لمحة من حیاة شمس الشموس علیه السلام

1. کلامه النافذ
روی عن صفوان بن يحيى‏ قال: سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة، أن أدخله على أبي الحسن الرضا(ع) فاستأذنه فأذن له. فدخل فسأله عن أشياء من الحلال و الحرام و الفرائض و الأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد. فقال له: أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى.
فقال(ع): «الله أعلم بأي لسان كلمه بالسريانية أم بالعبرانية.»
فأخذ أبو قرة بلسانه، فقال: إنما أسألك عن هذا اللسان.
فقال أبو الحسن(ع): «سبحان الله عما تقول و معاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم ما هم به متكلمون- و لكنه تبارك و تعالى‏ ليس كمثله شي‏ء و لا كمثله قائل و لا فاعل.»
قال: كيف ذلك؟
قال(ع): «كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق و لا يلفظ بشق فم و لسان و لكن يقول له كن فكان بمشيته ما خاطب به موسى(ع) من الأمر و النهي من غير تردد في نفس.»
فقال أبو قرة: فما تقول في الكتب؟
فقال أبو الحسن(ع): «التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان و كل كتاب أنزل كان كلام الله أنزله للعالمين نورا و هدى و هي كلها محدثة و هي غير الله حيث يقول‏ «أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً»1  و قال‏ «ما يَأْتيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُون»2‏‏  و الله أحدث الكتب كلها التي أنزلها»
فقال أبو قرة: فهل تفنى؟
فقال أبو الحسن(ع): «أجمع المسلمون على أن ما سوى الله فان و ما سوى الله فعل الله و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان فعل الله أ لم تسمع الناس يقولون رب القرآن و إن القرآن يقول يوم القيامة يا رب هذا فلان و هو أعرف به منه قد أظمأت نهاره و أسهرت ليله فشفعني فيه و كذلك‏ التوراة و الإنجيل و الزبور و هي كلها محدثة مربوبة أحدثها من‏ ليس كمثله شي‏ء هدى لقوم يعقلون فمن زعم أنهن لم يزلن معه فقد أظهر أن الله ليس بأول قديم و لا واحد و أن الكلام لم يزل معه و ليس له بدء و ليس بإله.»
قال أبو قرة: و إنا روينا أن الكتب كلها تجي‏ء يوم القيامة و الناس في صعيد واحد صفوف قيام لرب العالمين ينظرون حتى ترجع فيه لأنها منه و هي جزء منه فإليه تصير.
قال أبو الحسن(ع): «فهكذا قالت النصارى في المسيح إنه روحه جزء منه و يرجع فيه و كذلك قالت المجوس في النار و الشمس إنهما جزء منه ترجع فيه تعالى ربنا أن يكون متجزيا أو مختلفا و إنما يختلف و يأتلف المتجزي لأن كل متجز متوهم و الكثرة و القلة مخلوقة دالة على خالق خلقها.»
فقال أبو قرة: فإنا روينا أن الله قسم الرؤية و الكلام بين نبيين فقسم لموسى(ع) الكلام و لمحمد الرؤية؟
فقال أبو الحسن(ع): «فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين الجن و الإنس أنه‏ «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصار» و «وَ لا يُحيطُونَ بِهِ عِلْما» و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ء» أ ليس محمد(ص)؟
قال: بلى.
قال أبو الحسن(ع): «فكيف يجي‏ء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله و أنه يدعوهم إلى الله بأمر الله و يقول إنه‏ «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصار» و «وَ لا يُحيطُونَ بِهِ عِلْما» و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ء» ثم يقول أنا رأيته بعيني و أحطت به علما و هو على صورة البشر أ ما تستحيون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر.»
فقال أبو قرة: إنه يقول‏ «وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏»‏3  
فقال أبو الحسن(ع): «إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال‏ «ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‏»4‏  يقول ما كذب فؤاد محمد ص ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأت عيناه. فقال‏: «لَقَدْ رَأى‏ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى‏»5‏  فآيات الله غير الله و قال‏ « وَ لا يُحيطُونَ بِهِ عِلْما»6  فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم و وقعت المعرفة.»
فقال أبو قرة: فتكذب بالرواية؟
فقال أبو الحسن(ع): «إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها و ما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما و لا تدركه الأبصار و ليس كمثله شي‏ء»
و سأله عن قول الله‏ «سُبْحانَ الَّذي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى‏»7‏  
فقال أبو الحسن(ع): «قد أخبر الله تعالى أنه أسرى به ثم أخبر أنه لم أسرى به فقال‏ «لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا»8  فآيات الله غير الله فقد أعذر و بين لم فعل به ذلك و ما رآه» و قال‏ «فَبِأَيِّ حَديثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُون‏»9‏  فأخبر أنه غير الله.»
فقال أبو قرة: أين الله؟
فقال أبو الحسن(ع): «الأين مكان و هذه مسألة شاهد من غائب فالله تعالى ليس بغائب و لا يقدمه قادم و هو بكل مكان موجود مدبر صانع حافظ ممسك السماوات و الأرض.»
فقال أبو قرة: أ ليس هو فوق السماء دون ما سواها؟
فقال أبو الحسن(ع): «هو الله في السماوات و في الأرض‏ و «وَ هُوَ الَّذي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ‏» و «هُوَ الَّذي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاء» و «وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُم‏»‏ و هو الذي‏ « ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخان‏»‏ و هو الذي‏ « اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماوات‏»‏ و هو الذي‏ استوى على العرش- قد كان و لا خلق و هو كما كان إذ لا خلق لم ينتقل مع المنتقلين.»
فقال أبو قرة: فما بالكم إذ دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء؟
فقال أبو الحسن(ع): «إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة و لله مفازع يفزعون إليه و مستعبد فاستعبد عباده بالقول و العلم و العمل و التوجه و نحو ذلك استعبدهم بتوجه الصلاة إلى الكعبة و وجه إليها الحج و العمرة و استعبد خلقه عند الدعاء و الطلب و التضرع ببسط الأيدي و رفعها إلى السماء لحال الاستكانة و علامة العبودية و التذلل له.»
قال أبو قرة: فمن أقرب إلى الله الملائكة أو أهل الأرض؟
قال أبو الحسن(ع): «إن كنت تقول بالشبر و الذراع فإن الأشياء كلها باب واحد هي فعله لا يشغل ببعضها عن بعض يدبر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله و يدبر أوله من حيث يدبر آخره من غير عناء و لا كلفة و لا مئونة و لا مشاورة و لا نصب و إن كنت تقول من أقرب إليه في الوسيلة فأطوعهم له و أنتم ترون أن أقرب ما يكون العبد إلى الله و هو ساجد و رويتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق و أحدهم من أسفل الخلق و أحدهم من شرق الخلق و أحدهم من غرب الخلق فسأل بعضهم بعضا فكلهم قال من عند الله أرسلني بكذا و كذا ففي هذا دليل على أن ذلك في المنزلة دون التشبيه و التمثيل.»
فقال أبو قرة: أ تقر أن الله محمول؟
فقال أبو الحسن(ع): «كل محمول مفعول و مضاف إلى غيره محتاج فالمحمول اسم نقص في اللفظ و الحامل فاعل و هو في اللفظ ممدوح و كذلك قول القائل فوق و تحت و أعلى و أسفل و قد قال‏ الله تعالى‏ «وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها»10  و لم يقل في شي‏ء من كتبه إنه محمول بل هو الحامل في البر و البحر و الممسك للسماوات و الأرض و المحمول ما سوى الله و لم نسمع أحدا آمن بالله و عظمه قط قال في دعائه يا محمول.»
قال أبو قرة: أ فتكذب بالرواية أن الله إذا غضب يعرف غضبه الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله في كواهلهم فيخرون سجدا فإذا ذهب الغضب خف فرجعوا إلى مواقفهم؟
فقال أبو الحسن(ع): «أخبرني عن الله تبارك و تعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا و إلى يوم القيامة فهو غضبان على إبليس و أوليائه أو عنهم راض؟»
فقال: نعم هو غضبان عليه.
قال(ع): «فمتى رضي فخف و هو في صفتك لم يزل غضبان عليه و على أتباعه؟» ثم قال(ع): «ويحك كيف تجترئ أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال و أنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين سبحانه لم يزل مع الزائلين و لم يتغير مع المتغيرين.»
قال صفوان فتحير أبو قرة و لم يحر جوابا حتى قام و خرج.11

