع فوجدوا جابر ابن عبد الله الانصاري(رض) وجماعة من بني هاشم ورجال من ال رسول الله(ص) قد وردوا لزيارة قبر الامام الحسين(عليه السلام) فوافوا وقت واحد وتلاقوا بالبكاء واقاموا المأتم)(5).
ويقول الكفعمي (ره) انما سميت بزيارة الاربعين وذلك لان وقتها يوم العشرين من شهر صفر اي بمعنى مرور 40 يوم على شهادة الامام الحسين(عليه السلام) وهو اليوم الذي ورد فيه جابر ابن عبد الله الانصاري لزيارة الامام الحسين(عليه السلام) قاصدا اياه من المدينة وكان اول من زار من الناس، وفي ذلك اليوم كان رجوع حرم الامام الحسين من الشام الى المدينة(6).
وعلى أية حال ورغم اختلاف الروايات في قضية وصول الامام السجاد (عليه السلام) وعيال الامام الحسين(عليه السلام) الى كربلاء في يوم العشرين من صفر، حيث ينقسم الرواة بين من يثبت ومن ينفي ذلك استطيع ان اشير الى ان من اسس هذه الزيارة عمليا هو الامام السجاد(ع) و الصحابي الجليل جابر ابن عبد الله الانصاري، فيما اسس لها اهل البيت(عليهم السلام) عقائديا وروحيا وفكريا من حيث الاشارة لفضل الزيارة في هذا اليوم المبارك. ودعوتهم المؤكدة فيها، وقد وردت عنهم الروايات والاحاديث المسندة بفضلها حتى اعتبروها واحدة من ثلاث لعلامات المؤمن. وسنقدم في الحلقة القادمة جملة من الروايات والاحاديث بهذا الشأن.
واما بروز المشي في زيارة الاربعين كظاهرة منتظمة فانها ظهرت في العصر الحديث في اواسط القرن التاسع عشر الميلادي بافراد ينطلقون من مدينة النجف الاشرف الى مدينة كربلاء المقدسة مشيا على الاقدام لمدة اربعة ايام، بمعدل 20 كيلو متر في اليوم الواحد(7).
يتبع..
حيدر الرماحي