مرت ثلاث سنوات على المجازر الدموية التي يرتكبها جيش ميانمار ومتطرفون بوذيون بحق المدنيين من مسلمي الروهينغا في إقليم أراكان (غرب)، منذ 25 أغسطس/ آب 2017، ولا تزال مأساة هؤلاء المسلمين مستمرة.
ويتعرض مسلمو أراكان، منذ سنوات، لاضطهاد ممنهج، وتكبدوا خسائر في الآونة الأخيرة؛ جراء اشتباكات بين الجيش وجماعات عرقية مسلحة في الإقليم.
وإضافة إلى النزاعات المسلحة، يواجه مسلمو أراكان مشكلات اقتصادية وسياسية عديدة في مجالات الأمن والصحة وحقوق الإنسان.
وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت، في يوليو/ تموز الماضي، إن الوضع الإنساني لمسلمي أراكان (الروهينغا) في ميانمار لا يزال سيئا، ولا يوجد أي تطور في قضيتهم.
وخلال عرض تقرير خاص بوضع حقوق الإنسان لمسلمي أراكان، أمام الجلسة الـ44 لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، أضافت باشليت أن “النزاعات مستمرة في أراكان وتؤثر سلبا على المجتمعات في المنطقة، ولا تزال قُرى مسلمي الروهينغا تُحرق”.
وتابعت: “لا وجود هناك لظروف عودة آمنة ومستدامة للروهينغا الذين لجأوا إلى بنغلاديش”.
واستطردت: “لا تحسن يُذكر في وضع حقوق الإنسان، مكتبي يواصل توثيق جرائم يتعرض لها مسلمو الروهينغا وانتهاك القانون الإنساني الدولي، مثل الضربات الجوية، وقصف المناطق المدنية، وتدمير وحرق القرى”.
ودعت باشليت جيش ميانمار إلى وقف فوري لإطلاق النار، والتوقف عن عملية “التطهير العرقي” وإنهاء الاشتباكات العنيفة.
بلا جنسية
منذ سبعينيات القرن الماضي، يتعرض مسلمو أراكان لاضطهاد وضغط ممنهج، ما أجبر غالبيتهم على الهجرة إلى بلدان أخرى في المنطقة.
وفقد مسلمو أراكان حقوق المواطنة في ميانمار عبر “قانون” صدر عام 1982، واعتبرهم “عديمي الجنسية”.
وتعتبر ميانمار أبناء الأقلية المسلمة، التي تعيش في أراكان قرب حدود بنغلاديش، “مهاجرين بنغال”.
وصنفت الأمم المتحدة مسلمي الروهينغا كـ”أكثر الأقليات اضطهادا في العالم”، حيث يتعرض أبناءها للعنف والتمييز المُقنن والتمييز الاقتصادي والاجتماعي في ميانمار.
ويرفض المتطرفون البوذيون في ميانمار، التي تحتوي على 135 مجموعة عرقية معترف بها رسميًا، الاعتراف بمسلمي أراكان، ويدعون إلى طردهم من البلد الآسيوي.
مسؤولية ميانمار
كشفت اشتباكات بين بوذيين ومسلمين بأراكان، في يونيو/ حزيران 2012، عن حجم المأساة التي يتعرض لها مسلمو الولاية.
لقي العديد من المسلمين حتفهم في هجمات نفذتها جماعات بوذية متطرفة، ما اضطر آلاف الأشخاص إلى مغادرة المنطقة هربا من العنف.
وعقب أعمال العنف، احتجز المسؤولون الحكوميون أعدادًا كبيرة من الأشخاص، ومنعوا تقديم المساعدة للمسلمين، الذين اضطروا إلى الفرار من منازلهم.
وألقت دول في المنطقة باللوم على حكومة ميانمار في مأساة المهاجرين، ومعظمهم من مسلمي أراكان.
وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، أضرم بوذيون النار في أحياء مسلمة و9 مناطق يسكنها مسلمون في ميانمار، فيما اكتفت قوات الأمن بمراقبة العنف ضد المسلمين من دون أن تحاول منعه.
كما تعرض مسلمو أراكان لعنف وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في عمليات شنها جيش ميانمار عقب هجمات تعرضت لها نقاط تفتيش تابعة للشرطة في أراكان، اعتبارا من أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وخلال عمليات الجيش تلك، قُتل ما لا يقل عن 93 شخصا، هم 17 عسكريًا و76 آخرين متهمين بأنهم “معتدون”، واعتُقل 575 من مسلمي الروهينغا.
أثارت الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان بحق مسلمي الروهينغا ردود أفعال ضد وزيرة خارجية ميانمار، وزيرة الدولة لرئاسة الجمهورية، أونغ سان سو تشي، وحكومتها.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2016، أفادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، بأن ميانمار عمدت إلى تدمير قرى الروهينغا في منطقة مونغداو بأراكان.
ونشرت المنظمة صورًا التقطتها أقمار صناعية تثبت أن قوات الأمن أحرقت 1500 منزل في أراكان.
مأساة المهاجرين
يغادر مسلمو أراكان، الذين يعتبرون “عديمي الجنسية” في ميانمار، البلاد هربا من المجازر والقيود والتمييز بحقهم، وخلال بحثهم عن عمل في دول المنطقة، يقعون فريسة بأيدي مهربي البشر.
وأنقذ خفر السواحل البنغالي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، 119 مهاجرا غير نظامي من مسلمي أراكان، منهم 58 امرأة و14 طفلا، بينما كانوا على متن قارب خشبي أوشك على الغرق وهم يحاولون العبور إلى ماليزيا من خلال الحدود الجنوبية للبلاد.
وأطلق جيش ميانمار ومليشيات بوذية متطرفة، منذ 25 أغسطس 2017، موجة جديدة مستمرة من الجرائم بحق الروهينغيا، وصفتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة بأنها “تطهير عرقي”، وأسفرت عن مقتل الآلاف من الروهينغا، بحسب مصادر محلية ودولية متطابقة.
ووفقا للأمم المتحدة، بلغ عدد من فروا إلى بنغلاديش من القمع والاضطهاد في أراكان بميانمار، منذ ذلك التاريخ، 900 ألف شخص.
وأعلنت المنظمة الدولية في 12 مايو/ أيار الماضي، أنها مددت، حتى يونيو/ حزيران 2021، مذكرة التفاهم مع ميانمار، الخاصة بعودة اللاجئين الروهينغا إلى ديارهم في أراكان.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة، ستيفان دوجاريك، إن “المذكرة تهدف إلى السماح بالعودة الطوعية والآمنة والكريمة والمستدامة للاجئي الروهينغيا من بنغلاديش”.
وأضاف أن “المذكرة تدعم التنمية التي تفيد جميع المجتمعات التي تعيش في البلدات الشمالية في راخين (أراكان)”.
ووقعت كل من حكومة ميانمار والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في 6 يونيو 2018، مذكرة تفاهم بشأن دعم الأمم المتحدة تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين الروهينغيا طوعا وبشكل آمن من بنغلاديش وإعادة دمجهم في أراكان.
ورغم توقيع المذكرة، إلا أن أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وكبار مساعديه أعلنوا في أكثر من مناسبة أن ميانمار لم تحقق بعد الشروط المطلوبة لعودة طوعية وآمنة وكريمة للاجئي الروهينغا وفق ما افادت وکالة اناضول .