صبحت البحرين مؤخرا رابع دولة عربية تقيم علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بعد مصر 1979، والأردن 1994، ثم الإمارات في 2020.
ولم يتفاجأ العرب كثيرًا بالإعلان البحريني عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بالقدر الذي كانت عليه المفاجأة يوم أعلنت الإمارات ذلك.
ولا يعني ذلك عدم أهمية الحدث، بل لأن قيمته كانت كامنة في الرسالة الضمنية التي كان يحملها خبر التطبيع البحريني الإسرائيلي، وهي أن الهدف الأكبر والأهم للدولة الإسرائيلية هو السعودية، وأنها صارت قاب قوسين أو أدنى من السير على الطريق نفسه، وأن المسألة باتت مسألة زمن ليست أكثر.
لم يتفاجأ العرب لخبر البحرين لاعتبار مهم، وربما كان وحيدا أيضًا، وهو أن سياسات البحرين الخارجية غالبًا تكون انعكاسًا لتوجهات السياسة الخارجية السعودية؛ فليست المرة الأولى التي تتصدر البحرين أي مشهد سياسي تكون للسعودية صلة به، فالمشاهد كثيرة.
ولا يستتر الرسميون البحرينيون من الاعتراف بذلك، ومنها ما ذكرته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في تقرير لها مؤخرًا أنه “عندما سافر المستشار الكبير لترامب جاريد كوشنر إلى البحرين قبل 10 أيام، بعد ترؤسه وفدًا أميركيًّا إسرائيليًّا مشتركًا إلى الإمارات، أشار ملك البحرين إلى أن المنامة لن توقّع على اتفاق إلا بالتنسيق مع السعودية؛ مما يشير إلى تطابق الرؤى والسياسات بين السعودية والبحرين.
لكن السؤال الذي ربما يدور في أذهان كثيرين هو: ما الذي دعا البحرين لمثل هذه الخطوة؟ وما حاجتها لتطبيع علاقات مع إسرائيل؟
بداية، يمكن القول إن السؤال نفسه لا يجب أن يقتصر على البحرين فقط، لأنه يصلح أن يكون مع أي دولة خليجية أقامت أو ما زالت تفكر في الخطوة ذاتها. فما حاجة دول الخليج لتطبيع علاقات مع دولة ليست لها حدود سياسية معها، ولا تدخل في نزاعات أمنية وغيرها معها، وليست إسرائيل الدولة التي لا يستطيع الخليج الاستمرار في عمليات التنمية والنهوض إلا بوجودها.
ثم ليست هناك حاجة اقتصادية للبحرين لإقامة علاقات مع إسرائيل؛ فالسعودية تتكفل بهذا الدور بشكل شبه تام. أما الحاجة الأمنية فليست مبررة أيضًا، لأن البحرين تقع ضمن المظلة السعودية الأمنية أولاً، ومن ثم درع الجزيرة أو اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تم التوقيع عليها في الدورة 21 للمجلس الأعلى التي عُقدت بالبحرين في ديسمبر/كانون الأول 2000.
وجاءت هذه الاتفاقية تتويجًا لسنوات من التعاون العسكري الخليجي، وتأكيدًا على عزم دول التعاون الخليجي على الدفاع الجماعي ضد أي خطر يهدد أيًّا منها، وقد تبين أثر ذلك في ضبط الأوضاع بالبحرين بدايات ثورات الربيع العربي عام 2011، وتدخل قوات درع الجزيرة لضبط أمن الجزيرة.
أما إن احتج البعض بالقول إن الخطر الإيراني على الجزيرة دافع كبير للبحرين للمضي نحو دولة تشترك معها التوجس والقلق مثل إسرائيل ومعهما الإمارات ولو ظاهريًّا؛ فإن الأمر لا يزال غير مبرر، باعتبار ما حدث في الجزيرة عام 2011.
إسرائيل المستفيد الأكبر
خلاصة القول إن تطبيع البحرين علاقاتها مع إسرائيل لن يكون سوى رقم زاد في قائمة الدول العربية المطبعة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإن زيادة الرقم في تلك القائمة لن تستفيد منه سوى إسرائيل، وتحديدًا الساسة الإسرائيليين، باعتبار أن تلك الخطوات أشبه بأوراق انتخابية يتم استخدامها لمصالحهم الشخصية.
أضف إلى ذلك -كما يرى مراقبون- أن هذه الخطوة غير محسوبة إستراتيجيًّا بدقة؛ فالتوقعات أن تستغل طهران هذا الحدث لتحريك الداخل البحريني مرة أخرى، يساعدها على ذلك وضع داخلي متأزم محتقن بالبحرين منذ عام 2011.
وكأن البحرين بهذه الخطوة فتحت على نفسها بابا كان شبه مغلق، إذ لا يمكن التكهن بما يمكن أن يدخل عليها من هذا الباب في قادم الأيام، وهذا ما وصفه مراقبون بأنه خطوة غير محسوبة إستراتيجيًّا بالدقة اللازمة.