تجدّد المعارك بين ميليشيات موالية للامارات واخرى موالية للسعودية في عدن وسقطرى وعدة مناطق يمنية أخرى يثير التساؤل حول الجهة التي تقف خلف الاحداث جنوب اليمن، هل هي السعودية أم الامارات اللذين يتشاركان في تحالف العدوان على اليمن.
وعلى الرغم من انه لم يبق إلى جوار السعودية في تحالفها المزعوم ضد اليمن سوى الإمارات، ولكن من المفترض أن يكون أحد المتحالفين القائد والثاني تابعا له وأن يكون جميع المرتزقة الذين يقاتلون تحت مسمى التحالف السعودي الاماراتي تابعين لهذه القيادة، ولكن وقوع القتال بين فترة وأخرى بين التابعين يدلل على وجود تمرد بينهم، وأن التابع لا تروقه سياسة القائد.
نشوب القتال واندلاع الخلاف بين المتحالفين يعود بالدرجة الأولى الى تضارب الآراء والمواقف تجاه الأهداف أو الخطط، الأمر الذي يدعونا الى التطرق الى الهدف الذي تسعى اليه السعودية والامارات من عدوانهما على اليمن، فهل يا ترى أن الهدف الذي تسعى اليه الرياض هو ذات الهدف الذي تسعى اليه ابوظبي؟
وقبل الاجابة على هذا التساؤل لابد أن نعرف ما هو الهدف من العدوان على اليمن؟ الهدف المزعوم هو اعادة الحكم السابق او ما يسمى بالشرعية الى السلطة وبسط نفوذها وسيطرتها على اليمن، ومن الطبيعي أن ذلك يستتبع محاربة كل الذين يعترضون أو يعرقلون تحقيق هذا الهدف، ولكن عندما طال أمد الحرب نتيجة صمود وبسالة حركة انصار الله التي يدعمها الجيش اليمني واللجان الشعبية بدأت الخلافات تظهر في التحالف السعودي الاماراتي، حيث ابتعدت الامارات عن الاهداف المرسومة لتحالف العدوان بدعمها ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي ككيان منفصل في جنوب اليمن والذي يرفض بشكل قاطع فرض وريث الحكم البائد على مناطق الجنوب اليمني فيما تواصل السعودية تقديم الدعم الى الرئيس اليمني المستقيل الهارب عبد ربه منصور هادي، لذلك تراجعت قناعة التحالف بتحقيق هدفه المزعوم.
السعودية لم يكن (منذ بداية عدوانها) يهمها من الذي سيحكم اليمن من مرتزقتها، وانما كان همها الأول والأخير هو تحقيق هدفين رئيسيين من العدوان، الاول القضاء على حركة انصار الله ومنعها من قيادة اليمن، والثاني تدمير اليمن ومنعه من التقدم والازدهار، لأنها تعتقد أن اي تحرك شعبي أو ثورة في اليمن تنتهي الى مجيء حكم جديد مسنود بالشعب فان ذلك يؤثر عليها بشكل مباشر، ولذلك فانها سعت الى وأد أي حركة ثورية يدعمها الشعب اليمني، وفي نفس الوقت قامت بتدمير كل البنى التحتية لليمن، لتضمن معاناته وانشغاله بجراحه لعقود وعدم التفكير بالتطور والتقدم والتمدد.
وكانت السعودية يهمها جدا أن تحظى بدعم اقليمي وعالمي لعدوانها، وبالفعل فان عددا من الدول العربية انضمت لتحالف العدوان، ولكن عندما رأت صمود حركة أنصار الله وحلفاءها جعلها تصل الى قناعة أن اعادة ما يسمى بالشرعية مستحيل، ولذلك بدأ الحلفاء ينسحبون الواحد تلو الآخر، ولم تبق سوى الامارات، وبقائها يمثل حاجة ماسة للسعودية، لجهتين، الأولى لتظهر امام العالم بأن تحالفها لا يزال متماسكا ولم ينهار، والثانية لتساعدها في تمويل العدوان وضمان استمراريته.
ومن المؤكد ان الامارات وصلت الى قناعة بعبثية استمرار العدوان على اليمن، وبما أن المعروف عن الحكومة الاماراتية براغماتيتها، فليس هناك تفسير لمسايرة أبوظبي للرياض في هذا العدوان الا تفسيرا واحدا، وهو ان الامارات تريد الايقاع بالسعودية وتحجيم دورها في المنطقة والعالم عبر توريطها في الاستمرار بالعدوان واستنزاف أموال وثروات السعوديين، وعندما يأفل نجم السعودية ستكون الارضية ممهدة لتظهر الامارات على انها اللاعب البديل في المنطقة.
الورقة الوحيدة التي تستخدمها السعودية في فرض سياساتها وقراراتها على المنطقة والعالم هي اقتصادها وثرواتها، ولكن عندما ينهار الاقتصاد ويواجه تحديات عظمى أقر بها وزير المالية السعودي محمد الجدعان الاسبوع الماضي فهذا يعني أن السعودية فقدت الورقة الرئيسية التي تستخدمها، وكل ذلك جاء نتيجة تهور الحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد محمد بن سلمان، الذي ظن أن طريقه للوصول الى الحكم مفروش بالزهور والرياحين.
وربما يقول قائل، ان السعودية ستستعيد مجدها وتتألق من جديد فيما لو انهت العدوان وانتهت جائحة كورونا وارتفعت أسعار النفط، غير أن ميزانية السعودية ستكون على مدى سنوات عديدة مثقلة بالديون والالتزامات وتبعات العدوان على اليمن والجائحة، والى جانب كل ذلك فان الذي يقودها شخص لا يهمه سوى البريق ونشوة الاحلام الوهمية، وبالتالي من المستحيل نقل بلاده الى بر الأمان.
أبو ظبي تعتقد أن السبيل الى قيادة المنطقة ممهد امامها ولم يبق لتحقيق ذلك سوى اعلان الرياض عن عجزها في الاستمرار وتحويل دفة القيادة لها، وتتصور أنها اذا وطدت علاقتها مع الادارة الاميركية وأقدمت على العديد من خطوات التطبيع مع الكيان الصهيوني، فان نجمها سيتلألأ في الآفاق ولكنها لا تعلم ان هذا الطريق محفوف بالمخاطر.
صالح القزويني