بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، اتخذت تركيا خطوة مثيرة نحو القطيعة مع تراثها العلماني. قبل 86 عاماً، واصل أتاتورك سياساته العلمانية، بإغلاق هذا المسجد التاريخي وتحويله إلى متحف، وأدار ظهره للتراث الإسلامي بجرأة، وحوّل آيا صوفيا إلى رمز للعلمانية الاستبدادية وبناء الأمة التركية.
الآن، عشية الذكرى المئوية لجمهورية تركيا، يحاول أردوغان، عملياً تدمير الأسس العلمانية للجمهورية. يقوم بأسلمة تركيا الكمالية مع الحفاظ على أطرها ومؤسساتها الإسلامية، على عكس المهمة الأصلية التي وضعها المؤسسون لحزب العدالة والتنمية كمؤسسين للمعجزة الاقتصادية في البلاد والتحول الديمقراطي.
إن بقاء الديمقراطية التركية، وإيجاد حل للقضية الكردية، يعتمدان على إقامة توازن بين الموالين للغرب والإسلاميين، وعدم قدرة كل منهما على القضاء على الآخر. لكن هذا التوازن تحول تدريجياً لصالح الإسلاميين، وأصبح مستقبل البلاد الديمقراطي مظلماً أكثر فأكثر. ان الوضع أسوأ بالنسبة للكرد. على الرغم من بعض الانفتاح الأولي، عادت الحكومة عملياً إلى النموذج الكمالي، وقمعت الكرد ليس فقط في تركيا ولكن في العراق وسوريا.
إذا كان تحويل آيا صوفيا إلى متحف عام 1934 علامة على سيطرة العلمانية والحداثة الكمالية على التراث العثماني ورسالة مطمئنة للعالم الغربي والمسيحي، فإن إلغاء هذا القرار الآن رمز لانتصار الجانب التقليدي لتركيا على الحداثة، إضافة إلى إعادة ذكرى الإمبراطورية العثمانية.
تركيا دولة آسيوية أوروبية بمزيج من العناصر الإسلامية والغربية. على الرغم من بعض التوجهات المختلفة، فإن الكمالية والأردوغانية تشتركان في شيء واحد: التركيز الشديد على جانب الهوية وتهديد التوازنات التاريخية والثقافية والاجتماعية السائدة.
كان اليمين الوسط منطلق الليبراليين المسلمين بداية حكم حزب العدالة والتنمية لإيجاد ملاذ آمن وتوازن بين مختلف التوجهات الفكرية والسياسية. لكن أردوغان لم يتوقف عند يمين الوسط، ومثل نظرائه الشعبويين والشموليين، انزلق تدريجياً إلى أقصى اليمين السياسي. إن الثورة التي أطلقها أردوغان في تركيا باسم الله هي النسخة الإسلامية لنظرية حكم بوتين. إذ عاد دستور روسيا مؤخراً إلى الله. أيديولوجية أردوغان هي مزيج من الكمالية والعثمانية. إن تركيا الجمهورية والإمبراطورية حاضرة في ذهنه، والعودة إلى الله عنوان آخر للاستبداد الشرقي. لهذا يجب أن ننتظر الفجوات والزلازل السياسية والاجتماعية الناجمة عن زعزعة التوازنات.
موقع: ديبلماسي إيراني