2. علمه السابغة
محمد بن يحيى الصولي عن ابن ذكوان قال سمعت إبراهيم بن العباس يقول‏: ما رأيت الرضا(ع) سأل عن شي‏ء قط و لا رأيته يشتم أحدا من مواليه و مماليكه و ما رأيته نقل إلا علمه و لا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته و عصره و كان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شي‏ء فيجيب عنه و كان كلامه كله و جوابه و تمثله انتزاعات من القرآن و كان يختمه في كل ثلاث و يقول لو أني أردت أختمه في أقرب من ثلاث لختمت و لكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها و في أي شي‏ء أنزلت و في أي وقت فلذلك صرت أختمه في كل ثلاث.12

3. اخلاقه الکریمة
في رواية أخرى عن إبراهيم بن هاشم عن إبراهيم بن العباس أنه قال: ما رأيت و لا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا(ع) و شاهدت منه ما لم أشاهد من أحد و ما رأيته جفا أحدا بكلامه و لا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه و ما رد أحدا عن حاجة يقدر عليها و لا مد رجليه بين يدي جليس له قط و لا رأيته يشتم أحدا من مواليه و مماليكه و ما رأيته تفل و لا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسم و كان إذا خلا و نصبت مائدته أجلس على مائدته مواليه و مماليكه حتى البواب و السائس و كان قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح و كان كثير الصوم و لا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر و يقول ذلك صوم الدهر و كان كثير المعروف و الصدقة في السر و أكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه.

 

الهوامش:
1. سورة طه، الآیة 13.
2. سورة البقرة، الآیة 21.
3. سورة النجم، الآیات 13، 11، 18.
4. سورة النجم، الآیات 13، 11، 18.
5.سورة النجم، الآیات 13، 11، 18.
6. سورة طه، الآیة 110.
7. سورة الإسراء، الآیة 1.
8. سورة الإسراء، الآیة 1.
9. سورة الجاثية، الآیة 5.
10. سورة الأعراف، الآیة 179.
11. طبرسى، احمد بن على، «الإحتجاج على أهل اللجاج»، المشهد المقدّس، طباعة مرتضی، طبع اوّل، 1403 ق.، ج‏2، ص405- 408.
12. طبرسى، فضل بن حسن، «إعلام الورى بأعلام الهدى»، الطهران، طباعة اسلامیة، طبع ثالث، 1390 ق.، ص327.
13. المصدر السابق، ص 331.

المصدر: شهریة الصراط الإلکترونیة

شاهد أيضاً

ثقافة الثورة عند الإمام الحسين عليه السلام

  قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.